The 'Umrah, Hajj and Visit in Light of the Quran and Sunnah
العمرة والحج والزيارة في ضوء الكتاب والسنة
Editorial
مطبعة سفير
Ubicación del editor
الرياض
Géneros
٥٤
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
العمرة والحج والزيارة
في ضوء الكتاب والسنة
فضائل، وآداب، وأحكام، وأدعية جامعة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Página desconocida
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «العمرة والحج والزيارة» أوضحت فيها: فضائل، وآداب، وأحكام العمرة والحج، وزيارة مسجد رسول الله ﷺ، وبيّنت فيها كل ما يحتاجه: المعتمر، والحاج، والزائر، من حين خروجه من بيته إلى أن يرجع إليه سالمًا غانمًا إن شاء الله تعالى، كل ذلك مقرونًا بالأدلة من الكتاب والسنة، فما كان من صواب فمن الواحد المنان، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله ﷺ.
وقد عرضت ما أشكل عليَّ من مسائله على سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ﵀ ورفع درجاته فأخذت بما يُرجِّحُه جزاه الله خيرًا، ثم راجع الكتاب من أوله إلى آخره العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، والعلامة صالح بن فوزان الفوزان، فأجادا وأفادا، فجزاهما الله خيرًا، وأعظم مثوبتهما.
والله أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، مقربًا لمؤلفه، وقارئه، وطابعه، وناشره من جنات النعيم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في يوم الجمعة ١٥/ ١/١٤١٥هـ
1 / 3
المبحث الأول: وجوب الحج
الحج لغة: القصد (١)، ثم غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت الله تعالى وإتيانه، فلا يُفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد؛ لأنه هو المشروع الموجود كثيرًا (٢).
والحج في الشرع: اسم لأفعال مخصوصة (٣)، في أوقات مخصوصة، في مكان مخصوص، من شخص مخصوص (٤)، وهو أحد الأركان الخمسة التي بُنِيَ عليها الإسلام، والأصل في وجوبه: الكتاب، والسنة، والإجماع، فأما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العَالمِينَ﴾ (٥)، وأما السنة فقول النبي ﷺ: «بُني الإسلام على خمس» (٦)، وذكر فيها الحج، وقال ﷺ: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ...» (٧)، وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة (٨).
_________
(١) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ١/ ٣٤٠.
(٢) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ١/ ٧٥، وانظر: المصباح المنير، للفيُّومي، ١/ ١٢١.
(٣) المغني لابن قدامة، ٥/ ٥.
(٤) سمعت هذا التعريف من شيخنا ابن باز ﵀ أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٧٢٦.
(٥) سورة آل عمران، الآية: ٩٧.
(٦) البخاري، برقم ٨، ومسلم، برقم ١٦.
(٧) مسلم، برقم ١٣٣٧.
(٨) المغني لابن قدامة، ٥/ ٦.
1 / 4
المبحث الثاني: وجوب العمرة
العمرة لغة: الزيارة، وشرعًا: زيارة البيت العتيق على وجه مخصوص، بإحرام، وطواف، وسعي، وحلق أو تقصير، ثم تحلّل.
والصحيح أن العمرة تجب على من يجب عليه الحج؛ لما ثبت عن النبي ﷺ من حديث عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال لجبريل: «... الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحجّ وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان» (١)، وقالت عائشة ﵂ للنبي ﷺ: يا رسول الله! على النساء جهاد؟ قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» (٢)، وعن أبي رَزِين أنه قال: يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن، قال: «فحج عن أبيك واعتمر» (٣)، وقال ابن عمر ﵄: «ليس أحد إلا وعليه حج وعمرة» (٤).
وهذا هو الصواب الذي دلت عليه الأدلة الشرعية أن العمرة فريضة كالحج، تجب في العمر مرة واحدة على من وجب عليه الحج، وهذا معنى
_________
(١) الدارقطني، وقال: «إسناد ثابت صحيح»، ٢/ ٢٨٣، والبيهقي، ٤/ ٣٥٠.
