الجامع لأحكام الصيام
الجامع لأحكام الصيام
Géneros
الجامع لأحكام الصيام
لأبي إياس محمود بن عبد اللطيف بن محمود (عويضة)
الطبعة الأولى ٢٠٠٢ م
الطبعة الثانية ٢٠٠٥م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمةً للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فهذا كتابٌ في أحكام الصيام سميته [الجامع لأحكام الصيام] وقد صدر عقب صدور [الجامع لأحكام الصلاة]، وقد نهجت فيه المنهاجَ نفسَه الذي سرت عليه في [الجامع لأحكام الصلاة] قاصدًا أن أُقدِّم مثالًا آخر لما أراه النموذجَ الأصح لكتابة الفقه، وبذلك يكون بين أيدي القراء الكرام كتابان جامعان يمثِّلان هذا النموذج.
هذا هو القصد من إصدار هذين الكتابين وإني لأرى أن إِصدار مثالين كبيرين يكفي لتوضيح النموذج الذي أدعو الفقهاء والمجتهدين إلى أخذه والكتابة بمقتضاه، فأنا لم يخطر ببالي أن أضع بين أيدي القراء الكرام سلسلةً كاملةً للفقه الإسلامي، وإنما أردت فقط وضع المثال والنموذج الأصح فحسب، وإِن كتابين كبيرين يكفيان لتحقيق هذا الغرض المرجوِّ، إلا أن يقضي الله أمرًا آخر فأُضيف إليهما كتابًا ثالثًا.
إن هذا النموذج لكتابة الفقه يتحقق فيه ما يلي:
1 / 1
١- استعراضُ جميع النصوص من القرآن الكريم والسنة الشريفة ذات العلاقةِ عند كل مسألة تُبحثُ من مسائل الفقه، وعدمُ الاقتصار على قسم من النصوص يراه الفقيه غالبًا دليلًا كافيًا على رأيه، وداعمًا لاجتهاده، وترك ما سواه.
٢- الاستدلالُ بالأحاديث الصحيحة وبالحسنة فقط، وترك ما سواها من أحاديثَ ضعيفةٍ على اختلاف أنواعها، وأعني بالضعيفة ما اتفق المحدِّثون على ضعفها، فهذه الأحاديثُ لا يحلُّ الأخذ بها في الأحكام الشرعية، ولا حتى في فضائل الأعمال. أما الأحاديث التي اختلف المحدِّثون بشأنها من حيث التضعيف والتحسين، فإِنها إن كانت موافِقةً للأحاديث الصحيحة والحسنة، أو انفردَتْ في بابها قُبلت، أما ما خالف منها الأحاديث الصحيحة أو الحسنة، أولم تنفرد في بابها فإِنها تُردُّ وتُترك.
٣- استعراضُ آراء الفقهاء والعلماء والأئمة في كل مسألة من المسائل بقدر المستطاع، فهذا الاستعراض يُثْري البحث، ويَهَبُه قوة، وبه تظهر قوة الأحكام المستنبطة عند مقارنتها بالأحكام الأخرى، حالها كحال حباتِ لؤلؤٍ طبيعية تُعرض إلى جانب حبَّاتٍ صناعية، فتظهر جودتها وجمالها وتفوُّقها.
٤- إِعمالُ جميعِ النصوص المتعلقة بكل مسألة من المسائل، وعدم إهمال أيٍّ منها، لأن واقع النصوص أنها غير متعارضة في الأصل، فرسول الله ﷺ لا تصدر عنه أحاديثُ متعارضة قطعًا، اللهم إلا في حالة النسخ فقط، وهي حالة قليلة نادرة.
أما ما نراه من أحاديث متعارضة في كل مسألة من مسائل الفقه تقريبًا فهو راجع إلى سند هذه الأحاديث، مما يتوجب علينا الوقوفُ عليه وبيانُه، وإِبعادُ الأحاديث الضعيفة والواهية، ومن باب أولى الأحاديث الموضوعة والتي لا أصل لها، التي شاعت في كتب الفقه، وكتب أصول الفقه، وفصلُها عن الأحاديث الصحيحة والحسنة.
1 / 2
٥- استنطاقُ النصوصِ، واستنباطُ الأحكامِ منها، إِنما يتم بطرقٍ ثلاثٍ: إما بمقابلة نصٍّ بنصٍّ آخر، أي بتفسير نصٍّ بنصٍّ ثان، وهو الأقوى في الاستنباط، وإما بتفسير النص واستنطاقه بموجب المعارف الشرعية، وإما بتفسير النصِّ بموجب المعارف اللغوية الثابتة المشهورة دون الضعيفة منها والشاذة. فالنص يُؤْخذ معناه، إما بمقابلته مع نصٍّ آخر، وإما بتفسيره بحسب المعارف الشرعية، وإما بإخضاعه للمعارف اللغوية الثابتة فحسب. أما التأويلات البعيدة، والتفسيرات المتعسِّفة، وإخضاعُ النصوص ولَيُّها حتى تتوافق مع رأي الإمام أو المذهب، فيجب أن تُستبعَد تمامًا من الأبحاث الفقهية إكرامًا للفقه وللشرع، وصونًا لهما من الدخيل والتسريبات الغريبة التي طالما رأيناها بكثرةٍ في كتب الفقه، وخاصة تلك المؤلفة في عصرنا الراهن!
