The Reward of Proximity Dedicated to the Deceased Muslims
ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين
Editorial
مطبعة سفير
Ubicación del editor
الرياض
Géneros
٤١٨
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
ثواب القرب المهداة
إلى أموات المسلمين
فضائل، وآداب، وأنواع، وأحكام
في ضوء الكتاب والسنة
Página desconocida
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين» ذكرت فيها أربعة مباحث:
المبحث الأول: مفهوم ثواب القُرَبِ لغةً واصطلاحًا.
المبحث الثاني: ما يلحق الميت من عمله.
المبحث الثالث: وصول ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين، بيَّنت في هذا المبحث الأدلّة من الكتاب والسة في وصول ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين.
المبحث الرابع: أنواع القرب المهداة إلى أموات
1 / 3
المسلمين، ذكرت فيه أقوال أهل العلم في أنواع القرب المهداة إلى أموات المسلمين.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى، كما استفدت كثيرًا من تخريجات العلاّمة المحدث ناصر الدين الألباني غفر الله له ورحمه.
واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، وأن ينفع به أموات المسلمين، ويشرح صدور المسلمين إلى الإهداء إلى أمواتهم الذين هم بأشد الحاجة إلى صدقاتهم، وإحسانهم؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
وصلّى الله، وسلّم على نبينا محمّد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف: أبو عبد الرحمن
حرّر بعد عصر يوم الخميس ٢/ ٥/ ١٤٢٦هـ الرياض
1 / 4
المبحث الأول: مفهوم ثواب القرب لغة واصطلاحًا
لغة: الثواب والمثوبة، والمثابة: الأجر، وجزاء الطاعة، ومنه ثواب العمل الصالح (١)، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (٢)، قال ابن الأثير ﵀: «يقال: أثابه، يثيبه، إثابةً، والاسم: الثواب، ويكون في الخير والشر، إلاّ أنه بالخير أخصّ، وأكثر استعمالًا» (٣).
اصطلاحًا: الثواب هو الأجر، وثواب الأعمال الصالحة.
القُرَبُ لغةً: مفردها: قربة، والجمع: قُرَبٌ، وقرباتٌ، والقربان: جمعه: قرابين، وهو كل ما يتقرَّب به إلى الله تعالى من الطاعات، تقول: قَرَّبْت لله قربانًا، وتقرَّب إلى الله بشيء: طلب به القربة عنده.
_________
(١) مختار الصحاح، ص ٣٨، و٢٢٠، والمصباح المنير، ١/ ٨٦.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٠٣.
(٣) النهاية في غريب الحديث، ١/ ٢٢٧.
1 / 5
واصطلاحًا: القُرَب ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى من أعمال البر والطاعة (١).
قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٢).
_________
(١) المصباح المنير، ٢/ ٤٩٥، والقاموس الفقهي لسعدي أبو جيب، ص ٢٩٨، ولغة الفقهاء، ص ١٣٥.
(٢) سورة التوبة، الاية: ٩٩.
1 / 6
المبحث الثاني: ما يلحق الميت من عمله
يلحق الميت من عمله بعد موته كل عمل تسبب فيه الميت في حياته؛ للأدلة الآتية:
الدليل الأول: حديث أبي هريرة ﵁ - أن رسول الله ﷺ قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له» (١).
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة ﵁ - قال: قال رسول الله ﷺ: «إنّ مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا علَّمه ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته» (٢).
الدليل الثالث: حديث معاذ بن أنس ﵁ - أن النبي ﷺ قال: «من
_________
(١) مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم ١٦٣١.
(٢) ابن ماجه، المقدمة، باب ثواب معلم الناس الخير، برقم ٢٤٢، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/ ٩٨، وإرواء الغليل، ٦/ ٢٩.
1 / 7
علَّم علمًا فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل» (١).
الدليل الرابع: حديث سهل بن سعد ﵁ -:أن النبي ﷺ قال يوم خيبر لعلي بن أبي طالب ﵁: «... فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم» (٢).
وهذا يُبيِّن أهمية تعليم الناس الخير، ونشر العلم بينهم، قال الإمام الخطابي ﵀ في معنى الحديث: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك أجرًا وثوابًا من أن يكون لك حمر النعم، فتتصدق بها» (٣)، وقد ذكر القرطبي والأُبِّيُّ والسنوسيُّ ﵏: «إن في هذا الحديث الشريف حضًّا عظيمًا على تعلم العلم وبثَّه في الناس، وعلى الوعظ والتذكير، ويعني أن ثواب تعليم رجل
_________
(١) ابن ماجه، المقدمة، باب ثواب معلم الناس الخير، برقم ٢٤٠، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/ ٩٧.