(٢) أخرجه ابن ماجه،، برقم ٢٩٠١، والإمام أحمد في المسند المحقق، برقم ٢٤٤٦٣،
٤١/ ١٠، و٤٢/ ١٩٨، برقم ٢٥٣٢٢، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ١٥١.
(٣) أبو داود، برقم ١٨١٠، والترمذي، برقم ٩٣٠، والنسائي، برقم ٢٦٣٧، وابن ماجه، برقم ٢٩٠٦، وأحمد، برقم ١٦٢٨٥، وصححه الألباني في: صحيح أبي داود، ١/ ٥٠٩، وصحيح الترمذي، ١/ ٤٧٧، وصحيح النسائي، ٢/ ٥٥٦، وصحيح ابن ماجه ١/ ٢٧٥.
(٤) البخاري، قبل الحديث رقم ١٧٧٣، قال الألباني في مختصر صحيح البخاري، ١/ ٥١٢: «وصله ابن خزيمة، والدارقطني، ص ٢٨٢، والحاكم، ١/ ٤٧١، والبيهقي، ٤/ ٣٥١، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قال ...».
1 / 5
كلام عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وغيرهم من الصحابة ﵃ (١).
ولا يجب الحج والعمرة في العمر إلا مرة واحدة؛ لحديث ابن عباس ﵄ أن الأقرع بن حابس سأل النبي ﷺ فقال: يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: «بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوّع» (٢).
_________
(١) انظر: المغني لابن قدامة، ٥/ ١٣، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ١/ ٨٨ - ٩٨، وفتح الباري، ٣/ ٥٩٧، وفتاوى ابن تيمية، ٦/ ٢٥٦.
(٢) أخرجه أبو داود، برقم ١٧٢١، والنسائي، برقم ٢٦١٩، وابن ماجه، برقم ٢٨٨٦، وأحمد في المسند، برقم ٢٣٠٤، ٢٦٦٣، ٢٧٤٢، ٣٥١٠، و٣٥٢٠، ٣٣٠٣، وصححه محققو المسند،
٤/ ١٥١، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٨٣، وفي صحيح سنن النسائي، ٢/ ٢٣٧، وفي صحيح سنن ابن ماجه، ٣/ ٦.
1 / 6
المبحث الثالث: شروط وجوب الحج والعمرة
يجب الحج والعمرة بخمسة شروط (١):
الشرط الأول: الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ (٢)؛ ولأنه لا يصح منهم ذلك، ومحال أن يجب ما لا يصح؛ ولحديث أبي هريرة ﵁ قال: «بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره عليها رسول الله ﷺ قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» (٣).
الشرط الثاني: العقل، فلا حج ولا عمرة على مجنون كسائر العبادات إلا أن يفيق؛ لقول النبي ﷺ: «رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم» (٤).
الشرط الثالث: البلوغ، فلا يجب الحج على الصبي حتى يحتلم؛ للحديث السابق، ولكن لو حج الصبي صح حجه، ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لحديث ابن عباس ﵄ أن امرأة رفعت إلى النبي ﷺ صبيًا
_________
(١) انظر: المغني لابن قدامة، ٥/ ٦، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية، ١/ ١١٣.
(٢) سورة التوبة، الآية: ٢٨.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١٦٢٢، ومسلم، برقم ١٣٤٧، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٩/ ١١٥.
(٤) أبو داود، برقم ٤٤٠١، ورقم ٤٤٠٢، والترمذي، برقم ١٤٢٣، وابن ماجه، برقم ٢٠٤١، ٢٠٤٢، والحاكم، ٢/ ٥٩، وقال: «صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في إرواء الغليل، وفي صحيح السنن.
1 / 7
فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر» (١)؛ ولقوله ﷺ: «أيّما صبيّ حجّ ثم بلغ فعليه حجّة أخرى، وأيّما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى» (٢).
