ثم أبصرت الحقيقة
ثم أبصرت الحقيقة
Número de edición
الثانية
Año de publicación
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Géneros
ثم أبصرت الحقيقة
تأليف
محمد سالم الخضر
الطبعة الثانية
١٤٢٨هـ - ٢٠٠٧م
شبكة أنصار أهل البيت
WWW.ANSAR.ORG
1 / 1
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الثانية ١٤٢٨هـ - ٢٠٠٧م
لمراسلة المؤلف أو المساهمة في طبع الكتاب
يمكنك التواصل معنا على العنوان التالي:
ص. ب ١٢٤٢١ - الشامية ٧١٦٥٥ - الكويت
أو على البريد الالكتروني
ALBOSHRA١٩٧٥@yahoo.com
شبكة أنصار أهل البيت
WWW.ANSAR.ORG
1 / 2
إهداء
إلى رسول الله الذي أنار الله به حياتي ...
إلى أهل بيته الأطهار وصحابته الكرام الذين ظلمهم المؤرخون وقصّر في حقهم أهل الأهواء ...
إلى أبي الذي لم تمتلئ عيناي بالنظر إليه قبل رحيله ...
إلى أمي جبل العطاء وعنوان التضحية وبرج الشموخ ...
إلى كل من أسدى إليّ نصيحة أو وجّه لي نقدًا بناءًا ...
إلى كل مسلم يحب الحقيقة ولا يرضى باستغلال الدين ولا بالطائفية المقيتة ...
إلى هؤلاء جميعًا أهدي كتابي هذا ... راجيًا من الله أن يلهمني الإخلاص ويجزيني عليه حسن الثواب.
1 / 3
«فهرس مواضيع الكتاب»
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ....................................................................... ... ١١
الفصل الأول: خطوات إلى الأمام
الوحدة التي نريد ............................................................. ... ١٥
دين موروث ................................................................. ... ١٧
حبك للشيء يعمي ويصم .................................................... ... ٢٠
هذا ديني وذاك مذهبي ....................................................... ... ٢٢
سهام رمتني وأخرى سترميني ................................................ ... ٢٣
نحن مع الحق وإن قاله خصومنا .............................................. ... ٢٦
لماذا لا نتحاور؟ ............................................................. ... ٢٩
نريده حوارًا من أجل الحقيقة ................................................. ... ٣١
من هنا كانت البداية .......................................................... ... ٣٤
في السيدة زينب .............................................................. ... ٤١
الفصل الثاني: في حب أهل البيت
حب أهل البيت .............................................................. ... ٤٩
حبهم إيمان وتُقى وبغضهم نفاق وضلال ...................................... ... ٥٣
مَنْ هم آل البيت؟ ............................................................ ... ٥٧
أهل البيت بين الشرف والخصوصية .......................................... ... ٧٥
1 / 4
الموضوع ... الصفحة
حين ينقلب الحب بغضًا وعداوةً ............................................ ... ٨٠
تحت أي بند يُصنّف هذا الحب؟! ........................................... ... ٨٧
الغلو في أمهات كتب الشيعة ................................................ ... ٩٩
كيف ينظر كبار علماء الشيعة إلى الأئمة الإثنى عشرية؟ ....................... ... ١٠٢
١ - آية الله العظمى الخميني ................................................. ... ١٠٢
٢ - آية الله العظمى الخوئي .................................................. ... ١٠٩
٣ - آية الله العظمى جواد التبريزي .......................................... ... ١٠٩
٤ - آية الله العظمى محمد الحسيني الشيرازي ................................. ... ١١١
٥ - آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر ................................ ... ١١٢
٦ - آية الله العظمى وحيد خراساني .......................................... ... ١١٥
٧ - آية الله العظمى ميرزا حسن الحائري الإحقاقي ........................... ... ١١٨
٨ - آية الله العظمى ميرزا عبد الرسول الإحقاقي ............................ ... ١١٩
٩ - آية الله العظمى محمد الحسيني الشاهرودي .............................. ... ١٢١
١٠ - الإمام الأكبر محمد الحسين آل كاشف الغطاء ........................... ... ١٢١
١١ - العلامة جعفر التستري ............................................... ... ١٢٢
