The Qur'an and Refutation of the Monk's Criticism
القرآن ونقض مطاعن الرهبان
Géneros
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: القرآن ونقض مطاعن الرهبان
المؤلف: د. صلاح عبد الفتاح الخالدي
دار النشر: دار القلم - دمشق
الطبعة الأولى: ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
أولًا: جزى الله مؤلف الكتاب خيرًا، لكنَّ الكتاب يحتاج إلى جهد أكبر، وهذا لا يقلل من شأن مؤلفه.
ثانيًا: تَمَّ تدعيم الكتاب بتعليقات مهمة وضرورية في هوامش الكتاب.
من خلال بعض الكتب منها:
تفسير مفاتيح الغيب (للإمام فخر الدين الرازي)
الدر المصون (للسمين الحلبي)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (للبقاعي)
الانتصار للقرآن (للقاضي أبي بكر الباقلاني)
الروض الأنف (للسهيلي)
معترك الأقران (للسيوطي)
شبه المشككين (موقع وزارة الأوقاف المصرية)
نحو تفسير موضوعي (للشيخ محمد الغزالي)
الإسلام والاستبداد السياسي
المرأة في الإسلام
المال في القرآن (للشيخ محمود غريب) .
ثالثًا: تَمَّ إضافة كتاب مائة سؤال في النصرانية (وذلك بعد الفراغ من نص الكتاب) ليقف كل معادٍ للإسلام، وطاعن في القرآن صاغرًا أمام كبرياء القرآن، خجلا من فضائح كتابه المحرَّف "المقدس"
رابعًا: هذا الكتاب ردٌّ على الفاسق الفاجر القسيس عبد الله الفادي، الذي يزعم - زورا وبهتانا - أنه وهب حياته للبحث وخرج بهذه النتائج، وما هو إلا مفترٍ كذوب، شأنه شأن غيره من المستشرقين الذين أعماهم التعصب عن إبصار الحق المبين.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل.
قال بعض العلماء:
ولو كان القرآن من عند غير الله لاختلف النظم في الحسن والبهاء والقول في الشداقة والبلاغة والمعنى من حيث الفساد والصحة ومن حيث الإتقان والمتانة.
فإن قلت: هذه مجرد دعوى لا تتكي على دليل وقد أخذ على القرآن مناقضات وإشكالات جمة ربما ألف فيه التأليفات، وهي إشكالات لفظية ترجع إلى قصوره في جهات البلاغة ومناقضات معنوية تعود إلى خطئه في آرائه وأنظاره وتعليماته، وقد أجاب عنها المسلمون بما لا يرجع في الحقيقة إلا إلى التأويلات التي يحترزها الكلام الجاري على سنن الاستقامة وارتضاء الفطرة السليمة.
قلت: ما أشير إليه من المناقضات والإشكالات موجودة في كتب التفسير وغيرها مع أجوبتها ومنها هذا الكتاب، فالإشكال أقرب إلى الدعوى الخالية عن البيان.
ولا تكاد تجد في هذه المؤلفات التي ذكرها المستشكل شبهة أوردوها أو مناقضة أخذوها إلا وهي مذكورة في مسفورات المفسرين مع أجوبتها فأخذوا الإشكالات وجمعوها ورتبوها وتركوا الأجوبة وأهملوها، ونعم ما قيل: لو كانت عين الحب متهمة فعين البغض أولى بالتهمة.
وصدق الله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) . (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) .
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) . (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) .
1 / 4
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونتوبُ إِليه ونستغفرُه، ونَعوذُ باللهِ من
شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أَعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشهدُ أَنْ لا إِله إِلّا الله، وحْدَه لا شريكَ له، وأَشهدُ أَنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، وعلى آلِه وصحبه أَجمعين.
أَما بعد:
فهذا الكتابُ هو الثاني عشر من السلسلةِ القرآنية التي أَعانَنا اللهُ على
إِصدارها " من كنوز القرآن "، وللهِ الحمدُ والشكر.
وقد خَصَّصْنا هذا الكتابَ " القرآن ونقض مطاعن الرهبان " للانتصار
للقرآن، والدفاعِ عنه أَمامَ هجماتِ أَعدائِه، الذين انْتَقَصوهُ وخَطَّؤُوه، وأَثاروا حولَه الشبهات، ووجَّهوا له الاتهامات، وتَعامَلوا معه بعَداوَةٍ وتَحامُل.
أَدَرْنا هذا الكتابَ لتفنيدِ اتهاماتٍ وجَّهها له أَحَدُ رجالِ الدين النصارى
- أَو مجموعةٌ من رجالِ الدين النصارى - وزَعَمَ أَنَّ القرآنَ ليس معصومًا من الأَخطاءِ، ففيه مجموعةٌ من الأَخْطاءِ، تُعَدُّ بالعَشَرات، في مختلفِ المجالات، وشَتّى الموضوعات.
الكتابُ الذي خَصَّصْنا كتابَنا للرَّدِّ عليه وتَفنيدِ شُبهاتِه واتهاماتِه هو: " هل
القرآنُ معصوم؟ " ونُسِب إِلى رجلِ دينٍ نصرانيّ، هو " عبد الله الفادي ".
ويَبدو أَنَّ هذا الاسْمَ مستعار.
وصَدَرَ الكتابُ عن مؤسسةٍ تنصيرية في النمسا، اسْمُها " ضوءُ الحياة "، وظهرتْ طبعَتُه الأُولى عام (١٩٩٤م)، وتوزِّعُه هيئاتُ ومراكزُ
التبشيرِ النصرانية، ودَعَتْ مؤسسةُ " ضوءِ الحياة " إِلى مراسلتِها، لإرسالِ الكتابِ لمن يَطلبونَه، كما أَنها أَنْزَلَتْه على " الإنترنت ".
1 / 5
والظاهرُ أَنَّ هذا الكتابَ ثمرةُ جهودٍ مشتركةٍ لمجموعةٍ من رجالِ الدينِ
النصارى، تَفَرَّغوا للنظر في القرآن، بهدفِ انتقادِه، وبيانِ أَخْطائِه وتناقُضاتِه
- حسبَ مزاعِمهم - ويَبدو أَنهم رَدَّدوا ما قالَه اليهودُ والنصارى من قبلِهم، وظَنّوا أَنهم بذلك سيقضونَ على القرآن، ويوقفونَ انتشارَه، ولكنْ خابَ ظَنُّهم، فالقرآنُ غالبٌ منصور، ونورُه منتشرٌ مشرق، يفتحُ اللهُ له القلوبَ والعقول، في الغرب والشرق.
وبما أَنَّ الكتاب " هل القرآن معصوم؟ " في الظاهر من إِعدادِ مؤلِّفٍ
واحد، هو " عبد الله الفادي " فسننظرُ إِليه وننقدُه على هذا الأَساس، ونستعينُ عليه بالله.
أَخبرَ " عبدُ الله الفادي " في مقدمةِ كتابه أَنه " رجلُ دينٍ نصراني " حريصٌ
على القيام " بخدمةٍ منتجةٍ دائمةِ الأَثرِ للجنس البشري "، وأَنْ يُقَدِّمَ للناس عملًا عظيمًا، يَخدمُهم ويُقدمُ فيه الخيرَ لهم.
