148

The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Géneros

وذَهَب الزمخشري إلى أنَّ التَّوفِّي مِنْ اسْتِيفَاء الأجَل، فقال: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي: مُسْتَوفِي أجَلَك. مَعْنَاه: إني عَاصِمُك مِنْ أنْ يَقْتُلَك الكُفَّار، ومُؤَخِّرك إلى أجَل كَتَبْتُه لَك، ومُمِيتُك حَتْف أنْفِك لا قَتِيلًا بأيدِيهم. وقيل: (مُتَوَفِّيكَ) قَابِضُك مِنْ الأرْض، مِنْ تَوَفَّيتُ مَا لِي عَلى فُلان إذا اسْتَوفَيته. وقيل: مُميتُك في وَقْتك بَعد النُّزُول مِنْ السَّمَاء، ورَافِعُك الآن. وقيل: مُتَوَفِّي نَفْسك بالنَّوم (^١). ونَقَل ابن عَطية عن الفَرّاء قَوله: هي وَفَاة مَوْت، ولكِنّ الْمَعْنَى: إني مُتَوَفِّيك في آخِرِ أمْرِك عِند نُزُولِك وقَتْلِك الدَّجَال؛ فَفِي الكَلام تَقْدِيم وتَأخِير. وضَعّف قَول من قال: إنَّ مَعْنَى مُتَوفِّيك: مُتَقَبِّل عَمَلك، فقال: وهذا ضَعيف مِنْ جِهة اللَّفْظ. ثم وَجّه ابن عطية قَول ابن عباس الْمَرْوي في أنَّ الوَفَاة هي الْمَوت، فقَال: فَقَول ابن عباس ﵁: هي وَفَاة مَوت. لا بُدّ أن يُتَمَّم؛ إمَّا على قَول وَهْب بن مُنبه (^٢)، وإمَّا على قَول الفرّاء (^٣). وقال الرَّازي في قَوله تعالى: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)، وفي قَوله تعالى: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) [المائدة: ١١٧]: واخْتَلَف أهْل التأويل في هاتين الآيتين على طَريقَين: أحَدُهما: إجْراء الآية على ظَاهِرها مِنْ غَير تَقْدِيم ولا تَأخِير فيها. والثاني: فَرْض التَّقْدِيم والتَّأخِير فيها.

(^١) الكشاف، مرجع سابق (١/ ٣٩٤)، ويُنظر: (٤/ ١٣٣) باختصار. (^٢) نَقَل عن وهب بن منبِّه قوله: تَوَفَّاه الله بالْمَوت ثَلاث سَاعات ورَفَعه فيها، ثم أحْياه الله بَعد ذلك عنده في السَّمَاء. (^٣) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٤٤٤).

1 / 148