الفصل الثالث: الخلافة والإمامة
الخلافة والإمامة ............................................................ ... ١٣١
المرجعيات ولغة التكفير .................................................... ... ١٣٤
خطوات نحو إصلاح ما أفسدته الطائفية .................................... ... ١٣٨
1 / 5
الموضوع ... الصفحة
لماذا لم يذكر الأئمة في القرآن؟ .............................................. ... ١٤١
الإمام والإمامة في القرآن الكريم ............................................ ... ١٤٣
القرآن وعقيدة الإمامة الشيعية .............................................. ... ١٤٩
القول بالإمامة الإلهية بعد النبي طعن في ختم نبوته ........................... ... ١٥١
نصوص شيعية اشترطت العدل في الحاكم لا العصمة ........................ ... ١٥٩
الأحلام لا تصلح لأن تكون دستورًا ........................................ ... ١٦٢
نهج البلاغة ينقض عقيدة الإمامة التي يعتقدها الشيعة ....................... ... ١٦٩
عندما يمتزج وهم الإمامة النصية بالخرافة الحسية! .......................... ... ١٧٣
مناقشة أدلة الإمامة عند الشيعة الإثنى عشرية ................................ ... ١٧٨
مَنْ الأفضل أبو بكر أم علي؟ ............................................... ... ١٨٠
الإمامية أضعف حجة قرآنية من أهل الكتاب ................................ ... ١٩٦
آية ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين﴾ ............................................... ... ٢٠٤
آية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ .................................. ... ٢٣٢
آية ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ ........................... ... ٢٤٦
آية التطهير وحديث الكساء ................................................. ... ٢٥٧
آية المباهلة .................................................................. ... ٢٩٢
آية ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد﴾ ......................................... ... ٣٠٠
مناقشة ما يُستدل به على الإمامة من السنة النبوية ............................. ... ٣٠٦
أ- حديث غدير خُم ........................................................ ... ٣٠٦
1 / 6
الموضوع ... الصفحة
ب- حديث الاستخلاف على المدينة ........................................ ... ٣٢٥
ج- حديث الطائر .......................................................... ... ٣٣٤
د- حديث الدار ............................................................ ... ٣٤٠
هـ - حديث (علي مني وأنا من علي) ........................................ ... ٣٥٢
و- أحاديث الإثنى عشر إمامًا .............................................. ... ٣٥٧
لا أحاديث صحيحة في النص على الأئمة الإثنى عشر بأسمائهم ............... ... ٣٦٥
روايات شيعية دامغة! ...................................................... ... ٣٧١
المرتضى لا يستبعد كون الأئمة أكثر من إثني عشر! ........................... ... ٣٧٥
اعتراف خطير للشيخ حسين المدرسي الطباطبائي ............................ ... ٣٧٦
واعتراف أخطر من الشيخ محمد الباقر البهبودي ............................ ... ٣٧٨
من هم الخلفاء الإثنى عشر؟ ............. .................................. ... ٣٧٩
الفصل الرابع: مع صحابة رسول الله
مع صحابة رسول الله ....................................................... ... ٣٨٩
حوار مع زميل ............................................................. ... ٣٩٠
المَرءُ على دين خليله ......................................................... ... ٣٩٣
ماذا عن امرأتي نوح ولوط ﵉؟ .................................. ... ٣٩٦
حديث (قرن الشيطان) هل أُريد به عائشة ﵂؟ ................... ... ٣٩٩
أم المؤمنين عائشة وموقعة الجمل ............................................ ... ٤٠١
مع مبغض لعمر بن الخطاب ﵁ ................................... ... ٤٠٥
1 / 7
الموضوع ... الصفحة
شرعنة الكذب وعقلنة اللا معقول .......................................... ... ٤٠٩
مخلوقات في كواكب أخرى ... لكنها تتبرأ من أبي بكر وعمر! ................ ... ٤١٠