الشرط الرابع: كمال الحرية، فلا يجب الحج على المملوك، ولكنه لو حج فحجه صحيح، ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لقوله ﷺ في حديث ابن عباس ﵄ السابق «... وأيّما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى».
الشرط الخامس: الاستطاعة، فالحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلًا، بنص القرآن والسنة المستفيضة، وإجماع المسلمين (٣)، ولكن لو حج غير المستطيع كان حجه مجزئًا (٤).
وشرط خاص بالمرأة: وهو وجود المحرم؛ لقول النبي ﷺ: «لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا: «قال: انطلق فحج مع امرأتك» (٥)، فلا يجب على المرأة أن
_________
(١) مسلم، برقم ١٣٣٦ وعن السائب بن يزيد ﵁ قال: «حُجَّ بي مع رسول الله ﷺ وأنا ابن سبع سنين» البخاري مع الفتح، ٤/ ٧١، برقم ١٨٥٨.
(٢) أخرجه الشافعي، في مسنده، ١/ ٢٩٠، والطحاوي، ١/ ٤٣٥، والبيهقي، ٥/ ١٥٦، والحاكم، ١/ ٤٨١، وغيرهم، وقال الحافظ في فتح الباري، ٤/ ٧١،: «إسناده صحيح»، وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٤/ ١٥٦، برقم ٩٨٦.
(٣) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ١/ ١٢٤.
(٤) انظر مفهوم الاستطاعة في: أضواء البيان، للشنقيطي، ٥/ ٧٥ - ٩٨، والمغني لابن قدامة، ٥/ ٧ - ١٤، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية، ١/ ١٢٤ - ١٣٠، والفتاوى الإسلامية، ٢/ ١٨٧.
(٥) متفق عليه: البخاري، برقم ٣٠٠٦، ومسلم، برقم ١٣٤١.
1 / 8
تسافر للحج، ولا يجوز لها ذلك إلا مع زوج أو ذي محرم (١)، لكن لو حجت المرأة بغير محرم أجزأتها الحجة عن حجة الفرض، مع معصيتها، وعظيم الإثم عليها (٢).
فمن كملت له الشروط، وجب عليه أن يحج على الفور، ولم يجز له تأخيره؛ لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» (٣)، فأمر بالتعجيل، والأمر يقتضي الإيجاب (٤)؛ ولهذا ثبت عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال: «لقد هممت أن أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين» (٥)، وفي رواية أنه قال: ليمت يهوديًا أو نصرانيًا - يقولها ثلاث مرات - رجل مات ولم يحج، ووجد لذلك سعة، وخُلِّيت سبيله (٦)، فإذا وجدت هذه الشروط في شخص فقد وجب عليه الحج.
· فإن كان قادرًا على الحج بنفسه وجب عليه أن يحج.
· وإن كان عاجزًا عن الحج بنفسه فعلى نوعين:
_________
(١) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية، ١/ ١٧٢.
(٢) المرجع السابق، ١/ ١٨٢.
(٣) مسند أحمد، برقم ٢٨٦٧، ورقم ١٨٣٣،وأبو داود، برقم ١٧٣٢، وابن ماجه، برقم ٢٨٨٣، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٣٢٥، وفي صحيح سنن ابن ماجه،٣/ ٥، وفي إرواء الغليل، ٤/ ١٦٨.
(٤) انظر: شرح العمدة في مناسك الحج والعمرة لابن تيمية ١/ ٢٠٦ ومجموع فتاوى ابن باز في الحج، ٥/ ٢٤٣، والمغني لابن قدامة، ٥/ ٣٦، وأضواء البيان، ٥/ ١٢٥.
(٥) رواه سعيد بن منصور في سننه، وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير موقوفًا، ٢/ ٢٢٣.
(٦) رواه البيهقي في السنن الكبرى، ٤/ ٣٣٤، وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير موقوفًا، ٢/ ٢٢٣.