(٢) متفق عليه، البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي ﷺ إلى الإسلام، برقم ٢٩٤٢، وأطرافه برقم ٣٠٠٩، ورقم ٣٧٠١، ورقم ٤٢١٠، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب ﵁، برقم ٢٤٠٦.
(٣) أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، ٢/ ١٤٠٨.
1 / 8
واحد وإرشاده أفضل من ثواب الصدقة بهذه الإبل النفيسة؛ لأن ثواب الصدقة بها ينقطع بموتها، وثواب العلم والهدى لا ينقطع إلى يوم القيامة» (١).
الدليل الخامس: حديث أبي مسعود الأنصاري ﵁ - أن النبي ﷺ قال: «من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله» (٢).
الدليل السادس: حديث جرير بن عبد الله ﵁ -، وفيه أن النبي ﷺ قال: «... من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فَعُمِل بها بعده كُتِبَ له مثلُ أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئة، فَعُمِلَ بها بعده، كُتِبَ عليه مثل وِزْر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيءٌ» (٣).
الدليل السابع: حديث أبي هريرة ﵁ - أن رسول الله ﷺ
_________
(١) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ٦/ ٢٧٦، وإكمال إكمال المعلم، للأبي، ٨/ ٢٣١، ومكمل إكمال الإكمال، للسنوسي، ٨/ ٢٣١.
(٢) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وبغيره، وخلافته في أهله بخير، ٣/ ١٥٠٦ برقم١٨٩٣،من حديث أبي مسعود الأنصاري ﵁.
(٣) مسلم، كتاب العلم، باب من سن في الإسلام سنة حسنة أو سيئة؛ ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، ٤/ ٢٠٥٩، برقم ١٠١٧، من حديث جرير بن عبد الله ﵁.
1 / 9
قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا» (١).
الدليل الثامن: حديث أبي أمامة ﵁ - يرفعه: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» ثم قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الله، وملائكته، وأهل السموات، والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، لَيُصلُّون على مُعَلِّم الناس الخير» (٢).
الدليل التاسع: حديث أبي الدرداء ﵁ - قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنه ليستغفر للعالم مَن في السموات، ومَن في الأرض، حتى الحيتان في البحر» (٣).
_________
(١) مسلم، في كتاب العلم، باب من سن في الإسلام سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، ٤/ ٢٠٦٠، برقم ٢٦٧٤.
(٢) الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة،٥/ ٥٠، برقم ٢٦٨٥،وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٢/ ٣٤٣،وانظر: مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني، ١/ ٧٤، برقم ٢١٣.
(٣) ابن ماجه، المقدمة، باب ثواب معلم الناس الخير، برقم ٢٣٩، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ١/ ٩٧.
1 / 10
المبحث الثالث: وصول ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين
مما يدل على وصول ثواب الأعمال المهداة إلى أموات المسلمين من الكتاب والسنة الأدلة الآتية:
أولًا: الأدلة من القرآن الكريم، منها ما يأتي:
الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (١).
الدليل الثاني: قوله ﷿: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ (٢).
الدليل الثالث: قوله تعالى ذاكرًا قول نوح: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا﴾ (٣).
_________
(١) سورة الحشر، الآية: ١٠.
(٢) سورة محمد، الآية: ١٩.
(٣) سورة نوح، الآية: ٢٨.
1 / 11
الدليل الرابع: قوله تعالى ذاكرًا قول إبراهيم: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ (١).
ثانيًا: الأدلة من السنة النبوية المطهّرة، منها ما يأتي:
الدليل الأول: حديث عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال: «من مات وعليه صيام، صام عنه وليه» (٢).
الدليل الثاني: حديث ابن عباس ﵄: «أن امرأة ركبت البحر فنذرت، إن الله ﵎ أنجاها أن تصوم شهرًا، فأنجاها الله ﷿، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قَرابة لها [إما أختها أو ابنتها] إلى النبي ﷺ، فذكرت ذلك له، فقال: [أرأيتك لو كان عليها دين كنتِ تقضينه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقُّ أن يُقضى]
_________
(١) سورة إبراهيم، الآيتان: ٤١ - ٤٢.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، برقم ١٩٥٢، ومسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم ١١٤٧، وأبو داود، كتاب الصوم، باب فيمن مات وعليه صيام، برقم ٢٤٠٠، ومن طريقه البيهقي، ٦/ ٢٧٩، والطحاوي في «مشكل الآثار»، ٣/ ١٤٠، و١٤١، وأحمد، ٦/ ٦٩.