فماذا سيقدِّمُ لهم، وبماذا سيخدمُهم؟.
رأى أَنَّ أَفضلَ ما يخدمُهم به هو أنْ يُحَذِّرَهم من خطرٍ كبير، ويُنَبِّهَهم
إِلى افتراءٍ عظيم، حتى لا يُخْدعوا به، إِنَّ هذا الافتراءَ هو القرآنُ، الذي ادَّعى محمدٌ ﷺ أَنه وَحيٌ أَوْحى اللهُ به إِليه، مع أَنَّ الفادي يوقنُ أَنَّه لا وَحْيَ بعدَ الإِنجيل، ولا رسولَ بعدَ المسيح!! فما أَتَى به محمدٌ ﷺ كَذِبٌ وإفكٌ مفترى.
قال في مقدمتِه: " ...
ولكنني كرجلِ دين، رأيتُ أَنْ أَدرسَ القرآنَ..
وبما
أَنَّ اللهَ واحدٌ، ودينَه واحد، وكتابَه المقدَّسَ واحد، الذي ختمهُ بظهورِ المسيح كلمتِه المتجسِّد، وقال: إِنَّ مَنْ يَزيدُ على هذا الكتاب يَزيدُ اللهُ عليه الضرباتِ المكتوبة فيه، وبما أَنَّ القرآن يقول: إِنه وحي، أَخذتُ على عاتِقي دراستَه ودراسة تفاسيرِه، فدرسْتُه مِرارًا عديدة، ووقَفْتُ على ما جاءَ به، ووضعْتُ تعليقاتي في قالبِ مئتين وثلاثة وأَربعين سؤالًا، خدمةً للحق، وتَبصرة لأُولي الألباب..
"!!.
ادَّعى عبدُ الله الفادي أَنه وجدَ في القرآن مئتين وثلاثةً وأَربعين خطأً،
1 / 6
وهذا معناهُ أَنَّ القرآنَ ليس معصومًا من الخطأ، ومعناهُ أَنه ليسَ وَحْيًا من الله، وليس كلامَ الله، إِذْ لو كانَ كلامَ الله لما وُجدَ فيه خطأ واحد!! وإذا لم يكن القرآنُ كلامَ الله، لم يكنْ محمدٌ رسولًا من عندِ الله، وإِنما هو مُفْتَرٍ مُدَّعٍ، ومعنى هذا أَنَّ الإِسلامَ ليس دينًا من عندِ الله، وأَنَّ مَنْ يَعتنقُ الإسلام فهو كافرٌ وعلى دينٍ باطل! والدينُ الوحيدُ المقبولُ عند الله هو الدينُ اليهودي والدين النصراني، واليهودُ والنصارى هم وحدهم المؤمنون الموَحِّدون!!.
قَسَّمَ الفادي أَسئلتَه عن القرآن، التي عَرَضَ فيها أَخطاءَ القرآنِ، إِلى
عشرةِ أقسام " هي: أَسئلةٌ جغرافية، وأَسئلةٌ تاريخية، وأَسئلةٌ أَخلاقية، وأَسئلةٌ لاهوتية، وأَسئلةٌ لغوية، وأَسئلةٌ تشريعية، وأَسئلة اجتماعية، وأَسئلةٌ علمية، وأَسلةٌ فنية، وأَسلةٌ خاصةٌ بحياةِ رسولِ الله ﷺ.
وجاءَ الكتابُ في مئتين وتسعٍ وخمسين صفحة.
وتُوَزّعُ الكتابَ هيئاتٌ وجمعياتٌ تنصيرية، بطريقةٍ خاصة، وتوجّهه إِلى
المسلمين، بهدفِ تشكيكِهم، في القرآن، الذي يؤمنون به، وتَدْعوهم هذه
الهيئاتُ إِلى التعجبِ من وجودِ مئاتِ الأَخطاءِ في كتابهم!!.
ومن بابِ الكيدِ واللؤمِ والخبث، وضعت الجهةُ التنصيريةُ المشرفة على
تأليفِ الكتابِ وطَبْعِه ونَشْرِه وتوزيعِه بين المسلمين في آخرِ الكتاب مسابقةً
مكوَّنةً من عشرةِ أَسئلة، لتتأَكَّدَ اللجنةُ من أَنَّ القارئَ قرأَ الكتاب، واستوعَبَ ما فيه، وطالَبَتْهُ بالإِجابةِ على الأسئلة، وإرسالِ الإجاباتِ إِليها، لتُقَدّمَ له الجوائز.
قالت اللجنةُ في بدايةِ المسابقة: " أَيها القارئُ العزيز: إِنْ تعمقْتَ في
قراءةِ هذا الكتاب، تستطيعُ أَنْ تُجاوبَ على الأَسئلةِ بسهولة.
ونحنُ مستعدّون أَنْ نُرسلَ لك أَحَدَ كتبِنا الروحية، جائزةً على اجتهادِك..
لا تنسَ أَنْ تكتب اسْمَك وعنوانَك كاملًا، عند إرسال إِجابتِك إِلينا..
".
وَوَضَعَتْ عنوانَها في النمسا لمراسلتِها..
1 / 7
ونَزلَت اللجنةُ المذكورةُ الكتابَ على الشبكةِ العنكبوتية " الإنترنت ".
المشكلةُ في القِسّيس عبدِ الله الفادي أَنه دَخَل عالمَ القرآنِ بمقررٍ فكريٍّ
مُسْبَق، هو أَنَ القرآنَ تأليفٌ بشريٌّ وليس كلامَ الله، وتعامَلَ معه على هذا
الأَساس، وزَعَمَ وُجودَ هذه الأَخطاءِ فيه.
ومن جَهْلِ الفادي بقواعدِ البحثِ العلميِّ الموضوعيّ المحايد أنه أَخذ
كلامَ المفسرين، وما فيه من أَخطاء، وحَمَّلَ القرآنَ مسؤوليتَه، كما أَنه أَلصقَ بالقرآنِ ما أَخذَه من خرافاتٍ وأَساطير.
لا يتحمَّلُ القرآنُ إِلا مسؤوليةَ ما فيه من كلام، أَمّا أَفهامُ المفسِّرين
لكلامِه فلا يتحملُ مسؤوليتَها، لأَنها فهمُ البشرِ لكلامِ الله.
وقد رأَيْنا من المناسبِ أَنْ نَرُدَّ على كتابِ الفادي " هل القرآن معصوم؟ "
وأَنْ نُبَيّنَ تَهافُتَ أَسئلتِه، وتَفاهَةَ انتقاداتِه..
والذي دَفَعَنا إِلى الرَّدّ عليه أَنه يمثلُ خُلاصةَ جُهودِ النصارى في فَحْصِ القرآن، وإِثارةِ الأَسئلةِ والشبهاتِ حوله، فهناك كتبٌ كثيرةٌ لنصارى عديدين، تنتقدُ القرآنَ، وتُثيرُ حولَه الاعتراضات، وتزعمُ الوقوفَ على أَخطاء، ولقد قرأنا بعضَ تلك الكتب، ولدى مقارنتها بهذا الكتاب، وجدناه خلاصةً لها، فالرّدُّ عليه رَدّ عليها، لأَنه لَخَّصَ ما في تلك الكتب من أَسئلةٍ وتشكيكات.
