The Hadith is Proof in Itself in Beliefs and Rulings
الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام
Editorial
مكتبة المعارف
Número de edición
الطبعة الأولى ١٤٢٥هـ
Año de publicación
٢٠٠٥م
Géneros
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١] . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١]
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
1 / 3
وبعد فإنه على الرغم من قوة تيار الكفر والضلال الذي يحول أن يسوق أمتنا بعصاه ويلقي بها في مهاوي الضياع والفناء وعلى الرغم من محاولة أنصار الجاهلية الحديثة جهدهم وتجميعهم جندهم ليقطعوا هذه الأمة الإسلامية العريقة عن عقيدتها ويجتثوا إسلامها من حياتها فإن هناك بصيصا من النور ورفيفا من الأمل يلمحه المراقب للأحداث متمثلا في ذاك التيار الوليد الذي يحبو ويحاول الحركة ويتلمس الطرق كي يصد ذاك التيار الأهوج المدمر ويرده على أعقابه وينقذ البلاد والعباد من آثاره وأخطاره.
وما ذاك التيار الحبيب إلا هذه البراعم الندية والزهرات المتفتحة هنا وهناك من الشباب المسلم المؤمن الذي فتح عينيه على الحياة واستيقظ على صيحات بعض الدعاة والمصلحين الذين حركوا فيه الغيرة والحمية وأثاروا فيه العاطفة الدينية والنفس الأبية ويحاول هؤلاء الشباب أن ينهضوا بالأمة بعد طول تأخر وينقذوها من الأعداء والأخطار فيسعون جادين مخلصين ويدأبون غير هيابين ولا وجلين ولكنهم سرعان ما يفاجؤون بأنهم ما يزالون في مكانهم وأنهم قد رجعوا بعد طول سير وشدة نصب إلى موضعهم الذي كانوا قد انطلقوا منه وغادروه فيأسفون لذلك ويحزنون وييأس بعضهم فيقعد ويعيد الكرة ويسعى من جديد آخرون ويجرب هؤلاء ويعملون ولكن تجربتهم لا تكون خيرا
1 / 4
من سابقتهم ولا بأفضل من سالفتهم وتتكرر هذه الحالة مرات ومرات.
نعم هذه حالة عامة الدعاة إلى الله في هذه الأزمان حيرة وضياع وتيه وغموض وفوضى وارتجال وعمل بدون جدوى لا يعرفون الطريق الصحيح ولا يهتدون إلى الماهر الخريت الذي يخلصهم من حيرتهم وينقذهم من متاهتهم ويجعل جهودهم تنصب في السبيل المجدي وأعمالهم تصرف في الوجه المفيد المرضي الذي يؤدي إلى الغاية المطلوبة ويحقق الهدف المنشود.
وما الطريق الصحيح إلا طريق الكتاب والسنة وفهمهما على المنهج الذي فهمه سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – والعمل بهما والدعوة إليهما والثبات على أمرهما وما الأدلاء الحاذقون إلا العلماء بالكتاب والسنة والعاملون بهما والمخلصون لهما والمهتدون بهديهما.
وعبثا يحاول الشباب المسلم الوصول إلى نصرة الإسلام وإنقاذ كرامة المسلمين عن غير هذه السبيل وعبثا تحاول الحركات الإسلامية تحقيق الغاية المنشودة المنشودة من دون الاستعانة بهؤلاء الأدلاء الخبراء الماهرين.
وقد من الله ﷿ علينا – وله الحمد الجزيل والمنة والفضل الكبير والنعمة – فهيأ لنا عالما حقيقيا هو من بقي السلف
1 / 5
الصالح والأئمة الهداة فدلنا على العلم المستفاد من الكتاب والسنة وهدانا الله بواسطته على ما اختلف فيه الأقوام من الحق بإذنه وأطلعنا على الكنوز الثمينة والجواهر الغالية المبثوثة في كلام الله وكلام رسوله فأحسسنا برد الراحة والاطمئنان بعد طول تعب ونصب وشعرنا بالقناعة الكاملة والفهم الصحيح بعد طول تحير وتخبط فرأينا من حق أمتنا علينا عامة ومن حق شباب الإسلام علينا خاصة أن ندلهم على الخير الذي وفقنا بصرنا الله تعالى به ونرشدهم إلى سبيل الهدى ونتعاون معهم على تجنب أسباب المتاهة والردى وبالله تعالى التوفيق والتأييد دائما وأبدا.
