The Prophetic Biography between Narrated Traditions and Quranic Verses
السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية
Géneros
أما كونه ﷺ محل رضا هؤلاء الكفار آنئذ فهو دليل على كونه قد ساهم في أعمال كثيرة، وقام فيها بالأداء العالي، ولم يقصر فيما أسند إليه، بل بلغ فيه الدرجة القصوى التي تدل على أعلى درجات الأمانة؛ لأن الدرجة العادية كانت - لا شك - لكثير من قريش، ولم يطلق على واحد منهم هذه التسمية، بدليل أنه لو طلع آخر غير النبي ﷺ وارتضوا حكمه فرضًا، فإنهم لن يقولوا جاءكم الأمين.
أما أمانة الرسل عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في القرآن الكريم، فقد صرح بها في غير لبس على لسان الرسل ﵈ أنفسهم، فقد جاء في ذكر سيدنا نوح ﵇ قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ [الشعراء: ١٠٥ - ١٠٧] وكذلك في حق هود وصالح ولوط وشعيب وموسى (١) ﵈ ونستدل بها على أمانة النبي ﷺ من وجوه نذكر اثنين لأهميتهما:
الأول: أن سياق القرآن الكريم يدل على أن الله تعالى أمر المرسلين بأن يذكروا وينبهوا أقوامهم بأنهم أمناء في قوله: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ [الشعراء: ١٢٥]، أما الرسول ﷺ فلم يوجه إليه ذلك الأمر، بل الكفار هم المخاطبون له ابتداء بالأمانة، ومن ثم لم نجد في القرآن الكريم قوله للرسول: إني لكم رسول أمين، لأنهم هم من أطلقوه عليه فلم يكن بحاجة إلى تذكيرهم به فكان ﷺ بذلك أعلى درجة بتوفيق الله ورعايته سبحانه.
والوجه الثاني: أن رسول الله ﷺ سيد ولد آدم، فكان بالبرهان أعظمهم أمانة وأعلاهم خلقًا.
(١) في قصص الرسل السابقين في سورة الشعراء، أما موسى ﵇ ففى سورة الدخان ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨)﴾.
1 / 221