المحقق الثاني وعادة لعن الشيخين (أبي بكر وعمر)!! ........................ ... ٤١١
أحسن طريقة لسب صحابة نبيك!! ......................................... ... ٤١٢
﴿قُلْ بِئْسَمَا يَامُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِين﴾ ............................... ... ٤١٤
تشبيه الاسترابادي أم المؤمنين عائشة بحيوان! ............................... ... ٤١٧
سب صحابة رسول الله كفر عند أئمة أهل البيت ............................ ... ٤٢١
الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) يتبرأ من مبغضي الصحابة ............. ... ٤٢٢
من هو جد الإمام جعفر الصادق؟ .......................................... ... ٤٢٣
حب الإمام عليّ للصحابة ................................................... ... ٤٢٥
نهج البلاغة والثناء العطر على عمر بن الخطاب .............................. ... ٤٢٦
هل يُسمّي الرجل أبناءه بأسماء أعدائه؟! ................................... ... ٤٣٠
مالك الأشتر والشيخين أبو بكر وعمر ...................................... ... ٤٣٢
بيعة الرضوان تشهد لعثمان بن عفان بالرضوان .............................. ... ٤٣٣
شرف صحبة رسول الله .................................................... ... ٤٣٥
المقدّس الأردبيلي - من الذي قدّسه؟ ....................................... ... ٤٣٨
صحابة رسول الله كما تصورهم كتب الشيعة وعلمائها ...................... ... ٤٣٩
صورتان متضادتان ........................................................ ... ٤٤٢
الطعن في الصحابة يستلزم الطعن في الدين الذي نقلوه لهذه الأمة ............. ... ٤٤٧
1 / 8
الموضوع ... الصفحة
لابد من التمييز بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية ...................... ... ٤٥٦
هل في الصحابة منافقون؟ .................................................. ... ٤٦٠
عدالة الصحابة ............................................................. ... ٤٧٥
منقلبون على أعقابهم ومرتدون مِنْ أجل ماذا؟! ............................. ... ٥٠٦
من المرتد - صحابة رسول الله أم هؤلاء؟ ................................... ... ٥٠٩
هل بَشَّر القرآن الصحابة بردتهم وكفرهم؟ .................................. ... ٥١٢
نموذجان حيّان للمزاجية في تفسير النصوص الشرعية ....................... ... ٥١٤
أ- آية آل عمران ...................................................... ... ٥١٤
ب- حديث المذادة عن الحوض ........................................ ... ٥٣٠
التعامل مع الصحابة من خلال أخطائهم .................................... ... ٥٣٩
وبالمكيال الذي تكيل يُكال لك .............................................. ... ٥٤١
رؤية ناصبيّ للإمام علي ..................................................... ... ٥٤٢
خاتمة ....................................................................... ... ٥٤٨
المراجع ..................................................................... ... ٥٥٠
1 / 9
مقدمة
لا أدري أترى وريقاتي هذه فجرًا تشرق بعده أم تبقى حبيسة الدفتر فأُحرم أجرها وبركتها؟
لقد مرت عليّ السنون وأنا أقلب صفحات الكتب .. أتفكر وأتساءل .. أقرأ وأدوّن .. أضيف وأمحو .. تلتها أخرى عجاف أملت عليّ أن تبقى خواطري وأفكاري بعيدة عن القلم الذي يدوّنها ويصيغها ويسبك عباراتها.
فكنت أتصفح كل يوم ما دوّنته في دفتري لعل الله الفتاح العليم يفتح على قلبي فتحًا تجيش به مشاعري وتتوقد فيه أفكاري فأسل قلمي من غمده وأسطر ما أختزنته حافظتي بالأريحية التي ينبغي أن أسطرها به.
ثم شاء الله تعالى أن تتجمع لدي الخواطر من جديد، ويسيل حبر القلم على الورق ليسطر لك أيها القارئ هذه الكلمات.
فهذه رسالة نسجتها لك الزهور، عنوانها المحبة وموضوعها طلب الحقيقة.
فالحقيقة اليوم ومنذ زمن بعيد باتتْ حبيسة التعصب والإدعاء ..
وكلٌّ يدّعي وصلًا بليلى وليلى لا تُقر لهم بذاك
وأحسب أنّ كتابي هذا سيُرضي أقوامًا ويسخط آخرين، شأنه شأن الحقيقة المجردة ترضي الباحثين المتجردين وتُسخط المتعصبين المنحازين.
لكني على يقين مِنْ أَنَّ الكلمة الحرة التي لا تعرف الزيف هي شمعة تضيء أبدًا .. فإن كُتِب لي أن أُعادى فأي صاحب كلمة حق يَسلم في زماننا فضلًا عن من مضى.
محمد الخضر
1 / 11
خطوات إلى الأمام ..
