وقد اعترف بعضهم بالسذاجة لهذه التبعية العمياء للغرب، فقال: (لقد كان التحديث -ويا لسذاجتنا نحن التقدميين- شعارًا شافًا وأحيانًا شفافًا لإنجاز التبعية الكاملة للغرب. . . وكلما ازدادت هذه الحداثات وكلما كانت حداثتها أحدث، ازددنا تبعية للرأسمالية العالمية. . . إن الحداثة في مثل هذه البلاد ليست ظل الثورة الممكنة والمضاعة فقط، بل إنها عنصر قمع وتطويق لأي إمكانية ثورية لم يخنقها القنوط بعد، هذه الحداثة هي أداة للاستبداد وامتداد له، وهي أيضًا أداة للآخر المستعمر الملحد الماديّ وامتداد له. . .) (^١).
وهذا الاعتراف الخطير من أحد أعلام الحداثة المنافحين عنها والمقاتلين في سبيلها، يؤكد ما سبق ذكره من أن الحداثة العربية ليست إلّا نسخة مترجمة عن الحداثة المادية الغربية الملحدة، ثم نسمع بعد ذلك كيف ترتفع عقائر هؤلاء في مدافعة هزلية عن أنفسهم ومذاهبهم الباطلة التي لم يكن لهم فيها أي دور إلّا دور الذبابة الناقلة للجراثيم.
ومما لا مجال للريب فيه أنهم ينظرون إلى الحداثة على اعتبار أنها نظرية شاملة ومنظومة متكاملة (لا تخص الشعر وحده بل تشمل مختلف حقول النشاط الإنسانيّ) (^٢)، ويعتبرون الغرب هو المحضن الأساسي والمرجع الحضاريّ والعقديّ لفكرة الحداثة.
وإذا أخذنا يوسف الخال (^٣) -وهو نصراني لبناني- نموذجًا لهذا