ولذلك فقد حرصنا على أن نزود المسلمين بين الحين والآخر بكل ما نطلع عليه من العلم النافع والدراسة الجادة القويمة التي تعرض عليهم الإسلام الحق واضحا بلا غموض سهلا من غير تعقيد نقيا من من غير شوائب صافيا من كل قذى وكدر مقرونة فيه المسائل بأدلتها والآراء بمآخذها يغني الدارسين عن المؤلفات الكثيرة الواسعة ويقنعهم بالحجج النيرة ويجنبهم التخبط والضياع والاختلاف والاضطراب وينشئ فيهم الوحدة الفكرية التي تتولد عنها الوحدة الشعورية ثم يتبعها إن شاء الله تعالى بعد ذلك وحدة العمل لإقامة الدين والجهاد من أجل تطبيقة وتبليغه والتمين له في العالمين.
1 / 6
ونريد بهذه الكتب والرسائل أن تكون المنطلق العلمي الصحيح والقاعدة الفكرية القوية لدعاة الإسلام ولذلك فنحن نعرضها على أهل الرأي والفكر الإسلامي وعلى العلماء المسلمين والدعاة المؤمنين كي يروا فيها رأيهم ويدلوا فيها بدلوهم ونحن نرحب بكل نقد بناء ونشكر صاحبه ونعده مساهمة عملية في إنجاح عملنا والوصول به إلى مرحلة الإثمار والنضوج ولكننا نرى أنه يجب أن تتحقق في كل نقد يكتب أو ينشر الصفات الثلاثة الآتية:
١ – الإخلاص لله ﷾ فيه بأن يكون قصد صاحبه منه الوصول إلى الحق والقيام بواجب النصيحة.
٢ – العلم والفهم الصحيحان المستندان إلى أصلي الدين الأصيلين وركنيه البارزين كتاب الله وسنة نبيه.
الأدب الإسلامي الرفيع والأسلوب العلمي الموضوعي الخالي عن التشهير والتحقير والتسخيف والتجهيل اللهم إلا لمن تعدى وظلم وأساء وافترى.
وهذه الرسالة التي أقدمها اليوم لأستاذنا العلامة محمد ناصر الدين الألباني بعنوان: "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" وهي محاضرة كان ألقاها في مؤتمر اتحاد الطلبة المسلمين الذي انعقد في مدينة غرناطة ببلاد أسبانيا النصرانية حاليا الأندلس الإسلامية سابقا في شهر رجب عام ١٣٩٢ هـ الموافق
1 / 7
لشهر آب من سنة ١٩٧٢م.
وقد تحدث فيها المؤلف عن موقف المسلم الصحيح من السنة ومكانتها وحجيتها وجعلها في أربعة فصول تحدث في الفصل الأول عن منزلة السنة في الإسلام وواجب المسلمين في الرجوع إليها والتحذير من مخالفتها.
وتحدث في الفصل الثاني عن بطلان محاولات الخلف لمخالفتها وفساد ما تذرعوا به لذلك من القياس وبعض القواعد الأصولية التي اصطنعوها وضربوا بالسنة عرض الحائط من أجلها.
وأما الفصل الثالث فقد خصصه المؤلف – حفظه الله تعالى – للتدليل على بطلان القاعدة التي وضعها بعض علماء الكلام قديما وأشاعها بعض العلماء والدعاة حديثا وهي دعواهم أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة وبين خطأ واضعي هذه القاعدة حيث فرقوا بسببها بين أحاديث العقائد وأحاديث الأحكام دون دليل صحيح ظاهر وإنما لمجرد التوهم والتخيل.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن هذا الموضوع قد تعرض له أستاذنا هنا بشيء من الاختصار لأنه كان قد بحثه بحثا مفصلا موسعا واستقصى فيه أهم ما يمكن ذكره من الأدلة على بطلان ذاك الرأي في رسالة خاصة عنوانها "حديث الآحاد والعقيدة" وهي محاضرة كان قد ألقاها في جمع من الشباب المسلم الواعي
1 / 8
في دمشق منذ نحو خمسة عشر عاما وكان لها أثر حميد في إضعاف انتشار الرأي المذكور وإحراج مروجيه ومشيعيه في أوساط المثقفين وقد يسر الله نشرها بعنوان "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة" برقم "٥".