(ينبغي من كل مكلّف أن يطرح العصبية ويصحح النية ويستعمل النظر بالفطرة التي فطر الله الناس عليها ولا يقدّم عليها ما لقنه أهل مذهبه)
الإمام ابن الوزير
1 / 13
الوحدة التي نريد .
ننادي بالوحدة فلا نجني إلا الفرقة، وننشد الاجتماع فلا نجني إلا الشتات.
ها نحن نزرع الشوك فلا نحصد إلا الألم ... ونشتكي من عمق جراحات الأمة ونحن السكين التي تُقطّع أوصالها.
كأيِّ مسلم .. حُق لي أن أتحسر على تاريخ عظيم وبطولات وتضحيات قادتنا بالأمس إلى الرفعة فتناسيناها وما عدنا نذكرها إلا في كتبنا المدرسية أو مسابقاتنا الرمضانية أو وسائلنا الإعلامية كمسلسلات وتمثيليات هي إلى تشويه التاريخ والرموز أقرب منها إلى النطق بالحقيقة.
حُق لي أن أتحسر على همم عالية تربت في أحضان الإسلام فأخرجت لنا جهابذة الناس على مر التاريخ وفي شتى الميادين، لكنها باتت اليوم أمجادًا نتغنى بها ونذرف عليها الدموع في أحسن أحوالنا.
نعم .. حُق لي ولك أن نحزن، وأن نستحث إيماننا وهمتنا وعاطفتنا للعودة إلى الصدارة من جديد.
لقد كانت عيناي تتطلعان إلى الوحدة ... تترقبان اليوم الذي تنكشف فيه عن الأمة الغمة ...
تمنيت لو أنّ بيدي أن أجمّع هذا الشتات .. وأنّ أحل عقدة لم يجرؤ مسلمو اليوم على حلها حتى الآن ..
لكن صوتي كان ضعيفًا .. تمامًا كإدراكي لأسباب هذه الفرقة ... كنت عاطفيًا جدًا .. أريد لوضع الأمة أن يتغير بغمضة عين .. كأنّ الفرقة والاختلاف على قضايا هامشية يُمكن أن تُهمّش وأن تُطرح بعيدًا عن الطريق.
1 / 15
كبرت وكبر معي هذا الهم .. وبت أدرك ما لم أدركه من قبل .. وبت أتساءل عن الوحدة التي نتكلم عنها ونتطلع إليها .. أهي الوحدة الصورية التي نعيشها للحظة ونفتقدها طوال العمر أم تلك التي تضمن لبنياننا البقاء متماسكًا وصلبًا أمام التحديات؟
أهي الوحدة التي تكون مبنية على كتاب الله ﷿ وسنة نبيه ﵊ أم تلك التي تكون على حساب كتاب الله وسنة نبيه؟!
لقد كُنتُ أستحضر أمامي دائمًا علاقتنا مع أهل الكتاب الذين أنزل الله عليهم الكتب وأرسل إليهم الرسل، عندما انحرفوا عن دين أنبيائهم ووصايا ربهم، جاءهم الإسلام مصححًا لما ورثوه من الضلال، داعيًا إياهم إلى تصحيح المسار وإلى الاندماج في لواء الحق فلم يرتض ما هم عليه من الضلال بحجة أنهم أتباع أنبياء بل دعاهم إلى المصارحة مع النفس وإلى عرض عقائدهم على وحي السماء.
فللوحدة مقاييس شرعية ... وإذا أراد المنتسبون إلى الإسلام من شتى الفرق الاتحاد مع بعضهم البعض فلا بد أن تكون الوحدة على عقيدة الإسلام التي جاء بها محمد ﵌ لا على عقائد شتى لا تمت للإسلام بصلة.
وتأمل قول الله ﷿ للمؤمنين عنهم ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (١) وتأمل سيرة النبي ﵌، ففيها العبرة والعظة.
ففي زمن رسول الله ﵌ كانت فئة ممن تتلبس بلباس الإسلام وتنطق بالشهادتين نطقًا دون أن تعيش معنى تلك الشهادتين في حياتها ... كان لتلك الفئة
_________
(١) سورة البقرة آية ١٣٧
1 / 16
من يستمع لها من المؤمنين إحسانًا للظن بها، فقال الله ﷿ ﴿لَوْخَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا ولأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (١)
لكننا نغفل عن هذه الحقيقة أو نتغافل عنها فنجعل عواطفنا هي الحكم، والإسلام هو التبع لهذه العواطف ...
