The Harmony of Reason and Revelation in Ibn Rushd
العقل والنقل عند ابن رشد
Editorial
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Número de edición
السنة الحادية عشرة-العدد الأول
Año de publicación
غرة رمضان ١٣٩٨هـ/١٩٧٨م
Géneros
محاولة ابن رشد الحل الوسط في قضية قدم العالم
ناقش ابن رشد الخلاف القائم بين القائلين بأن العالم مخلوق محدث بعد أن لم يكن، وبين الفلاسفة القائلين بأن العالم قديم أزلي مع الاعتراف بأنه مخلوق. فيقول ابن رشد أن الخلاف في هذه المسألة يعود إلى اللفظ، أي خلاف لفظي غير جوهري، لأن في الوجود طرفين وواسطة لقد اتفق الجميع على الطرفين وهما:
أولًا: هناك واحد بالعدد قديم - الأول الذي ليس قبله شيء.
ثانيًا: هناك على الطرف الآخر كائنات مكونة، وهي عند الجميع محدثة، ولكنهم اختلفوا في هذا العالم بجملته أقديم هو أم محدث؟ فيواصل الفيلسوف مناقشته قائلًا: "إن العالم في الحقيقة ليس محدثًا حقيقيًا ولا قديمًا حقيقيًا لأن القول: إنه محدث حقيقي فاسد ضرورة لأن العالم ليس من طبيعته أن يفنى أي لا تنعدم مادته، والقدم الحقيقي ليس له علة والعالم له علة!!.
إذًا العالم محدث إذا نظرنا إليه من أنه معلول من الله، والعالم قديم إذا اعتبرنا أنه وجد عن الله منذ الأزل من غير تراخ في زمن، الخلاصة أن العالم بالإضافة إلى الله محدث، وبالإضافة إلى أعيان الموجودات قديم".
هكذا ينهي الفيلسوف ابن رشد مناقشته لهذه القضية العويصة حقًا. وقد اضطرب فيها كثير من حذاق الفلاسفة وأساطين أهل الكلام، والخوض في مثل هذه المسألة يعد من فضول الكلام، كما قال غير واحد من المحققين المعتدلين، ويكفي المرء أن يقول جملتين اثنتين مع الفهم والفقه وهما:
١ – الله خالق كل شيء وهو المبدىء المعيد.
٢ – ما سوى الله مخلوق محدث بعد أن لم يكن. وكفى..
وشبهة ابن رشد في تردده في هذه المسألة في أمرين اثنين هما:
١ – أن الله لن يزل فعالًا وخلاقًا.
٢ – أن مادة العالم باقية ولا تفنى.
الجواب عن الشبهة الأولى أن يقال: إن الله تعالى له معنى الربوبية قبل أن يخلق المربوب، وله معنى الخالق قبل أن يخلق، وهو الرازق قبل أن يخلق الرزق والمرزوق، أي هو موصوف بجميع صفات الكمال أزلًا وأبدًا، ولم تتجدد له بإيجاد خلقه صفة لم تكن له ولا يجوز أن يعتقد بأنه تعالى تجددت له صفة لم يكن متصفًا بها من قبل؛ لأن صفاته تعالى صفات كمال وفقدها صفة نقص، ولا يجوز أن يعتقد أنه حصل له الكمال بعد أن لم يكن.
1 / 87