1 / 9
١ - إن كان يرجو زوال عجزه وبرءَه كالمريض الذي مرضه طارئ ويرجو الشفاء، فإنه يؤخر الحج حتى يستطيع الحج بنفسه، فإن مات قبل ذلك حُجَّ عنه من تركته، ولا يأثم.
٢ - وإن كان الذي وجب عليه الحج عاجزًا عجزًا مستمرًا لا يرجو زواله، ولا يرجو بُرءَه، كالكبير، والمريض المقعد الميئوس منه، ومن لا يستطيع الركوب، فإنه يُوكِّل من يحج عنه ويعتمر (١).
_________
(١) انظر: أضواء البيان، ٥/ ٩٣، و٩٨، والمغني لابن قدامة، ٥/ ١٩، و٢٢، وشرح العمدة لابن تيمية، ١/ ١٨٣، والمنهج لمريد الحج والعمرة لابن عثيمين، ص٥٢.
1 / 10
المبحث الرابع: النيابة في الحج والعمرة
من لا يستطيع الحج والعمرة بنفسه وقد اكتملت له الشروط كمن لا يستطيع الركوب، ولا يقدر عليه ولا يثبت على المركوب، ولا يرجى برؤه؛ فإنه يلزمه أن يُنيب من يحجُّ عنه ويعتمرُ (١)؛ لحديث ابن عباس
﵄ أن امرأةً من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأَحُج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع (٢)، وفي رواية لمسلم: «فحجي عنه» (٣).
ولحديث أبي رَزِين ﵁: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن، قال: «فحج عن أبيك واعتمر» (٤)، فإن تُوفِّيَ من وجب عليه الحج ولم يحج أُخْرِجَ عنه من ماله ما يُحجُّ به عنه ويُعتَمرُ (٥)؛ لحديث ابن عباس ﵄ قال: أمرت امرأة سنان بن عبد الله الجهني أن يسأل رسول الله ﷺ أن أمها ماتت ولم تحج، أفيجزئ عن
_________
(١) المغني لابن قدامة، ٥/ ١٩، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية،
١/ ١٣٣، و١٨٣، والروض المربع حاشية ابن قاسم، ٣/ ٥١٨، وأضواء البيان، ٥/ ٩٣، وشرح الزركشي، ٣/ ٣١.
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري، برقم ١٨٥٤، ومسلم، برقم ١٣٣٤.
(٣) مسلم، برقم ١٣٣٤.
(٤) أخرجه أصحاب السنن: أبو داود، برقم ١٨١٠، والترمذي، برقم ٩٣٠، والنسائي، برقم ٣٦٣٨، وابن ماجه، برقم ٢٩٠٦، وصححه الألباني في: صحيح النسائي، ٢/ ٥٥٦، وفي صحيح أبي داود، ١/ ٣٤١، وصحيح ابن ماجه، ٢/ ١٥٢، وصحيح الترمذي، ١/ ٢٧٥، وتقدم تخريجه.
(٥) المغني لابن قدامة، ٥/ ٣٦، و٣٨، و١٩، وشرح العمدة في بيان الحج والعمرة، ١/ ١٨٣.
1 / 11
أمها أن تحج عنها؟ قال: «نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها أكان يجزئ عنها؟» قال: نعم، قال: «فلتحج عن أمها» (١).
وعن ابن عباس ﵄: أن امرأة جاءت إلى النبي ﷺ فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال: «نعم، حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟» قالت: نعم. قال: «فاقضوا الذي له فإن الله أحق بالوفاء» (٢)، وفي رواية «اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» (٣)، وفي رواية أن رجلًا قال: إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت، فقال: «فاقضِ الله فهو أحق بالقضاء» (٤).
· ولا يجوز أن يحج النائب عن غيره إلا بعد أن يحج عن نفسه؛ لحديث ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال رسول الله ﷺ: «من شبرمة؟» قال: أخٌ لي، أو قريبٌ لي، قال: «حججت عن نفسك؟» قال: لا. قال: «حج عن نفسك ثم عن شبرمة» (٥).