وأما الفصل الرابع والأخير من رسالتنا هذه فقد عرض فيه المؤلف إلى الأمر الثالث والخطير الذي أدى إلى إضعاف مكانة السنة عند الناس وتعطيل العمل بها وذلك هو التقليد الذي عم وطم جميع نواحي الفكر والحياة في العالم الإسلامي لعدة قرون من الزمان والذي أناخ بكلكله على العقول والنفوس فأمات فيها الابتكار وقتل العبقريات ودفن المواهب وحرم الناس فيما حرم من هدى ربهم سبحانه وصدهم عن الانتفاع بالخير الذي جاءهم عن طريق محمد ﷺ ركونا إلى اجتهادات علماء لم يرضوا لتلاميذهم أن يقلدوهم فيها من غير بصيرة بل كل منهم نصح من بعده ألا يقدموا على كتاب الله وسنة رسوله شيئا من الأقوال والآراء والاجتهادات أو فتوى تخالف قول الله وقول رسوله ورجوعهم عنها في حياتهم وبعد مماتهم.
وقد أهاب أستاذنا في ختام المحاضرة بالشباب المسلم أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة في كل ما يبلغهم منهما وأن يعملوا لتحقيق مرتبة الاتباع في نفوسهم حسب استطاعتهم وإمكانياتهم
1 / 9
فبذلك يفردون الرسول ﷺ وحده بالاتباع كما أفرده الله تعالى وحده بالعبودية وبذلك يحققون فعلا – لا قولا فقط – معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وبذلك يحققون في أنفسهم – عملا لا دعوى – شعار "الحاكمية لله تعالى وحده" بعد أن أعلنوه شعارا وتغنوا به قولا وبذلك أيضا ينشئون "الجيل القرآني الفريد" الذي يحقق دولة الإسلام المنشودة بإذن الله تعالى.
هذا وقد نالت هذه المحاضرة استحسانا كبيرا من جماهير الطلبة المثقفين المسلمين الذين استمعوا إليها لما رأوا فيها من المناقشة العلمية الموضوعية والرأي الصائب القويم وأرسلوا عدة رسائل إلى المؤلف يطلبون منه طبعها ونشرها ليعم النفع بها كل مسلم مخلص غيور يبحث عن الحق ويتمسك به.
كما يحسن أن ننبه هنا إلى أن لأستاذنا الفاضل موضوعا ثالثا عن السنة هو محاضرة كان قد ألقاها منذ نحو سنتين في جمع من الشباب المسلم في بلاد قطر العزيزة تحدث فيها عن أهمية السنة النبوية ومنزلتها في التشريع الإسلامي والحاجة إليه من أجل فهم القرآن ومعرفة تفسيره وعساها يقدر لها كذلك النشر قريبا بإذن الله.
هذا وقد طلبنا من أستاذنا الكريم إجابة الطلبات الكثيرة لطبع هذه المحاضرة القيمة ونشرها فوافق – جزاه الله تعالى خيرا – على ذلك مشكورا فقمنا بقراءتها عليه ونقحناها بإشرافه
1 / 10
ووضعنا عناوين صغيرة لأفكارها الأساسية تسهيلا على القارئ ومساعدة له على إدراك عناصر الموضوع الرئيسية وهذا نوع من الترتيب الحديث والتنظيم الجيد للكتابة نافع ومفيد١.
وقد رأيت أن أقدم بين يدي الرسالة بتعريفات لبعض المصطلحات الحديثية التي لها صلة بالموضوع وبفوائد هامة يحسن بيانها وأرجو الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة كثيرين وأن يجزي كاتبها وناشرها ومبلغها خير الجزاء وبه سبحانه التوفيق والسداد ومنه وحده العون والاستمداد.
_________
١ ثم يسر الله أيضا نشرها بعنوان "منزلة السنة في الإسلام" ضمن هذه السلسلة برقم "٤".
1 / 11
الفصل الأول: وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها
مدخل
...
