145

قصة الحضارة

قصة الحضارة

Editorial

دار الجيل

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

Géneros

"دامارا" لا يقبلوا أن يبادلوا غنمتين بأربع عصي، لكنهم يقبلون أن يبادلوا غنمة بعَصَوَين، ثم يكررون العملية مرة أخرى؛ ولقد كان العَدُّ وسيلته الأصابع، ومن هنا نشأ النظام العشري؛ ولما أدرك الإنسان فكرة العدد اثني عشر، والأغلب أن يكون أدركه بعد حين من الزمن، فرح به لأنه كان مريحًا للنفس بقبوله القسمة على خمسة من الأعداد الستة الأولى؛ وهنا وُلد النظام الاثنا عشري في الحساب، وهو نظام لا يزال قائمًا، لا يريد لنفسه الزوال، في المقاييس الإنجليزية حتى اليوم؛ فاثنا عشر شهرًا تكوّن عاما، واثنا عشر بنسًا تكون شلنًا، و"الدستة" اثنا عشر، و"الجروسة" اثنا عشر "دستة" والقدم اثنا عشر بوصة؛ أما العدد ثلاث عشر، فهو على عكس سالفه، يأبى الانقسام، ولذا أصبح بغيضًا عند الناس، ومبعثًا للتشاؤم إلى الأبد؛ ولما أضيفت أصابع القدمين إلى أصابع اليدين، تكونت فكرة العشرين؛ ولا يزال استعمال هذا العدد في العدّ ظاهرًا في قول الفرنسيين "أربع عشرينات" ليدلوا على "ثمانين"؛ وكذلك استخدمت أجزاء أخرى من البدن معايير للقياس، فاليد كلها "للشبر" والإبهام للبوصة "اللفظتان في اللغة الفرنسية ينوب عنهما لفظة واحدة تؤدي المعنيين" والذراع حتى المرفق للذراع؛ والذراع كلها لمقياس آخر "يسمى ذراع الهندازة" والقدم للقدم؛ وفي عصر متقدم، أضيف الحصوات إلى الأصابع لتعين على عملية العدّ؛ ولا تزال الكلمة الإنجليزية للعدّ، " Calculate" تشير بأصلها اللغوي إلى أصلٍ معناه "حجر صغير" مما يدل على صغر المسافة التي تفصل القدماء السذج عن المحدثين، ولقد تمنى "ثورو" Thoreau أن يحيا هذه الحياة البدائية الساذجة، وأجاد التعبير عن حالة كثيرًا ما تعاود الإنسان فقال: "إن الرجل الأمين لا يكاد يجد الحاجة إلى عدّ يجاوز به أصابع يديه، وقد يضيف إليها أصابع قدميه في حالات نادرة؛ ثم يكدس ما بقى له بعد ذلك في كتلة واحدة؛ فرأيي هو أن نُجري أمورنا على نسق الاثنين أو الثلاثة، لا على نسق المائة أو الألف، فبدل

1 / 135