إِنَّ من اليقينِ عند كل مسلمٍ أَنَّ القرآنَ كتابُ الله، وأَن اللهَ قد تكَفَّلَ
بحفْظهِ حتى قيامِ الساعة، وأَنه لا خَطَأَ في القرآن، في أَيّ جانبٍ من جوانبه،
وأَنه أَعظمُ معجزةٍ لرسول الله ﷺ.
وقد تحدّى القرآنُ الكفارَ أَنْ يَجدوا ائيه أَيَّ خَطَأ أَو اختلافٍ أَو تناقُضٍ
أَو تَعارُضٍ أَو ضَعْف، قالى تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) .
الدعوةُ إِلى تَدَبُّرِ القرآنِ موجَّهَةٌ لجميعِ الناس، المؤمنين والكافرين، يتدبَّرُ
المؤمنونَ القرآنَ ليزدادوا يَقينًا أَنه مُنَزَّهٌ عن الأَخطاء، وأَنه كلامُ الله..
1 / 8
ويتدبَّرُ الكفارُ القرآن، ويَنظرونَ فيه، لعلَّهم يَجدونَ فيه خطأً أَو اختلافًا،
فإِنْ فَعَلوا ذلك فلن يجدوا فيه ما يَبحثونَ عنه!!.
والقرآنُ لا يُوَجّهُ الدعوةَ للكفارِ لتدبرِه واكتشافِ الخَطَأ والاختلافِ فيه،
إِلّا وهو واثقٌ من عَدَمِ وجودِ ذلك فيه، فلو كان فيه خَطَأٌ أَو اختلافٌ لما دخلَ معركةَ التحدي!!.
ونظرَ الكفارُ في القرآن، وبَحَثوا عن أَخطاء فيه، واستمرتْ نظراتُهم فيه
أكثرَ من خمسةَ عَشَرَ قَرْنًا، وما زالوا يبحثون، وما زالَ القرآنُ يَتَحَدَّاهم،
ويقولُ لهم: هاتوا ما وَجَدتُم عندي من خَطَأ أَو اختلاف!.
وقَدَّمَ الكفارُ ما زَعَموا أَنهم وَجَدوه في القرآن، ونَظَرَ فيه العلماء، فوجدوهُ
تافِهًا مُتَهافتًا، لا وَزْنَ ولا قيمةَ له، ولا يَقفُ أَمامَ النقدِ والتمحيصِ والرد!!.
ولقد قَدَّمَ القسيسُ عبد الله الفادي ما ذَكَرَه إِخوانُه الكفارُ ممَّا ظَنّوه
أَخطاءَ في القرآن، وجَمَعها في كتابِه، وهو يظنُّ أَنه بذلك يوجِّهُ الضربةَ
القاضيةَ للقرآن، ولنْ يَستطيعَ حَمَلَةُ القرآنِ وجنودُه الرَّدَّ عليها!! وتباهى القسيسُ فيما قَدَّم في كتابه، وافتخرَ إِخوانُه بما سَجَّلَه، وعملوا على توزيعِ الكتابِ على أَوسعِ مدى!!.
ونشهدُ أَنَّ كَلامَ الفادي المفترِي في كتابه تافِهٌ مُتَهافت، والرَّدُّ عليه
وإِظهارُ تهافتِه سهلٌ ميسور، والرَّدُّ على الأسئلةِ المثارةِ مقدورٌ عليه، ولم يَأخُذْ
منَّا جُهدًا كبيرًا ولله الحمد.
ونُقَدِّمُ هذا الكتابَ " القرآن ونقض مطاعن الرهبان " إِلى المسلمين،
ليَزْدادوا يَقينًا بأَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وأَنه مُنَزَّهٌ عن الأَخطاءِ والمطاعن، ولِيَقفوا على تهافُتِ وتَفاهةِ أَسئلةِ واعتراضاتِ الكفارِ عليه، وليعرفوا كيفيةَ الرَّدِّ عليها..
فقد يَلتقي أَحَدُهم مع أَحَدِ المنَصِّرينَ المُشكَكينَ في القرآن، فيقدِّمُ له أَسئلةً مثلَ ما في هذا الكتاب، وعندما يقرأُ الردودَ التي في هذا الكتاب تسهلُ عليه الإجابةُ على تلك الأَسئلة.
1 / 9
لقد صَعَّد أَعداءُ القرآنِ المعاصرون من شبهاتِهم ضدَّ القرآن، وحَرصوا
على نَشْرِها بين المسلمين، وكثيرٌ من المسلمين سمعوا كثيرًا من الأَسئلةِ
المُشَكِّكة الموجودةِ في هذا الكتاب، ونَدْعوهم إِلى الوقوفِ على نَقْضِها ورَدّها
في هذا الكتاب.
ونقدمُ هذا الكتابَ ليكون خُطوةً نحوَ الأَمامِ في الانتصارِ للقرآن،
ومواجهةِ أَعدائِه، ونقضِ مطاعنهم، وإطْلاع القرّاء على نماذجَ من مكائدِ
الأَعداء، وتمكينِهم من دَحْضِها.
ونسألُ اللهَ حُسْنَ القبول، وجزيل الأجر والثواب.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الخميس ٢٨/ ١٠ / ١٤٢٦/ هـ
١ / ١٢ / ٢٠٠٥
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
1 / 10
تعريف بكتاب " هل القرآن معصوم؟ "
" هل القرآن معصوم؟ ".
عنوانٌ مثير، لكتابٍ حول القرآن، ظهرتْ طبعَتُه الأُولى عام (١٩٩٤ م)،
وقد صَدَرَ بثلاثِ لغات: الأَلمانيةِ والإِنجليزيةِ والعربية.
وجاءَ في صفحةِ العنوانِ أَنَّ مؤلِّفَه هو " عبدُ الله الفادي "، وهو اسْمٌ
مُسْتَعار، ويَبدو أَنه لم يُؤَلِّفْهُ رجلٌ واحد، وإِنما أَعَدَّه مجموعةٌ من القساوسةِ
والرهبان.
وقد طُبعَ فى النمسا، وصَدَرَ عن مؤسسةٍ تنصيرية، اسْمها: Light of Life
ومعناه: " نور الحياة "!!.
وعنوانُ الكتابِ مقصود، والاستفهامُ للإثارة، فمَعْنَى سؤالِهم: " هل
القرآنُ معصوم؟ " تقرير أَنَّ القرآنَ ليس مُنَزَّهًا عن الخَطَأ، وإِنما فيه عَشَراتُ
الأَخطاءِ المختلفة، وهذا معْناهُ أَنه ليسَ من عندِ الله، فلو كانَ من عندِ الله لما وُجِدَ فيه خَطَأٌ واحد!.
وقد قَسَّمَ مؤلِّفو الكتابِ كِتابَهم إِلى عشْرَةِ أَجزاء، ادَّعَوْا أَنهم وَجَدوا في
كُلِّ جزءٍ منها مجموعةً من الأَخطاءِ في القرآن.
الجزءُ الأَول: أَسئلةٌ جغرافيةٌ.
زَعَموا فيه وجودَ اثْنَي عَشَرَ خَطَأً جغرافيًّا في القرآن.
الجزءُ الثاني: أَسئلةٌ تاريخية.