الفصل الأول: وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها
أيها الإخوان الكرام: إن من المتفق عليه بين المسلمين الأولين كافة أن السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - هي المرجع الثاني والأخير في الشرع الإسلامي في كل نواحي الحياة من أمور غيبية اعتقادية - أو أحكام عملية أو سياسية أو تربوية وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس كما قال الإمام الشافعي ﵀ في آخر "الرسالة ": "لا يحل القياس والخبر موجود "ومثله ما اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول: "إذا ورد الأثر بطل النظر" "لا اجتهاد في مورد النص" ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم والسنة المطهرة
القرآن يأمر بالاحتكام إلى سنة الرسول ﷺ
أما الكتاب ففيه آيات كثير أجتزئ بذكر بعضها في هذه المقدمة على سبيل الذكرى ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٣٦]
1 / 25
٢ - وقال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: ١]
٣ - وقال: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ٣٢]
٤ - وقال عز من قائل: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: ٨٠]
٥ - وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩]
٦ - وقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٤٦]
٧ - وقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [المائدة: ٩٢]
٨ - وقال: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣]
1 / 26
٩ - وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٤]
١٠ - وقال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء ١٣ - ١٤]
١١ - وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النساء: ٦٠ - ٦١]
١٢ - وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٥٢]
١٣ - وقال: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: ٧]
1 / 27
١٤ - وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١]
١٥ - وقال: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ١ - ٤]
١٦ - وقال ﵎: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] إلى غير ذلك من الآيات المباركات
الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي ﷺ في كل شيء: وأما السنة ففيها الكثير الطيب مما يوجب علينا اتباعه ﵊ اتباعا عاما في كل شيء من أمور ديننا وإليكم النصوص الثابتة منها: ١ - عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى". أخرجه البخاري في "صحيحه كتاب الاعتصام " ٢ - عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: "جاءت ملائكة إلى النبي ﷺ وهو نائم فقال بعضهم: إنه
الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي ﷺ في كل شيء: وأما السنة ففيها الكثير الطيب مما يوجب علينا اتباعه ﵊ اتباعا عاما في كل شيء من أمور ديننا وإليكم النصوص الثابتة منها: ١ - عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى". أخرجه البخاري في "صحيحه كتاب الاعتصام " ٢ - عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: "جاءت ملائكة إلى النبي ﷺ وهو نائم فقال بعضهم: إنه
1 / 28
نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيه مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا: أولوها يفقهها فقال بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا فالدار الجنة والداعي محمد ﷺ فمن أطاع محمدا ﷺ فقد أطاع الله ومن عصى محمدا ﷺ فقد عصى الله ومحمد ﷺ فرق١ بين الناس
أخرجه البخاري أيضا
٣ - عن أبي موسى ﵁ عن النبي ﷺ قال:
"إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك
مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق" أخرجه البخاري ومسلم
٤ - عن أبي رافع ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما
_________
١ أي يفرق بين المؤمنين والكافرين بتصديق الأولين إياه وتكذيب الآخرين له.
1 / 29
أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه "وإلا فلا".
رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة والطحاوي وغيرهم بسند صحيح
٥ - عن المقدام بن معدي كرب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ:
"ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه١ فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه".
رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح
٦ - عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ:
"تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم ما تمسكتم بهما كتاب
_________
١ أي يضيفوه.
1 / 30
الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض".
أخرجه مالك مرسلا والحاكم مسندا وصححه
ما تدل عليه النصوص السابقة:
وفي هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور هامة جدا يمكن إجمالها فيما يلي:
١ - أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله وأن كلا منهما ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما وأن عصيان الرسول ﷺ كعصيان الله تعالى وأنه ضلال مبين
٢ - أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول ﷺ كما لا يجوز التقدم بين يدي الله تعالى وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته ﷺ قال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين" "١/٥٨":
"أي لا تقولوا حتى يقول وتأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضي "
٣ - أن المطيع للرسول ﷺ مطيع لله تعالى
٤ - أن التولي عن طاعة الرسول ﷺ إنما هو من شأن الكافرين
٥ - وجوب الرد والرجوع عند التنازع والاختلاف في شيء من أمور الدين إلى الله وإلى الرسول ﷺ قال ابن القيم "١/٥٤":
1 / 31
فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأعاد الفعل "يعني قوله: وأطيعوا الرسول" إعلاما بأن طاعته تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه فإنه
أوتي الكتاب ومثله معه "ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول "
ومن المتفق عليه عند العلماء أن الرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته وأن ذلك من شروط الإيمان
٦ - أن الرضى بالتنازع بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع سبب هام في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم ولذهاب قوتهم وشوكتهم
٧ - التحذير من مخالفة الرسول ﷺ لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة
٨ - استحقاق المخالفين لأمره ﷺ الفتنة في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة
٩ - وجوب الاستجابة لدعوة الرسول ﷺ وأمره وأنها سبب الحياة الطيبة والسعادة في الدنيا والآخرة
١٠ - أن طاعة النبي ﷺ سبب لدخول الجنة والفوز العظيم وأن معصيته وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين
1 / 32
١١ - أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول ﷺ وإلى سنته لا يستجيبون لذلك بل يصدون عنه صدودا
١٢ - وأن المؤمنين على خلاف المنافقين فإنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الرسول ﷺ بادروا إلى الاستجابة لذلك وقالوا بلسان حالهم ومقالهم: "سمعنا وأطعنا" وأنهم بذلك يصيرون مفلحين ويكونون من الفائزين بجنات النعيم
١٣ - كل ما أمرنا به الرسول ﷺ يجب علينا اتباعه فيه كما يجب علينا أن ننتهي عن كل ما نهانا عنه
١٤ - أنه ﷺ أسوتنا وقدوتنا في كل أمور ديننا إذا كنا ممن يرجو الله واليوم الآخر
١٥ - وأن كل ما نطق به رسول الله ﷺ مما له صلة بالدين والأمور الغيبية التي لا تعرف بالعقل ولا بالتجربة فهو وحي من الله إليه. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
١٦ - وأن سنته ﷺ هي بيان لما أنزل إليه من القرآن
١٧ - وأن القرآن لا يغني عن السنة بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع وأن المستغني به عنها مخالف للرسول ﵊ غير مطيع له فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات
1 / 33
١٨ - أن ما حرم رسول الله ﷺ مثل ما حرم الله وكذلك كل شيء جاء به رسول الله ﷺ مما ليس في القرآن فهو مثل ما لو جاء في القرآن لعموم قوله: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".
١٩ - أن العصمة من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة وأن ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه ﷺ تسليما كثيرا.
لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام:
أيها الأخوة الكرام هذه النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة كما أنها دلت دلالة قاطعة على وجوب اتباع السنة اتباعا مطلقا في كل ما جاء به النبي ﷺ وأن من لم يرض بالتحاكم إليها والخضوع لها فليس مؤمنا فإني أريد أن ألفت نظركم إلى أنها تدل بعموماتها وإطلاقاتها على أمرين آخرين هامين أيضا:
الأول: أنها تشمل كل من بلغته الدعوة إلى يوم القيامة وذلك صريح في قوله تعالى: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ: ٢٨] وفسره ﷺ بقوله في حديث: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة" متفق عليه وقوله: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا
1 / 34
كان من أهل النار" رواه مسلم وابن منده وغيرهما "الصحيحة ١٥٧".
والثاني: أنها تشمل كل أمر من أمور الدين لا فرق بين ما كان منه عقيدة علمية أو حكما عمليا أو غير ذلك فكما كان يجب على كل صحابي أن يؤمن بذلك كله حين يبلغه من النبي ﷺ أو من صحابي آخر عنه كان يجب كذلك على التابعي حين يبلغه عن الصحابي فكما كان لا يجوز للصحابي مثلا أن يرد حديث النبي ﷺ إذا كان في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه عن صحابي مثله عنه ﷺ فكذلك لا يجوز لمن بعده أن يرده بالحجة نفسها مادام أن المخبر به ثقة عنده وهكذا ينبغي أن يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وقد كان الأمر كذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين كما سيأتي النص بذلك عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
تحكم الخلف بالسنة بدل التحاكم إليها: ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها بسبب أصول تبناها بعض علماء الكلام وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين كان من نتائجها الإهمال المذكور الذي أدى بدوره إلى الشك في قسم كبير منها ورد قسم آخر منها لمخالفتها لتلك الأصول والقواعد فتبدلت الآية عند هؤلاء فبدل أن يرجعوا بها إلى السنة ويتحاكموا إليها فقد قلبوا
تحكم الخلف بالسنة بدل التحاكم إليها: ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها بسبب أصول تبناها بعض علماء الكلام وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين كان من نتائجها الإهمال المذكور الذي أدى بدوره إلى الشك في قسم كبير منها ورد قسم آخر منها لمخالفتها لتلك الأصول والقواعد فتبدلت الآية عند هؤلاء فبدل أن يرجعوا بها إلى السنة ويتحاكموا إليها فقد قلبوا
1 / 35