دين موروث .
لو وُلدت في منطقة (النجف) أو (القطيف) أو (قُم) فإنك حتمًا ستكون شيعيًا إثنى عشريًا، لأنّ البيئة التي نشأتَ بها هي بيئة شيعية وأبواك بلا شك كذلك شئت أم أبيت والحال معك كذلك لو أنك وُلدت في (الرياض) أو (القاهرة) أو (وهران)، فإنك حتمًا ستكون سنيًا، لأنّ البيئة والأسرة أملتْ عليك أن تكون كذلك.
لكن أترى الحق فيما تحدده لنا بيئتنا؟ أم بما يعرفه المرء من دلائل وبراهين؟
حاول أن تتفكر إن كنت سنيًا بزميل شيعي إثني عشري يُكثر جدالك ومحاجتك ويتهمك بالنصب وبغض أهل البيت، لو أنّ هذا الشيعي وُلد لأبوين سنيين وفي بلد سني، ألا ترى أنه سيكون أول مَنْ يساندك ويشد على عضديك وربما يتحمس للرد على الشيعة الإثني عشرية أكثر منك!، في حين أنه اليوم أشد الناس جدالًا لك وعصبية في حوارك؟
ألا ترى أننا نبني قناعاتنا الدينية مِن منطلق ما وجدنا عليه آباءنا لا مِن منطلق التجرد للحق واتباعه؟
_________
(١) سورة التوبة آية ٤٧
1 / 17
وأنّ حديث (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يُهوِّدانِهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمَجِّسانِهِ ...) (١) ينطبق أحيانًا على قناعاتنا المذهبية؟
الدين والمذهب بالنسبة لكثير من المسلمين اليوم كأثاث المنزل أو كالأموال والأراضي .. ورثوه عن آبائهم وأجدادهم .. وهم على خطاهم سائرون .. هذا إن لم يكن الدين في حياتهم أقل من الدينار والدرهم ومتاع الدنيا الزائل.
بالأمس كانت الأمم السابقة المكذّبة للرسل تجابه الحق الذي جاءت به الرسل قائلة ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ (٢)
فكان جواب الرسول ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ﴾ فكان رد هؤلاء المتعصبين لباطلهم، الجاهلين لحقيقة أمرهم هو ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾!
المشهد يتكرر، لكن ليس بين رسل الله وبين قوم كفار وثنيين، وإنما بين كلمة حق وبين متعصبين ألفوا ما وجدوا عليه آباءهم، فردّوا الحق وتشبثوا بالباطل.
وللأمير الصنعاني ﵀ كلمات جميلة في هذا المعنى يقول فيها: (ولنقدم قبل المقصود أصلًا مهمًا وهو أنّ الله ﵎ قد أخبر عن الكفار بأنّ نظرهم مقصور على اتباع الآباء في كتابه العزيز في غير آية عايبًا عليهم ذلك، مثل: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ (٣)، ﴿قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا
_________
(١) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الجنائز - باب (ما قيل في أولاد المشركين) - حديث رقم (١٣٨٥) وذكره ابن بابويه القمي في كتابه (علل الشرائع ٢/ ٣٧٦ باب (العلة التي من أجلها سقطت الجزية عن النساء والمقعد والأعمى والشيخ الفاني والولدان ورفعت عنهم) - رواية رقم (٢).
(٢) سورة الزخرف آية ٢٣
(٣) سورة البقرة آية ١٧٠
1 / 18
وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون﴾ (١)، ﴿مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ﴾ (٢) أي ليس لهم مستند سوى ذلك ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ (٣)، ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا﴾ (٤) فهم في جميع الآيات قاصرون نظرهم على اتباع الآباء لحسن الظن بهم حتى صار ذلك عادة لهم بل فخرًا يُعَيّرون به مَنْ خالفهم، ويضربون به المثل حتى سمّوا محمدًا ﵌ ابن أبي كبشة، لأنه عبد ما لم يعبد آباؤه كما عبد أبو كبشة الشِّعرى (٥)، وحتى ذكرّوا بذلك أبا طالب وهو في طريق الموت وقالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟!
ولذلك خص الأبوين في الإخبار عن تغيير الفطرة "وإنما يهودانه أو ينصرانه" ولذلك مقت الله الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، وفسَّر رسول الله ﵌ اتخاذهم بأنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه وإذا حَرَّموا عليهم شيئًا حرموه كما أخرجه الترمذي عن عَدِّي بن حاتم ﵁.
