The Judgment of Islam on Those Who Claim the Quran is Contradictory
حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض
Editorial
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Número de edición
السنة السابعة،العدد الأول
Año de publicación
رجب ١٣٩٤هـ/١٩٧٤م
Géneros
مدخل
...
حكم الإسلام فيمن زعم أن الإسلام متناقض
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز
أو مشتمل على بعض الخرافات، أو وصف الرسول ﷺ بما يتضمن تنقصه، أو الطعن في رسالته، والرد على الرئيس أبي رقيبة فيما نسب إليه من ذلك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد نشرت صحيفة "الشهاب" اللبنانية في عددها الصادر في ٢٣/ربيع الأول ١٣٩٤هـ، الموافق ١/نيسان ١٩٧٤ م فقرات خطيرة من خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، الذي ألقاه في مؤتمر المدرسين والمربين، لمناسبة الملتقى الدولي، حول الثقافة الذاتية والوعي القومي، يتضمن الطعن في القرآن الكريم بأنه متناقض، ومشتمل على بعض الخرافات، ووصف الرسول محمدا ﷺ بأنه إنسان بسيط يسافر كثيرا في الصحراء، ويستمع إلى الخرافات البسيطة السائدة في ذلك الوقت، وقد نقل تلك الخرافات إلى القرآن، وهذا نص ما نشرته الصحيفة المذكورة:
1 / 3
بورقيبة في خطاب بالملتقى الدولي حول الثقافة
القرآن متناقض حوى خرافات، مثل قصة أهل الكهف، وعصا موسى؟!
عُقد في تونس، أواخر الشهر الماضي، مؤتمر للمدرسين والمربين، لمناسبة الملتقى الدولي حول الثقافة الذاتية، والوعي القومي، وقد ألقى الرئيس بورقيبة - رئيس الجمهورية التونسية، الحالي، والرئيس المرتقب للجمهورية العربية الإسلامية، التي أعلن عن قيامها، على أساس الإسلام بين ليبيا وتونس - خطابا طويلا بالمدرسين نشرته الصحف التونسية على فقرات، وقد تعرّض - الرئيس بورقيبة - لقضايا فكرية هامة، وأجرى عملية نقد جريئة وعلنية لنصوص قرآنية ثابتة، خلص إلى أنها متناقضة، حينا، وخرافية، حينا آخر، وقد نشرت نص الخطاب جريدة "الصباح" التونسية على جزأين في عددين صدرا بتاريخ ٢٠، ٢١ من شهر آذار، مارس الماضي، وعد عملت وسائل الإعلام الرسمية على حذف النقاط النافرة في الخطاب، وسنورد النقاط المحذوفة التي سمعت حية من الرئيس التونسي، ثم نورد ما نشرته جريدة "الصباح" حرفيا:
١- إن في القرآن تناقضا لم يعد يقبله العقل بين ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾، و﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
٢ - الرسول محمد كان إنسانا بسيطا يسافر كثيرا عبر الصحراء العربية، ويستمع إلى الخرافات البسيطة السائدة في ذلك الوقت، وقد نقل تلك الخرافات إلى القرآن، مثال ذلك: عصا موسى، وهذا شيء لا يقبله العقل، بعد اكتشاف باستور، وقصة أهل الكهف.
٣ - إن المسلمين وصلوا إلى تأليه الرسول محمد، فهم دائما يكررون محمد ﷺ الله يصلي على محمد -، وهذا تأليه لمحمد، وقد دعى، في ختام خطابه، المربين وأهل التعليم إلى تلقين ما قاله حول الإسلام إلى تلاميذهم.
1 / 4
انتهى المقصود مما ذكرته صحيفة "الشهاب" عن خطاب الرئيس أبي رقيبة، وقد أفزع هذا المقال كل مسلم قرأه أو سمعه لما اشتمل عليه من الكفر الصريح، والجرأة على الله سبحانه وعلى رسوله ﷺ من رئيس دولة تنتسب إلى الإسلام، كان المفروض عليه أن يدافع عن دينه، وعن كتاب ربه، وعن رسوله محمد ﷺ لو سمع مثل هذا المقال، أو ما هو أخف منه من أي أحد، ولكن الأمر كما قال الله سبحانه: ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَْبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ .
ولما قرأت هذا المقال في صحيفة "الشهاب" بادرت بإرسال برقية للرئيس المذكور بتاريخ٧/٤/١٣٩٤هـ، هذا نصها:
فخامة الرئيس الحبيب بورقيبة
نشرت صحيفة "الشهاب" بعدد ٢٣/ ربيع الأول /١٣٩٤ هـ حديثا نسب إليكم غاية في الخطورة، يتضمن الطعن في القرآن الكريم بالتناقض، والاشتمال على الخرافات والطعن في مقام الرسالة المحمدية العظيم.
