The Promised Generation for Victory and Empowerment
الجيل الموعود بالنصر والتمكين
Editorial
دار الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
Ubicación del editor
مصر
Géneros
الجيل الموعود
بالنصر والتمكين
د / مجدي الهلالي
Página desconocida
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى للناشر
١٤٢٩هـ - ٢٠٠٨م
رقم الإيداع: ٢٧١٣٣/ ٢٠٠٧
الترقيم الدولي: I.S.B.N.
٦-٩٦-٦١٤٢-٩٧٧
دار الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع
------------------------
١٨ شارع مطر - أحمد حلمي - شبرا مصر - ت:٠١٠١٠٦٨١٣٥
newandalus@hotmail.com
1 / 1
رب يسر وأعن يا كريم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فلقد وعد الله طائفة من عباده المؤمنين بأن يورثهم الأرض، ويمكنهم فيها ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأعراف:١٢٨).
ولم يحدد الله ﷿ زمانًا ولا مكانًا لظهور تلك الطائفة المنصورة، بل حدد شروطًا وصفات إذا ما حققها جيل من الأجيال في أي زمان وأي مكان فإن وعده ﷾ سيتحقق لهم: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:٥٥).
ومهما اجتهد المجتهدون، وتحرك العاملون للإسلام هنا وهناك، فإن هذا لا يكفي لإعادة مجد الإسلام من جديد، إلا إذا تضمنت حركتهم واجتهادهم العمل على استكمال صفات الجيل الموعود بالنصر والتمكين.
إن وعد الله لا يتخلف: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء:١٠٥)، هذا الوعد ينتظر من يستوفي شروط استدعائه لكي يتحقق.
ويحكي لنا التاريخ أن جيلًا من الأجيال قد استطاع أن يحقق الشروط المطلوبة لتنفيذ الوعد الإلهي، هو جيل الصحابة رضوان الله عليهم فكان الوفاء السريع والكريم من الله ﷿ لهذا الجيل، فأورثهم الأرض، ومكن لهم فيها، وملكهم ممالكها في سنوات قليلة: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾ (التوبة:١١١).
فحري بنا ونحن نعيش مرحلة دقيقة من تاريخ أمتنا، حيث الليل الدامس الذي يغشانا، والنفق المظلم الذي نسير فيه، والدم النازف من جسد الأمة العاني .. حريّ بنا أن نتكاتف جميعًا لإيجاد هذا الجيل الموعود بالنصر والتمكين، وأن نضحي في سبيل تكوينه بالغالي والرخيص، وأن نكثر من التأمل في جيل الصحابة - رضوان الله عليهم - وكيف استطاعوا أن يستكملوا متطلبات النصر والتأييد الإلهي، لنحذو حذوهم ونتشبه بهم ..
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالرجال فلاح
وحول هذا الموضوع - الجيل الموعود بالنصر والتمكين - يدور الحديث في هذه الصفحات والتي نسأل الله أن يلهمنا فيها الرشد والسداد، وأن يتقبلها منا بكرمه وفضله ..
﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة:٣٢).
1 / 2
الفصل الأول
لماذا الجيل الموعود؟!
1 / 3
الفصل الأول
لماذا الجيل الموعود؟!
ما يحدث لأمتنا الإسلامية من ذل وهوان لا يخفى على أحد، فالجراح تملأ جسد الأمة، والضعف والوهن قد أصابه، ولم يعد المسلمون على قلب رجل واحد، ولا راية واحدة، بل تعددت راياتهم، واختلفت وجهاتهم، وتكالب عليهم أعداؤهم من كل مكان.
لقد صرنا أذل أهل الأرض .. لا قيمة لنا، ولا اعتبار لوجودنا، ويكفي ما يفعله بنا إخوان القردة والخنازير وحلفاؤهم الذين وضعونا تحت أقدامهم وسامونا سوء العذاب ... يقتلون أبناءنا، ويهدمون بيوتنا، ويعتقلون شبابنا .. كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر العالم أجمع .. وضع مخزٍ ومرير تعيشه أمة والإسلام، فإلى متى سيستمر ذلك؟!
- أملنا في الله وحده:
مما يزيد الأمر تعقيدًا أن التفوق المادى والتكنولوجي الذي أحرزه أعداؤنا يجعل من الصعب علينا أن نلحق بهم، وفي نفس الوقت فإن الواقع يُخبرنا بأنهم لن يسمحوا لنا بالاقتراب منهم، فضلًا عن التفوق عليهم، فالمساحة التي أتاحوا لنا الحركة فيها محدودة جدًا.
معنى ذلك أن الحسابات المادية تثبت وتؤكد حقيقة استمرار الوضع البائس الذي تعيشه الأمة الإسلامية، بل وستزداد الأوضاع سوءًا نتيجة المطوحات غير المحدودة للصهيونية والصليبية العالمية في بلاد الإسلام.
نعم هذه هي حسابات أهل الأرض، أما حسابات أهل الإيمان فتخبرنا بأن هناك قوة عظيمة لا يمكن للعقل البشري أن يتصور مداها .. هذه القوة إن ساندت أحدًا مهما كان ضعفه؛ فالنصر يكون حليفه بغض النظر عن قوة أعدائه .. إنها القوة الإلهية، قوة الجبار ﷾ الذي له جنود السماوات والأرض، والذي يملك كل شئ، يملك الريح والعواصف، والرعد والبرق، والزلال والبراكين و.. ويملك أنفاس أعدائنا.
هذه القوة هي أملنا الوحيد في مواجهة هجمات أعدائنا الشرسة، وإعادة مجدنا، وريادتنا للبشرية من جديد.
هذه القوة هي التي ساندت الفئة الضعيفة من بني إسرائيل ضد فرعون الطاغية وقومه فماذا حدث؟!
﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ (الأعراف:١٣٧).
- هل نترك الأسباب:
ليس معنى القول بأن أملنا في الله وحده أن نترك الأسباب المادية بدعوى عدم جدواها، وبأن أعداءنا لن يسمحوا لنا بمنافستهم أو الاقتراب منهم في مجالات التقدم العلمي، بل المطلوب هو العكس ... أن نملأ كل فراغ يُتاح أمامنا، ونتغلغل في كل القطاعات، ونجتهد غاية الاجتهاد في امتلاك أسباب القوة، لا لأننا سننتصر بها، ولكن لأن الله ﷿ طالبنا بذلك: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال:٦٠).
