146

The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Géneros

وأجَاب السمعاني عن سُؤال قد يَنْشَأ: ما مَعْنى التَّوَفِّي وعِيسى في الأحْيَاء؟ فَقال: فيه أقْوال: قال الْحَسَن البَصْري: مَعْنَاه: إني قَابِضُك مِنْ الأرْض. وهو صَحِيح عند أهْل اللغَة فيُقَال: تَوَفّيتُ حَقّي مِنْ فُلان، أي قَبَضْتُ. وقال الفرّاء: فِيه تَقْدِيم وتَأخِير، وتَقْدِيره: إن رَافِعُك إليّ ومُتَوفِيك، أي بَعْد النُّزُول مِنْ السَّمَاء. ثم قال: وهذا التَّقْدِيم والتَّأخِير الذي ذَكَرْنا في الآية مَحْكِيّ عن ابن عباس، ولَه قَول آخَر: أنَّ الآية على حَقِيقَة الْمَوت، وأنَّ عِيسى قد مَات، ثم أحْيَاه الله تَعالى ورَفَعَه إلى السَّمَاء. قال وهب بن منبه: أمَاتَه الله ثَلاث سَاعات مِنْ النَّهَار ثم أحْيَاه الله ورَفَعه إليه. وقال الرَّبيع بن أنس: التَّوَفِّي هو النَّوم، وكان عِيسى قد نَام فَرَفَعَه الله نَائمًا إلى السَّمَاء. ثم أشَار إلى الرَّاجِح فَقَال: والْمَعْرُوف القَولان الأوّلان (^١). واسْتَدَلّ الثعلبي بآيات أُخَر على مَعْنَى التَّوَفِّي، فَقَال: اخْتَلَفُوا في مَعْنَى التَّوَفِّي ههنا: فقال كعب والْحَسَن والكَلبي ومَطر الورَّاق ومحمد بن جعفر بن الزبير وابن جريج وابن زيد: مَعْنَاه: إني قَابِضُك ورَافِعُك مِنْ الدُّنيا إليَّ مَنْ غَيْر مَوت. يَدُلّ عليه قَوله: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) [المائدة: ١١٧]، أي: قَبَضْتَنِي إلى السَّمَاء وأنا حَيّ؛ لأنَّ قَومَه إنَّمَا تَنَصَّرُوا بَعْد رَفْعه لا بَعْد مَوتِه. وعلى هذا القول للتَّوَفِّي تَأويلان:

(^١) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٣٢٣، ٣٢٤).

1 / 146