· وينبغي أن يحرص المستنيب على اختيار الوكيل الصالح الذي يعرف
_________
(١) أخرجه أحمد، ١/ ٢١٧، ٢٤٤، ٢٧٩، والنسائي، برقم ٢٦٣١، وابن خزيمة، برقم ٣٠٣٤، ٣٠٣٥، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٥٥٩.
(٢) أخرجه البخاري، برقم ١٨٥٢.
(٣) أخرجه البخاري، برقم ٧٣١٥.
(٤) أخرجه البخاري، برقم ٦٦٩٩.
(٥) أخرجه أبو داود، برقم ١٨١١، وابن ماجه، برقم ٢٩٠٣، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، ١/ ٣٤١، وإرواء الغليل، ٤/ ١٧١.
1 / 12
أحكام الحج والعمرة، ويراقب الله ﷿ في ذلك؛ لأن هذا من أسباب القبول، وعلى الوكيل أن يخلص النية لله سبحانه، ويَعْلم أنه لا ينبغي لأحدٍ على الصحيح أن يأخذ مالًا يحج به عن غيره إلا لأحد رجلين:
١ - رجل يحب أن يبرئ ذمة الميت عن الحج، ويحسن إليه بقضاء هذا الدين، إما لصلةٍ بينهما أو رحمة عامة بالمؤمنين، فيأخذ من المال ما يستعين به على أداء الحج عنه، ويردّ الباقي الفاضل من المال، وهذا محسن والله يحب المحسنين.
٢ - رجل يحبّ الحج ورؤية المشاعر، وهو عاجز عن النفقة فيأخذ ما يقضي حاجته ويؤدي به عن أخيه فريضة الحج.
والخلاصة: أن المستحب للوكيل أن يأخذ المال ليَحُجَّ، لا أن يحُجَّ ليأخذ، وهذا يُرجَى له الثواب العظيم، وأن يُعطى مثل أجر من وكَّله أو حج عنه إن شاء الله تعالى (١)، قال النبي ﷺ: «الخازن الأمين الذي يؤدي ما أُمِر به طيبةً به نفسه أحد المتصدقين» (٢).
أما من أخذ المال، وأراد الدنيا بعمل الآخرة، ولم يقصد إلا الحطام الفاني، فليس له في الآخرة من نصيب (٣).
_________
(١) انظر: فتاوى ابن تيمية، ٢٦/ ١٤ - ٢٠، بتصرف.
(٢) أخرجه البخاري، برقم ٢٢٦٠، ومسلم، برقم ١٠٢٣.
(٣) انظر: فتاوى ابن تيمية، ٢٦/ ٢٨، و٢٠.
1 / 13
المبحث الخامس: فضل الحج والعمرة
١ - عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من حجّ هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه» (١)، وفي لفظ لمسلم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه» (٢)، وهذا اللفظ يشمل الحج والعمرة (٣).
٢ - وعنه أيضًا أن رسول الله ﷺ قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (٤).
والحج المبرور هو الذي لا رياء فيه، ولا سمعة، ولم يخالطه إثم، ولا يعقبه معصية، وهو الحج الذي وُفِّيت أحكامه، ووقع موقعًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع خيرًا مما كان، ولا يعاود المعاصي، والمبرور مأخوذ من البرّ، وهو الطاعة، والله أعلم (٥).
٣ - وقال النبي ﷺ لعمرو بن العاص ﵁: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله» (٦).
_________
(١) متفق عليه: صحيح البخاري، برقم ١٥٢١، وبرقم ١٨١٩، ومسلم، برقم ١٣٥٠.
(٢) صحيح مسلم، برقم ١٣٥٠، وفي الترمذي: «غفر له ما تقدم من ذنبه». انظر: صحيح الترمذي، ١/ ٢٤٥.
(٣) انظر: فتح الباري، ٣/ ٣٨٢.