1 / 12
[فـ] اقْضِ [عن أمك]» (١).
الدليل الثالث: حديث ابن عباس ﵄: «أن سعد بن عبادة ﵁ استفتى رسول الله ﷺ: إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: «اقضِهِ عنها» (٢).
_________
(١) أخرجه أبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب في قضاء النذر عن الميت، برقم ٣٣٠٨، والنسائي في كتاب النذر، باب من مات وعليه نذر برقم ٣٨٥٠، والطحاوي، ٣/ ١٤٠، والبيهقي، ٤/ ٢٥٥، ٢٥٦، ١٠/ ٨٥، والطيالسي، برقم ٢٦٣٠، وأحمد، ١٨٦١، ١٩٧٠، ٣١٣٧، ٣٢٢٤، ٣٤٢٠، والسياق مع الزيادة الثانية له، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والزيادة الأولى لأبي داود والبيهقي.
وأخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، برقم ١٩٥٣، ومسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم ١١٤٨، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في الصوم عن الميت، برقم ٧١٦، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب من مات وعليه صيام من نذر، برقم ١٧٥٨، ١٧٥٩ بنحوه، وفيه عندهم جميعًا الزيادة الثانية، وعند مسلم الأخيرة.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر أو حلف ... برقم ٦٦٩٨، ومسلم، كتاب النذر، باب الأمر بقضاء النذر برقم ٦٦٣٨، وأبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب في قضاء النذر عن الميت، برقم ٣٣٠٧، والترمذي، كتاب النذور، باب قضاء النذر عن الميت، برقم ١٥٤٦، والنسائي، كتاب الأيمان، باب من مات وعليه نذر برقم ٣٨٤٨، وابن ماجه، كتاب الكفارات، باب من مات وعليه نذر، برقم ٢١٣٢،وصححه البيهقي،٤/ ٢٥٦، ٦/ ٢٧٨، ١٠/ ٨٥، والطيالسي، ٢٧١٧، وأحمد، ١٨٩٣، ٣٠٤٩، ٦/ ٤٧.
1 / 13
الدليل الرابع: حديث سعد بن الأطول ﵁ -: «أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالًا، قال: فأردت أن أُنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي ﷺ: «إن أخاك محبوسٌ بدينه [فاذهب] فاقضِ عنه» [فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت]، قال: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادَّعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال: «أعطِها فإنها مُحقة»، (وفي رواية: صادقة) (١).
الدليل الخامس: حديث سمرة بن جندب ﵁ -: «أن النبي ﷺ صلَّى على جنازة (وفي رواية: صلَّى الصبح)،فلما انصرف قال: «أهاهنا من آل فلان أحد؟» [فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا] فقال ذلك مرارًا [ثلاثًا لا يُجيبه أحدٌ]، [فقال رجل: هُوذا]، قال: فقام رجل يجرُّ إزاره من مؤخر الناس [فقال له النبي ﷺ: «ما منعك
_________
(١) أخرجه ابن ماجه، كتاب الصدقات، باب أداء الدين عن الميت، برقم ٢٤٣٣، وأحمد، ٤/ ١٣٦، ٥/ ٧،والبيهقي، ١٠/ ١٤٢، وأحد إسناديه صحيح، والآخر مثل إسناد ابن ماجه، وصححه البوصيري في «الزوائد»، وسياق الحديث والرواية الثانية للبيهقي، وهي والزيادات لأحمد في رواية.
1 / 14
في المرتين الأولين أن تكون أجبتني؟] أما إني لم أنوِّه باسمك إلا لخير، إن فلانًا - لرجل منهم -[مأسور بدينه عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله]،فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه، [حتى ما أحدٌ يطلبه بشيء] (١) (٢).
