The Balance and Tolerance of Islam - Mohammed Al-Saleh
وسطية الإسلام وسماحته - محمد الصالح
Editorial
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Géneros
بسم الله الرحمن الرحيم وسطية الإسلام وسماحته ودعوته للحوار تنفرد الأمة الإسلامية بميزة لم تكن لأمة من قبل، وهي خصيصة الوسطية التي ورد وصف الأمة بها في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية١٤٣) .
ولفظة وسط وما شابهها من مشتقات أخرى كواسط، وأوسط، ووسيط، وواسطة ووساطة تطلق في اللغة العربية على معنيين: المعنى الأول بديهي وعام، يقصد به مجرد التوسط بين شيئين مطلقا معنويًا كان أو حسيًا. كقولهم: فلان يقوم بدور الوسيط أو الوساطة بين خصمين، ويرى اللغويون أن الوسط بالسكون لا يراد به إلا مجرد التوسط بين أمرين، أما الوسط بالفتح فيراد به شيء أهم وأسمى من مجرد التوسط.
أما المعنى الثاني للفظ وسط فهو المعنى الخاص، حيث يراد به في لغة العرب الأعدل والأفضل والأحسن والأخير بسكون الخاء. ومن ذلك قولهم فلان وسط قومه أي: من أحسن القوم وأخير الناس. وقولهم عن رسول الله ﷺ إنه كان من أوسط قومه نسبًا وشرفًا أي: أنه من أخير الناس وأفضلهم وأعدلهم.
1 / 1
قال الشاعر يمتدح الرسول ﷺ:
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم ... وأكرم الناس أما برة وأبا
ويفهم من هذا أن أوسط الشيء أفضله وخياره، كوسط المرعى فإنه خير من طرفيها، وكوسط الدابة للركوب فإنه خير من طرفيها لتمكن الراكب، ومنه الحديث «خيار الأمور أوساطها»، وواسطة القلادة هي الدرة التي في وسطها، وهي أنفس خرزها، ويقال: فلان من أوسط قومه أي خيارهم، وفلان وسيط قومه أو وسيط في قومه إذا كان أوسطهم نسبًا وأرفعهم مجدًا.
قال العرجي:
كأني لم أكن فيهم وسيطًا ... ولم تكن نسبتي في آل عمر
وفي حديث رقيقة: انظروا رجلًا وسيطًا أي حسيبًا في قومه.
ومن ذلك أيضًا قول الشاعر زهير:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
أي هم عدل. وقول شاعر آخر: " وكن من الناس جميعا ووسطا " أي من أخيرهم. وقول ابن الرومي في رثاء ولده:
توخى حمام الموت أوسط صبيتي ... فلله كيف اختار واسطة العقد
أي أفضل وأعز وأجمل أولاده.
1 / 2
ومعنى هذا أن لفظ وسط في لغة العرب كما ذكرت سابقًا يعني الأعدل والجيد والأفضل لا مجرد التوسط بين أمرين، ويتضح هذا المفهوم أو هذا المعنى من الآيات القرآنية التي ورد فيها لفظ وسط وأوسط ووسطى وذلك في خمسة مواضع في القرآن الكريم.
قال تعالى: ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ (سورة العاديات، الآية:٥) .
وقال تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ (المائدة من الآية: ٨٩) .
وقال تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ (سورة القلم، الآية:٢٨) .
وقال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ (سورة البقرة، الآية:٢٣٨)، وهي أفضل أوقات الصلاة عند المفسرين.
وقيل في تفسير الصلاة الوسطى: إنها صلاة العصر لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل وقيل: الوسطى بمعنى الفضلى.
1 / 3
وقال تعالى: ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية:١٤٣)، أي جعلناكم أعدل الناس وأخيرهم.
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ يفهم منها أن المراد بالوسط في الآية: العدل والأعدل والخيار والأخير.
ومن هذه الأحاديث النبوية الشريفة ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أنه ﷺ سئل عن الوسط في هذه الآية فقال: وسطا عدلًا.
ويقول ابن كثير في شرح هذه الآية والتي جاءت في سياق الكلام عن تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة المشرفة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي: إنما حولناكم إلى الكعبة واخترناها لكم لتكونوا خيار الأمم. إلى أن قال: والوسط هنا معناه: الخيار والعدل في الشهادة لأن جميع الرسل سينكرهم أقوامهم يوم القيامة فتأتي هذه الأمة الإسلامية فتشهد لأولئك الرسل بأنهم بلغوا رسالات ربهم طبقًا لما أخبرهم به رسول الله محمد ﷺ.