وعلى قدر اجتهادنا في الأخذ بما يُتاح أمامنا من أسباب نكون قد حققنا شرطًا من شروط النصر والتغيير، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسباب بعينها لن تحقق لنا النصر، بل الذي سيحققه هو الله ... أليس هو القائل: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ (الأنفال:١٠)، والقائل: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (آل عمران:١٦٠).
- متى نصر الله؟!
فإن كان أملنا في الله وحده، فمتى إذن يتحقق هذا الأمل، فدافع الله عنا، وينصرنا على أعدائنا ويُمكَّن لنا في الأرض؟!
1 / 4
أفاض القرآن في الإجابة على هذا السؤال، وأخبرتنا آياته أن للنصر والتمكين شروطًا، بها يُستدعى ويُستجلب، منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد:١١)، وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد:٧)،
وقوله: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (آل عمران:١٢٠).
فلابد إذن من نصرة الله على نفوسنا، وتغيير ما بها، والانتقال من كل حال يغضب الله ﷿ إلى الحال الذي يرضيه ...
لابد من تغيير عميق يضرب في أعماق الأمة ويعيدها إلى الله إن أردنا الخروج من حالة التيه التي نمر بها.
- بث الروح:
ولكي يتغير حال الأمة من المرض إلى الصحة لابد من وجود من يأخذ بيدها، ويدلها على الدواء، ويعينها على تغيير ما تلبست به مما يغضب الله ﷿.
لابد من جود طائفة أو جيل ينطلق وسط الأمة فيبث الروح والأمل، ويبين لها طريق الصلح مع الله، وبخاصة أن الأمة الإسلامية الآن مهيأة لذلك أكثر من أي وقت آخر، فلقد أسفر أعدؤها عما كانوا يعملون على إخفائه من عداوة وكراهية وحقد أسود. فآلات الذبح لإخواننا المسلمين تُجهزَّ أمام أعيننا، ومخططاتهم الرامية لتذويب شخصيتنا يخبروننا بها قبل تنفيذها إمعانًا في إذلالنا، والقضاء على أي أمل يراودنا ...
- توجيه العاطفة:
نعم، ليست الأمة كلها في غيبوبة، بل هناك عاطفة جياشة تجاه الإسلام، تتنامى بمرور الأيام، ولعل من تلك العاطفة: امتلاء المساجد بالشباب والشيوخ، والإقبال على حلقات القرآن، ودروس العلم، ومنها كذلك: انتشار الحجاب بين المسلمات.
عاطفة جيدة توجد الآن في ربوع الأمة، ولكنها وحدها لا تكفي، بل لابد من حُسن توجيهها إلى الاتجاه الصحيح .. اتجاه التغيير الحقيقي لما في النفس من جوانب عدة ليشمل التصورات والاهتمامات، والسر والعلن، والأقوال والأفعال .. تغييرًا يعيد تشكيل العقل، ويُمكِّن للإيمان في القلب، ويطرد منه حب الدنيا، فينعكس ذلك على السلوك بالمسارعة في الخيرات، والطمع في الدرجات العلى في الجنة، والتعلق بالله ﷿، وقطع الطمع مما في أيدى الناس، مع بذل غاية الجهد في حُسن الإعداد، وامتلاك أسباب القوة.
هذه المهمة - مهمة توجيه العاطفة لإحداث التغيير الحقيقي في النفوس - تحتاج إلى مجهود ضخم، وتعاهد، ومتابعة .. وهنا يأتي دور الجيل الموعود، فهو الجيل المنوط به مهمة تغيير الأمة، وتهيئة أرضها لاستقبال المدد الإلهي.
نعم، إنها مهمة صعبة، ولن يكون الطريق إلى تحقيقها مفروشًا بالورود، فسيقف أمامها أهواء الناس، وحبهم للدنيا وعدم رغبتهم في التضحية ولو بشيء يسير منها، ولكن مع الإصرار ووجود القدوة الصالحة في أبناء جيل التغيير، ومع تأكد من حولهم من صدقهم وحرصهم على مصلحتهم وعدم طلبهم أجرًا وراء أفعالهم .. كل ذلك وغيره من شأنه أن يُعيد الأمة إلى الله شيئًا فشيئًا، وبخاصة إذا ما انتهج أبناء الجيل الموعود أسلوب الحكمة في الدعوة، وتقديم مفهوم التغيير للناس بصورة محببة ومبسطة يستطيعها الجميع.
- قيادة الأمة في الضراء:
على قدر الجهد الذي سيبذله أبناء الجيل الموعود في إيقاظ الأمة، وبث الروح فيها وحُسن توجيه عاطفتها تجاه التغيير الحقيقي والصلح مع الله .. على قدر ذلك كله يكون المدد والتأييد من الله ﷿، والذي سيأتي حتمًا لتبدأ تباشير الفجر في البزوغ، وتشرق شمس الإسلام من جديد في أجزاء متفرقة من الأمة.
فماذا سيحدث عند ذلك؟
1 / 5
يخبرنا التاريخ أنه بمجرد ظهور شعاع النور، وإعلان بداية استيقاظ المارد وتململه من القمقم الذي وضع فيه، فإن جميع القوى الكافرة والتي تحيط بأمتنا ستتوحد ضدنا، وتعمل على إطفاء هذا النور، وإجهاض الأمل، والقضاء على المشروع الإسلامي ...
** ستكون مقاطعة شاملة من الجميع، وستزداد الضغوط على كل مكان تُرفع فيه راية الإسلام.
** ستكون ضغوطًا شديدة لتفت في عضد الأمة، وتعمل على تركيعها، ومن المتوقع أن تُحدث هذه الضغوط ضيقًا وتذمرًا بين عموم الناس، فهم إن كانوا قد أعلنوا تأييدهم للإسلام، واستعدادهم للتضحية من أجله، فإنهم قد لا يستطيعون تحمل توابع المقاطعة، كحرمانهم من بعض احتياجاتهم الأساسية فضلًا عن الترفيهية والكمالية .. هنا يأتي دور الجيل الموعود الذي سيعمل جاهدًا على توفير احتياجات الناس، وبث روح الأمل في نفوسهم، والعمل على تثبيتهم، ورفع معنوياتهم، وربطهم بالله ﷿.
معنى ذلك أن هؤلاء الخُلَّص لن يناموا في هذه الظروف إلا بعد أن ينام الناس، ولن يأكلوا إلا بعد أن يطمئنوا أن الطعام قد وصل للجميع.