٦- إن الأصل في كل مسلم أن يتقيد بالحكم الشرعي، ويلتزم به برضى واطمئنان، لا أن يأخذه ويعمل به وهو شاكٌّ في صحته، فحتى نُعِين المسلم على التقيُّد والالتزام بالحكم الشرعي برضى واطمئنان فإننا أتينا بهذا النموذج الذي يتضمَّن الأحكام وأدلتها مع البراهين على صحتها، والبراهين على خطأ ما سواها.
1 / 3
٧- كان صحابة رسول الله ﷺ يتلقَّون النصوص من القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ تلقِّيًا طبيعيًا، كما نتلقى نحن الآن كلامَ بعضِنا لبعض، بمعنى أنهم كانوا بمجرد أن يسمعوا آيةً أو حديثًا، يفهمون المعنى المراد ببساطة العربي، وبداهة فطنته، فكانوا قَلَّما يختلفون في فهم النصوص، وقَلَّما يختلفون مِن ثمَّ في استنباط الأحكام منها، وقد جرى التابعون وتابعو التابعين على هذا النهج، ثم عندما جاء الفقهاء من بعد هؤلاء، ووُجدت عندئذ المذاهبُ الفقهية، وما صاحبها من تعصُّبٍ وتحزُّبٍ، بدأ الفقه يأخذ منحىً جديدًا، ويبتعد تدريجيًا عن طريقة التلقِّي الطبيعي، إلى طرائق يصح وصفها بأنها طرائق صناعية، بمعنى أن الصناعة في التلقِّي والاستنباط قد غلبت على اجتهادات هؤلاء الفقهاء لا سيما وأن كل فقيهٍ تابعٍ لمذهب أو إمام يُجْهِد عقَله وذِهنَه للانتصار لمذهبه وإِمامِه، ثم أخذ قسمٌ منهم بصنوف الجدل وعلم الكلام، أو قُلْ إنهم قد تأثروا قليلًا أو كثيرًا بأساليب الجدل والكلام، إضافةً إلى ما وضعوه من قواعدَ أصوليةٍ مختلفةٍ، بالغوا في توسيعها وتفريعها وتعقيدها، فصار الفقه صناعة لا يعرفها بدقائقها إلا أربابُها المتخصِّصون، ومع الزمن وقف التَّلقي الطبيعي تمامًا، واقتصر استنباط الأحكام على صُنَّاع الفقه، ثم قلَّ هؤلاء الصُّناع تدريجيًا إلى أن أُغلق باب الاجتهاد.
1 / 4
وعلى ذلك أقول إنَّ السبب الرئيسي في غلق باب الاجتهاد، وذهاب المجتهدين هو أن الفقه أصبح صناعةً لها قواعدُ وأصولٌ قلًّما يفهمها ويستوعبها المتعلمون، ناهيك عن سواد الناس وذلك لتعقيداتها وتفريعاتها وتشعُّباتها، إذ راح علماء كلِ مذهبٍ يضعون القواعد الأصولية الخاصة بمذهبهم، ويتفننون في التفريعات والتشعُّبات، حتى غدت القواعدُ الأصوليةُ معقدة جدًا، فاختلفت كثيرًا الاجتهادات، وما صدر عنها من أحكامٍ، حتى إِنَّ الكثير من هذه الأحكام قد خرجت عن دائرةِ الاعتدال.
فحتى يعود الفقه إلى طريقته الطبيعية وينأى عن التعقيدات والتَّشعُّبات، وتقل الخلافات المذهبية وما يصاحبها من تعصُّب، وبالتالي يوجَد المجتهدون الكُثْر، فإنني أتيت بهذا النموذج الذي أراه الأصحَّ لكتابة الفقه، مستلهمًا طريقةَ الصحابة في الفقه والتلقِّي، ومبتعدًا عن التعقيد والتَّشعُّب في الفهم، ولهذا فإن القارئ الكريم سيجد أن القواعد الأصولية التي تظهر في هذا النموذج تخلو من التعقيد والتشعُّب.
