164

The Arabs in Sicily

العرب في صقلية

Editorial

دار الثقافة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٩٧٥

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

Géneros

تلك هي صورة الشعر في صقلية حين نذكر موقعها الجغرافي، فنجد حركة دائبة، منها وإليها، كحركة الموج أو المد في اندفاعه وتراجعه. أما حين تتمثل لنا طبيعتها الجغرافية في خصبها وتنوع أزهارها وكثرة بساتينها ومياهها، ونضارة الطبيعة فيها، فإنه يخيل إلينا - بادي الرأي - أن خير ما أنتجته صقلية من شعر إنما كان يدور في فلك الجمال الطبيعي، ويهيم بمحاسن الريف، ويتغنى بمناظر القطاف ومواسم الحصاد والينابيع والجداول المتدفقة، وأسراب الطيور وهدوء الحياة الرعوية. ولكن الأمر على غير لك. فأن الشاعر في صقلية هو ابن بلرم - وقلبه عالق بحاناتها وأسواقها، معقود ببركة القصر، مثلما هو معقود بعطايا الأمير، مستمع بنعومة السجاد، مذهول أمام روعة المباني. ولا تعطفه على الريف عاطفة إنسانية، أو قلب يحن إلى مناظره الجميلة، وليست لديه روح الصوفي الذي يرى الجمال الإلهي كامنًا في النملة والصخرة والعشب. حتى ابن حمديس ابن صقلية الباكي على مجدها لا يذكر منها إلا الدار والدير والكأس والساقية الفاتنة، وينسى الجو الجميل الذي كان يضم هؤلاء جميعًا. ولا نجد في شعره إلا نغمات قليلة تمتزج بأنفاس العطر الطبيعي في حياة وطنه كقوله (١):
ويا ريحُ إما مرَيت الحيا ... وروّيت منه الربوعَ الظماءَ
فسوقي إلىّ جهَام السحاب ... لأملأهنّ من الدمع ماءَ
وسقى بكائي رَبعَ الصبا ... فما زالَ في المحل يسقى البكاء
ولا تُعطشي طللًا بالحمى ... تدانى على مزْنة أو تناءَى
وإن تجهليه فعيدانه ... لظى الشمس يلذَعُ منها الكباء ولذلك فإن الأمكنة الجميلة التي يتغنى بها شعراء صقلية قليلة. ولعل من أكثرها ترددًا في شعرهم " المعسكر " في بلرم، وكان مجالًا للذين يفرون من صخب الحياة في المدينة، وهو موضع اشهر بكثرة العيون، كعين الغربال وعين

(١) الديوان: القصيدة رقم: ٢.

1 / 173