زَعَموا فيه وجودَ خمسةٍ وخَمسينَ خَطَأً
تاريخيًّا في القرآن.
الجزء الثالث: أَسئلةٌ أَخلاقية.
زَعَموا فيه وُجودَ تسعةِ أَخطاءٍ أَخْلاقية في
القرآن.
1 / 11
الجزءُ الرابع: أَسئلةٌ لاهوتية.
زَعَموا فيه وُجودَ تسعةٍ وعشرين خطأً
لاهوتيًّا في القرآن.
الجزءُ الخامس: أَسئلةٌ لغوية.
زَعموا فيه وجودَ خمسةٍ وعشرين خَطَأً
لغويًّا في القرآن.
الجزءُ السادس: أَسئلةٌ تشريعية.
زَعَموا فيه وُجودَ ستةٍ وعشرين خطأً
تشريعيًّا في القرآن.
الجزءُ السابع: أَسئلةٌ اجتماعية.
زَعَموا فيه وُجودَ واحدٍ وعشرين خطأً
اجتماعيًّا في القرآن.
الجزءُ الثامن: أَسئلةٌ علمية.
زَعَموا فيه وُجودَ اثْنَيْن وعشرين خطأً علميًّا
في القرآن.
الجزءُ التاسع: اسئلةٌ فنيَّة.
زَعَموا فيه وُجودَ أَحَدَ عَشَرَ خَطأً فنيًّا في
القرآن.
الجزءُ العاشر: أَسئلةٌ خاصَّةٌ عن محمدٍ ﷺ.
زَعَموا فيه وجودَ ثلاثةٍ وثلاثين خطأً يتعلقُ بحياةِ الرسولِ ﷺ في القرآن.
أَيْ أَنَّ الذينَ أَلَّفوا الكتابَ وَجَدوا في القرآنِ مئتين وثلاثةً وأَربعين خَطَأً،
في مختلفِ موضوعاتِه، وهذا رقمٌ كَبير، لو صَحَّ لكانَ القرآنُ باطِلًا مَليئًا
بالأَخطاء!!.
وقد وَضَعَ مُؤلِّفو الكتابِ في آخرِهِ قائمةً بالمراجعِ التي رَجَعوا إِليها،
واستَخْرَجوا منها أَخطاءَ القرآن، وكانت اثنين وعشرين كتابًا، معظمُها لمؤَلّفين من النَّصارى، خَصَّصوها لانْتقادِ القرآنِ وإِثارةِ الشبهاتِ حولَه.
ومن بابِ المبالغةِ في الكيدِ أَرادَ مُؤلفو الكتاب أَنْ ترسخَ شُبهاتُهم في
ذهنِ القارئ، فَوَضَعوا في آخِرِ الكتابِ مسابقة، طَلَبوا فيها من القارئ الإِجابةَ على أسئلةٍ اختاروها من الكتاب، وإِرسالَ الإِجاباتِ إِليهم في النمسا، ليُرسلوا له جائزةً قيمةً بسببِ اجتهادِه! وقالوا في مقدمةِ المسابقة: " أَيُّها القارئُ العزيز:
1 / 12
إِنْ تَعَمَّقْتَ في قراءةِ هذا الكتاب تَستطيعُ أَنْ تُجاوِبَ على الأسئلةِ بسُهولَة..
ونحنُ مُسْتعدّونَ أَنْ نرسلَ لك أًحَدَ كتُبِنا الروحية جائزةً على اجتهادِك..
ولا تَنْسَ أَنْ تَكتبَ اسْمَك وعنوانَك كامِلًا عند إِرسال إِجابتِك إِلينا..
".
ومن الأَسئلةِ التي طَلَبوا من القارئِ الإِجابةَ عليها:
السؤالُ الأَول: في القرآنِ عشرةُ أَنواعٍ من الأَخطاء.
ما هي؟.
السؤالُ الثاني: اذكُرْ خمسةً من الأَخطاءِ الجغرافية، التي وَرَدَتْ في هذا
الكتاب!.
السؤالُ الثالث: ذَكَرَ المؤَلِّفُ خَمسًا وخمسينَ غلطةً تاريخيّة في القرآن،
اكْتُبْ عَشْرَ غَلْطاتٍ منها، واشْرَحْ ثلاثًا من هذه العَشْر.
السؤالُ الرابع: يُحَلِّلُ القرآنُ تسعَ خَطايا.
ما هي؟
اذْكُرْ أَكْثَرَ ما ساءَكَ منها.
السؤالُ الخامس: أَثارَ المؤلِّفُ تسعةً وعشرين سؤالًا لاهوتيًا حَوْل
القرآن.
اشرحْ خمسةً منها.
السؤالُ السادس: وَجَدَ المؤلِّفُ ستًّا وعشرينَ غَلْطَةً لغويةً في القرآن.
اذْكُرْ خمسًا منها.
السؤالُ السابع: وَجَدَ المؤَلِّفُ ستةً وعشرينَ خطأً تشريعيًّا في القرآن
اذْكُرْ خمسة منها.
السؤالُ الثامنْ وَجَدَ المؤَلِّفُ إِحْدى وعشرين غَلطةً اجتماعيةً في القرآن.
اذْكُرْ خمسًا منها.
السؤالُ التاسع: تَساءَلَ المؤَلِّفُ عن اثْنَيْن وعشرينَ أَمْرًا عِلْمِيًّا خاطِئًا في
القرآن.
اذكُرْ خمسةً منها.
السؤالُ العاشر: وَجَدَ المؤلِّفُ في حياةِ نبيِّ الإِسلام ثلاثًا وثلاثين أَمْرًا
مَعيبًا.
اذكُرْ ما تعتبرُ أَنه أَسوَؤُها، واشرَحْه..
ثم اذكُرْ ما تعتبرُه أَنه ليس
مَعيبًا، ودافِعْ عن وجهةِ نظرِك.
ويَلبسُ المفْتَرونَ ثوبَ الموضوعيهِ والإِنصافِ و"الديمقراطية" عندما
1 / 13
يَسمحونَ للإِنسانِ أَنْ يُخالِفَهم، ويَأذَنونَ له أَنْ يُدافِعَ عن وجهةِ نَظَرِه، كما جاءَ في السؤالِ العاشر!!.
وهذا الكتابُ حلقةٌ عنيفةٌ حادَّةٌ صاخبةٌ من مسلسلِ " الهجومِ على
القرآن "، الذي يَشُنُّهُ عليه أَعداؤُه، من اليهودِ والنصارى، وسائرِ الأَعداء، الذين لا يَعترفونَ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله، ولا يُؤمنونَ أَنَّ محمدًا هو رسولُ الله ﷺ، وإِنما يعلنونَ أَنَّ محمدًا ﷺ مُفْتَرٍ كَذّاب، ادَّعى أَنه نبيّ، وزَعَمَ أَنَّ القرآنَ وَحْيٌ
من اللهِ إِليه، مع أَنه هو الذي أَلَّفَه، وأَعانَه عليه قومٌ آخَرون!!.