فمن عقل وأنصف فلينظر إلى جميع بني آدم في القديم والحديث في الملل الكفرية ثم المذاهب الإسلامية! بعد إخراجه للأنبياء صلى الله عليهم ومن سار على سيرتهم من السابقين
_________
(١) سورة الزخرف آية ٢٣
(٢) سورة هود آية ١٠٩
(٣) سورة الشعراء آية ٧٤
(٤) سورة يونس آية ٧٨
(٥) كانت خزاعة تعبد (الشِّعرى) وهو نجم من نجوم برج الجوزاء شديد الضياء، وأول من سَنَّ لهم ذلك رجل من أشرافهم يُقال له (أبوكبشة) عبدها، وقال: لأنّ النجوم تقطع السماء عرضًا والشِّعرى طولًا فهي مخالفة لها فعبدتها خزاعة، فلما خرج رسول الله ﵌ على خلاف العرب في الدين سمّوه (ابن أبي كبشة) لخلافه إياهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشِّعرى.
1 / 19
والتابعين وقليل ما هم بالنظر إلى الخليقة، فإنه يجد الناسَ تبعًا لما ألفوه من اتباع الآباء بمجرد تقليد وهوى ومحبة للجمود على دين الآباء!!) (١)
حبك للشيء يعمي ويصم .
إنّ ورقة بيضاء تضعها أمام عينيك كفيلة بأن تحجب عنك رؤية العالم بأسره ... هذا العالم الفسيح المترامي الأطراف الذي عجز الإنس والجان عن اختراقه والوصول إلى أقصاه يمكن أن تحجبه قصاصة ورق صغيرة بحجم كف اليدِّ إذا ما وُضعت أمام العينين ... كذلك هو الوهم يحجب ما وراءه.
وما مِنْ وهم أعظم وأشأم على صاحبه من وهم الحب، (فإنه إذا استحكم الحب وقوي أسكر المحب) (٢).
فالعاشق الولهان لا يرى في معشوقته إلا الكمال والتمام ولا يقف على عيب فيها يُنكره لأجل ذلك عَرَّف الفيلسوف أرسطاطاليس (٣) العشق بأنه (عمى الحس عن إدراك عيوب المحبوب).
_________
(١) إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة ٤٥ - ٥٠
(٢) روضة المحبين ونزهة المشتاقين ١/ ١٥٢
(٣) يعتبر أرسطاطاليس أحد أفضل حكماء زمانه وأعلمهم، أخذ الحكمة عن أفلاطون تلميذ سقراط، وعُرِف عنه مخالفته لأستاذه في مسائل عدة، فلما سُئِل عن ذلك أجاب: أفلاطون صديق، والحقّ صديق، إلا أنّ الحقّ أولى بالصداقة منه.
1 / 20
هذا في العشق، والخَطْبُ في العقائد أشد وأنكى، فإنّ المرء يرتبط بعقيدته ارتباطًا مصيريًا لا يكاد يُتصور في غيره، ولعل الحروب العقائدية بين أهل الملل والمساجلات الكلامية فيما بينهم خير شاهد على ذلك.
وحديث النبي ﵌ الذي رواه أبو داود في "السنن": (حُبُّكَ للشيء يُعمي ويُصِمّ) (١) أحسن ما في هذا الباب، وفيه ما يفيد معنى زائدًا على كلام الحكماء، فإنّ حب الشيء والتعلق به قد لا يعمي البصر فحسب بل يصمّ الآذان عن سماع عيوب المحبوب ولو نبهه إليها منبّه!
يقول أبو الطيب محمد شمس الحق في شرح الحديث: (أي يجعلك أعمى عن رؤية معايب الشيء المحبوب بحيث لا تبصر فيه عيبًا ويجعلك أصم عن سماع قبائحه بحيث لا تسمع فيه كلامًا قبيحًا لاستيلاء سلطان المحبة على فؤادك) (٢).