وقد أزعج ذلك المسلمين واستنكروه غاية الاستنكار، فإن كان ذلك قد صدر منكم فالواجب - شرعا - المبادرة إلى التوبة النصوح منه وإعلانها بطرق الإعلان الرسمية، والأوجب إعلان بيان رسمي صريح بتكذيبه واعتقاد خلافه كي يطمئن المسلمون، وتهدأ ثائرتهم من هذه التصريحات الخطيرة.
ونسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة، والتوبة من جميع الآثام، سرها وجهرها، وأن يعز الإسلام وأهله وأوطانه إنه سميع مجيب.
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
1 / 5
ثم أرسلت برقية مني ومن المشايخ: حسنين محمد مخلوف، وأبي الحسن علي الحسني الندوي، وأبي بكر محمود جومي، والدكتور محمد أمين المصري، وذلك بتاريخ ١٦/٤/١٣٩٤ هـ، هذا نصها:
السيد الحبيب بورقيبة، رئيس الجمهورية التونسية - تونس.
نسبت إليكم صحيفة "الشهاب" بعددها الصادر بتاريخ ٢٣/ربيع الأول/ تصريحات مكفّرة لما فيها من الطعن في القرآن الكريم، والمصطفى ﷺ، ودعوتكم لرجال التعليم لنشرها بين الطلاب.
فإن كنتم قد اقترفتموها، فالواجب عليكم المبادرة إلى التوبة والعودة إلى الإسلام، والأوجب عليكم المبادرة إلى التكذيب الصريح، ونشره في العالم بجميع وسائل النشر، وإعلان عقيدتكم الإسلامية الصحيحة في الله تعالى وكتابه ورسوله، تبرئة من الكفر، وتسكينا للفتن، وتطمينا للمسلمين في سائر الدول، وتقريرا لصلاحيتكم لحكم أمة إسلامية عريقة في الإسلام، وإن عدم التكذيب دليل على الإصرار والردة، ومثار فتن لا يعلم عواقبها إلا رب العالمين، تحمل وزرها ووزر من يرتكس فيها إلى يوم الدين، ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
أبو الحسن علي الحسني الندوي
عبد العزيز عبد الله بن باز
أمين عام ندوة العلماء لكنوا الهند
رئيس الجامعة الإسلامية
وعضو رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
بالمدينة المنورة
أبو بكر محمود جومي
الدكتور محمد أمين المصري
قاضي قضاة ولايات شمال نيجيريا
جامعة الملك عبد العزيز بمكة
حسين محمد مخلوف
مفتي الديار المصرية سابقا
ثم اطلعت على صحيفة "الصباح" التونسية فألفيتها قد ذكرت، في عددها الصادر في ٢١/مارس/١٩٧٤م، طبق ما نقلته عنها صحيفة "الشهاب" فيما يتعلق بعصا موسى، وقصة أهل الكهف، كما ألفيتها قد نصّت على منكر شنيع،
1 / 6
في عددها الصادر في ٢٠/مارس/١٩٧٤م، وقع في خطاب الرئيس المذكور، لم تشر إليه صحيفة الشهاب وهذا نصه:
على أني أريد أن ألفت نظركم إلى نقص سأبذل كل ما في وسعي لتداركه، قبل أن تصل مهمتي إلى نهايتها، وأريد أن أشير بهذا إلى موضوع المساواة بين الرجل والمرأة، وهي مساواة متوفرة في المدرسة، وفي المعمل، وفي النشاط الفلاحي، وحتى في الشرطة، لكنها لم تتوفر في الإرث، حيث بقي للذكر حظ الأنثيين، إن مثل هذا المبدأ يجد ما يبرره، عندما يكون الرجل قواما على المرأة، وقد كانت المرأة، بالفعل، في مستوى اجتماعي لا يسمح بإقرار مساواة بينها وبين الرجال، فقد كانت البنت تدفن حية، وتعامل باحتقار، وها هي اليوم تقتحم ميدان العمل، وقد تضطلع بشؤون أشقائها الأصغر منها سنا، فزوجتي - مثلا - هي التي تولّت السهر على شؤون شقيقها المنذر، وتكبدت - من أجل ذلك - كل متاعب العمل الفلاحي، ووفرت له سبل التعلم، وحرصت على تحقيق أمنية والدها الذي كان يرغب في توجيه ابنه نحو المحاماة، فهل يكون، من المنطق، في شيء أن ترث الشقيقة نصف ما يرثه شقيقها في هذه الحالة، فعلينا أن نتوخى طريق الاجتهاد في تحليلنا لهذه المسألة، وأن نبادر بتطوير الأحكام التشريعية، بحسب ما يقتضيه تطور المجتمع، وقد سبق أن حجرنا تعدد الزوجات بالاجتهاد في مفهوم الآية الكريمة، ومن حق الحكام - بوصفهم أمراء المؤمنين - أن يطوروا الأحكام بحسب تطور الشعب، وتطور مفهوم العدل، ونمط الحياة.