1 / 5
...إن الفارق بين طريقة الصحابة وطريقة أرباب صناعة الفقه، هي أن الصحابة كانوا يضعون النص أمامهم، فما يتبادر إلى أذهانهم من معانيه بمقتضى اللغة العربية، إضافةً إلى درايتهم وخبرتهم بمرامي النصوص التي عاشوا أجواءها ودلالاتها، يأخذونه ببساطة ودون تصنُّع. أما أرباب الصناعة الفقهية، فإنهم يضعون القواعد الأصولية المختلفة أمامهم أولا مع جميع تفريعاتها وتعقيداتها وتفصيلاتها، ثم يُخضعون النص لهذه القواعد، فتخرج منه معان كثيرة متشعبة بقدر هذه التفريعات والتشعُّبات، وهنا يقع الخلاف الكبير بينهم، كلٌّ يتمسَّك بالمعنى الذي فهمه، وبالحكم الذي استنبطه بحسب ما وضعه أمامَه من قواعد تفصيلية خاصةٍ به، ويُجْهِد نفسه في الدفاع عنه والمنافحة عنه انتصارًا لمذهب إِمامِه، حتى غدا الفقه أخيرًا معرضًا واسعًا متنوعًا للأحكام المختلطة، الصحيحة والضعيفة والشاذة، ما أن يطَّلع عليها القارئ حتى يُصدَع رأسُه بهذا الكم الهائل من الآراء في كل مسألة فقهية. ومن أحبًّ أن يقف على أمثلةٍ مما أقول، فما عليه إلا أن يراجع الآراء الفقهية في المسائل التالية: ليلة القدر متى هي؟ والنوم هل هو ناقض للوضوء؟ والصلاة الوسطى ما هي؟ وتجدون الخلافات الواسعةَ والهائلةَ في هذه المسائل وفي غيرها في كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني، وشرح صحيح مسلم للنووي.
1 / 6
٨- أما كيف نتخلص من الطريقة الصناعية لاستنباط الأحكام الشرعية والاجتهاد، ونعود إِلى الطريقة الطبيعية التي سادت العصور الثلاثة الأولى، أي طريقة الصحابة والتابعين وتابعيهم في الاستدلال والاجتهاد، فما علينا إِلا الانكبابُ على النصوص من كتاب الله المجيد، والأحاديث النبوية الشريفة: قراءةً وحفظًا وتفسيرًا، انكبابًا يصحُّ وصفُه بأنه معايشةٌ دائمةٌ للنصوص الشرعية، يستمر السنين والسنين، حتى تتكون لدينا القدرة والدراية، التي كان يملكها صحابةُ رسول الله ﵌ في التعامل مع النصوص الشرعية فهمًا واستنباطًا ودلالات، تمامًا مثل القدرةِ التي نملكها نحن في التعامل مع كلامِ بعضنا لبعضٍ، فنفهم النصوص كما نفهم تمامًا كلامَ بعضنا لبعضٍ، وبدون هذه الطريقة فلن يُفتحُ بابُ الاجتهاد، وإِن فُتح فلن يكون اجتهادًا صحيحًا فيه قابليةُ الدوام والاستمرارية.
ولي هنا وقفةٌ مهمةٌ، فأقول ما يلي: إنَّ المجتهد إِما أن يكون مجتهِدًا مطلقًا، وإِما أن يكون مجتهدَ مسألة، وإِما أن يكون مجتهد مذهبٍ كما هو معلوم، فأَما المجتهدان الأول والثاني فإن فيهما الخير الكثير للفقه وللمسلمين. أما مجتهد المذهب، وهو من يقوم بالاجتهاد بحسب القواعد الأُصولية التي يتبناها إِمامُه فينظر، فإن كان هذا المجتهدُ يُطلِق لعقلِه ولفهمِه العِنان في استنباط الأحكامِ، ولا يتقيد بما توصل إليه إِمامه من أحكام، فلا بأس، وفيه من الخير ما في المجتهد المطلق ومجتهد المسألةِ، وذلك كابن المنذر من الشافعية. وأما إن كان هذا المجتهدُ لا يخرج في اجتهاده عن اجتهاد إِمامه، ولا يكون له من همٍّ وقصدٍ إلا نصرة مذهبه وإِمامه فإن هذا المجتهد لا بدَّ من أن يُتهمُ بمجانبة النزاهةِ والموضوعيةِ، ويُحجَب في كثير من الأحيان عن الرأي الصائب والحكم الصحيح وذلك كالطحاوي من الحنفية.
1 / 7
ولي هنا وقفةٌ مهمة أخرى هي: أنَّ المسلمين كما أنهم في حاجةٍ لثورةٍ فكريةٍ غير تقليدية لإِنهاضهم وتخليصهم من التخلف، فإِنَّ الفقه الإسلاميَ في حاجةٍ هو الآخر لثورةٍ وإبداعٍ غير تقليديَّين من أجل إعادة الحياةِ إليه، ولا تكون الثورةُ بالتوسُّع في التعليم العالي في الجامعات وكليات الشريعة ولن تكون، ما دامت الجامعاتُ والكلياتُ تسير على المناهج الحالية، إِذ أنَّ هذه الجامعات والكليات، ومنها جامعةُ الأزهر، قد اعتمدت الطريقة الصناعية في الفقه وجمدت عليها، ولم يعد يُرجى منها إحداثُ ثورة فيه، ولذا لا نجد جامعةً ولا كلية شريعة قد خرَّجت مجتهدين ولا حتى فقهاء، وإنما تقوم هذه الجامعات والكلياتُ بتخريج متعلمين ومتفقهين فحسب، والفارق بين الفقيه والمتفقه، هو أن الفقيه يملك رأيًا خاصًا به في المسائل الفقهية، أما المتفقه فهو من لا يملك رأيًا خاصًا به، وإنما يملك آراءَ غيره من الفقهاء، فتجده إن سُئل عن مسألةٍ فقهية أجاب بقوله: إنَّ المذهب الفلاني يقول في هذه المسألة كذا، وإنَّ العالم أو الإمام العلاني يقول في هذه المسألة كذا وقلما تجده يُرجِّح بين الرأيين، وحتى لو قام بالترجيح فإن الرأي الذي يرجِّحه ليس رأيه هو وإنما هو رأي فقيه من الفقهاء.