1 / 4
فعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، قَالَ: عَدْلًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (١) .
_________
(١) أخرجه البخاري، باب قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا، رقم: ٦٨٠٣.
1 / 5
الْوَسَط فِي كَلام الْعَرَب الْخِيَار، يَقُولُونَ: فُلان وَسَط فِي قَوْمه وَوَاسِط إِذَا أَرَادُوا الرَّفْع فِي حَسَبه، ومَعْنَى الْوَسَط فِي الآيَة الْجُزْء الَّذِي بَيْن الطَّرَفَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ وَسَط لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّين فَلَمْ يَغْلُوا كَغُلُوِّ النَّصَارَى وَلَمْ يُقَصِّرُوا كَتَقْصِيرِ الْيَهُود، وَلَكِنَّهُمْ أَهْل وَسَط وَاعْتِدَال، فالوسط يجيء في المعاني المعقولة، كما يجيء في الأشياء الملموسة، ومن ذلك قول أعرابي للحسن: (علمني دينا وسوطا، لا ذاهبا فروطا ولا ساقطا سقوطا) فالوسوط هو المتوسط بين الفالي والتالي، ومن ذلك قول علي ﵁ " خير الناس هذا النمط الأوسط، يلحق بهم التالي، ويرجع إليهم الفالي".
1 / 6
وقال ابن الأثير في شرح قوله: «خير الأمور أوسطها»: كل خصلة محمودة فلها طرفان مذمومان، فإن السخاء وسط بين البخل والتبذير، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والإنسان مأمور أن يتجنب كل وصف مذموم، وتجنبه بالتعري منه، فكلما ازداد منه بعدًا ازداد من الوسط قربًا، وأبعد الجهات والمقادير والمعاني من كل طرفين وسطهما، وهو غاية البعد منهما، فإذا كان في الوسط فقد بعد عن الأطراف المذمومة بتعدد الأماكن.
1 / 7
وقد وصف الله - تعالى - الأمة الإسلامية بأنها أمة وسط، وذم الإسلام التطرف والانحراف والخروج عن الجادة، وصور الله ﷿ غير المتمكن من دينه بصورة من هو على حرف قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ (سورة الحج، الآية:١١)، أي على غير تمكن فهو على طرف من دينه غير متمكن منه، كما صور المتمكن المستقيم بصورة من هو على صراط سوي لا عوج فيه ولا أمت، ووصف دينه وشريعته بين غيرها بأنها هي هذا الصراط السوي إذ يقول سبحانه: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سورة الأنعام، الآية:١٥٣)، بل وصف نفسه - جل شأنه - بأنه على صراط مستقيم، إذ يقول سبحانه: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (سورة هود، من الآية: ٥٦) .
1 / 8
وفي كل ما تحدث عنه القرآن الكريم نجد الوسطية التي في معنى الكمال ظاهرة ظهورًا بينًا في الحديث عن الدنيا والآخرة - النعيم والعذاب - النفس والروح والجسد - السماوات والأرض الليل والنهار - والخوف والرجاء - والفكر والعمل - والحسنة والسيئة - والعدل والفضل - هذا في القرآن كله -.
1 / 9
وفي آيات بعينها نجد تلك الوسطية في العقيدة: قال تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ (سورة النساء، الآية:١٧١) .
والمراد عدم مجاوزة الحد في الدين ومن ذلك أمر عيسى ﵇، فنهى سبحانه عن حطه عن منزلته أو رفعه فوق قدره.
1 / 10
ونجدها في التشريع: قال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ (سورة النحل، آية:١٢٦) .
وهكذا تسير وسطية الكمال في النسق القرآني كله من أوله لآخره وفي أغراضه كلها حتى في صياغة نفس الإنسان المؤمن، فهو لا يركن إلى الأمن مطلقًا أو إلى الخوف بإطلاق، وقد نهى الله المسلم عن الفرح بالدنيا بقوله سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ (سورة القصص من الآية: ٧٦)، ونهاه أن يركن إلى اليأس أو القنوط في دنياه، بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (سورة يوسف من الآية: ٨٧) .