هذا وإِنَّ الحملةَ على القرآنِ طويلةٌ مستمرة، مضى عليها خمسةَ عَشَرَ
قَرْنًا، وباءَتْ بالفشلِ ولله الحمد، وبقيَ القرآنُ ثابِتًا قويًّا، وغالِبًا مَنْصورًا
ظافرًا، ولن يكونَ هذا الكتابُ الكِتابَ الأَوَّلَ في الهجومِ على القرآن، فقد
سبَقَهُ آلافُ الكتبِ الحاقدةِ المسمومة، طواها الزمَنُ في مَلَفّات التاريخِ
المنسية، فَنَسِيَها الناسُ ونسوا أصحابَها، وبقيَ القرآنُ حَيًّا مُؤَثّرًا، مَحْفوظًا
مَتْلُوًّا، مَعْروفًا مُفَسَّرًا!! كما أَنَ هذا الكتابَ لن يكونَ الأَخيرَ في هذا المسلسلِ الحاقدِ الخَبيث، إِذْ سَتَتْلوهُ وتتبعُه كُتُبٌ أُخرى، يُؤَلِّفُها أَعداءٌ حاقِدونَ في القرونِ القادمة، وسَيَبْقى القُرآنُ مُحارَبًا مُهاجَمًا من قِبَلِ أَعدائِه حتى قيامِ الساعة، ولكنّه سيبقى غالِبًا بإِذْنِ اللهِ حتى قيامِ الساعة، فنحنُ لا نَخافُ على القرآنِ الهزيمة، لأَننا موقنونَ من انتصارِهِ بإِذْنِ الله.
وقبلَ البَدْءِ بتفْنِيدِ كلامِ هؤلاءِ الحاقدين في شُبهاتِهم التي اعْتَبَروها
أَخطاءً، نُقَرِّرُ أَنه لا يوجَدُ أَيّ خَطَأ في القرآن، في أَيِّ موضوعٍ من
موضوعاتِه، لا في اللغة، ولا في العقيدة، ولا في الفقه، ولا في التاريخ،
ولا في الجغرافيا، ولا في الاجتماع، ولا في الأَخلاق، ولا في العلم، ولا
في السياسة، ولا في السيرة! وما اعْتَبَرَه هؤلاءِ المفترونَ أَخطاءً في القرآن،
إِنما هو وفقَ ما صَوَّرَتْه عُقولُهم القاصرة، وأَفهامُهم السقيمة، ونَظَراتُهم
العاجزة، ويَصْدُقُ على كلامِهم قولُ الشاعر:
وَكَمْ مِنْ عائِبٍ قَوْلًا صَحيحًا ...
وآفَتُه هي الفَهْمُ السَّقيمُ
1 / 14
نقد مقدمة الكتاب
سبقَ أَن قلنا: إِنَّ كتابَ " هل القرآن معصوم؟ " صادرٌ عن لجنةٍ من
المنَصّرين، جَمعوا ما ظَنّوه خَطَأً في القرآن، من مختلفِ المراجعِ والمصادر،
ولكنَ الكتابَ منسوبٌ إِلى اسمٍ مستعار، هو " عبدُ اللهِ الفادي "، الذي زَعَمَ أَنه هو الذي أَلَّفَه! وسَتَكُونُ ردودُنا على عبد الله الفادي الذي نُسِبَ الكتابُ إليه!!.
مما قالَه المفترِي الفادي في مقدمةِ الكتاب: " رَغِبْتُ منذُ حَدَاثَتي أَنْ أَقومَ
بخدمةٍ مُنتجةٍ دائمةِ الأَثَرِ للجنسِ البشري، وليس في مَقْدوري أَنْ أَكتشفَ قارة، مِثْلَ ما فَعَلَ " كولُمْبُس "، ولا أَنْ أَخترعَ مِذْياعًا، كما فعلَ " ماركوني "، ولا أَنْ أُسَخِّرَ الكهرباء، مثلَ ما فَعَلَ " أَديسون "، ولا أَنْ أُحَلّلَ الذَّرَّة، كما فعلَ " أَيْنِشْتايْن "، فليسَ شيءٌ من هذا يَدخلُ في دائرةِ اخْتِصاصي..
ولكنَّني كرجلِ دين، رأيتُ أَنْ أَدْرُس القرآنَ..
".
المؤَلّفُ " عبدُ الله الفادي " قِسّيس، وَرَجُلُ دينٍ نصراني، وبما أَنه
مُتَخَصصٌ في الدين، فهو يُريدُ أَنْ يَقومَ بدراسةٍ دينيّة، يَخدِمُ بها الجنسَ البشريَّ خدمةً دائمة.
وأَيُّ دينٍ سيَدْرُسُه دراسةً فاحصة؟
هل هو الدينُ اليهوديّ أَم الدينُ النصرانيُّ أَم الدينُ الإِسلامي؟.
العهدُ القديمُ أَساسُ الدينِ اليهودي، وهو جزءٌ من الدينِ النصراني، لأَنَّ
العهدَ القديمَ والعهدَ الجديد يُكَوِّنان " الكتابَ المقَدَّس " الذي يُؤْمِنُ به النَّصارى أَنهُ من عندِ الله.
لم يَبْقَ أَمَامَه إِلّا إِلاسلامُ ليَدْرُسَه، وبما أَنَّ القرآنَ هو أَساسُ الإِسلام،
فلْيُوَجِّه القِسّيسُ " الفادي " نَظَراتِه الكنسيَّةَ النصرانيةَ إِليه، ليَدْرُسَه دراسةً مفصَّلَةً، يقدمُ بها خدمةً للبشرية!.
1 / 15
ولا مانعَ من أَنْ يدرسَ أَيُّ إِنسانٍ القرآن، والقرآنُ لا يَخْشى من أَنْ
يَدرسَهُ أَيُّ إِنسان، سواء كانَ مُسْلِمًا أَو يَهوديًا أَو نصرانيًّا، قِسّيسًا أَو باحِثًا أَو عالِمًا، لكنَّه يَشترطُ على الذي سَيدرُسُه شَرْطًا واحدًا، هو: أَنْ لا يُقْبِلَ على القرآن بمقَرَّر فكري أَو عقيديٍّ مُسْبَق، وأَنْ لا يَحملَ فكرةً يُريدُ إِثْباتَها في القرآن! إِنَّه إِنْ فَعَلَ ذلك تكونُ دراستُه مُنحازةً مُتحاملة، ومن ثَمَّ سيخرجُ من هذه الدراسةِ بنتائجَ خاطئة، تَقومُ على التحامُلِ والهوى والمزاجية.
يَطلبُ القرآنُ من كُلِّ إِنسانٍ أَنْ يَضَعَ فكرتَه المسبقةَ عن القُرآنِ جانبًا،
وأَنْ يَدْخُلَ عالمَ القرآنِ وهو خالي الدهْن، وأَنْ يكونَ هدفُه من ذلك البحثَ
عن الحقيقة، والرغبةَ في المعرفة، ومُتابعةَ الحَقّ، وبذلكَ تكونُ دراستُه
موضوعيةً عادلةً مُنصفَة، وسيخرجُ منها بنتائج صحيحة.
ولقد قامَ بدراسةِ القرآن كثيرون من مُفَكِّري الغربِ النَّصارى، وكانتْ
دراستُهم مَوضوعيةً مُحايدةً مُنْصفة، غيرَ قائمةٍ على المقَرَّرِ الذهنيِّ المسْبَق،
والانحيازِ الدينيِّ المسبقِ ضدَّه.