وإني أرى أنَّ الحل الأوحد هو فعلًا العودةُ إلى طريقة الصحابة في التلقي والاستنباط،وتكون بأن تقوم الجامعاتُ والكلياتُ والمعاهد الشرعيةُ بإِقرار هذه الطريقة وجعل المناهج كلها تقوم عليها، وما لم يحصل هذا، فإنَّ الفقه سيظلَّ في حالة جمودٍ وركود، والله يهدينا إلى الرشاد والسداد.
1 / 8
أحببت أن أذكر لكم هذه النقاط الرئيسية الثماني لشرح النموذج والتعريف به وبيان الغرض منه والدواعي إليه، وكلي أملٌ في أن يخرج في هذه الأمة الكريمة رجالٌ ينهجون هذا النهج، ويُعيدون إلى الفقه الإسلامي أَصالَتَه وجماله وعظمته ويتناولون ما يستجِدُّ من وقائعَ وأعمالٍ ومشاكلَ، ويستنبطون لها الأحكام الشرعية الصحيحة.
...وقد التزمتُ في هذا الكتاب بوضع رقم كل حديث أخذته من مصدره كما هو مثبت فيه، وهو ما لم يحصل في الكتاب السابق رغم دقة النقل وصوابيته التامة فيه وهي إِضافة نافعة وذلك ليسهل الرجوع إلى أي حديث إن وُجِدَت لدى القارئ رغبةٌ وحاجةٌ إلى قراءته في مصدره. وحيث أنني التزمت عند تعدُّد رواة الحديث بوضع اسم صاحب اللفظ المثبت في الكتاب في مقدمة الرواة، وهو ما نوَّهت به في مقدمة كتاب [الجامع لأحكام الصلاة] فقد اكتفيتُ بوضع رقم الحديث المثْبَت فقط إلا في حالات قليلة دعت الدواعي إلى ذكر لفظٍ ثانٍ، فوضعت له رقمًا هو الآخر.
...وتجدون في آخر الكتاب ثَبتًا بمصادر النصوص المعتمدة في هذا الكتاب، مع ذِكر معلومات عنها حتى تُحْصَر المراجعةُ بها ويتسنى التثبُّتُ من صحة النصوص الواردة في الكتاب، وهذه المصادر في غالبيتها قد تمَّ ترتيب الأحاديث فيها على طريقة الرقم المتسلسل، والقليل منها تمَّ ترتيبُ الأحاديث فيها على طريقة الموضوعات، ولم تُوضع لها أرقامٌ متسلسلة، فما كان منها بحسب الطريقة الأولى، فإني أَثبتُّ الرقم المتسلسل للحديث، وما كان منها بحسب الطريقة الثانية، فإني أَثبتُّ رقم الجزء أولًا، ثم رقم الصفحة المتضمِّنة للحديث، هكذا (٤/٢٥٠) مثلًا، فرقم ٤ هو رقم الجزء، ورقم ٢٥٠ هو رقم الصفحة، باستثناء المعجم الكبير للطبراني، ومسند أبي يعلى الموصلي، فإن الرقم الأول هو رقم الجزء، والرقم الثاني هو رقم الحديث فيهما.
1 / 9
...وإني لأدعو الله السميع العليم أن يتقبًّل مني ما بذلتُ وما نويتُ وما إليه هدفت وأن يلقى هذا الكتاب من القبول ما لقيه الكتاب الأول، والحمد لله أولًا وآخرًا.
الخميس: ٢٨ من شهر جمادى الأولى عام ١٤٢٣هـ
... ٨ من آب (أغسطس) عام ٢٠٠٢ م
الفصل الأول: صيام رمضان – أحكام عامة
الفصل الأول
صيامُ رمضان – أحكامٌ عامة:
الصوم في اللغة هو الإمساك، والصمت، والركود، وما في معناها. وقد ورد الصوم بهذا المعنى في كتاب الله الكريم، قال تعالى ﴿فكُلي واشربي وقَرِّي عيْنًا فإِما تَرَيِنَّ من البَشَرِ أَحَدًا فقولي إِني نَذَرتُ للرحمنِ صَوْمًا فلن أُكلِّمَ اليومَ إِنْسِيًَّا﴾ الآية ٢٦ من سورة مريم.