1 / 11
وهكذا كانت شعائر الإسلام وعباداته فهي تتوسط التكليف بمعناه العام فلا مشقة فيه ولا هوان في أمره، إن العبادات الإسلامية كلها من الصلاة والصوم والزكاة والحج تبدو للمكلف واجبًا دينيًا له أعظم الأهمية في دنياه وآخرته. وتبدو في أدائها إزاء هذا القدر العظيم من الأهمية قليلة المشقة والكلفة على النفس والجسد فتجتمع في العبادات عظمة التكليف في قيمته ويسره في أدائه.
وقد كانت حياة النبي ﷺ وسيرته مثالًا في التطبيق القرآني الكامل، لقد نهى النبي ﷺ أصحابه عن الغلو في العبادة حتى لا تصل إلى المشقة البالغة، وقال لأصحابه الذين أرادوا حرمان أنفسهم من طيبات الدنيا ظنًا منهم أن ذلك يقربهم إلى الله: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» .
1 / 12
وهكذا بين لهم منهج القرآن الكريم في العبادة القائم على كمال الوسطية، وقد ورد في السنة النبوية أن الرسول ﷺ رد صدقة رجل دفع بكل ماله إليه، وقال الرسول ﷺ «ينطلق أحدكم فيخلع من ماله ثم يصير عيالًا على الناس»، وعندما أراد سعد ﵁ أن يوصي بماله كله أو نصفه فأجاز له ﷺ أن يوصي بثلث ماله، وقال له: «الثلث والثلث كثير» .
وحين تزيد المشقة في العبادة كالصوم في وقت حر وحال حرب يبيح الرسول ﷺ للمقاتل أن يفطر حتى لا تزداد مشقة التكليف؛ لأن في الإلزام به مشقة، ومن القواعد المقررة لدى الفقهاء قاعدة: المشقة تجلب التيسير، وأمثلتها ظاهرة في كثير من التكاليف والأحكام، ومن ذلك قصر الصلاة وجمعها للمسافر.
1 / 13
عن «ابن عَبَّاسٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ هَاتِ الْقُطْ لِي، فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: " بِأَمْثَالِ هَؤُلاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» (١) .
وحين تتوب امرأة أجرمت ذنبًا ويقام عليها الحد، يمنع الرسول ﵊ إيذاءها حتى باللسان ويقول لأصحابه كما في صحيح مسلم: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدَتْ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى»، فالذنب ولو كان عقابه القتل، لا يحجب مشاعر الرحمة.
_________
(١) أخرجه النسائي، باب التقاط الحصى، رقم: ٣٠٠٧، وابن ماجة، باب قدر حصى الرمي، رقم: ٣٠٢٠.
1 / 14
فوسطية الإسلام تظهر في كل تكاليفه ومنها العبادات فهي لم تشرع مشقة للناس أو تعذيبًا لهم، بل هي تزكية للنفس وطهرة لها وشكرًا لله وطاعة للخالق ﷿ وصلة بين العبد وربه، قال تعالى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ (سورة النساء، الآية:١٤٧)، قال الخازن في تفسيره (٢ / ١٨٤): " هذا استفهام تقرير معناه أنه - تعالى - لا يعذب الشاكر المؤمن فإن تعذيبه لا يزيد في ملكه وتركه عقوبته لا ينقص من سلطانه لأنه الغني الذي لا يحتاج إلى شيء من ذلك، فإن عاقب أحدًا فإنما يعاقبه لأمر أوجبه العدل والحكمة، فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أنقذتم أنفسكم من عذابه".
1 / 15
وتأتي أهمية موضوع وسطية الإسلام وسماحته في زمن يتعرض فيه الإسلام إلى هجمة منظمة وشرسة من قبل أعداء الإسلام، ومما زاد الطين بلة أن المسلمين أنفسهم مع الأسف في صراعات وخلافات مذهبية، فكل باسط ذراعيه يدعي أنه هو صاحب الحق، وكلً يرى نفسه الفاهم المدرك ومن عداه تائهًا.