وقد قادَتْهم تلك الدراسةُ إِلى اليقينِ بأَنَّ القرآنَ حَقّ لا خطأَ فيه، وأَنه من عندِ الله، وفي مقدمةِ هؤلاء البروفسورُ الفرنسي " موريس بوكاي "، والقِسّيسُ الكندي " جاري ميللر "، والقسّيسُ السوداني
" أَشوك يانق "!.
أَمّا إِذا وَضَعَ الدارسُ في ذهْنِه مُقَرَّرًا مُسْبَقًا عن القرآن، وأَقبلَ عليه
يدرسُه لتحقيقِ وتأكيدِ ذلك المقَرَّر، فسوفَ تكونُ دراستُه مُتَحاملةً مُنحازةً
ضدَّه، وسيكونُ نظرُهُ في القرآن نَظَرًا خاطِئًا.
كأَنْ يوقِنَ القِسّيسُ أَنَّ القرآنَ ليس وَحْيًا من الله، وإِنما هو من تأليفِ البشر، وأَنَّ محمدًا ﷺ ليسَ رسولًا، وإنما هو مُدَّعٍ مُفْتَرٍ، وأَنَّ في القرآنِ أَخطاءً عديدة، ثم يَدرسُ القرآنَ ليأخذَ منه الأَدلَّةَ والأَمثلةَ على ما يُؤْمِنُ به! عند ذلك سَيَخرجُ بنتائجَ خاطئة، ويَزعمُ أَنه وَجَدَ الأَدلةَ على ما يُريد!.
وهذا ما فعلَه القِسّيسُ " عبد الله الفادي " في دراستِه " هل القرآنُ معصوم؟ "
1 / 16
وقد صَرَّحَ هو بدراستِه المتحاملةِ المنحازَة، ومُقَرَّرِه المسْبَقِ الذي أَقبلَ به على
القرآن، وذلك بقولِه في المقدِّمَة: " وبما أَنَّ اللهَ واحد، ودينَه واحد، وكتابَه المقَدَّسَ واحد، الذي خَتَمَهُ بظهورِ المسيحِ كلمتِه المتَجَسِّد، وقال: إِنَّ مَنْ يَزيدُ على هذا الكتاب، يَزيدُ اللهُ عليه الضرباتِ المكتوبةَ فيه، وبما أَنَّ القرآنَ يَقول: إِنه وَحْي، أَخَذْتُ على عاتِقي دراستَه! ".
هكذا إِذَن، يُؤْمِنُ القِسّيسُ أَنَّ كتابَ اللهِ المقَدَّسَ واحد، وهو العهدُ
القديمُ والعهدُ الجديد، وأَن اللهَ أَنرْل العهدَ الجديدَ على عيسى ﷺ، وهَدَّدَ أَيَّ إِنسانٍ يَزيدُ شيئًا على هذا الكتاب.
أَيْ: يُؤمنُ القِسّيسُ " الفادي " أَنه لا وَحْيَ بعدَ الإِنجيل، ولا نبيَّ بعدَ
عيسى ﵇! وهذا مَعناه أَنه يُؤمنُ أَنَّ القرآنَ ليس وَحْيًا من عندِ الله، وأَنَّ محمدًا ليسَ رسول الله، فالقرآنُ صناعةٌ بشرية، فهو غيرُ معصوم، وإِنما هو مليءٌ بالأَخْطاء.
آمَنَ القِسّيسُ بهذه الفكرة، وتَسَلَّحَ بهذا السِّلاح، ووضعَ هذا المنظارَ
على عينيه، وأَقبلَ على القرآنِ يَدرسُه ويَنظرُ فيه، ويُقَدِّمُ بذلك خدمةً للجنسِ البشريّ!.
فماذا سيجدُ فيه؟
سيجدُ فيه مجموعةً من الأَخطاء، في مختلفِ
المجالات والموضوعات، تُقاربُ مئتين وخمسين خطأً!!.
ونقول: أَينَ الباحثونَ الغربيّونَ النَّصارى، الذين دَرَسوا القرآنَ دراسةً
موضوعيةً، من هذه الأَخطاء، التي اكتشفَها " الفادي "؟
لماذا لم يَرَها موريس بوكاي، ولا جاري ميللر وغيرهما؟!.
ثم ما الذي دَرَسَه القِسّيس " الفادي "؟
دَرَسَ القرآنَ دراسةً متحاملةً
منحازة، ودرسَ التفاسيرَ القرآنية، قال في المقدمة: "..
وبما أَنَّ القرآنَ
يَقول: إِنه وَحْيٌ، أَخَذْتُ على عاتِقي دراستَه، ودراسةَ تَفاسيره، فدرَسْتُه مِرارًا عديدة، ووقَفْتُ على ما جاءَ به..
".
1 / 17
والتفسيرُ الوحيدُ الذي أَثبتَه الفادي في قائمةِ المراجعِ هو تفسيرُ
البيضاوي، ولا أَدري لماذا تَفسيرُ البيضاوي دونَ غيرِه؟
فهناكَ تَفاسيرُ مأثورة
أَفضلُ منه، كتفسيرِ الطبري وتفسيرِ ابن كثير.
ثم ما دَخْلُ التفاسيرِ في الدراسةِ الموضوعية للنَّصِّ القرآني؟
إِنَّ التفاسيرَ هي الفهمُ البشريّ لمعاني القرآن، كما سَجَّلَه السادةُ المفَسِّرون لها، وهذا الفهمُ البشريُّ يَنطبقُ عليه ما ينطبقُ على كُلِّ الأَعمالِ البشريةِ القاصرة، ومهما بَلَغَ أَصحابُها من العلمِ والدقةِ والإِتقان، فإِنها ليستْ معصومةً من الخطأ، ولا مُنَزَّهَةً عن الضعفِ والنقص.
ولذلك وُجِدَتْ في التفاسيرِ المختلفةِ أَخطاءٌ عديدة، باعتبارِها جُهْدًا
بشريًّا، ولا يوجَدُ تفسيرٌ خالٍ من الخطأ، سواء كانَ قَديمًا أَو معاصرًا.
وهدْا معناهُ أَنَّ النَّصَّ القرآني لا يَتَحَمَّلُ الخَطَأَ الموجودَ في تلك التفاسير، ولا يَجوزُ أَنْ نَنسبَ الخَطَأَ إِلى القرآنِ، لأَنَّ هذا الخَطَأَ وُجِدَ عند
الطبريِّ أَو الرازيّ أَو البيضاويِّ أَو القرطبيِّ أو غيرهم.
فالفهمُ البشريُّ للقرآن ليسَ حُجَّةً على القرآن، إِلّا عندَ أَصحابِ النظراتِ الحاقدةِ على القرآنِ!.
وقالَ الفادي في مقدمتِه: " وَوَضَعْتُ تعليقاتي على قالَبِ مئتين وثلاثةٍ
وأَربعين سؤالًا، خِدمةً للحق، وتبصرةً لأُولي الأَلباب..
".
وسوفَ نُتابعُ الفادي في أَسئلتِه وشبهاتِه واعتراضاتِه، التي ادّعى أَنه
اكْتَشَفَها في القرآن، وسننظرُ فيها بمنظارِ القرآن، لنعرفَ تهافُتَها وتَفاهَتَها،
وصَدَقَ اللهُ القائل: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) .
