168

The Middle Dictionary of Al-Tabarani, Part Two

القسم الثاني من المعجم الأوسط للطبراني

Investigador

محمود محمد محمد عمارة السعدني

Géneros

في "صحيحه" من حديث أبي هريرة ﵁، قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: "دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ". (^١) - فالإسلام رَسَّخ الأحكام في النفوس، مُعتمدًا على التيسير في الدين، وترك التشديد، والتنطع في الدين، والغُلو فيه، فلا إفراط، ولا تفريط، قال الله: ﷻ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (^٢)، فالأمة الإسلامية وسط في كل شيء، في عقيدتها، وعبادتها، ومعاملاتها، وسلوكها، بل وفي طعامها، وشرابها، قال الله ﷿: ﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)﴾ (^٣)، والأدلة على ذلك من القرآن، والسنة أكثر من أن تُحصى؛ لذا رأينا أنَّ كل مَن ترك الرفق فَتَرَ، وعجز؛ وهذا ليس معناه منع طلب الأكمل في العبادة، والتربية، وفي كل مجالات الحياة، وإنما المراد أن نلتزم بما أمرنا به ديننا الحنيف، وذلك بقدر الطاقة، والاستطاعة، قال الله ﷿: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (^٤)، وقال الله ﷿: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ (^٥)، وأن ننتهي عن كل ما نهى عنه الشرع، حتى ولو كان فيه مشقة على النفس، فهو في الحقيقة في الابتعاد عنه فيه النفع الكامل للبشرية، إلا إذا كان ضرورةً، والضرورةُ تُقدّر بقدرها، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة ﵁، أن النبي ﷺ قال: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ". (^٦) - قال الحافظ ابن حجر: " قوله "يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا" قال الطِّيبي: هو معنى الثاني مِنْ بَاب الْمُقَابَلَةِ المَعْنويَّة لأَن الحقيقية أَنْ يُقَال بَشِّرَا، ولا تُنْذِرَا، وآنسا، ولا تُنَفِّرَا، فَجَمَع بينهما لِيَعُمَّ البِشَارة، والنِّذَارة، والتَّأْنِيس والتَّنْفِير. قُلْتُ - ابن حجر -: ويَظْهر لي أَنَّ النُّكْتَةَ في الْإِتْيان بلَفْظ البِشَارة، وهو الأَصل، وبلفظ التَّنْفِير، وهو اللَّازِم، وأتَى بالَّذي بَعْدَه على العكس؛ للإشارة إلى أَنَّ الإِنْذَار لَا يُنْفَى مُطْلَقًا، بخلاف التَّنْفِيرِ

(^١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢٢٠)، ك/الوضوء، ب/صَبّ الماء على البول في المسجد، وبرقم (٦١٢٨)، ك/الأدب، ب/قول النبي ﷺ "يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا"، وكان يُحب التخفيف، واليسر على النَّاس. (^٢) سورة "البقرة"، آية (١٤٣). (^٣) سورة "الأعراف"، آية (٣١). (^٤) سورة "البقرة"، آية (٢٨٦). (^٥) سورة "التغابن"، آية (١٦) .. (^٦) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٧٢٨٨)، ك/ الاعتصام، ب/ الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ. ومسلم في "صحيحه" (١٣٣٧)، ك/ الحج، ب/ فرض الحج مرة في العمر، وفيه زيادة السؤال عن الحج، أفي كل عام؟، وبرقم (٢٣٥٧/ ٢)، ك/ الفضائل، ب/ وجوب اتباعه ﷺ.

1 / 168