...وأما الصوم في الشرع، فهو إِمساكٌ عن المفَطِّرات، وهي: الأكل والشرب والجماع والاستعاط والاستقاء، بنيَّةِ التقرُّبِ إلى الله سبحانه من فجر اليوم إلى مغربه. وقد ورد الصوم بمعناه الشرعي في كثير من آيات الله الكريمات، لا حاجة لذكرها هنا وذلك لشهرتها ومعرفة الناس بها.
فضل الصيام:
ورد في فضل الصيام كثيرٌ من الأحاديث أذكر منها ما يلي:
١- عن أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قال ﴿قال الله: كلُّ عملِ ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أَجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فلْيقلْ: إني امرؤٌ صائم والذي نفسي بيده لَخُلُوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه﴾ رواه البخاري (١٩٠٤) ومسلم والنَّسائي وابن ماجة وأحمد. وعنه ﵁ أن رسول الله ﷺ قال ﴿قال ربكم ﵎: كلُّ العمل كفارةٌ، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أَجْزي به ...﴾ رواه أبو داود الطيالسي (٢٤٨٥) وأحمد.
1 / 10
وعنه ﵁ أن رسول الله ﷺ قال ﴿كلُّ عملِ ابن آدم يضاعَف، الحسنةُ عشرُ أمثالها إلى سبعِمائة ضعف، قال الله ﷿: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أَجزي به ...﴾ رواه مسلم (٢٧٠٧) والنَّسائي والدارمي والبيهقي. ورواه أحمد (٩٧١٢) وابن ماجة بلفظ ﴿قال رسول الله ﷺ: كل عمل ابن آدم يُضاعَف، الحسنةُ بعشر أمثالها إلى سبعِمائة ضعف، إلى ما شاء الله، قال الله ﷿: إلا الصوم فإنه لي وأَنا أَجزي به ...﴾ بزيادة (إلى ما شاء الله) .
٢ – عن سهل – بن سعد – ﵁، عن النبي ﷺ قال ﴿إِن في الجنة بابًا يقال له الرَّيَّان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد﴾ رواه البخاري (١٨٩٦) ومسلم والنَّسائي. ورواه ابن ماجة (١٦٤٠) والترمذي بلفظ ﴿... فمن كان من الصائمين دخله، ومن دخله لم يظمأ أبدًا﴾ .
٣– عن عبد الله – بن مسعود – ﵁ قال: قال النبي ﷺ ﴿من استطاع الباءةَ فلْيتزوجْ فإِنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإِنه له وِجاءٌ﴾ رواه البخاري (١٩٠٥) ومسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي. والوِجاء: رضُّ الخِصيتين أو رضُّ عروقهما لقطع الشهوة.
1 / 11
٤- عن حذيفة – بن اليمان ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ يقول ﴿فتنةُ الرجل في أهله وماله وجارِه تُكفِّرها الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ ...﴾ رواه البخاري (١٨٩٥) ومسلم. ورواه ابن أبي شيبة (٨/٥٩٥) بلفظ ﴿فتنةُ الرجل في أهله، وماله، ونفسه، وجاره، يكفِّرها الصيام والصدقة، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر﴾ وعنه رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ قال ﴿مَن خُتم له بصيام يومٍ دخل الجنة﴾ رواه البزَّار (١٠٣٨) . ورواه أحمد مطوَّلًا. قال الهيثمي [رجاله موثَّقون] .
٥- عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺ قال ﴿الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أَيْ ربِّ منعتُه الطعامَ والشهواتِ بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النوم بالليل، فشفِّعني فيه، فيُشفَّعان﴾ رواه أحمد (٦٦٢٦) وسنده حسن. ورواه الطبراني في كتاب المعجم الكبير. ورواه الحاكم وصححه.
٦- عن أبي أُمامة ﵁ قال ﴿أتيتُ رسول الله ﷺ فقلت: مُرني بعملٍ يُدخلني الجنة، قال: عليك بالصوم، فإنه لا عِدْل له، ثم أتيته الثانية فقال لي: عليك بالصيام﴾ رواه أحمد (٢٢٥٠١) والنَّسائي وابن حِبَّان وابن خُزيمة وابن أبي شيبة والطبراني في المعجم الكبير. وفي لفظٍ ثانٍ عند ابن حِبَّان (٣٤٢٥) والنَّسائي ﴿... عليك بالصوم فإنه لا مِثلَ له ...﴾ .
1 / 12
٧- عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ ﴿ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الإمامُ العادل، والصائمُ حتى يفطر، ودعوةُ المظلوم، يرفعها الله دون الغَمام يوم القيامة وتُفتح لها أبوابُ السماء، ويقول: بعزَّتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين﴾ رواه ابن ماجة (١٧٥٢) . والغمام هنا هو الغمام المذكور في قوله تعالى ﴿يومَ تَشَقَّقُ السماءُ بالغَمَامِ﴾ وفي قوله سبحانه ﴿هل يَنْظُرون إلا أَن يأتيَهُم اللهُ في ظُلَلٍ من الغَمَامِ﴾ .
٨- عن عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول ﴿الصوم جُنَّةٌ من النار كجُنَّةِ أحدِكم من القتال﴾ رواه النَّسائي (٢٢٣١) وابن ماجة وأحمد وابن حِبَّان وابن أبي شَيْبَة.