1 / 18
الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية
1 / 19
هل تَغيبُ الشمسُ في بئرِ ماء؟
زَعَمَ " الفادي " أَنَّ القرآنَ أَخطأَ في حديثِهِ عن مَغيبِ الشمس، حيثُ أَخبرَ
أَنَّ الشمسَ تَغيبُ في بئْرِ ماء!.
وذلك في قولهِ تعالى عن رحلةِ ذي القرنَيْنِ الأُولى نحوَ مغربِ الشمس:
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (٨٥) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ...) .
نَسَبَ الفادي إِلى " البيضاويِّ " أَنه قالَ في تفسيرِه عن ذي القرنين: " إِنَّ
اليهودَ سأَلوا محمدًا عن إِسكندر الأَكبر؟
فقال: إِنَّ اللهَ مَكَّنَ له في الأَرض، فسارَ إِلى المكانِ الذي تَغربُ فيه الشمس، فَوَجَدَها تغربُ في بئرٍ حَمِئَة، وحولَ البئْرِ قومٌ يَعْبُدونَ الأَوثان! ".
هل كان الفادي أَمينًا في النقلِ عن البيضاوي؟
هل هذا الكلامُ موجودٌ في تفسيرِ البيضاوي؟
لِننظرْ!.
قال البيضاوي: " ... واخْتُلِفَ في نبوةِ ذي القَرْنَين، مع الاتفاقِ على إِيمانِه وصَلاحِه..
والسائلونَ هم اليهود، سأَلوهُ امتحانًا، أَو مشركو مكة ... ".
لم يكن الفادي أَمينًا في النقل، وإِنما كان مُحَرِّفًا، ونَسَبَ إِلى البيضاويِّ
ما لم يَقُلْه، وكَذَبَ على رسولِ اللهِ ﷺ.
ذَكَرَ البيضاويُّ قولَيْن في الذينَ سأَلوا رسولَ الله ﷺ عن ذي القرنين،
1 / 21
هل هم اليهودُ أَو المشركون؟
والراجحُ أَنَّ الذينَ أَوْصَوْا أَنْ يُسْأَلَ عن ذي القرنين والذين صاغوا السؤالَ هم اليهود، وأَنَّ الذينَ وَجَّهوا له السؤالَ هم
مشركو مكة، فلا تعارضَ بين القولَيْن اللذين ذَكرهما البيضاوي، مع أَنَّ الأَوْلى أَنْ نَعتبر السائلين مشركي مكة، لأنهم هم الذين وَجَّهوا له السؤالَ مباشرة!.
ولما سُئِلَ عن ذي القرنين انتظرَ حتى يأْتيَه الجوابُ من الله، لأَنه لم يكنْ
يعلمُ عنه شيئًا، وآتاهُ اللهُ الجوابَ في قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣) .
وقد تلاعَبَ الفادي في كلام البيضاوي وحَرَّفَه، لحاجةٍ في نفسِه، فَزَعَمَ
أَنَّ اليهودَ سألوا رسولَ الله ﷺ عن الإِسكندر الأكبر، مع أَنهم سأَلوهُ عن ذي القرنين، وليس عن الإِسكندرِ الأَكبر، والراجحُ عند علماءِ المسلمين أَنَّ ذا القرنَيْن ليس هو الإِسكندرَ الأَكبر!.
وافترى الفادي على رسولِ الله ﷺ، عندما نَسَبَ له حَديثًا موضوعًا، لم يَقُلْه، وهو: " إِنَّ اللهَ مَكَّنَ له في الأَرض، فسارَ إِلى المكانِ الذي تَغربُ فيه الشمس، فوجَدَها تَغربُ في بئرٍ حَمِئَة، وحولَ البئرِ قومٌ يَعبدونَ الأَصنام ".
ونَشهدُ أَن رسولَ الله ﷺ لم يَقُلْ هذا الكلامَ الذي نَسَبَهُ له الفادي المفترِي، فهو ليسَ حَديثًا صَحيحًا ولا حَسَنًا ولا ضَعيفًا، وإِنما هو مكذوبٌ موضوع.
وبعدما كَذَبَ الفادي المفترِي على رسولِ الله ﷺ، افترى على البيضاويِّ فَنَسَبَهُ له، مع أَنه لا يوجَدُ في تفسيرِه إ!.
وتابَعَ المفترِي افتراءَه على رسولِ إلله ﷺ وعلى البيضاوي، عندما قال: " ...
وَسارَ إِلى المكانِ الذي تَطلعُ منه الشمس، فاكتشفَ أَنها تطلعُ على قومٍ لا يَسترُهم من الشمسِ بُيوتٌ أَو ثياب! وسارَ في طريقٍ معترضٍ بين مطلع الشمسِ ومغربها إلى الشمال، فوجَدَه يَنْتَهي إِلى جَبَلَيْن، فصَبَّ بينَهما رَدْمًا من
1 / 22
الحدِيد، وكَوَّنَ بذلك سَدًّا مَنيعًا، لا يُدرِكُه إِلّا الله يومَ قيامِ الساعة..
"!!
وهذا كلامٌ مفترىً، لم يَقُلْه رسولُ الله ﷺ، ولم يَذْكُرْه البيضاوي..
ونَقَلَ الفادي عن تفسيرِ البيضاوي قولًا آخر، وذلك في قولِه: " وقال
البيضاوي: إِنَّ ابنَ عباس سمعَ معاويةَ يَقرأُ " حامِيَة "، فقالَ: (حمَئَةٍ) فبعثَ
معاويةُ إِلى كعبِ الأَحبار: كيفَ تجدُ الشمسَ تَغرُب؟
قال: في ماءٍ وطين.. ".
وكانَ الفادي مُفْتَرِيًا على البيضاوي في هذا النقلِ أَيْضًا، فالذي في تفسيرِ
البيضاوي هو: " في عينٍ حَمِئَة: ذاتِ حَمَأ..
من: حَمِئَت البئرُ " إِذا صارَتْ ذاتَ حَمْأَة..
وقرأَ ابنُ عامر وحمزةُ والكسائيّ وأَبو بكر: " حامِيَة ".
أَيْ: حارَّة..
ولا تَنافي بينَهما، لجَوازِ أَنْ تكونَ العينُ جامعةً للوصْفَين ...
ولعلَّه بلغَ ساحلَ المحيطِ فرآها كذلك..
وقيلَ: إِنَّ ابْنَ عباسٍ سمعَ معاويةَ يقرأُ
" حامِيَة "، فقال: (حمَئَةٍ) ..
فبعثَ معاويةُ إِلى كعبِ الأَحبار: كيفَ تجدُ
الشمسَ تَغْرُبُ؟
قال: في ماءٍ وطين، كذلك نجدُه في التَّوراة! " (١) .
وأَدْعو إِلى المقاربةِ بينَ كلامِ البيضاوي، والكلامِ الذي نَسَبَهُ له الفادي،
لمعرفةِ افترائِه وتَحريفِه وتَلاعُبه.
الإِمامُ البيضاويُّ يُريدُ أَنْ يُفَسِّرَ كلمةَ (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) .