الدليل السادس: حديث جابر بن عبد الله ﵁ - قال: «مات رجل، فغسَّلناه وكفَّنَّاه وحنطناه، ووضعناه لرسول الله ﷺ حيث تُوضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنّا رسول الله
_________
(١) أخرجه أبو داود، كتاب البيوع والإجارات، باب في التشديد في الدين، برقم ٣٣٤١، والنسائي، كتاب البيوع، باب التغليظ في الدين برقم ٤٦٨٩، والحاكم، ٢/ ٢٥، ٢٦، والبيهقي، ٦/ ٤/٧٦، والطيالسي في «مسنده»، برقم ٨٩١، ٨٩٢، وكذا أحمد، ٥/ ١١، ١٣، ٢٠، قال الألباني: «بعضهم عن الشعبي عن سمرة، وبعضهم أدخل بينهما سمعان بن مشنج، وهو على الوجه الأول صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط. والرواية الأخرى للمُسْنَدَين، والزيادة الأولى والثانية للحاكم، وكذا الثالثة والخامسة، وللبيهقي الثانية، ولأحمد الثالثة والرابعة، وللطيالسي الخامسة، وله ولأحمد وأبي داود السادسة».
(٢) وقال الألباني ﵀: وله شاهد من حديث ابن عباس، رواه الطبراني في المعجم الكبير، ق١٥٦/ ٢، بسند ضعيف.
1 / 15
ﷺ بالصلاة عليه، فجاء معنا، [فتخطى] خُطَىً، ثم قال: «لعلَّ على صاحبكم دينًا؟» قالوا: نعم، ديناران، فَتَخَلَّفَ، [قال: صلوا على صاحبكم]، فقال له رجل منَّا يُقال له: أبو قتادة: يا رسول الله هُما عَلَيّ، فجعل رسول الله ﷺ يقول: «هما عليك وفي مالك، والميت منهما بريء؟» فقال: نعم، فصلى عليه فجعل رسول الله ﷺ إذا لقي أبا قتادة يقول. (وفي رواية: ثم لقيه من الغد فقال): «ما صنعتِ الديناران؟» [قال: يا رسول الله إنما مات أمس] حتى كان آخر ذلك (وفي الرواية الأخرى: ثم لقيه من الغد فقال: «ما فعل الديناران؟» قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: «الآن حين بَرَدَتْ عليه جلدُه» (١) (٢).
_________
(١) أخرجه الحاكم، ٢/ ٥٨، والسياق له، والبيهقي، ٦/ ٧٤ - ٧٥، والطيالسي، ١٦٧٣، وأحمد، ٣/ ٣٣٠، قال الألباني: «بإسناد حسن كما قال الهيثمي، ٣/ ٣٩». أما الحاكم فقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي!
والرواية الأخرى مع الزيادات عندهم جميعًا إلا الحاكم، إلا الزيادة الثانية فهي للطيالسي وحده.
(٢) أي: بسبب رفع العذاب عنه بعد وفاء دينه.
1 / 16
الدليل السابع: حديث جابر بن عبد الله ﵄ أن أباه استشهد يوم أُحُد، وترك ست بنات، وترك عليه دينًا [ثلاثين وسْقًا]، [فاشتد الغرماء في حقوقهم]، فلما حضره جذاذ النخل، أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد، وترك عليه دينًا كثيرًا، وإني أُحب أن يراك الغرماء، قال: «اذهب فبيدر كل تمر على حدة»، ففعلت، ثم دعوت، [فغدا علينا حين أصبح]، فلما نظروا إليه أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرًا ثلاثًا [ودعا في ثمرها بالبركة]، ثم جلس عليه، ثم قال: «ادعُ أصحابك»، فما زال يكيل لهم، حتى أدَّى الله أمانة والدي (١)،وأنا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلمت والله البيادر كلها حتى إني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله ﷺ كأنه لم ينقص تمرة واحدة، [فوافيت مع رسول الله ﷺ
_________
(١) أي وصيته إياهم بقضاء الدين عنه.
1 / 17
المغرب، فذكرت ذلك له فضحك، فقال: «ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما»، فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله ﷺ ما صنع أن سيكون ذلك» (١).