٩- عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله ﷺ قال ﴿قال ربُّنا ﷿: الصيام جُنَّةٌ يَستجِنُّ بها العبدُ من النار وهو لي وأنا أَجزي به﴾ رواه أحمد (١٤٧٢٤) بسند جيد. ورواه البيهقي.
١٠ - عن أبي عبيدة ﵁ قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول ﴿... والصومُ جُنَّة ما لم يَخْرِقْها ...﴾ رواه أحمد (١٦٩٠/١٧٠٠) . ورواه الدارمي (١٧٣٣) بلفظ ﴿الصومُ جُنة ما لم يخرقها، قال أبو محمد: يعني بالغيبة﴾ ورواه الطبراني في المعجم الأوسط (٤٥٣٣) من طريق أبي هريرة ﵁.
1 / 13
فأكرمْ بالصيامِ من عبادةٍ هذه فضائلُها. فالصوم جُنَّة، أي حفظٌ وعصمة، وهو قامعٌ للشهوة لمن لم يستطع الزواج، وهو مكفِّرٌ للذنوب عند الفتن، وهو شافعٌ مشفَّع لصاحبه يوم القيامة، وللصائمين باب الرَّيَّان، من دخله منهم لم يظمأ أبدًا. ويكفي في بيان فضل الصوم ما جاء في الحديث (الحسنةُ عشرُ أمثالها إلى سبعِمائةِ ضِعف، قال الله ﷿: إلا الصوم فإنه لي وأنا أَجزي به) . فلو لم يكن للصوم من حديثٍ يذكر فضله إلا هذا الحديث لكفى. فحقًا إن الصوم لا مثلَ له ولا عِدلَ له كما ورد في الحديث السادس، وليس للصيام من نتيجة تبعًا لكل ما سبق، إلا دخول الجنة كما ورد في حديث حذيفة ﵁ عند البزَّار وأحمد، واستحق بصيامه أن يكرمه الله باستجابة دعائِه، كما ورد في الحديث السابع.
فضلُ رمضان:
قد وردت في فضلِ شهرِ رمضانَ الأحاديثُ التالية:
١- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله ﷺ كان يقول ﴿الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مكفِّراتُ ما بينهنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائر﴾ رواه الإمام مسلم (٥٥٢) وأحمد. ورواه البخاري في التاريخ الكبير.
٢- وعنه ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ ﴿رَغِم أنفُ رجلٍ ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ، وَرغِم أنفُ رجل دخل عليه رمضان فانسلخ قبل أن يُغفَر له، ورَغِم أنفُ رجل أدرك عنده أبواه الكبرَ، فلم يُدخلاه الجنة – قال ربعي –: ولا أعلمه إلا قد قال: أو أحدُهما﴾ رواه الإمام أحمد (٧٤٤٤) والترمذي وابن خُزيمة والحاكم، وإسناده جيد.
٣- وعنه رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ ﴿إذا دخل رمضان فُتحت له أبوابُ السماء، وغُلِّقتْ أبوابُ جهنم، وسُلسلت الشياطينُ﴾ رواه البخاري (١٨٩٩) ومسلم والنَّسائي وأحمد وابن حِبَّان والدارمي، باختلافٍ في الألفاظ.
1 / 14
٤- وعنه رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ ﴿من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه﴾ رواه البخاري (٣٨) والنَّسائي وابن ماجة وأحمد وابن حِبَّان. ولأحمد (٨٩٨٩) والنَّسائي في رواية ثانية من طريقه ﴿... غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر﴾ بزيادة (وما تأخر) . قال المنذري بإسنادٍ حسن. إلا أن حمادًا شكَّ في وصله، أو انفرد بهذه الزيادة قتيبة بن سعيد عن سفيان.
٥- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله ﷺ ﴿عُمرة في رمضان تعدل حَجَّةً﴾ رواه ابن ماجة (٢٩٩٤) والنَّسائي وأحمد. وروى ابن ماجة (٢٩٩١) الحديث بلفظه، وأحمد والترمذي من طريق وهب بن خَنْبَش. ورواه أحمد (١٤٨٥٥) وابن ماجة من طريق جابر رضي الله تعالى عنه. وروى البخاري (١٨٦٣) من طريقه، ومسلم وأبو داود بلفظ ﴿... فإنَّ عُمرةً في رمضان تقضي حجة أو حجة معي﴾ وروى الطبراني في المعجم الكبير (٢٥/٣٦٤) وأبو داود وأحمد عن أم معقل ﵂ قالت ﴿يا رسول الله إني امرأة قد كبرتُ وقد سقمتُ، فهل عملٌ يَجزي عني من حجتي؟ فقال: عمرة في رمضان تُجْزيءُ عنك﴾ .