هكذا في الصحيفة المذكورة، وهذا - إن صحّ صدوره منه - فهو نوع آخر من الكفر الصريح، لأنه زعم أن إعطاء المرأة نصف ما يعطاه الذكر نقص، وليس من المنطق البقاء عليه، بعد مشاركة المرأة في ميدان العمل - كما ذكر - أنه حجر تعدد النساء بالاجتهاد، وأنه يجب تطوير الأحكام الشرعية بالاجتهاد حسب تطور المجتمع، وذكر أن هذا من حق الحكام لكونهم أمراء المؤمنين، وهذا من أبطل الباطل، وهو بتضمن شرا كثيرا، وفسادا عظيما سيأتي التنبيه عليه - إن شاء الله -.
1 / 7
ثم في يوم الأربعاء الموافق ١/٥/١٣٩٤ هـ زارني، في مقر الجامعة الإسلامية بالمدينة، سعادة السفير التونسي لدى المملكة، وسلّم لي رسالة من الوزير مدير الديوان الرئاسي، الشاذلي القليبي، برقم ٤٠٦ وتاريخ ١١/ماي/١٩٧٤م،وهذا نصها:
فضيلة الشيخ السيد عبد العزيز بن عبد الله بن باز، رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.
أما بعد: فأتشرف بإعلامكم أن فخامة الرئيس الجليل قد اطلع على برقيتكم المؤرخة ٢٣/ربيع الأول/١٣٩٤هـ، وهو إذ يشكر لكم حسن عنايتكم، وقيامكم بالنصيحة لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم. يرجو أن لا يغيب عن أذهان سائر إخواننا المسلمين أن الحبيب بورقيبة إنما جاهد فرنسا لإعلاء كلمة الله والوطن، وإرجاع تونس دولة مستقلة، دينها الإسلام، ولغتها العربية، وهو أول بند من بنود دستورها، وما كان ليدور بخلد فخامته الطعن في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا في مقام الرسول الأكرم - عليه أفضل الصلاة والتسليم - وهو الذي نصر الحق بالحق، وهدى إلى الصراط المستقيم وإني أرسل إليكم، صحبة هذا، نص خطاب فخامة الرئيس، بمناسبة المولد النبوي الشريف، حتى تكونوا على بينة من الأمر.
نسأل الله تعالى أن يعين الجميع على ما فيه خير الدين والدنيا، وأن يهدينا إلى ما فيه خير أمتنا الإسلامية وصلاحها.
وتفضلوا بقبول أزكى تحياتي....
الشاذلي القليبي
الوزير مدير الديوان الرئاسي
وقد أجبت معاليه بما نصه:
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرم معالي الوزير مدير الديوان الرئاسي، الشاذلي القليبي وفقه الله لما فيه رضاه.
أما بعد: فيسرني أن أذكر لمعاليكم أن رسالتكم رقم ٤٠٦ وتاريخ ١١/ ماي / ١٩٧٤م قد وصلتني بيد سعادة السفير التونسي لدى المملكة العربية السعودية، وعلمت ما تضمنته من الإفادة عن اطلاع فخامة الرئيس على برقيتي المتضمنة نصيحته بإنكار ما نسب إليه من الطعن في كتاب الله العزيز، وفي مقام الرسول الأمين ﷺ إن كان لم يقع منه ذلك - أو إعلان التوبة، إن كان وقع منه ذلك، كما علمت منها ما ذكرتم عن فخامته من شكري على ما قمت به من واجب النصيحة، ورغبة فخامته في أن لا يغيب عن أذهان سائر المسلمين أن الحبيب بورقيبه إنما جاهد فرنسا لإعلاء كلمة الله والوطن وإرجاع تونس دولة مستقلة، دينها الإسلام، ولغتها العربية، وهو أول بند من بنود دستورها، إلى آخر ما ذكره معاليكم.
