حَائِلٌ، ومُحَمَّدٌ مِمَّنْ قَدْ عَرَفْتُمْ قَرَابَتَهُ، وقَدْ خَطَبَ إلَيْكُمْ رَاغِبًا كَرِيمَتَكُمْ خَدِيجَةَ، وقَدْ بَذَلَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ مَا حَكَمَ عَاجِلُهُ، وآجِلُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ذَهَبًا وَنَشًّا (١)، وهُوَ وَاللَّهِ بَعْدَ هَذَا لَهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ وخَطَرٌ جَلِيلٌ جَسِيمٌ. فَكَانَ جَوَابُ وَلِيِّ خَدِيجَةَ: هَذَا البِضْعُ لَا يُقْرَعُ أَنْفُهُ (٢).
وبَنَى (٣) رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخَدِيجَةَ ﵂، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا وَنَحَرَ جَزُورًا أَوْ جَزُورَيْنِ، وأطْعَمَ النَّاسَ، فكَانَتْ خَدِيجَةُ ﵂ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَها رسُولُ اللَّهِ ﷺ، ولَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا، حتَّى مَاتَتْ ﵂ (٤).
قَالَ البُوصِيرِيُّ ﵀:
ورَأَتْهُ خَدِيجَةُ وَالتُّقَى وَالزُّهـ ... ـدُ فِيهِ سَجِيَّةٌ وَالْحَيَاءُ
وَأَتَاهَا أَنَّ الغَمَامَةَ وَالسَّرْحَ (٥) ... أَظَلَّتْهُ مِنْهُمَا أَفْيَاءُ
وَأَحَادِيثُ أَوْ وَعْدُ رَسُولِ اللَّهِ ... بِالْبَعْثِ حَانَ مِنْهُ الْوَفَاءُ
فَدَعَتْهُ إِلَى الزَّوَاجِ وَمَا ... أَحْسَنَ أَنْ يُبْلُغَ المُنَى الأَذْكِيَاءُ
(١) النَّشُّ: نِصْفُ الأُوقِيَّة، وهو عِشْرُونَ درهمًا. انظر النهاية (٥/ ٤٨).
(٢) يُرِيدُ أنه كفءٌ كريمٌ لا يُرَدُّ نكَاحُهُ. انظر النهاية (٤/ ٣٩).
(٣) لبِنَاءُ: الدُّخُولُ بالزَّوْجَةِ. انظر النهاية (١/ ١٥٦).
(٤) انظر سيرة ابن هشام (١/ ٢٢٦).
(٥) السَّرْحُ: هيَ الشَّجَرَةُ التي صَارَتْ أغْصَانُهَا تَتَدَلَّي عليه. انظر سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (٢/ ١٩١).