(٤) متفق عليه: صحيح البخاري، برقم ١٧٧٣، ومسلم، برقم ١٣٤٩.
(٥) انظر: فتح الباري، ٣/ ٣٨٢، وشرح النووي على مسلم، ٩/ ١١٩.
(٦) صحيح مسلم، برقم ١٢١.
1 / 14
٤ - وسُئِلَ النبي ﷺ: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» (١).
٥ - وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة» (٢).
٦ - وعن عائشة ﵂ قالت: قلت: يا رسول الله على النساء جهاد؟ قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» (٣)، وعند النسائي: «... ولَكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله، حج البيت حج مبرور» (٤).
٧ - وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «وفد الله ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر» (٥).
٨ - وعن ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال: «الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوا، وسألوه فأعطاهم» (٦).
_________
(١) البخاري، برقم ١٥١٩،وانظر: البخاري مع الفتح،٣/ ٣٨١.
(٢) الترمذي، برقم ٨١٠، والنسائي، برقم ٢٦٣١، وقال عنه الألباني في صحيح الترمذي،
١/ ٤٢٦: «حسن صحيح»، وفي صحيح النسائي، ٢/ ٢٤٠: «حسن صحيح»، وجاء الحديث مختصرًا عن ابن عباس في سنن النسائي، برقم ٢٦٣٠ بلفظ: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد»، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٢٤٠، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٣/ ٦.
(٣) أخرجه ابن ماجه، برقم ٢٩٠١، والإمام أحمد في المسند، برقم ٢٤٤٦٣وأخرجه أيضًا ابن خزيمة، برقم ٣٠٧٤، والدارقطني، ٢/ ٢٨٤، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ١٥١.
(٤) أخرجه النسائي، برقم ٢٦٢٨، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٢٤٠.
(٥) النسائي، برقم ٢٦٢٥، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٢٣٩، وسمعت شيخنا ابن باز ﵀ يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم٢٦٢٦: «سنده جيد».
(٦) ابن ماجه، كتاب المناسك، برقم ٢٨٩٣، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٣/ ٨، وفي الأحاديث الصحيحة ٤/ ٤٣٣.
1 / 15
٩ - وعن أبي هريرة ﵁ عن رسول الله ﷺ قال: «جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة: الحج، والعمرة» (١).
١٠ - وعن سهل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من مسلم يلبّي إلا لبّى من عن يمينه وشماله: من حجرٍ، أو شجرٍ، أو مدرٍ، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا» (٢).
١١ - وعن عائشة ﵂ قالت: إن رسول الله ﷺ قال: «ما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟» (٣).
١٢ - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة ...» (٤).
١٣ - وقال النبي ﷺ: «... فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي» (٥).
١٤ - وقال عبد الله بن عبيد لابن عمر ﵄ ما لي أراك لا تستلم إلا هذين الركنين: الحجر الأسود، والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعل فقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنّ مسحهما يحطّ الخطايا»،
_________
(١) النسائي، كتاب مناسك الحج، برقم ٢٦٢٦، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٢٣٩.
(٢) الترمذي، برقم ٨٢٨، وابن ماجه، برقم ٢٩٢١، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، ٢/ ٢٢.
(٣) مسلم، كتاب الحج، برقم ١٣٤٩.
(٤) الترمذي، برقم ٣٥٨٥، ومالك في الموطأ، ١/ ٢١٤، ٢١٥، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ٣/ ١٨٤.
(٥) متفق عليه: البخاري، برقم ١٨٦٣، ومسلم، برقم ٢٢٢ - (١٢٥٦)، وفي لفظ لمسلم: «فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة».
1 / 16
وسمعته يقول: «من طاف [بهذا] البيت سبعًا، وصلى ركعتين، كان كعتق رقبة»، وسمعته يقول: «ما رفع رجل قدمًا ولا وضعها إلا كُتب له عشر حسنات، وحُطّ عنه عشر سيئات، ورُفع له عشر درجات» (١).
