The Authentic Comprehensive Biography of the Prophet
الجامع الصحيح للسيرة النبوية
Editorial
مكتبة ابن كثير
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
Ubicación del editor
الكويت
Géneros
من الإيمان أن يعمل الناس صالحًا وفق ما أراده الله: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)﴾ [الإسراء]!
ونبصر منهج القرآن في بيان أن كثرة الخوارق لا تنشئ الإيمان في القلوب الجاحدة القاسية، والنفوس الميّتة الجاسية، ونحن نقرأ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (١٠١) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (١٠٣) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤)﴾ [الإسراء]!
ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)﴾ [الإسراء]!
وهكذا تصور الآيات مشهد الذين أوتوا العلم من قبله، وهم لا يتمالكون أنفسهم، وتنطلق ألسنتهم بما خالج مشاعرهم من إحساس عميق بالحق، ويغلبهم التأثر البالغ، فلا تكفي الكلمات في تصوير ما يجيش في صدورهم، فإذا القطرات التي تكونت خشوعًا، وتجمعت خضوعًا، تتساقط دموعًا!
وشاء الحق -جل شأنه- أن يجمع الفضل من أطرافه لخاتم رسله، فأعطاه معجزات حسيّة؛ لأن الناس ليسوا سواء في الإدراك والتفكير، ومن ثم أوتي
1 / 129