فقال: إِنَها عينٌ ذاتُ حَمَأ.
وذَكَرَ مِثالًا على هذا المعنى للتَّوضيح.
فقال: " يقال: حَمِئَت البئر؟
إِذا صارَتْ ذاتَ حمأة ".
والحَمَأُ هو: الطينُ الأَسودُ المنتنُ المتغَير.
ويُقال: حَمِئَ الماءُ حَمَأً: إِذا كَثُرَ فيه الحَمَأُ، وهو الطِّين، فَتَكَدَّرَ وتَغَيَّرَتْ رائحتُه.
ويقال: حَمَأَت البئرُ:
أَيْ: أَخْرَجَتْ حَمْأَتَها.
والعينُ الحَمِئَةُ هي: التي فيها الحَمَأُ.
وهو الطّين.
وقد أَخْبَرَنا اللهُ أَنه خَلَقَ الإِنسانَ من حَمَأ، فقال تعالى:
_________
(١) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:
٤٤- حول غروب الشمس فى عين حمئة ومخالفة ذلك للحقائق العلمية
تغرب الشمس فى عين حمئة، حسب القرآن [الكهف: ٨٦] وهذا مخالف للعلم الثابت. فكيف يقال إن القرآن لا يتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة؟ (انتهى) .
الرد على الشبهة:
فى حكاية القرآن الكريم لنبأ " ذو القرنين " حديث عن أنه إبان رحلته: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قومًا..) (١) .
والعين الحمئة، هى عين الماء ذات الحمأ، أى ذات الطين الأسود المنتن.
ولما كان العلم الثابت قد قطعت حقائقه بأن الأرض كروية، وأنها تدور حول نفسها وحول الشمس، فإن غروب الشمس ليس اختفاء فى عين أو غير عين، حمئة أو غير حمئة.. والسؤال: هل هناك تعارض بين حقائق هذا العلم الثابت وبين النص القرآنى؟.
ليس هناك أدنى تعارض - ولا حتى شبهة تعارض - بين النص القرآنى وبين الحقائق العلمية.. ذلك أن حديث القرآن هنا هو عن الرؤية البصرية للقوم الذين ذهب إليهم ذو القرنين، فمنتهى أفق بصرهم قد جعلهم يرون اختفاء الشمس - غروبها - فى هذه البحيرة - العين الحمئة -.. وذلك مثل من يجلس منا على شاطئ البحر عند غروب الشمس، فإن أفق بصره يجعله يرى قرص الشمس يغوص - رويدًا رويدًا - فى قلب ماء البحر.
فالحكاية هنا عما يحسبه الرائى غروبًا فى العين الحمئة، أو فى البحر المحيط.. وليست الحكاية عن إخبار القرآن بالحقيقة العلمية الخاصة بدوران الأرض حول الشمس، وعن ماذا يعنيه العلم فى مسألة الغروب.
وقد نقل القفال، أبو بكر الشاشى محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر [٤٢٩ - ٥٠٧هـ - /١٠٣٧ - ١١١٤م] عن بعض العلماء تفسيرًا لهذه الرؤية، متسقًا مع الحقيقة العلمية، فقال: " ليس المراد أنه [أى ذو القرنين] انتهى إلى الشمس مشرقًا ومغربًا حتى وصل إلى جِرْمها ومسَّها.. فهى أعظم من أن تدخل فى عين من عيون الأرض، بل هى أكبر من الأرض أضعافًا مضاعفة. وإنما المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة [أى البقاع المعمورة والمأهولة] من جهة المغرب ومن جهة المشرق، فوجدها فى رأى العين تغرب فى عين حمئة، كما أنا نشاهدها فى الأرض الملساء كأنها تدخل فى الأرض، ولهذا قال: (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سِترا) (٢) . ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسّهم وتلاصقهم، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم.. " (٣) .
فالوصف هو لرؤية العين، وثقافة الرائى.. وليس للحقيقة العلمية الخاصة بالشمس فى علاقتها بالأرض ودورانها، وحقيقة المعنى العلمى للشروق والغروب.
فلا تناقض بين النص القرآنى وبين الثابت من حقائق العلوم.. اهـ (شبهات المشككين)
_________
(١) الكهف: ٨٦.
(٢) الكهف: ٩٠.
(٣) القرطبى [الجامع لأحكام القرآن] ج١١ ص ٤٩، ٥٠ - مصدر سابق -.
1 / 23
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) .
والحَمَأُ المسْنونُ هو الطينُ الأَسودُ المتغَيِّرُ.
فالعينُ الحمئةُ هي العينُ ذاتُ الحَمَأ، أَي التي اخْتَلَطَ فيها الماءُ بالطين.
وذَكَرَ الإِمامُ البيضاويُّ البِئْرَ لتَوضيحِ معنى الحمأ، فقال: مِن حَمِئَتِ البِئْر، إِذا صارَتْ ذاتَ حمأ.
أَي: اخْتَلَطَ ماءُ البئرِ بالطينِ، فصارت البئْرُ حَمِئَة، اخْتَلَطَ ماؤُها بالطين!.
وذَكَرَ البيضاويُّ أَنَّ في " حَمِئَة " قراءَتَيْن:
الأُولى: قراءةُ نافع وابنِ كثير وأَبي عمرو ويعقوب ورواية حفص عن
عاصم: (حِمَةٍ) بالهمز، ومَعْنى: (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ): عينٍ اخْتَلَطَ ماؤُها
بالحَمَأِ والطين.
الثانية: قراءةُ ابنِ عامر وحمزة والكسائي وخلف وأَبي جعفر ورواية أَبي
بكر عن عاصم: " حامِيَة ".
ومعنى: " في عينٍ حامِيَة ": عينٍ حارَّةٍ.
وذكرَ البيضاويُّ: أَنَّ ابنَ عباسٍ كان يقرأُ: (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) بالهمزة،
بينما كانَ معاويةُ بنُ أَبي سفيان ﵄ يقرأُ: " في عينٍ حامِيَة ".
وروى البيضاويُّ: أَنَّ معاويةَ ﵁ بعثَ إِلى كعبِ الأَحبارِ يسأَلُه: كيفَ تجدُ الشمسَ تغرب؟
قال: " تغربُ في ماءٍ وطين، كذلك نجدُه في التوراة ".
وبدأَ البيضاويُّ الروايةَ بصيغةِ " قيل "، وهي صيغةٌ دالَّةٌ على التمريضِ
والتضعيف! ومعناها أَنَّ الروايةَ لم تَثْبُتْ!!.
ولما نَقَلَ الفادي المفترِي الروايةَ حَذَفَ من كلامِ كعبِ الأَحبار الجملةَ
الأَخيرة: " كذلك نجدُهُ في التوراة "، لئلا يُثبتَ هذا الكلامَ في التوراة!! مع أَنَّ الروايةَ لم تَثبت كما قلنا!!.
وبهذا نعرفُ أَنَّ الفادي كاذبٌ مُفْتَرٍ، عندما نَسَبَ للبيضاوي قولَه: إِنَّ
الشمسَ تغربُ في ماءٍ وطين، وهذا معناهُ أَنها تَغيبُ في بئرٍ حمئة! مع أَنَّ
البيضاويَّ لم يَقُلْ ذلك أَبَدًا.
1 / 24