١٥ - وثبت عنه ﷺ أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه (٢).
١٦ - من طاف بالبيت العتيق، واستلم الحجر الأسود، شهد له يوم القيامة؛ لحديث ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ في الحجر: «والله ليبعثه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق» (٣).
وعنه أيضًا قال: قال رسول الله ﷺ: «نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضًا من الثلج فسوّدته خطايا بني آدم» (٤).
وهذه الفضائل لا تحصل إلا لمن أخلص عمله لله، وأدّى حجه أو عمرته على هدي رسول الله ﷺ، فهذان شرطان لابد منهما في قبول كل
_________
(١) أحمد في المسند، برقم ٤٤٦٢، وبرقم ٥٧٠١، وقال محققو المسند: «حديث حسن»، وأخرجه بنحوه الترمذي، برقم ٩٥٩، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٤٩١ - ٤٩٢، وأخرجه النسائي بنحوه، برقم ٢٩١٩، وصححه أيضًا الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٣١٩، وابن ماجه مختصرًا، برقم ٢٩٥٦، وصححه الألباني أيضًا في صحيح ابن ماجه، ٢/ ٢٧، وابن خزيمة، ٤/ ٢١٨، برقم ٢٧٢٩.
(٢) ابن ماجه، برقم ١٦٠٤،وأحمد،٣/ ٣٤٣، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه،١/ ٢٣٦، وفي إرواء الغليل، ٤/ ٣٤١ ..
(٣) الترمذي، برقم ٩٦١، وابن خزيمة، ٤/ ٢٠، وأحمد ١/ ٢٦٦، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٤٩٣.
(٤) ابن خزيمة بلفظه، ٢/ ٢٢٠، والترمذي، برقم ٨٧٧، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ١/ ٤٥٢.
1 / 17
قول وعمل:
الشرط الأول: الإخلاص للمعبود؛ لقول النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (١).
الشرط الثاني: المتابعة للرسول ﷺ؛ لقوله: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ» (٢)، فمن أخلص أعماله لله، مُتَّبِعًا في ذلك رسول الله ﷺ فهذا الذي عمله مقبول، ومن فقد الأمرين، أو أحدهما، فعمله مردود داخل في قوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ (٣)، ومن جمع الأمرين فهو داخل في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ (٤)، ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (٥)، فحديث عمر ﵁: «إنما الأعمال بالنيات» ميزان للأعمال الباطنة، وحديث عائشة ﵂: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» ميزان للأعمال الظاهرة، فهما حديثان عظيمان يدخل فيهما الدين كله، أصوله، وفروعه، ظاهره وباطنه (٦).
_________
(١) متفق عليه: البخاري برقم ١، ومسلم، برقم ١٩٠٧.
(٢) متفق عليه: البخاري، برقم ٢٦٩٧، ومسلم، برقم ١٧١٨، وهذا لفظ مسلم، أما لفظ البخاري: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
(٣) سورة الفرقان، الآية: ٢٣.
(٤) سورة النساء، الآية: ١٢٥.
(٥) سورة البقرة، الآية: ١١٢.
(٦) انظر بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص١٠.
1 / 18
المبحث السادس: آداب السفر والعمرة والحج
الآداب التي ينبغي للمعتمر والحاج معرفتها والعمل بها؛ ليحصل على عمرة مقبولة، ويُوَفَّقَ لحج مبرور آداب كثيرة منها: آداب واجبة، وآداب مستحبة، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الآداب الآتية:
١ - يستخير الله سبحانه في الوقت، والراحلة، والرفيق، وَجِهة الطريق إن كثرت الطرق، ويستشير في ذلك أهل الخبرة والصلاح، أما الحج؛ فإنه خير لا شك فيه، وصفة الاستخارة أن يصلي ركعتين، ثم يدعو بالوارد (١).