وإني لأرجو من معاليكم تبليغ فخامته شكري له على ما أبداه من الشكر والمحبة للنصيحة، وما قام به من الجهود الطيبة لصالح تونس وشعبها، وسؤالي المولى ﷿ أن يجزيه، عن الجهود التي بذلها في صالح البلاد التونسية وشعبها، خيرًا، مع إعلام فخامته بأن ما ذكر لايكفي في إنكار ما نسب إليه - إن كان لم يقع -، كما أنه لا يكفي عن إعلان التوبة بطرق الإعلام الرسمية، إن كان قد وقع، لأن ذلك هو الواجب عليه، ولأن في عدم إعلان ذلك دلالة على وقوعه والإصرار عليه، مع ما في ذلك من الدعاية إلى الكفر والضلال، والتنقص لكتاب الله وللرسول ﵊ وقد علم بالأدلة الشرعية أن المنكر إذا أعلن وجب إنكاره علنا، أو إعلان التوبة منه، إن كان واقعا، كما قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ الآعِنُونَ إِلاَّالَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، وليس في إعلان ذلك نقص
1 / 9
على فخامته ولا غضاضة، بل ذلك شرف له، ودليل على إنصافه وعلو همته، وعلى رغبته في إيثار الحق، ولا يخفى أن التمادي في الباطل نقص ورذيلة، وأن الرجوع إلى الحق وإعلانه شرف وفضيلة، بل فريضة من أهم الفرائض، ولا سيما مثل هذا المقام الذي يترتب عليه كفر وإسلام، وقد يقتدي به في ذلك الكفر غيره فيكون عليه مثل آثامه كما قال النبي ﷺ: " من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعى إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا "، ولأن في عدم إعلان التكذيب أو التوبة تأييدا للطاعنين في الإسلام، وسيرا في ركابهم، ومشاركة لهم في الجريمة، وإني أربأ بفخامته أن يصرّ على أمر يغضب الله ورسوله، ويخرجه من دائرة الإسلام، إن كان قد وقع منه، ويجرئ أعداء الإسلام على النيل من حماه، والطعن في دستوره.
وقد اطلعت، أخيرا، على صحيفة "الصباح" التونسية فوجدتها تن، في عددها الصادر في ٢٠/مارس/١٩٧٤م، على تصريح خطير للرئيس، لم تشر إليه صحيفة "الشهاب"، مضمونه اعتبار إعطاء المرأة نصف حظ الذكر، في الميراث، نقصا ليس من المنطق البقاء عليه، بعد مشاركة المرأة في ميدان العمل، كما يتضمن التصريح بأنه قد حجر تعدد النساء، بالاجتهاد، وأنه يجوز للحكام تطوير الأحكام بالاجتهاد، حسب تطور المجتمع، لكونهم أمراء المؤمنين، وهذا منكر شنيع، وكفر صريح لما فيه من الطعن في القرآن، واتهامه بأن بعض أحكامه لا تناسب تطور المجتمع، وهو مخالف لإجماع أهل العلم، لكونهم قد أجمعوا على أن الاجتهاد إنما يكون في المسائل الفرعية التي لا نص فيها، أما الأحكام الشرعية التي نص عليها القرآن الكريم، أو السنة الصحيحة كإعطاء الزوجة والأنثى، من الأولاد والأخوة لأبوين أو لأب في الميراث، نصف الذكر وكتعدد النساء، فإنه لا مجال للاجتهاد في ذلك، لأن الله - سبحانه - هو الذي شرع الأحكام وفصلها، وهو العالم بأحوال عباده، وبما تتطور إليه مجتمعاتهم، والحكام ليس لهم تغيير الأحكام، وإنما الذي إليهم تنفيذها وإلزام الرعايا بمقتضاها لقول الله، سبحانه، يخاطب نبيه ﷺ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
1 / 10
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾، إلى أن قال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ .
فأرجو تبليغ الرئيس ما ذكرته، وأن عليه تكذيب هذا الخبر - إن كان لم يصدر منه - أو إعلان التوبة، إن كان قد صدر منه، كالمطاعن الأخرى التي سبق أن أبرقت أنا وبعض العلماء لفخامته في شأنها، وقد كتبت، في هذه المسائل، مقالا مفصلا إليكم نسخة منه لإطلاع الرئيس عليه.
والله المسؤول أن يهدينا، جميعا، صراطه المستقيم، وأن لا يزيغ قلوبنا عن الهدى، كما أسأله ﷿ أن يهدي فخامته للحق، وأن يعينه على تنفيذه وأن يرزقنا وإياه وسائر المسلمين إيثار الآخرة والعمل لها على الحظ الأدنى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وتفضلوا بقبول تحياتي....
رئيس الجامعة الإسلامية
1 / 11
بيان الأدلة على كفر من طعن في القرآن وفي الرسول ﷺ
...
بيان الأدلة على كفر من طعن في القرآن أو في الرسول ﵊
إذا علم ما تقدم، فإن الواجب الإسلامي والنصيحة لله ولعباده، كل ذلك، يوجب علينا بيان حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن بأنه متناقض، أو مشتمل على بعض الخرافات، وفيمن طعن في الرسول، ﷺ بأي نوع من أنواع الطعن غيرة لله سبحانه، وغضبا له ﷿ وانتصارا لكتابه العزيز، ولرسوله الكريم، وأداء لبعض حقه علينا، سواء كان ما ذكر، عن الرئيس المذكور، واقعا أم كان غير واقع، وسواء أعلن إنكاره له، أو التوبة منه، أم لم يعلن ذلك، إذ المقصود بيان حكم الله فيمن أقدم على شيء مما ذكرنا من التنقص لكتاب الله، أو لرسوله ﷺ فنقول: قد دلّ كتاب الله، ﷿، وسنة رسوله، ﵊، وإجماع الأمة على أن كتاب الله، سبحانه، محكم غاية الإحكام، وعلى أنه، كله، كلام الله ﷿ ومنزل من عنده، وليس فيه شيء من الخرافات والكذب، كما دلت الأدلة المذكورة على وجوب تعزير الرسول ﷺ وتوقيره، ونصرته، ودلت - أيضا - على أن الطعن، في كتاب الله أو في جناب الرسول - صلى الله عليه سلم - كفر أكبر، وردة عن الإسلام، وإليك - أيها القارئ الكريم - بيان ذلك.