** دور خطير ينتظر هذا الجيل في بداية وجود الدولة الإسلامية، لو لم ينهض به لضاع كل شئ، ولعادت الأمور إلى أسوأ مما هي عليه والعياذ بالله.
- مع الجيل الأول:
هذه المراحل، وهذه الأوضاع الصعبة، مرت على رسول الله ﷺ، ومن معه من الجيل الأول .. جيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، الذين كانوا بمثابة الركائز التي قام عليها المجتمع المسلم في المدينة ... هذا المجتمع تعرض في بداية تكوينه إلى ضغوط شديدة، ومحاصرة، ومقاطعة، وتهديدات، وحروب ...
قال أبو العالية في تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:٥٥).
قال: كان النبي ﷺ وأصحابه بمكة نحوًا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده، وإلى عبادته وحده لا شريك له سرًا، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة، فقدموها، فأمرهم الله بالقتال، فكانوا بها خائفين يُمْسون في السلاح ويُصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ما شاء الله، ثم إن رجلًا من الصحابة قال: يا رسول الله ... أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟! أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟! فقال رسول الله ﷺ: (لن تصبروا إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليست فيه حديدة) وأنزل الله هذه الآية، فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب، فآمنوا ووضعوا السلاح ....
وقال البراء بن عازب: نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد (١).
- لماذا الضراء؟
إذن فهناك فترة قاسية ستمر بها الأمة وبخاصة في الأماكن التي سترتفع فيها راية الإسلام ....
فإن قلت: ولماذا تمر الأمة الصاعدة بهذه الفترة، ولماذا ستُترك لهذه الفتنة العظيمة وهي تقف بمفردها أمام العالم أجمع؟!
كان الجواب في قوله تعالى: ﴿الم؟ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ؟ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت:١ - ٣).
_________
(١) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ٣/ ٢٨٣ - مكتبة العبيكان - الرياض.
1 / 6
فهذه الفترة تُعد بمثابة امتحان لمدى صدق الأمة في حبها لله وتعلقها به وتوكلها عليه، ومدى استعدادها للتضحية من أجله، وهي فترة المخاض الأخيرة لولادة الأمة الفتية القوية ..
ومن فوائدها كذلك أنها تقطع تعلق القلوب بما سوى الله، وتُجَرُّدها له سبحانه .. فعندما تنقطع الأسباب المادية، وينعدم الصبر، وتشتد الخطوب، لا تجد الأمة أمامها إلا الله ﷿ فتهرع إليه، وتدعوه دعاء المضطر المشرف على الغرق .. حينئذ يأتي الفرج، ويأتي النصر والتمكين: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة:٢١٤).
- قيادة الأمة في السراء:
وبعد فترة الضيق والشدائد، سيأتي الفرج - بإذن الله - وتبدأ الأمة في التوحد شيئًا فشيئًا، وتتساقط رايات الباطل بسهولة ويسر، وهنا يظهر لجيل التغيير دور جديد ألا وهو العمل على تجميع الأمة على راية واحدة، وقيادتها لإقامة الخلافة الإسلامية، واسترداد كل الديار المغتصبة، وإنقاذ المسلمين المستضعفين في شتى بقاع العالم ...
ويستمر دور الجيل الموعود بعد ذلك في نشر الإسلام وأستاذية العالم وتحقيق وعد رسول الله ﷺ ببلوغ هذا الدين الآفاق، وفتح روما لتُصبح الدولة الإسلامية بذلك هي القوة الأولى في العالم، تنشر الأمن والأمان، وتنقذ البشرية من الضلالة، وتخرجها من الظلمات إلى النور.
نعم سيحدث ذلك - بإذن الله - كما حدث مع الجيل الأول، الذي بدأ بأفراد مطاردين مضطهدين في مكة، يقرأون القرآن، ويستمعون إلى آيات الوعد بالنصر والتمكين، وأقصى أمانيهم في ذلك الوقت أن يبيتوا آمنين، وألا يتعرض أحد منهم لأذى ... هؤلاء هم أنفسهم الذين رأو التمكين بأم أعينهم، وشاهدوا عز الإسلام ومجده، ويا للعجب أن يصبح خوفهم بعد ذلك على أنفسهم من فتنة بسط الدنيا عليهم ..
أخرج البخاري في صحيحه أن عبد الرحمن بن عوف ﵁ أُتي بطعام وكان صائما، فقال: قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني، وكُفِّن في بُردة أن غُطي رأسه بدت رجلاه، وإن غُطي رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا في الدنيا ما بُسط، أو قال: أُعطينا من الدنيا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عُجِّلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
وهذا خباب بن الأرت ﵁ يعود نفر من أصحاب النبي ﷺ فيقولون له: أبشر يا عبد الله، إخوانك تُقم عليهم غدًا، فبكى وقال: أما إنه ليس بي جزع، ولكنكم ذكَّرتموني أقوامًا وسميتم لي إخوانًا، وإن أولئك قد مَضَوا بأجورهم كما هي، وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم (١).
- الاستفادة من الدروس السابقة:
على جيل التغيير ألا يتخلى عن مهمته في قيادة الأمة حتى بعد أن يتم لها السيادة وأستاذية العالم، بل عليه أن يستمر في بناء الأجيال، والحفاظ عليها من أمراض الأمم مثل الترف والظلم، ومن ثَّم البعد عن الله ﷿، والخروج من دائرة معيته وولايته.
_________
(١) حياة الصحابة لمحمد يوسف الكاندهلوى ١/ ١٠٠، ١٠١ - دار صادر - بيروت.
1 / 7
وخلاصة القول: إن حاجة الأمة الآن لوجود جيل التغيير - الجيل الموعود بالنصر والتمكين - حاجة شديدة وماسة تستلزم تكاتف كل الجهود من أجل تكوينه، ولِمَ لا وهو الجيل الذي سيبث الروح في الأمة -بإذن الله- ويوجه عاطفتها توجيهًا صحيحًا نحو التغيير الحقيقي، وسيستمر جيل التغيير في قيادة الأمة فترة الضيق والكرب والمقاطعة المتوقعة من أعداء الإسلام، وسيستمر كذلك في فترة السراء والفتوحات والخلافة وأستاذية العالم، ولن يضع سلاحه أو يركن إلى الدعة بعد ذلك، بل سيواصل بناء الأجيال والحفاظ على المجد والعزة والعمل على نشر الدين الحق في كل مكان ...