الدليل الثامن: حديث جابر ﵁ - قال: كان رسول الله ﷺ يقوم فيخطب، فيحمد الله، ويُثني عليه بما هو أهل له، ويقول: «من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، [وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار]، وكان إذا ذكر الساعة احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، كأنَّه منذر جيش [يقول:] صبحكم ومساكم، من ترك مالًا
_________
(١) أخرجه البخاري والسياق مع الزيادات له، كتاب الصلح، باب الصلح بين الغرماء، برقم ٢٧٠٩، ورواه بنحوه أبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يموت وعليه دين وله وفاء، برقم ٢٨٨٤، والنسائي، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم ٣٦٦٦، وابن ماجه كتاب الصدقات، باب أداء الدين عن الميت، برقم ٢٤٣٤. والبيهقي، ٦/ ٦٤، وأحمد، ٣/ ٣١٣، ٣٦٥، ٣٧٣، ٣٩١، ٣٩٧، مطولًا ومختصرًا. وقال الألباني ﵀: وفيه عند أحمد زيادات كثيرة لم أوردها خشية الإطالة.
1 / 18
فلورثته، ومن ترك ضياعًا (١) أو دينًا فعليَّ، وإليَّ، وأنا [أ] ولى [بـ] المؤمنين (وفي رواية: بكل مؤمن من نفسه» (٢).
الدليل التاسع: حديث عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: «من حَمَل من أمتي دينًا، ثم جهد في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليُّه» (٣).
الدليل العاشر: يُبادر بقضاء دينه بعد موته من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة، فإن لم تقم به، وتطوّع به
_________
(١) قال الألباني ﵀: أي عيالًا، قال ابن الأثير: «وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعًا، فسمي العيال بالمصدر كما تقول: من مات وترك فقرًا، أي فقراء».
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم ٨٦٧، والبيهقي في السنن، ٣/ ٢١٣ - ٢١٤، وفي الأسماء والصفات، ص ٨٢، وأحمد، ٣/ ٢٩٦ - ٣١٠، ٣١١، ٣٣٨ - ٣٧١، والسياق له، وأبو نعيم في الحلية، ٣/ ١٨٩، قال الألباني ﵀: والزيادة الأولى له، وللنسائي والبيهقي وإسنادهما صحيح على شرط مسلم، والزيادة الثانية له وللبيهقي، والثالثة والرابعة لأحمد، والرواية الثانية لمسلم.
(٣) أخرجه أحمد، ٦/ ٧٤، قال الألباني ﵀: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقال المنذري، ٣/ ٣٣: «رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى والطبراني في الأوسط». ونحوه في المجمع، ٤/ ١٣٢، إلا أنه قال: «ورجال أحمد رجال الصحيح». وفي فتح الباري، ٥/ ٥٤ فوائد مهمة في هذه المسألة.
1 / 19
بعض الحاضرين جاز؛ لحديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ كان يُؤتى بالرجل الميت عليه الدين، فيسأل: «هل ترك لدينه من قضاء؟»، فإنحُدِّث أنه ترك وفاء صلّى عليه، وإلاّ قال: «صلُّوا على صاحبكم»، ولمّا فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوفِّيَ وعليه دين، فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته» (١).
الدليل الحادي عشر: عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين» (٢).
الدليل الثاني عشر: تُنفَّذ وصيته: الثلث فأقلّ؛ لأن إنفاذ الوصية واجب، والإسراع بالتنفيذ إما واجب أو مستحب؛ لأن الوصية إن كانت في واجب، فَلِلْإسراع في إبراء ذمته، وإن كانت في تطوع فللإسراع في الأجر له، والوصية إما
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الكفالة، باب الدين، برقم ٢٢٩٨، ومسلم، كتاب الفرائض، باب من ترك مالًا فلورثته، برقم ١٦١٩.
(٢) مسلم، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفّرت خطاياه إلا الدين، برقم ١٨٨٦.
1 / 20
واجبة، وإما تطوّع، قال أهل العلم: فينبغي أن تنفذ قبل أن يدفن (١)؛ لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «نفس المؤمن مُعلَّقةٌ بدَيْنه حتى يُقضى عنه» (٢).
وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» (٣).
الدليل الثالث عشر: ومما يلحقه ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة؛ فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله ﷿ يقول: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى﴾ (٤)،وقال رسول
_________
(١) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، ٥/ ٣٣٢.
(٢) أحمد، ٢/ ٤٤٠، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي ﷺ أنه قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»، برقم ١٠٧٨، و١٠٧٩، وابن ماجه، كتاب الصدقات، باب التشديد في الدين، برقم ٢٤١٣، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٥٤٧، وغيره.
(٣) البخاري، كتاب المساقاة، باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها، برقم ٢٣٨٧.
(٤) سورة النجم، الآية: ٣٩.
1 / 21