٦- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال ﴿إذا كان أول ليلة من رمضان، صُفِّدت الشياطين ومَرَدةُ الجن، وغُلِّقت أبوابُ النار، فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبوابُ الجنة، فلم يُغلق منها باب، ونادى منادٍ: يا باغيَ الخير أَقْبِل ويا باغي الشَّرِّ أَقْصِر، ولله عُتَقاءُ من النار، وذلك في كل ليلة﴾ رواه ابن ماجة (١٦٤٢) وابن حِبَّان والبيهقي. ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. ورواه ابن خُزيمة (١٨٨٣) إلا أنه قال ﴿صُفِّدت الشياطينُ مَرَدةُ الجن﴾ وروى الطبراني في كتاب المعجم الأوسط (١٥٨٦) والنَّسائي قريبًا منه من طريق عُتبة بن فرقد ﵁.
1 / 15
ودلالات هذه الأحاديث واضحة لا تحتاج إلى تفسير. فإذا أضيفت الأحاديث الواردة في فضل الصيام بشكل مطلق إلى موضوعنا هذا، هذا ظهر تمامًا فضلُ رمضان والصوم فيه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال ﴿كان رسول الله ﷺ أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسُه القرآن، فَلَرسولُ الله أجودُ بالخير من الريح المرسَلَة﴾ رواه البخاري (٦) ومسلم والنَّسائي والترمذي وأحمد وابن حِبَّان.
متى شُرع الصيام الواجب؟
...اختلف الفقهاء والأئمة في تعيين أول صوم مفروض على المسلمين، فذهب الأحناف وابن حجر من الشافعية إلى أن أول ما فُرض هو صيام يوم عاشوراء. وزاد الأحناف: ثلاثة أيام من كل شهر. وقالوا: إن ذلك قد نُسخ بصوم رمضان، بحيث يمسك الصائم من صلاة العشاء إلى غروب الشمس، ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى ﴿أُحِلَّ لكم ليلةَ الصيامِ الرَّفَثُ إِلى نسائِكم هُنَّ لِباسٌ لكم وأَنتم لِباسٌ لهنَّ عَلِمَ الله أَنكم كُنتم تخْتانُون أَنْفُسَكم فتابَ عليكم وعفا عنكم فالآن باشِرُوهُنَّ وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشْربوا حتى يتبينَ لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسْودِ من الفَجْرِ ثم أَتِمُّوا الصيامَ إِلى الليل ...﴾ من الآية ١٨٧ من سورة البقرة. كما أنهم استدلوا على ما ذهبوا إليه بالأحاديث التالية:
1 / 16
١- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال ﴿أُحيلت الصلاةُ ثلاثةَ أحوال، وأُحيل الصيامُ ثلاثةَ أحوال – فذكر الحديث إلى أن قال – وأما أحوالُ الصيام، فإن رسول الله ﷺ قدِم المدينة، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام – وقال يزيد: تسعة عشر شهرًا – من ربيع الأول إلى رمضان، من كل شهر ثلاثة أيام وصام يوم عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام فأنزل الله ﷿ (يا أَيُّها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصِّيامُ كما كُتبَ على الذين من قبلِكم ...) إلى هذه الآية (... وعلى الذين يُطيقونُه فِدْيةٌ طعامُ مسكين ...) قال: فكان مَن شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينًا، فأجزأ ذلك عنه، قال: ثم إن الله ﷿ أنزل الآية الأخرى (شهرُ رمضانَ الذي أُنزلَ فيه القرآنُ ...) إلى قوله (... فمن شهدَ منكم الشَّهرَ فَلْيصُمْه ...) قال: فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخَّص فيه للمريض والمسافر، وثبَّت الإِطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حَوْلان، قال: وكانوا يأكلون ويشربون، ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا، قال: ثم إن رجلًا من الأنصار يقال له صِرْمة، ظل يعمل صائمًا حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلَّى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فأصبح صائمًا، قال: فرآه رسول الله ﷺ، وقد جَهَد جَهْدًا شديدًا، قال: مالي أراك قد جَهَدْت جَهْدًا شديدًا؟ قال: يا رسول الله، إني عملتُ أمسِ، فجئت حين جئت، فألقيتُ نفسي فنمت، وأصبحتُ حين أصبحتُ صائمًا، قال: وكان عمر قد أصاب النساء من جارية، أو من حرَّة، بعدما نام، وأتى النبي ﷺ، فذكر ذلك له، فأنزل الله ﷿ (أُحلَّ لكم ليلةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نسائِكم ...) إلى قوله (... ثم أتِمُّوا الصيامَ إِلى الليلِ ...) – وقال يزيد –
1 / 17
فصام تسعةَ عشر شهرًا من ربيع الأول إلى رمضان﴾ رواه الإمام أحمد (٢٢٤٧٥) وأبو داود والبيهقي. وروى مسلم وأحمد مثله عن عبد الله بن مسعود أيضًا.
٢- عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال ﴿صام النبي ﷺ عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان تُرِك، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه﴾ رواه البخاري (١٨٩٢) ومسلم وأحمد والبيهقي. وفي لفظٍ ثان للبخاري (٤٥٠١) ومسلم وأبي داود وأحمد من طريقه ﴿كان عاشوراء يصومه أهلُ الجاهلية، فلما نزل رمضان قال: من شاء صامه، ومن لم يشأ لم يصمه﴾ .