1 / 8
الفصل الثاني
مع صفات الجيل الموعود
1 / 9
الفصل الثاني
مع صفات الجيل الموعود
أخبرنا الله ﷿ في كتابه بأن هناك صفات وشروطًا ينبغي أن تتوفر في الطائفة أو الجيل الذي سيمكنه سبحانه ويمده بمدده وتأييده، وينصره على أعدائه .. ولا يشترط لذلك مكان أو زمان بعينه، فالأمر متاح للجميع عبر الزمان والمكان، المطلوب فقط هو استيفاء الشروط المؤهِّلة للدخول في معية الله وكفايته ونصره.
- ليس كلامًا نظريًا:
وقبل أن ينتقل الحديث عن صفات الجيل الموعود، هناك أمر جدير بلفت الانتباه إليه وهو أن الكلام عن الجيل الموعود، وما يمكن أن يحققه الله له ليس كلامًا نظريًا افتراضيًا تُسَوَّد به الصفحات، وليس أماني أو أحلامًا نحلم بها، ونهرب من خلالها من واقعنا المر .. لا والله، بل هي حقائق يمكنها أن تحدث وبأسرع مما قد يتخليه البعض لو اجتهدنا جميعًا في استكمال الشروط المطلوبة، وانتفضنا لتحقيق صفات الجيل الموعود في أنفسنا وفيمن حولنا: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ (الحج:١٥).
ويحكي لنا تاريخ أمتنا بأن هناك جيلًا من الأجيال قام بتحقيق تلك الشروط في نفسه فحقق الله وعده معه ... ذلكم هو جيل الصحابة - رضوان الله عليهم - والذين كانوا قبل إسلامهم غاية في الجاهلية والفرقة والتشرذم، ليأتي الإسلام، ويدخل نوره في قلوبهم، ويحدث التغيير الداخلي فتعاد صياغة شخصياتهم من جديد، ويحققون ما طلبه الله منهم، فيحدث الوفاء السريع والكريم منه سبحانه فيمكن لهم في الأرض، ليحطموا الإمبراطوريات الظالمة، وليصبحوا في سنوات قليلة القوة الأولى في العالم، وينقلوا البشرية إلى عهد جديد زاهر.
هذا الجيل كان قبل إسلامه أبعد بكثير عن الله مما نحن عليه الآن، ومع ذلك فإنه غيَّر ما بنفسه، واستوفى الشروط المؤهلة للنصر والتمكين ساد الأرض، وصنع المجد العظيم للإسلام.
إذن فالأمر الآن بين أيدينا .. لا نحتاج لإعدادات ضخمة، أو مساعدات خارجية، أو .....، بل نحتاج إلى أن نُغير ما بأنفسنا ليظهر من بيننا الجيل الموعود الذي يقود الأمة إلى العز والسيادة كما حدث مع الجيل الأول.
- ضياع المجد:
ولأن وعد الله لا يُخلف: فعندما حققت طائفة من البشر الصفات والشروط المؤهلة للنصر - مع قلة الأسباب المادية لديها - نصرها الله ﷿، ومكنها في الأرض، وعندما بدأت الأجيال التالية لها في التنازل شيئًا فشيئًا عن تلك الصفات، كان الخذلان والخسارة، والعودة مرة أخرى إلى الوراء، ليعلو شأن الكفار من جديد ويصل الوضع إلى ما نحن فيه الآن من بؤس وضياع.
وما فتئ الزمان يدور حتى ... مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يُرى في الركب قومي ... وقدعاشوا أئمته سنينا
1 / 10
- سنة الله في بني إسرائيل:
ولقد تحقق وعد الله وجرت سنته بشقيها على بني إسرائيل، فعندما حقق جيل من أجيالهم الشروط المؤهلة للدخول في المعية الإلهية كان العون والمدد والنصر منه سبحانه: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ (الأعراف:١٣٧).
هذا التمكين الإلهي إنما حدث لبني إسرائيل عندما حققوا ما طلبه الله منهم، فهل حافظوا عليه؟! يخبرنا القرآن بأنهم بعد ذلك بدأوا بالانحراف والابتعاد التدريجي عن الحال الذي أَهلَّهم للدخول في دائرة المعية والتفضيل الإلهي، وبدأ الكِبر والظلم، بل والشرك يظهر بينهم ... فأمهلهم الله ﷿ وتجاوز عنهم مرة ومرة لعلهم يعودون لسابق عهدهم، لكنهم تمادوا في غيهم، وأصروا على ظلمهم واستكبارهم فكان عقابهم الأليم من الله ﷿: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ (آل عمران:١١٢).
- الكرامة على قدر الاستقامة:
إذن فالدخول في دائرة التأييد الإلهي يستلزم شروطًا، والاستمرار في الوجود فيها يتطلب الثبات على هذه الشروط، فكرامة العباد عند ربهم بمقدار استقامتهم وتقواهم، واستمرار الكرامة باستمرار الاستقامة.
ألم يقل سبحانه لحبيبه محمد ﷺ: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ (الرعد:٣٧). إنه قانون سماوي ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (الكهف:٤٩).
- مع صفات جيل التغيير:
مما سبق يتبين لنا أنه لابد من وجود جيل تتحقق فيه الصفات التي تؤهله للدخول في دائرة المعية والنصر والتأييد الإلهي .. نعم، قد تتوفر هذه الصفات في أفراد هنا أو هناك، ولكن هذا وحده لا يكفي، بل لابد من وجود جيل مترابط يتنزل عليه النصر والتمكين.
أما صفات جيل التمكين فلقد تحدث عنها القرآن في العديد من آياته، فعلينا أن نبحث عنها ونتأملها ونستخرج منه ما تدل عليه من صفات ....
وإليك أخي القارئ بعضًا من هذه الآيات:
١ - قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:٥٥).
في هذه الآية نجد أن الله ﷿ قد وعد طائفة من عباده المؤمنين بالاستخلاف والتمكين وربط هذا الوعد بعبادته وعدم الشرك به، أي أن من صفات الجيل الموعود: العبادة، والإخلاص التام لله ﷿.
1 / 11
٢ - قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ؟ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ؟ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة:٥٤ - ٥٦).
هذه الآيات تتحدث عن بعض صفات حزب الله الذي يُكرمه سبحانه بالغلبة والنصر ... هذه الصفات هي:
أولًا: حب الله.
ثانيًا: التواضع.
ثالثًا: الجهاد المتواصل.
رابعًا: العبادة.
خامسًا: الموالاة والتآخي.
٣ - قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال:٦٠).