قال الله تعالى في أول سورة يونس: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾، وقال في أول سورة هود: ﴿ألر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾، وقال ﷿ في أول سورة لقمان: ﴿الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾، وذكر علماء التفسير ﵏ في تفسير هذه الآيات، أن معنى ذلك أنه متقن الألفاظ والمعاني، ومشتمل على الأحكام العادلة، والأخبار الصادقة، والشرائع المستقيمة، وأنه الحاكم بين العباد فيما يختلفون فيه، كما قال الله سبحانه: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيه﴾ الآية، وقال
1 / 12
سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ الآية.. فكيف يكون محكم الألفاظ والمعاني، وحاكما بين الناس وهو متناقض مشتمل على بعض الخرافات، وكيف يكون محكما وموثوقا به إذا كان الرسول الذي جاء به إنسانا بسيطا لا يفرق بين الحق والخرافة، فعلم بذلك أن من وصف القرآن بالتناقض أو بالاشتمال على بعض الخرافات، أو وصف الرسول ﷺ بما ذكرها فإنه متنقص لكتاب الله، ومكذب لخبر الله، وقادح في رسول الله، ﷺ،- إن كان مسلما قبل أن يقول هذه المقالة-، وقال الله سبحانه، في أول سورة يوسف: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾، وقال سبحانه، في سورة الزمر: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ الآية، ومعنى ﴿مُتَشَابِهًا﴾ في هذه الآية - عند أهل العلم - يشبه بعضه بعضا، ويصدّق بعضه بعضا فكيف يكون بهذا المعنى، وكيف يكون أحسن الحديث وأحسن القصص وهو متناقض، مشتمل على بعض الخرافات، سبحانك هذا بهتان عظيم.
وصح عن رسول الله صلى الله عليه سلم أنه كان يقول في خطبه: أما بعد: " فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، صلى الله عليه سلم " فمن طعن في القرآن، بما ذكرنا أو غيره من أنواع المطاعن فهو مكذب لله ﷿ في وصفه لكتابه بأنه أحسن القصص وأحسن الحديث، ومكذب للرسول ﷺ في قوله: "إنه خير الحديث"، وقال ﷾ في وصف القرآن الكريم: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وقال: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾، وقال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾، وقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، وقال: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ إلى أمثال هذه الآيات الكثيرة في كتاب الله، فمن زعم أنه متناقض أو مشتمل على بعض الخرافات التي أدخلها فيه الرسول ﷺ
1 / 13
مما تلقاه عن بادية الصحراء أو غيرهم، فقد زعم أن بعضه غير منزل من عند الله وأنه غير محفوظ، كما أنه، بذلك، قد وصف الرسول ﷺ بأنه كذب على الله وأدخل في كتابه ما ليس منه، وهو - مع ذلك - يقول للناس: إن القرآن كلام الله، وهذا غاية في الطعن في الرسول ﷺ ووصفه بالكذب على الله وعلى عباده، وهذا من أقبح الكفر والضلال والظلم، كما قال الله سبحانه: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ﴾، وقال ﷿: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ الآية.
ذكر علماء التفسير ﵏ أن هذه الآية نزلت في جماعة كانوا مع النبي ﷺ في غزوة تبوك، قال بعضهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء. وقال بعضهم: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا، والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال. وقال بعضهم: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها، هيهات هيهات، فأنزل الله قوله، سبحانه: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ الآية، فجاءوا إلى الرسل ﷺ يعتذرون ويقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، فلم يعذرهم، بل قال لهم ﵊: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾، فإذا كان هذا الكلام، الذي قاله هؤلاء، يعتبر استهزاء بالله وآياته، ورسوله، وكفرا بعد إيمان، فكيف بحال من قال في القرآن العظيم: إنه متناقض أو مشتمل على بعض الخرافات، أو قال في الرسول ﷺ إنه إنسان بسيط لا يميّز بين الحق والخرافة، لا شك أن من قال هذا هو أقبح استهزاء، وأعظم كفرا.
1 / 14
ذكر كلام العلماء فيمن طعن في القرآن والرسول
...
ذكر كلام العلماء فيمن طعن في القرآن الكريم، أو الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم أو استهزأ بما، أو سب الله أو الرسول ﷺ:
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره - الجامع لأحكام القرآن - عند تفسير هذه الآية ما نصه: " قال القاضي أبو بكر ابن العربي: لا يخلو أن يكون ما قالوه في ذلك - جدًا أو هزلًا - وهو كيف ما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة" انتهى المقصود.