ولما سُئِل اللغوي ثعلب عن معنى الحديث قال: يَعمي العين عن النظر إلى مساويه ويصم الأذن عن سماع العذل فيه، وأنشأ يقول:
_________
(١) سنن أبي داود – كتاب الأدب – باب في الهوى – حديث رقم (٥١٣٠)، والحديث ضعّفه من ضعّفه من المحدّثين لأجل أبي بكر بن أبي مريم فإنه ضعيف وهو وإن لم يُتهم بالكذب لكنه كان رديء الحفظ كثير الغرائب، فالحديث مظنة أن يكون من غرائبه ومنفرداته التي لا تُقبل، غير أني وقفت على إسناد آخر للحديث ليس فيه ابن أبي مريم، فقد روى الأصبهاني في "الأمثال في الحديث النبوي ص١٥٣" بسند حسن عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: (كنا في قافلة فخرج علينا بلال بن أبي الدرداء فقطع علينا الحديث، فقلنا: ابن صاحب رسول الله ﵌، وقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله يقول: حبك الشيء يعمي ويصم).
(٢) عون المعبود في شرح سنن أبي داود ١٤/ ٢٨
1 / 21
وكَذَّبت طرفي فيك والطرفُ صادقٌ ... وأَسْمعتُ أذني فيك ما ليس يسمع (١)
ولكي يتحرر عقل الإنسان من الانقياد لغير الحق، ومن العمى الذي يحجبه عن الحقيقة فلا بد له أن يقتصد في عاطفته، فلا يُطلق لها العنان لتقوده إلى مهاوي الردى ولا يتجاهلها فيصير جاف الطبع صلب الفؤاد بل يريها بعيني البصيرة ما لا تراه بعيني البصر.
هذا ديني وذاك مذهبي (٢)
فإن سألتني عن ديني ومذهبي أجبتك بقولي: (اللهم إنه لا مذهب لي إلا دين الإسلام فمن شمله فهو صاحبي وأخي، ومن كان قدوة فيه عرفت له حقه، وشكرت له صنعه، غير غال فيه ولا مقصر، فإن استبان لي الدليل، واستنار لي السبيل، كنت غنيًا عنهم في ذلك المطلب، وإن ألجأتني الضرورة إلى الرجوع إليهم وضعتهم موضع الإمارة على الحق واقتفيت الأقرب في نفسي إلى الصواب بحسب الحادثة، بريئًا من الانتساب إلى إمام معين، يكفيني أني من المسلمين، فإن ألجأني إلى ذلك الله، ولم يبق لي من إجابتهم بد، قلت: مسلم مؤمن، فإن مزّقوا أديمي، وأكلوا لحمي، وبالغوا في الأذى، واستحلوا البذا، قلت ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (٣)، ﴿لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ (٤)، وأجعلك اللهم في نحورهم، وأعوذ
_________
(١) المصدر نفسه
(٢) المراد بالمذهب هنا المذهب العقدي لا الفقهي
(٣) سورة القصص آية ٥٥
(٤) سورة الشعراء آية ٥٠
1 / 22
بك من شرورهم، رب نجني مما فعله المفرّقون لدينك، وألحقني بخير القرون من حزب أمينك ﵌ (١)
سهام رمتني وأخرى سترميني .
لا يستطيع أحد أن يدعو إلى إصلاح فكر أو ثورة على موروث باطل دون أن يُرمى بسهم أو يُجرح بكلمة.
هذا رسول الله ﵌ أكرم الخلق وأتقاهم لم يسلم من بهت الباهتين وظلم الظالمين، قيل عنه: كاهن .. ساحر .. مجنون .. شاعر، فمن أكون أنا وأنت حتى نستكبر أن يُقال في حقنا ما هو دون ما قيل في حقه ﵌ وهو النبي المرسل؟!
مَنْ خلال معايشتي وحواراتي مع المتعصبة من شتى الطوائف نلت الكثير من الأذى فأعظم الأذى أن يُتهم المرء في دينه وصدق انتمائه إليه.
فلما كنت أحاور بعض الجفاة مظهرًا حبي لأهل البيت، رادًا على من يُقلل من شأنهم بالأحاديث الصحيحة الثابتة أو بما عُرف من حقهم في شرع الله، قيل عني: (رافضي)!
ولما كنت أحاور بعض الشيعة منتقدًا طرحهم المغالي في أهل البيت، قيل عني: ناصبي كبير ... فلست ناصبيًا فحسب بل عريق في النصب ولا حول ولا قوة إلا بالله!
_________
(١) العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ ص٧
1 / 23