The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an
منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
Géneros
جَمْع القرطبي:
قال القُرْطُبي: وذَكَر الْمُفَسِّرون أنه لَمَّا نَزَلَتْ هَذه الآيَة قَالُوا: يَا رَسُول الله مَنْ يَقْوَى عَلى هَذا؟ وشَقّ عَليهم، فأنْزَل اللهُ ﷿: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: ١٦] فَنَسَخَتْ هَذه الآيَة؛ عن قتادة والربيع وابن زيد (^١). قال مُقَاتِل: ولَيس في آلِ عِمْرَان مِنْ الْمَنْسُوخ شَيء إلَّا هَذه الآيَة.
وقيل: إنَّ قَوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: ١٦] بَيَان لِهَذه الآيَة، والْمَعْنَى: فاتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِه مَا اسْتَطَعْتُم، وهَذا أصْوَب؛ لأنَّ النَّسْخ إنما يَكُون عِنْد عَدَم الْجَمْعِ، والْجَمع مُمْكِن، فهو أوْلى. وقَد رَوَى عَلي بن أبي طلحة عن ابن عباس قَال: قَوله ﷿: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران: ١٠٢] لم تُنْسَخ، ولَكِن حَقّ تُقَاتِه أن يُجَاهِد في سَبِيل الله حَقَّ جِهَادِه، ولا تأخُذْكم في اللهِ لَومَة لائم، وتَقُومُوا بالقِسْط ولَو على أنْفُسِكُم وأبْنَائكُم. قال النحاس: وكُلَّما ذُكِر في الآيَة وَاجِب عَلى الْمُسْلِمِين أن يَسْتَعْمِلُوه ولا يَقَع فيه نَسْخ (^٢).
وقال في تَفْسِير سُورة التغابن:
ذَهَب جَمَاعَة مِنْ أهْل التَّأوِيل إلى أنَّ هَذه الآيَة نَاسِخَة لِقَولِه تَعَالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران: ١٠٢].
وقيل: هي مُحْكَمَة لا نَسْخَ فيها.
ثم ذَكَرَ قول ابن عباس السابق.
وذَكَر إشْكَالًا في الْجَمْع بين الآيَتَين، فَقَال: فإن قِيل: فإذا كَانَتْ هَذه الآيَة مُحْكَمَة غير مَنْسُوخة، فَمَا وَجْه قَوله في سُورَة التغابن: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: ١٦]؟ وكَيف يَجُوز اجْتِمَاع الأمْر باتِّقَاء الله حَقّ تُقَاتِه والأمْر باتِّقَائه مَا
(^١) انظر هذه الأقوال في "جامع البيان" (٥/ ٦٤٢، ٦٤٣). (^٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٤/ ١٥٤، ١٥٥).
1 / 80