The Phenomenon of Postponement in Islamic Thought
ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
Editorial
دار الكلمة
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Géneros
حتى إنهم لو دعوا الله وعبدوه فإنما يريدون بذلك زيادة الخير والبركة في الصحة والرزق، وهذا باب أوسع من باب فساد النية مع عمل صالح يفعله العبد المؤمن، فهذا الباب - الأخير - يصيب الصالحين ويعرض للمخلصين.
كما أن ظاهر الحديث لا يؤيد كلامه ﵀، فالمقصود من الحديث هو عبودية القلب وإرادته غير الله، وليس مجرد فساد النية مع عمل صالح، ألا ترى أن النبي ﷺ ربط بين العبودية للدنيا وعمل القلب بقوله: "إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط" وهو مطابق لمنطوق ما ذكر الله عن المنافقين في قوله:
«وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ» [التوبة: ٥٨] وهي ضمن سياق كله في النفاق الأكبر.
فعبودية القلب للدنيا التي لحظها شيخ الإسلام المؤلف، هي ذلك الداء العضال الذي ابتليت به الأمة الإسلامية، فنزع الله مهابتها من قلوب أعدائها وقذف في قلوبها (الوهن) حب الدنيا وكراهية الموت، فأصبح حرثها وهمها للدنيا وحدها.
وهذه بلوى أوسع وأخطر من الجهاد من أجل القطيفة والخميلة الذي قد لا يزيد عن كونه ذنبًا عارضًا يتاب منه، وليس المرض العارض كالعاهة المزمنة، والرجل قد يعمل أو يجاهد لأجل القطيفة والخميلة حتى إذا ملكها كانت في يده ولم تكن في قلبه، بخلاف الذي استعبد حبها قلبه وملك عليه لبه، فهذا الحقيق بأن يسميه النبي ﷺ عبدًا لها، وينطبق عليه قوله تعالى: «فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (*) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى» [النجم: ٢٩- ٣٠]
وإرادة القلب للدنيا إفساد لعمل القلب من اليقين والتوكل والرضا ونحوها، بخلاف صرف شيء من العمل للدنيا ففيه إفساد لعمل الجارحة من جهاد وصدقة يريد بها نماء ماله ونحوها، ومع تلازمهما (١) فالأول أعظم من الأخير.
(١) لأن العمل لا ينفصل عن الإيمان
1 / 105