تتناول هذه الآية صفة الجهاد بمفهومها الواسع من بذل الجهد في الإعداد المادي بكل صوره المتاحة، وفي حدود الاستطاعة.
٤ - قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ... رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ؟ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ (إبراهيم:١٣ - ١٤).
هنا تركز الآيات على الخوف من الله ﷿ كصفة أساسية من صفات التمكين.
٥ - قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ؟ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ (الأنبياء:١٠٥، ١٠٦).
من خلال هذه الآيات نجد أن العبادة والصلاح لابد وأن يكونا من صفات جيل التمكين.
٦ - قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا﴾ (الأعراف:١٣٧)، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (السجدة:٢٤).
في هذه الآيات نجد الصبر والثبات على الحق من أهم صفات الطائفة المنصورة: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (هود:٤٩).
٧ - قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ؟ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ (هود:١١٢، ١١٣).
هنا نجد الوجه الإلهي للفئة المؤمنة بضرورة التحلي بصفة الوسطية والاعتدال، فالطغيان يمثل التشدد، والركون يمثل التفريط والترخص أما الاستقامة فهي بينهما، وبدونها يبتعد المؤمنون عن دائرة الولاية والنصرة الإلهية كما بينت الآيات.
ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة:١٤٣).
1 / 12
٨ - وفي مقابل الآيات التي تتحدث عن صفات الجيل الموعود بالنصر والتمكين، نجد أن هناك آيات تتحدث عن أسباب الهزيمة والخروج من دائرة المعية والتأييد الإلهي، ويُفهم من هذه الآيات ضرورة التخلي عن هذه الصفات لمن يريد النصر والتمكين ... منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ؟ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (التوبة:٣٨،٣٩).
فالتعلق بالدنيا من أخطر الأسباب التي تؤدي إلى الخروج من دائرة المعية والنُصرة الإلهية، ومن ثَّم فمن الضروري أن يكون الزهد في الدنيا وعدم التعلق بها من صفات الجيل الموعود.
- الصفات العشر:
فإذا ما أردنا أن نجمع الصفات التي دلت عليها الآيات السابقة لوجدناها:
١ - الإخلاص لله ﷿.
٢ - محبة الله.
٣ - الخوف من الله.
٤ - العبادة.
٥ - التواضع.
٦ - الزهد في الدنيا.
٧ - الجهاد في سبيل الله.
٨ - الصبر والثبات.
٩ - المولاة والتآخي.
تبقى صفة عاشرة لها أهمية كبيرة وينبغي أن تتوفر في جيل التغيير ألا وهي صفة الوسطية والاعتدال ... هذه الصفة طالب الله ﷿ رسوله ﷺ ومن معه بالتحقق بها وهم لا يزالون في مكة مطاردين ومضطهدين .. قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ؟ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ (هود:١١٢، ١١٣).
فالطغيان يمثل التشدد، والركون يمثل التفريط والترخص، أما الاستقامة فهي بينهما، وبدونها يبتعد المؤمنون عن دائرة الولاية والنصرة الإلهية كما بينت الآيات.
- بين الفردية والجماعية:
الملاحظ في الصفات السابقة أن بعضًا منها يأخذ طابعًا فرديًا، بمعنى أنها تخص كل فرد على حدة وينبغي عليه أن يحققها في نفسه كالإخلاص لله وحبه والخوف منه، والبعض الآخر من الصفات يأخذ طابعًا جماعيًا بمعنى أنه لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مجموع الأفراد بعضهم مع بعض كالإعداد والمؤاخاة، وهذا ما يؤكد عليه القرآن في خطابه الموجه للفئة المؤمنة، والذي نلحظ فيه أنه يخاطبهم بصيغة الجمع باعتبار أن العديد من الصفات الرئيسية لجيل التمكين لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تكاتف الأفراد مع بعضهم البعض، وانصهارهم في بوتقة واحدة .. تأمل معي قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج:٤١). وقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:٧١).
- هل يمكن إضافة صفات أخرى؟!
1 / 13
قبل الانتقال للحديث عن هذه الصفات العشر بشيء من التفصيل هناك ملاحظة جديرة بلفت الانتباه إليها، وهي أن البعض منا قد يرى أن هناك صفات أخرى يمكنه إضافتها إلى هذه الصفات، سواء كانت فردية كالعلم والتوكل على الله، أو جماعية كالانضباط والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نعم، لا بأس من ذلك وبخاصة أن هذه الصفات - كما سيأتي بيانه - ما هي إلا ثمار تنطلق من محاور عدة، هذه المحاور عندما تتحقق في الجيل الموعود فإنها ستثمر بمشيئة الله هذه الصفات العشر وغيرها مما قد يضيفه، وبطريقة طبيعية وسلسة.
معنى هذا أن تلك الصفات ليست على سبيل الحصر، وإن كانت تشكل أهم ما يميز الجيل الموعود من سمات.
وفي الصفحات المقبلة سيتم - بعون الله - إلقاء الضوء على الصفات العشر للجيل الموعود، مع عرض لنماذج من الجيل الأول والذي تحققت فيه هذه الصفات.
أولًا: الإخلاص لله ﷿
(جيل مخلص)
قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:٥٥).
فالآية تخاطب المؤمنين وتبشرهم بالوعد الإلهي بالتمكين والاستخلاف في الأرض شريطة أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.
والملاحظ أن الآية ذكرت كلمة "شَيْئًا" لتخرج بالشرك من الدائرة الضيقة -دائرة الشرك الظاهر- إلى الدائرة الواسعة التي تتضمن كل أنواع الشرك سواء كان ذلك في التوجه أو الاستعانة ...
- شرك التوجه والقصد:
وشرك التوجه هو أن يقصد المرء من أفعاله رضا الله من ناحية، ومن ناحية أخرى يريد بتلك الأفعال رضا الناس وحبهم له، وعلو منزلته عندهم ...، أو يقصد بأعماله رضا الله، وكذلك الحصول على مغنم أو جاه، أو أي فائدة دنيوية.
فكل ما ينافي التوجه التام والمطلق لله ﷿ فهو شرك.
عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه) (١).
وعن شداد بن أوس قال: رأيت النبي ﷺ يبكي، فقلت ما يبكيك يا رسول الله؟! قال: (إني تخوفت على أمتي الشرك أما أنهم لا يعبدون صنمًا ولا شمسًا ولا قمرًا ولا حجرًا ولكنهم يراءون بأعمالهم) (٢).