وقال القاضي عياض بن موسى- ﵀ في كتابه "الشفاء بتعريف حقوق المصطفى" ص/٣٢٥/ ما نصه: "واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبهما أو جحده أو حرفا منه أو آية، أو كذب به أو بشيء مما صرح به فيه من حكم، أو خبر أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌلا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ " انتهى المقصود.
وقال القاضي عياض - أيضا - في كتابه المذكور في حكم سب النبي ﷺ ص/٢٣٣/ ما نصه: " اعلم، وفقنا الله وإياك، أن جميع من سب النبي ﷺ أو عابه، أو ألحق نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرّض به، أو شبهه بشيء، على طريق السب له أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حم الساب، يقتل - كما نبينه -، ولا نستثني فصلا من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري فيه تصريحا أو تلويحا، وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى له أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه، على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور، أو عيّره بشيء مما جرى من البلاء أو المحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة، والمعهودة لديه، وهذا كله إجماع العلماء وأئمة الفتوى من
1 / 15
لدن الصحابة - رضوان الله عليهم إلى هلم جرا ". قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي ﷺ يقتل، وممن قال ذلك مالك بن أنس، والليث، وأحمد، واسحاق وهو مذهب الشافعي. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في كتابه (الصارم المسلول على شاتم الرسول) ص/٣/ما نصه: " المسألة الأولى: أن من سب النبي ﷺ من مسلم وكافر، فإنه يجب قتله، هذا مذهب عليه عامة أهل العلم، ثم نقل كلام أبي بكر بن المنذر - المتقدم ذكره في كلام القاضي عياض - ثم قال شيخ الإسلام ﵀ ما نصه: وقد حكى أبو بكر الفارسي، من أصحاب الشافعي، إجماع المسلمين على أن حدّ من سب النبي ﷺ القتل، كما أن حد من سب غيره الجلد، وهذا الإجماع الذي حكاه هذا، محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين أو أنه أراد به إجماعهم على أن ساب النبي ﷺ يجب قتله، إذا كان مسلما، وكذلك قيده القاضي عياض فقال: أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين، وسابّه، وكذلك حكى عن غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره، وقال الإمام إسحاق بن راهويه - أحد الأئمة الأعلام ﵀: أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله - صلى لله عليه وسلم -، أو دفع شيئا مما أنزل الله ﷿ أو قتل نبيا من أنبياء الله ﷿ أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله، قال الخطابي ﵀: لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله، وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي ﷺ والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له، وحكمه - عند الأمة - القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر، ثم قال شيخ الإسلام أبو العباس ﵀: وتحرير القول فيه أن الساب - إن كان مسلما - فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد تقدم ممن حكى الإجماع على ذلك إسحاق ابن راهويه وغيره، ثم ذكر الخلاف فيما إذا كان الساب ذميا، ثم ذكر ﵀ في آخر الكتاب، ص/٥١٢/ ما نصه:
1 / 16
" المسألة الرابعة في بيان السب المذكور، والفرق بينه وبين مجرد الكفر، وقبل ذلك لا بد من تقديم مقدمة، وقد كان يليق أن تذكر في أول المسألة الأولى، وذكرها هنا مناسب - أيضا - لنكشف سر المسألة، وذلك أن نقول: إن سب الله، أو سب رسوله ﷺ كفر ظاهرا وباطنا، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل " إلى أن قال ﵀ في ص/٥٣٨/ ما نصه:
" التكلم في تمثيل سب رسول الله ﷺ وذكر صفته ذلك مما يثقل على القلب واللسان، ونحن نتعاظم أن نتفوه بذلك ذاكرين، لكن، للاحتياج إلى الكلام في حكم ذلك، نحن نفرض الكلام في أنواع السب مطلقا من غير تعيين، والفقيه يأخذ حظه من ذلك، فنقول: السب نوعان: دعاء وخبر، فأما الدعاء فمثل أن يقول القائل لغيره، لعنه الله أو قبحه الله أو أخزاه الله، أو لا ﵀ أو لا ﵁ أو قطع الله دابره، فهذا وأمثاله سب للأنبياء ولغيرهم وكذلك لو قال عن نبي لا صلى الله عليه أو لا سلم، أو لا رفع الله ذكره،أومحى الله اسمه ونحو ذالك من الدعاء عليه، بما فيه ضرر عليه في الدنيا أو في الدين أو في الآخرة، فهذا كله، إذا صدر من مسلم أو معاهد فهو سب، فأما المسلم فيقتل به، بكل حال، وأما الذمي فيقتل بذلك إذا أظهره". إلى أن قال ﵀ ص٥٤٠: النوع الثاني: الخبر، فكل ما عده الناس شتما، أو سبا أو تنقصا، فإنه يجب به القتل - كما تقدم - فإن الكفر ليس مستلزما للسب، وقد يكون الرجل كافرا ليس بساب، والناس يعلمون علما عاما أن الرجل قد يبغض الرجل ويعتقد فيه العقيدة القبيحة ولا يسبه، وقد يضم إلى ذلك مسبة، وإن كانت المسبة مطابقة للمعتقد، فليس كل ما يحتمل عقدا يحتمل قولا، ولا ما يحتمل أن يقال سرا يحتمل أن يقال جهرا، والكلمة الواحدة تكون في حال سبا، وفي حال ليست بسب، فعلم أن هذا يختلف باختلاف الأقوال والأحوال، وإذا لم يكن للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى عرف الناس، فما كان في العرف سبا للنبي فهو الذي يجب أن ننزل عليه كلام الصحابة والعلماء، ومالا فلا. انتهى المقصود.