٣- عن عائشة ﵂ ﴿أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله ﷺ بصيامه حتى فُرض رمضان، وقال رسول الله ﷺ من شاء فلْيصُمْ ومن شاء أفطر﴾ رواه البخاري (١٨٩٣) ومسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي. وروى البخاري (٤٥٠٤) ومسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي ومالك وأحمد والدارمي من طريق عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت ﴿كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي ﷺ يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان كان رمضانُ الفريضةَ وتُرك عاشوراء، فكان من شاء صامه، ومن شاء لم يصمه﴾ .
٤- عن علقمة عن عبد الله - بن مسعود – رضي الله تعالى عنه قال ﴿دخل عليه الأشعث وهو يَطْعَم فقال: اليوم عاشوراء، فقال: كان يُصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان تُرك، فادْنُ فكُل﴾ رواه البخاري (٤٥٠٣) ومسلم وأحمد والبيهقي.
1 / 18
٥- عن الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذ ﵂ قالت ﴿أرسل النبي ﷺ غداةَ عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرًا فلْيُتمَّ بقيةَ يومه ومن أصبح صائمًا فلْيصمْ قالت: فكنا نصومه بعدُ ونُصوِّم صبيانَنا، ونجعل لهم اللعبةَ من العِهْن فإذا بكى أحدُهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار﴾ رواه البخاري (١٩٦٠) ومسلم وابن خُزيمة وابن حِبَّان والبيهقي.
٦- عن سَلَمَة بن الأكوع ﵁ ﴿أن النبي ﷺ بعث رجلًا ينادي في الناس يوم عاشوراء: إِنَّ مَن أكل فليُتِمَّ أو فلْيصُمْ ومن لم يأكل فلا يأكل﴾ رواه البخاري (١٩٢٤) ومسلم والنَّسائي وأحمد وابن حِبَّان والدارمي.
وذهب الجمهور والشافعية في المشهور عنهم، إلى أنه لم يُفرض قطُّ صومٌ قبل صوم رمضان، واستدلوا على قولهم هذا بما روى حُمَيد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية ابن أبي سفيان ﵄ يوم عاشوراء عام حجٍّ على المنبر يقول ﴿يا أهل المدينة أين علماؤُكم؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول: هذا يوم عاشوراء، ولم يَكْتُب الله عليكم صيامَه وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر﴾ رواه البخاري (٢٠٠٣) ومسلم والنَّسائي وابن حِبَّان. ورواه أحمد بن حنبل (١٦٩٩٢) بلفظ ﴿هذا يوم عاشوراء، ولم يُفرض علينا صيامُه، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم فإني صائم، فصام الناس﴾ فنقول ما يلي:
الحديث رقم ١ الذي رواه أحمد من طريق معاذ ﵁ فيه انقطاع بين عبد الرحمن ابن أبي ليلى ومعاذ، وذلك أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك معاذًا كما ذكر ذلك المحدِّثون، فهو إذن حديث منقطعٌ، فيُردُّ سندًا، وبردِّه يُرَدُّ قول الأحناف بفرض صيام ثلاثة أيام قبل شهر رمضان. ونأتي الآن لمناقشة الأدلة الصحيحة:
1 / 19
الآية ليس فيها ذكرٌ لأي صومٍ فُرض على المسلمين قبل رمضان ولذا فإن هذه الآية لا يصح الاستدلال بها على موضوعنا. أما حديثا ابن عمر وحديثا عائشة عند البخاري، فإن ألفاظها لها دلالة واحدة، هي أن الرسول ﷺ قد أمر بصوم عاشوراء إلى أن فُرض رمضان فلما فُرض رمضان لم يعد الرسول ﷺ يأمر بصوم عاشوراء. وهذا الأمر يشكِّل دليلًا على أن يوم عاشوراء كان صومُه مفروضًا على المسلمين عند من يقولون ويتبنَّون أن الأمر يفيد الوجوب.
فنقول لهؤلاء: إننا لا نُقِرُّكم على أن الأمر يفيد الوجوب، وإنما نحن نرى أن الأمر يفيد مجرد الطلب، والقرائن هي التي تحدِّد نوع الطلب إن كان واجبًا أو مندوبًا أو حتى مباحًا وإذن فإن أمر الرسول ﷺ بصيام يوم عاشوراء، هكذا دون قرينة على الوجوب، لا يدل على أن صوم يوم عاشوراء كان واجبًا. ونضيف لهؤلاء القول: إنكم لا تقولون ما تقولون على إطلاقه، وإنما تقولون إن الأمر يفيد الوجوب، إلا إن وُجِدت قرينة تصرفه عن الوجوب إلى الندب مثلًا، فهلا بحثتم عن القرينة، وهي موجودة في النصوص بشكل لا يخفى على فقيه؟!
1 / 20