- شرك الاستعانة:
وكما أننا مطالبون بإخلاص التوجه لله ﷿، وأن يكون رضاه وحده هو المقصد في جميع أعمالنا، فإننا كذلك مطالبون بأن نستعين به وحده على أداء أي عمل، فلا حول ولا قوة لأحد إلا بالله، وعندما يستعين المرء بغير ربه ويظن أنه يصل لهدفه بدونه سبحانه فقد أشرك به ...
ومن الصور الخفية للاستعانة بغير الله:
الاستعانة بالنفس والاعتقاد بما حباها الله من إمكانات على أنها ملك ذاتّي للعبد يفضُلُ بها غيره، أو أنه يمكنه استخدامها والاعتماد عليها وقتما شاء، فإذا ما وصل لهدفه فرح بنفسه ونظر إليها بعين الرضا والإعجاب ... فهذا هو الإعجاب بالنفس الذي يُعد من أخطر أنواع الشرك بالله.
إذن فالشرك بالله يشمل كل شيء يشترك في توجه العبد بأعماله إلى الله، ويشمل كذلك كل شيء يستعين به العبد على القيام بتلك الأعمال.
يقول ابن تيمية: الرياء من باب الإشراك بالخلق، والعُجب من باب الإشراك بالنفس.
_________
(١) رواه مسلم.
(٢) رواه ابن ماجه الحاكم.
1 / 14
ويقول: المعجب بنفسه لا يحقق إياك نستعين، كما أن المرائي لا يحقق إياك نعبد (١).
- خطورة الشرك الخفي:
أما خطورة الشرك الخفي من رياء أو عجب وما يؤديان إليه من غرورو وكبر ونفاق فكبيرة، أقلها إحباط العمل، فكل عمل يخالطه رياء أو عجب فقد أُحبط، وصار هباءً منثورًا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ﴾ (البقرة:٢٦٤).
ومع إحباط العمل فإن العجب يؤدي إلى غضب الله ومقته، قال ﷺ: (من تَعظَّم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان) (٢) .. وقال: (النادم ينتظر الرحمة، والمعجب ينتظر المقت) (٣).
ويؤدي العُجب أيضًا إلى الخذلان وحرمان التوفيق والتعرض للفتن، ولنا في قصة غزوة حنين أبلغ مثال: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ (التوبة:٢٥).
فليست القضية فقط في إخلاص التوجه لله، بل لابد كذلك من الاستعانة الصادقة به سبحانه، وعدم رؤية العمل أو رؤية النفس بعين الفرح والرضا والإعجاب ...
من هنا يتأكد لدينا ضرورة وجود صفة الإخلاص التام لله ﷿ في التوجه والاستعانة لأبناء الجيل الموعود وإلا فلا نصر ولا تمكين.
- من مظاهر الإخلاص:
عندما يسير العبد في طريق الإخلاص لله ﷿ فإن هذا من شأنه أن يترك عليه آثارًا وعلامات يشعر بها بداخله، ويلاحظها عليه من حوله ...
- من هذه العلامات أن العبد لن ينتظر من وراء عمله رضا رؤسائه عنه، أو توجيه الثناء له، أو خلع الألقاب عليه، أو تقديمه على غيره من زملائه.
- ومنها أن يسعى لإخفاء مكانه وعمله غاية الإمكان، فلا يتحدث به تلميحًا ولا تصريحًا.
- ومنه أنه لن يسعى لمعرفة رأي الناس في أعماله، بل يعمل العمل ويجتهد في نسيانه وإخفائه وعدم التحدث به.
- ومنها أيضًا: أن يخاف على نفسه من فتنة الشهرة والأضواء، فيدفعها عن نفسه غاية الإمكان.
- ومنها: أنه يستوي عنده العمل في المقدمة، مع العمل في المؤخرة، بل إن عمله في المؤخرة سيكون أحب إليه حيث لا يتعرض لنظر الناس أو ثنائهم عليه.
- ومنها: استواء المدح والذم لديه، حتى إنه ليدفع مدح الناس لخوفه على نفسه من آثاره السلبية.
- ومنها: عدم ضيقه إذا ما نُسب عمله إلى غيره.
- ومنها: مساعدته للآخرين في أعمالهم والعمل على إنجاحها دون أن يشعر به أحد.
- ومنها: وجود خبيئة من أعمال صالحة بينه وبين الله لا يعلمها أحد سواه.
- ومنها: أنه لن يضيق صدره إذا ما تخطاه الاختيار للقيام بعمل له فيه سابقة خبرة أكثر من غيره، بل إنه يساعد من اختير لذلك ويقدم له نصائحه وخبرته.
- ومنها: أنه لن يهتم برضا الناس عنه أو سخطهم عليه.
- ومنها: أنه لن يتحدث عن نفسه بما يزكيها، ولا يكثرمن قول أنا ... لي ... عندي ... .
- ومنها: أنه لن يفتخر على أحد بشيء حباه الله به.
- ومنها: أنه لن يُحاول إظهار كل إمكاناته وما يعلمه أمام الآخرين.
- ومنها: أنه لن ينظر إلى مغنم من وراء عمله، ولن يستغل منصبه في تحقيق منافع دنيوية له أو لأقاربه وأصدقائه.
- ومنها: عدم المنِّ بالعطايا على الآخرين، وعدم تذكيرهم بها بأي شكل من الأشكال.
_________
(١) العُحب لعمرو بن موسى الحافظ /١١ نقلًا عن مجموع الفتاوى لابن تيمية ١٠/ ٢٧٧.
(٢) صحيح. رواه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن ابن عمرو، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح (٦١٥٧).
(٣) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٧٢٤٥).
1 / 15
- ومنها: أنه يكثر من الاستغفار بعد أعماله الصالحة.
- ومنها: أنه يجاهد نفسه ولا يستسلم لخواطر العُجب، بل يعالجها ويسقيها الشراب المضاد الذي يعيد لها التوازن ويضعها في قالب العبودية.
- ومنها أنه لن يرى أنه مخلص، بل يسيء دومًا الظن بنفسه، ويتهمها بالنفاق و... و... وأشياء كثيرة تدل على الإخلاص التام لله ﷿ في التوجه والاستعانة.
- الجيل الأول والإخلاص:
الناظر والمدقق في سيرة الصحابة - رضوان الله عليهم - وهم الجيل الذي تحقق فيهم وعد الله بالاستخلاف والتمكين، يجد أن مظاهر صفة الإخلاص قد تجلت فيهم بوضوح.