في هذا الجو المشحون بالعداء والاعتداء، وفي هذا الخضم المتلاطم من النزاعات، ما أحوجنا إلى فهم ديننا كما أمرنا الله ورسوله ﷺ، فبالعلم وحده المؤسس على كتاب الله وسنة رسوله ﵊ ومجالسة العلماء بالإضافة إلى تضافر مؤسسات التربية والتعليم والمؤسسات الدعوية والإعلامية، نستطيع أن نتجاوز المحن، وأن نتخلص من هذه الظواهر. وما أحوجنا أيضًا إلى فهم ديننا كما أمرنا الله ورسوله ﷺ، وما أحوجنا أيضًا إلى احتواء آراء بعضنا البعض، وشد أزر بعضنا بعضًا، لنكون جبهة واحدة أمام الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام اليوم وأهله.
1 / 16
لقد بذل الأعداء جهدهم في بث إشاعات ينشرونها وأباطيل يروجونها من خلال بعض النصوص التي منها قوله ﷺ: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» (١) . فهم يقولون: إن النبي ﷺ ينشر دينه بالإرهاب، والاعتراف سيد الأدلة.
_________
(١) متفق عليه.
1 / 17
وحق لنا أن نبذل جهدنا في إحقاق الحق وإزهاق الباطل ونفند حجج المبطلين، ونرد كيدهم إلى نحورهم، فهذه الكلمة منه ﷺ أتت في سياق الحديث عن حرب دفاعية عن الحق، هجومية على الباطل لا عدوان فيها ولا إرهاب بعد هزيمة المسلمين في غزوة أحد التي استشهد فيها ٧٠ صحابيًا كان في القمة منهم أسد الإسلام حمزة بن عبد المطلب ﵁، نزلت هذه الآية: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ (سورة آل عمران، الآية:١٥١)، وهزيمة أحد كانت في أعقاب خروج المشركين من مكة وشنهم الهجوم على الإسلام وأمته في المدينة، وقد استطاع المشركون إيقاع خسائر جسيمة بالمدافعين عن الدين، وموطنه الجديد مما ترك آثارًا سيئة في النفوس، فأراد الله أن يواسي جراحهم، ويجبر كسرهم ويراب الصدع الذي ألم بنفوسهم وأن يشعرهم أن الجولة القادمة ستكون لمصلحتهم وأنه سيقذف الرعب في قلوب المعتدين عندما يكررون هجومهم فماذا في ذلك من عيب؟ وجاءت كلمة الرعب مرة أخرى عندما غدر يهود بني النضير،
1 / 18
ونقضوا عهدهم وتآمروا على قتل النبي ﷺ فجرد حملة ليؤدبهم ولكن القوم دون قتال حل بهم الفزع وقرروا الجلاء عن المدينة، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (سورة الحشر، الآية:٢)، وآخر ذكر هذه الكلمة عندما التقى يهود بني قريضة مع الأحزاب التي أحاطت بالمدينة تبتغي دكها على من فيها وأعلنت حصارا ً رهيبًا عليها وكان بنو قريظة قد أعطوا العهد من قبل على أن يعيشوا مع المسلمين في سلام شريف واعترف رئيسهم بأنه لم يجد من النبي ﷺ إلا وفاء خيرًا ومع ذلك فقد انتهز الفرصة التي سنحت وأعلن حربًا غادرة على النبي وصحبه وظن أنه سيقاسم المشركين الغنائم بعد الإجهاز على محمد وحزبه ولكن أمر الله كان أغلب حيث ألقى الرعب في قلوب
1 / 19
الأعداء فزلزل كيانهم قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ (سورة الأحزاب، الآية:٢٦) .
وإذن فإذا وقعت حرب الآن بيننا وبين اليهود المعتدين في فلسطين حرب جادة يعلن فيها الإسلام وتتحد الكلمة ويتقدم جيوش محمد ﷺ يطلبون إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة وفزع اليهود لهذا الزحف الجديد الواثق العنيد إذا حدث ذلك، وسرى الرعب في قلوب أعدائنا قيل إننا إرهابيون.
إن تحريف الكلام عن مواضعه شيء مألوف عن أعداء الإسلام لقد نصر الله نبيه محمدًا ﷺ بالرعب كما قال، فهلا قيل نصره في أي قتال، إن أشرف قتال وقع على ظهر الأرض هو القتال الذي خاضه محمد ﷺ وأوصى به أصحابه ﵃.
وما يصدر عن الأعداء من الافتراء ووصم المسلمين بالإرهاب والعدوان إنما هو قول زائف لا يقوم على حجة ولا يسنده برهان.
1 / 20