كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري
كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري
Editorial
مؤسسة الرسالة
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
الحديث المذكور، فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر، بل يقويه، ويشعر بأن مفاد الصيغتين واحد، وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه، وقد مر ما قرر في حديث: "إنما الماءُ من الماءِ" وقال ابن عطية: "إنما" لفظة لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيثُ وَقَعَ، ويصلُحُ مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه، فجعل وروده للحصر مجازًا يحتاج إلى قرينة، وكلام غيره على العكس من ذلك، وكون أصل ورودها للحصر لا ينافي أنها قد تكون في شيء مخصوص لسبب كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [النساء: ١٧١] فإنه سيق باعتبار منكري الوحدانية، وإِلا فلله سبحانه صفات أخرى كالعلم، والقدرة، وكقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾ [الرعد: ٧] فإنه سيق باعتبار منكري الرسالة، وإلا فله ﷺ صفات أخرى، كالبشارة إلى غير ذلك من الأمثلة.
والأعمال جمع عمل، وهو حركة البدن بكله أو بعضه، فالعمل إحداث أمر قولًا كان أو فعلًا بالجارحةِ، فالمراد بها في الحديث: الأعمال البدنية أقوالها وأفعالها، فرضها ونفلها، قليلها وكثيرها، الصادرة من المكلفين المؤمنين. والتقييد بالمكلفين المؤمنين يخرج أعمال الكفار، لأنّ المراد بالأعمال أعمال العبادة، وهي لا تصِحُّ من الكافر، وإن كان مخاطبًا بها، معاقبًا على تركها، قال ابن دَقِيقِ العيد: أخرج بعضهم الأقوال، وهو بعيد، ولا تردد عندي في أن الحديث يتناولها، وقد تعقب على من يسمي القول عملًا، لكونه عمل اللسان بأنَّ من حَلَفَ لا يعمل عملًا، فقال قولًا لا يحنث، وأجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف، والقول لا يسمى عملا في العرف، ولهذا يعطف عليه، والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة، ويدخل مجازًا، وكذا الفعل لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢] بعد قوله ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] وفي اللفظ خمس روايات: "إنما الأعمالُ بالنياتِ، الأعمالُ بالنيةِ، العمل بالنيةِ، إنما الأعمالُ بالنيةِ، الأعمالُ بالنياتِ" بحذف إنما وجمع الأعمال والنيات، والرواية الأولى
1 / 134