The Prophetic Biography between Narrated Traditions and Quranic Verses
السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية
Géneros
بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ - يعني رسول الله ﷺ قال أبو سفيان: قلت: لا! ... إلى أن قال هرقل: وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرتَ أن لا! فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله (١).
فكانت حكاية نوح تسلية للنبي ﷺ مما حدث من قومه، ولكنهم مع ذلك لم يكونوا يكذبونه كما ذكر القرآن الكريم تثبيتًا للنبي ﷺ وإذهابًا للحزن عنه حيث قال تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣]، ويحتمل أن يراد به أمين من جانب الله تعالى على الأمة التي أرسل إليها، والتأكيد أيضًا لتوقع الإنكار منهم (٢)، تلك الأمانة التي تدلنا على صدق الرسول في الوحي وغيره مما أخبر به، هي رد قاطع على "وات" في هذيانه من بدايته إلى نهايته.
الأمر الثاني: الذي سقنا بسببه هذا المبحث، وهو مشاركته أهل مكة حتى وصل إلى هذه الدرجة بينهم.
أشرنا في الأمر الأول إلى أن ارتضاءهم لرأيه ﷺ وتنفيذهم له لم يكن من فراغ، أو انكفاء على الذات، أو مقاطعة أو انشغال عن أحداث المجتمع، بل جاء إسهام النبي ﷺ في القضايا الكبرى وغيرها التي عاشتها مكة آنذاك مغطيًا شتى مساحات العمل البشري، عاملًا في كل اتجاه، حتى قالت له خديجة ﵂ «والله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتَصْدُقُ الحديث، وتحمل الكلَّ، وتَكسِبُ المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق» (٣) فكان يبني كل هذه النشاطات عبر شخصية قادرة على التصدي
(١) رواه البخاري (٦)، كتاب بدء الوحي.
(٢) انظر العلامة بن عاشور، "التحرير والتنوير" (١٥٨ - ١٥٩/ ١٩).
(٣) البخاري، (٤٥٧٢).
1 / 223