انظر مثلًا إلى حرصهم على إخفاء أعمالهم والذي يتجلى في هذا الأثر:
عن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في غزاة، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، قال: فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي، وسقطت أظافري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق.
قال أبو بريدة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك، كأنه يكره أن يكون شيئًا من عمله أفشاه (١).
وهذا عمر بن الخطاب ﵁ يدخل المسجد فيرى معاذ بن جبل ﵁ يبكي عند قبر رسول الله ﷺ فقال: ما يبكيك؟ فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن اليسير من الرياء شرك، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة) (٢).
لقد كانوا شديدي الحذر من أنفسهم، وكانوا يقفون بالمرصاد أمام كل خواطر العُجب، يقول عروة: رأيت عمر بن الخطاب ﵁ وعلى عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك هذا، فقال: لما أتتني الوفود بالسمع والطاعة دخَلَت في نفسي نخوة، فأحببت أن أكسرها، ومضى بالقربة إلى حجرة امرأة من الأنصار فأفرغها في إنائها ...
وهذا أبو بكر الصديق ﵁ يبعث برسالة إلى خالد بن الوليد ﵁ بعد انتصاراته في العراق يقول له فيها: فليهنك أبا سليمان النية والحظوة فأتمم يتم الله لك، ولا يدخلنك عُجب فتخسر وتُخذل، وإياك أن تُدل بعمل فإن الله له المن وهو ولي الجزاء (٣).
وهذا أبو عبيدة بن الجراح ﵁ يؤم قومًا، فلما انصرف قال: مازال الشيطان بي آنفًا حتى رأيت أن لي فضلًا على من خلفي، لا أَؤم أبدًا (٤).
وكانوا يتدافعون المدح ولا يستسلمون له فهذا علي بن أبي طالب ﵁ يقول لما أُثني عليه: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرًا مما يظنون.
وقال رجل يومًا لابن عمر ﵄: يا خير الناس، وابن خير الناس، فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تُهلكوه.
أما خوفهم على أنفسهم من النفاق فإليك هذا الخبر:
قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه.
وكان عمر بن الخطاب ﵁ يقول لحذيفة ﵁: أُنشدك الله هل سمَّاني لك رسول الله ﷺ، يعني من المنافقين؟ فيقول: لا، ولا أُزكِّي بعدك أحدًا (٥).
_________
(١) رواه مسلم.
(٢) أخرجه الطبراني والحاكم واللفظ له، وقال صحيح الإسناد.
(٣) الأخفياء لوليد سعيد بالحكم / ١٢٩ - دار الأندلس الخضراء - جدة - نقلًا عن تاريخ الطبري ٣/ ٣٨٥.
(٤) الزهد لابن المبارك برقم (٨٣٤) ص ٢٨٧.
(٥) الداء والدواء لابن القيم / ٨٣ - دار ابن كثير - دمشق.
1 / 16
ثانيًا: تمكن حب الله من القلب
(جيل محب لله ﷿
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ؟إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ؟ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة:٥٤ - ٥٦).
فالآيات تتحدث عن الجيل والطائفة التي يحبها الله ﷿ ويرضى عنها ويكتب لها الغلبة على أعدائها ..
هذا الطائفة لها عدة صفات بينتها الآيات السابقة، وأول هذه الصفات هي حبهم لله ﷿ ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.
فإن قلت: ولكن المسلمين جميعًا يحبون الله ﷿، فما الداعي لوجود هذه الصفة؟!
نعم، هناك حب لله في القلوب، ولكن الحب الذي يريده - سبحانه - من الجيل الموعود حبٌ يهيمن على القلب، ويتمكن منه حتى يصير الله أحبّ إليه من كل شيء ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ (البقرة:١٦٥).
هذا الحب الصادق له علامات يُعرف بها ... منها:
١ - طاعة المحبوب والعمل على مرضاته:
العبد المحب لله يسارع ويبادر إلى نيل رضاه .. انظر إلى موسى ﵇ وهو يترك بني إسرائيل وراءه ذاهبًا للقاء ربه قائلًا: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه:٨٤).
ولا يزال المحب الصادق يحرص على إرضاء ربه، وإن بذل في سبيل ذلك كل ما يملك: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾ (البقرة:٢٠٧).
٢ - سرعة الإنابة:
من علامات الحب الصادق مسارعة العبد بالتوبة والاستغفار، والاعتذار، وسكب العبرات، واسترضاء مولاه إذا ما وقع في ذنب، أو قصَّر في أداء واجب لخوفه الدائم من غضب ربه عليه .. انظر إلى محمد ﷺ وهو يناجي ربه ويسترضيه بعد ما حدث له في الطائف من تكذيب وإعراض، وخوفه من أن يكون سبب ذلك منه ... يقول ﷺ: (... إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي ... أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحلّ علىَّ غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ...).
٣ - الشكر على عطاياه:
المحب الصادق في حبه يتلقى هدايا وعطايا ربه بفرح وسعادة وامتنان، وينسب إليه كل فضل وخير يأتيه، ونراه دائمًا ذاكرًا لأنعمه، حامدًا شاكرًا له عليها.
٤ - الصبر على البلايا والرضا بالقضاء:
فالمحب الصادق لله يتحمل إبتلاء ربه له ويرضى بقضائه، فهو يعلم أنه لا يريد به إلا الخير وأنه ما ابتلاه إلا ليطهره، ويقربه إليه: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ (الرعد:٢٢).
٥ - كثرة المناجاة:
من علامات الحب الصادق لله حب الخلوة به، وكثرة مناجاته والثناء عليه، والانطراح بين يديه .. ولما كانت المناجاة تخص المحبوب وحده، فإن المحب دائمًا ينتظر حتى تهدأ الأصوات، وتنام العيون، ويخلو المكان، حتى يهرع إلى ربه، ويأنس به، وما أجمل لحظات الأنس في رحاب الصلاة، وبالأخص في السجود .. لذلك كانت أفضل صلاة بعد المكتوبة قيام الليل حيث يتهيأ الجو للاتصال ... في هذا الوقت ينزل ربنا إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وكماله ..
فكيف بمن يدعي حب الله أن يعرض عن لقاء حبيبه، أو يتركه وينام؟!!