٢ - يجب على الحاج والمعتمر أن يقصد بحجّه وعمرته وجه الله تعالى، والتقرّب إليه، وأن يحذر أن يقصد حطام الدنيا أو المفاخرة، أو حيازة الألقاب، أو الرياء والسمعة؛ فإن ذلك سبب في بطلان العمل وعدم قبوله، قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾ (٢)، وقال ﷿: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (٣)، والمسلم هكذا لا يريد إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة: قال الله جلَّ وعلا: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ (٤)، وفي الحديث القدسي: «أنا
_________
(١) انظر الاستخارة في البخاري، برقم ٦٠١٩، وحصن المسلم، ص٤٥، للمؤلف.
(٢) سورة الأنعام، الآيتان: ١٦٢ - ١٦٣.
(٣) سورة الكهف، الآية: ١١٠.
(٤) سورة الإسراء، الآية: ١٨.
1 / 19
أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» (١).
وقد خاف النبي ﷺ على أمته من الشرك الأصغر: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، فَسُئِل عنه فقال: «الرياء» (٢)، وقال ﷺ: «من سمَّع سمَّع الله به ومن يرائي يرائي الله به» (٣)، وقال الله ﷿: ﴿وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ (٤).
٣ - على الحاج والمعتمر التفقه في أحكام العمرة والحج، وأحكام السفر قبل أن يسافر: من القصر، والجمع، وأحكام التيمم، والمسح على الخفين، وغير ذلك مما يحتاجه في طريقه إلى أداء المناسك، قال النبي ﷺ: «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين» (٥).
٤ - التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، سواء كان حاجًا أو معتمرًا، أو غير ذلك، فتجب التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وحقيقة التوبة: الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها، والندم على فعل ما مضى منها، والعزيمة على عدم العودة إليها، وإن كان عنده للناس مظالم ردها وتحللهم منها، سواء كانت عرضًا أو مالًا، أو غير ذلك من قبل أن يُؤخذ
_________
(١) مسلم، برقم ٢٩٨٥.
(٢) أحمد في المسند،٥/ ٤٢٨، وحسنه الألباني في صحيح الجامع،٢/ ٤٥.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ٦٤٩٩، ومسلم، برقم ٢٩٨٧.
(٤) سورة البينة، الآية: ٥.
(٥) البخاري، برقم ٧١.
1 / 20
لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخِذَ من سيئات أخيه فطرحت عليه (١).
٥ - على الحاج أو المعتمر أن ينتخب المال الحلال لحجه وعمرته؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا؛ ولأن المال الحرام يسبب عدم إجابة الدعاء (٢)، وأيما لحم نبت من سحتٍ فالنار أولى به (٣).
٦ - يُستحبّ أن يكتب وصيته، وما له وما عليه، فالآجال بيد الله تعالى، قال الله ﷿: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (٤)، وقال النبي ﷺ: «ما حقّ امرئٍ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» (٥)، ويشهد عليها، ويقضي ما عليه من الديون، ويردّ الودائع إلى أهلها، أو يستأذنهم في بقائها.
٧ - يُستحبّ له أن يوصي أهله بتقوى الله تعالى، وهي وصية الله تعالى للأوّلين والآخرين: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ الله﴾ (٦).
_________
(١) انظر: سورة النور، والآية: ٣١، والبخاري مع الفتح، ١١/ ٣٩٥، برقم ٦٥٤٣.
(٢) انظر: صحيح مسلم، برقم ١٠١٥.
(٣) أبو نعيم في الحلية بنحوه،١/ ٣١، وأحمد في الزهد بمعناه، ص١٦٤، وفي المسند،٣/ ٣٢١، والدارمي، ٢/ ٢٢٩، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٤/ ١٧٢، وانظر: فتح الباري، ٣/ ١١٣.
(٤) سورة لقمان، الآية: ٣٤.
(٥) متفق عليه: البخاري، برقم ٢٧٣٨، ومسلم، برقم ١٦٢٧.
(٦) سورة النساء، الآية: ١٣١.
1 / 21