1 / 17
كشف الشبه المذكورة في الخطاب المنسوب إلى أبو رقيبة
...
كشف الشبه المذكورة في الخطاب المنسوب إلى الرئيس أبي رقيبه:
وقع في خطاب المنسوب إلى الرئيس التونسي ستة أمور شنيعة:
الأول: القول بتناقض القرآن، وقد مثل لذلك بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾، وقوله ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ .
الثاني: إنكار قصة عصا موسى، وقصة أهل الكهف، والتصريح بأنهما من الأساطير.
الثالث: أن الرسول محمدا ﵊ كان إنسانا بسيطا يسافر كثيرا عبر الصحراء العربية ويستمع إلى الخرافات البسيطة، السائدة في ذلك الوقت، وقد نقل تلك الخرافات إلى القرآن، مثال ذلك عصا موسى، وقصة أهل الكهف.
الرابع: إنكار إعطاء المرأة نصف ما يعطى الذكر، في الميراث، وزعمه أن ذلك ليس من المنطق، وأنه نقص يجب البدار إلى إزالته، لأنه لا يناسب تطور المجتمع وذكر أنه ينبغي للحكام أن يطوروا الأحكام، حسب تطور المجتمع.
الخامس: إنكار تعدد النساء وحجره ذلك على الشعب التونسي، لأنه لا يناسب تطور المجتمع.
السادس: قوله: إن المسلمين وصلوا إلى تأليه الرسول محمد، فهم دائما يكررون محمد ﷺ، الله يصلي على محمد، وهذا تأليه لمحمد. انتهى.
ونحن - إن شاء الله - نبين بطلان ما ذكره في هذه الأمور الستة، ونكشف الشبه بالأدلة القاطعة، وإن كان الأمر في ذلك واضحا، بحمد الله، لكل من له أدنى بصيرة، ولكن مقصودنا من ذلك إنكار هذا المنكر وإيضاح الحق لمن قد تروج عليه بعض هذه الشبه ويحار في ردها، والله المستعان.
1 / 18
فنقول: أما قوله: إن القرآن متناقض، فهذا من أقبح المنكرات، ومن الكفر الصريح - كما سبق بيانه - لأنه تنقص للقرآن، وسب له، لأن السب هو التنقص للمسبوب ووصفه بما لا يليق، وقد بينا - فيما مضى بالأدلة القاطعة - أن القرآن بريء من ذلك، وأنه، بحمد الله، في غاية الإحكام والإتقان، كما قال الله سبحانه، ﴿ِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير﴾ وقال: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عزُيزٌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ وقال ﷿: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ إلى غير ذلك من الآيات السابقات الدالة على إحكامه وإتقانه، وأنه أحسن الحديث، وأحسن القصص، وتقدم ذكر إجماع العلماء على ذلك، وعلى كفر من تنقصه أو جحد شيئا منه، أما الآيتان المذكورتان وما جاء في معناهما من الآيات الدالة على إثبات القدر، وعلى تعليق المسببات بأسبابها فليس بينها تناقض، وإنما أتى من زعم ذلك من جهة فساد فهمه، ونقص علمه، كما قال الشاعر:
وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم
وقد أجمع، كل من لديه علم وإنصاف وبصيرة باللغة العربية من علماء الإسلام، وخصومه، أن كتاب الله في غاية من الإحكام والإتقان، وأنه خير كتاب وأفضل كتاب، وأنه لم ينزل كتاب أفضل منه، لما اشتمل عليه من العلوم النافعة والأحكام العادلة، والأخبار الصادقة، والشرائع القويمة، والأسلوب البليغ المقنع، كما قال الله سبحانه: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ أي صدقا في الأخبار، وعدلا في الشرائع والأحكام، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ الآية.. قال العلماء: الهدى: هو ما فيه من العلوم النافعة والأخبار الصادقة، ودين الحق: هو ما فيه من الشرائع القويمة والأحكام الرشيدة، إذا علم هذا فالجمع بين الآيتين المذكورتين وما جاء في معناهما هو أن الله، سبحانه، قد قدّر مقادير الخلائق، وعلم ما مهم عاملون، وقدر أرزاقهم وآجالهم، وكتب ذلك كله لديه، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ الآية، وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
1 / 19
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وفي الصحيحين عن علي ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فقال ﷺ: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ النبي ﷺ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾، وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة ﵄ أن جبريل سأل النبي ﷺ عن الإيمان، فقال- ﵊: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، هذا لفظ عمر، ولفظ أبي هريرة: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه، ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث وتؤمن بالقدر كله" وفي صحيح مسلم - أيضا - عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ أنه سمع النبي ﷺ يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء". وفي صحيح مسلم - أيضا - عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄ أن النبي ﷺ قال: "كل شيء بقدر حتى العجز والكيس" والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي هذه الآيات والأحاديث الدلالة على أن الله، سبحانه، قد قدر الأشياء وعلمها وكتبها، وأن الإيمان بذلك أصل من أصول الإيمان الستة التي يجب على كل مسلم الإيمان بها، ويدخل في ذلك أنه، سبحانه، خلق الأشياء كلها، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، كما قال ﷿: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إَِّلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، فعلمه، سبحانه،
1 / 20
محيط بكل شيء، وقدرته شاملة لكل شيء، كما قال سبحانه: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ وهو، مع ذلك سبحانه، قد أعطى العباد العقول والأسماع والأبصار والأدوات التي يستطيعون بها أن يفعلوا ما ينفعهم، ويتركوا ما يضرهم، وأن يعرفوا بها الضار والنافع، والخير والشر، والضلال والهدى، وغير ذلك من الأمور التي مكنّ الله العباد من إدراكها بعقولهم وأسماعهم وأبصارهم، وسائر حواسهم، وجعل لهم، سبحانه، عملا واختيارا ومشيئة، وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته وأمرهم بالأسباب، ووعدهم على طاعته الثواب الجزيل في الدنيا والآخرة، وعلى معاصيه العذاب الأليم، فهم يعملون ويكدحون وتنسب إليهم أعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم لأنهم فعلوها بالمشيئة واختيار، كما قال ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ الآيات. وقال سبحانه: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا﴾ والآيات في هذا المعنى كثيرة وفي الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ من ذلك مالا يحصى ولكنهم، مع ذلك، لا يخرجون عن مشيئة الله بهذه الأعمال وإرادته الكونية، كما قال ﷿: ﴿كلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ وقال ﷿: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، وبما ذكرنا من هذه الآيات يتضح معنى قوله سبحانه: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ وقوله ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، فالآية الأولى دلت على أن جميع ما يصيب العباد، مما يحبون ويكرهون، كله مكتوب عليهم، ودلت الثانية على أن الله سبحانه قد رتّب على أعمال العباد وما يقع
1 / 21
منهم من الأسباب، مسبباتها وموجباتها، فالمؤمن، عند المصيبة، يفزع إلى القدر فيطمئن قلبه، وترتاح نفسه به لإيمانه بأن الله سبحانه، قد قدر كل شيء، وأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، ويحارب الهموم والغموم والأوهام، ويصبر ويحتسب رجاء ما وعد الله به الصابرين بقوله سبحانه: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾، ولا يمنعه ذلك من الأخذ بالأسباب والقيام بما أوجب الله عليه، وتركه ما حرم الله عليه عملًا بقول الله ﷿: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ الآية.. وقول النبي ﷺ: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن ﴿لو﴾ تفتح عمل الشيطان" خرجه مسلم في صحيحه، وبذلك يستحق المدح والثناء والثواب العاجل والآجل، على أعماله الطيبة وأخذه بالأسباب النافعة، وابتعاده عن كل ما يضره ويستحق الذم والوعيد، وأنواع العقوبات، في الدنيا والآخرة، على ما يفعله من المعاصي والمخالفات، وعلى تفريطه في الأخذ بالأسباب وعدم إعداده لعدوه ما يستطيع من القوة، وقد جرت سنة الله في عباده أنهم إذا استقاموا على دينه وتباعدوا عن أسباب غضبه، وجاهدوا في سبيله، أنه ينصرهم على عدوهم، ويجمع كلمتهم ويجعل لهم العاقبة الحميدة، كما قال، سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وقال ﷿: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾، وقال سبحانه: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أما إذا ضيعوا أمره وتابعوا الأهواء واختلفوا بينهم، فإن الله سبحانه، يغير ما بهم، من عز واجتماع كلمة، ويسلط عليهم الأعداء، ويصيبهم بأنواع العقوبات من القتل والخوف ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وغير ذلك جزاءًا وفاقًا وما ربك بظلام للعبيد، وهذا هو معنى قوله ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
1 / 22