1 / 17
أخذ الفضيل بن عياض بيد الحسين بن زياد وقال: يا حسين، ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول الرب: «كذب من ادعى محبتي، فإذا جَنَّه الليل نام عني .. أليس كل حبيب يحب خلوة حبيبه؟ ها أنذا مطلع على أحبائي إذا جَنَّهُم الليل، مثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطبوني على المشاهدة، وكلموني على الحضور، غدًا أقرُّ عين أحبائي في جنتي» (١).
٦ - حب الرسول ﷺ لله: ومن علامات الحب الصادق: حب ما يحبه سبحانه، وأحب ما يحبه الله ﷿ .. رسول الله ﷺ.
والترجمة العملية لحب الله والرسول ﷺ: طاعته ﷺ فيما جاء به من ربه: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران:٣١).
ولقد اشتد حب الله في قلوب الصحابة فذهب بعضهم إلى رسول الله ﷺ ليخبروه بذلك ويقولون له: يا رسول الله، والله إنا لنحب ربنا، فأنزل الله ﷿ قوله ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (٢).
ويعلق الحافظ ابن كثير على هذه الآية فيقول: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله ليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، قال الحسن: زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية (٣).
٧ - ومن علامات الحب الصادق: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما:
فكل حب آخر من حب للزوجة أو الأولاد أو الآباء أو الأمهات ... ينبغي أن يكون تابعًا لهذا الحب ... لايزاحمه، ولا يعارضه، ويظهر هذا جليًا عند تعارض حب الله ورسوله ومقتضياتهما مع حب شيء آخر كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (التوبة:٢٤) (٤).
٨ - ومن علامات الحب الصادق: الحب في الله والبغض في الله: فالمحب الصادق في دعواه يحب ما يحبه مولاه، ويبغض ما يبغضه.
_________
(١) رهبان الليل لسيد العفاني ١/ ٤٠٨.
(٢) الجامع لأحكام القرآن العظيم للقرطبي ٤/ ٤٠ دار الكتب العلمية.
(٣) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ١/ ٣١٤ مكتبة العبيكان.
(٤) يقول ابن القيم: لا عيب على الرجل في محبته لأهله، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له، محبة الله ورسوله، بحيث تضعفها وتنقصها فهي مذمومة، وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قواتها، فهي محمودة، ولذلك كان رسول الله ﷺ يحب الشراب البارد الحلو ويحب الحلواء والعسل، وكان أحب الثياب إليه القميص، وكان يحب الدباء، فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله، بل قد تجمع الهم والقلب على التفرغ لمحبة الله، فهذه محبة طبيعية تتبع فيه صاحبها وقصده بفعل ما يحبه، فإن نوى به القوة على أمر الله تعالى وطاعته كانت قربة، وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل والمجرد لم يُثب ولم يُعاقب، وإن فاته درجة من فعله متقربًا به إلى الله.
فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله، والمحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معاصيه.
والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله، ومحبة تقطع محبته عن محبة الله أو تنقصها، فهذه ستة أنواع، عليها مدار محاب الخلق ا. هـ انظر إغاثة اللهفان٢/ ١٩٦ - ١٩٧ بتصرف يسير.
1 / 18
قال ﷺ: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله) (١).
فيُحب أي إنسان على قدر ما يحبه الله فيه من صفات. قال ﷺ: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا في الله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار) (٢).
معنى ذلك أن هذا العبد يحب المسلمين، ويكره الكافرين، ويحب المسلم الملتزم بأوامر الله أكثر من المقصر في جنبه، ويحب المؤمن القوي أكثر من المؤمن الضعيف، ويحب أهل المساجد المحافظين على الجمع والجماعات المتبعين لسنة رسول الله ﷺ أكثر ممن لا يحافظون على ذلك.
ويحب أهل الجهاد السائرين في الطريق الصحيح لتمكين دين الله في الأرض أكثر من غيرهم ممن قعد عن الجهاد أو انحرف عن طريقه، ويحب في القاعدين التزامهم بالأوامر الأخرى أكثر من غيرهم من المسلمين الشاردين .. وهكذا.
٩ - ومن علامات الحب الصادق: حب القرآن:
من يحب الله حبًا صادقًا من البديهي أن يحب كلامه ويلتذ به، ويُكثر من قراءته، والاستماع إليه وفهم المراد به.
قال ابن مسعود – ﵁ – لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فمن أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله (٣).
إن كنت تزعم حبي ... لم هجرت كتابي
أما تأملت ما فيه ... من لذيذ خطابي
١٠ - كثرة ذكره: ومن علامات حب الله: كثرة ذكره.
فالمحب يُكثر من ذكر محبوبه، لذلك ترى لسانه دومًا رطبًا بذكر الله فهو لقلبه كالماء للسمك قال ﷺ: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) (٤).
١١ - الدعوة إلى الله:
ومن علامات حب الله: دعوة الناس إلى الله، وتحبيبهم فيه ودلالتهم عليه، قال أبو الدرداء: لما أهبط الله آدم إلى الأرض قال له: يا آدم أحبني وحببني إلى خلقي ...
قال ﷺ: (خيار أمتي من دعا إلى الله وحبب إليه عباده) (٥).
١٢ - ومنها الغضب لله:
والغيرة عليه إذا ما انتهكت محارمه، وعُطِّل شرعه، ونُحَّي كتابه.
١٣ - ومنها حب الجهاد والشهادة في سبيل الله:
فالجهاد في سبيل الله هو بذل الجهد والطاقة من أجل رضا الله ﷿، أما الشهادة فهي تعد بمثابة أكبر دليل على أن حبه سبحانه أحب للعبد من كل شئ.
- الصحابة وحبهم لله:
امتلأت قلوب الصحابة بحب الله، وظهرت آثار ذلك الحب في سلوكهم، وتجلت بوضوح عند تعارضها مع المحاب الأخرى.
ولقد تعارضت هذه المحبة مع محبة الآباء والأبناء والإخوان وذلك في معركة بدر فماذا حدث؟!
لقد قتل أبو عبيدة ﵁ أباه المشرك حين لاقاه في المعركة، وهمَّ أبو بكر الصديق ﵁ بقتل ابنه عبد الرحمن، أما مصعب بن عمير ﵁ فقد قتل أخاه عبيد بن عمير، وعمر بن الخطاب ﵁ قتل قريبًا له، و....
_________
(١) صحيح، رواه الطبراني عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (٢٥٣٩).
(٢) متفق عليه.
(٣) اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى لابن رجب.
(٤) رواه البخاري.
(٥) رواه ابن النجار عن أبي هريرة مرسلًا – انظر كنز العمال ٤٤٠٦٩.
1 / 19