كان عُمُومها مُرَادًا، وأنه يَدخل فيها كُلّ مُشْرِكَة مِنْ كِتَابِيَّة ووَثَنِيَّة، فَقَد خَصّ مِنْ ذلك نِسَاء أهْل الكِتَاب بِقولِه: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ).
وقيل: بل الْمُرَاد بذلك الْمُشْرِكُون مِنْ عَبَدة الأوْثَان، ولم يُرِد أهْل الكِتَاب بالكُلِّيَّة، والْمَعْنى قَرِيب مِنْ الأوَّل (^١).
وقد تَزَوَّج جَمَاعة مِنْ الصَّحَابة مِنْ نِسَاء النَّصَارى ولم يَرَوا بذلك بَأسًا، أَخْذًا بِهَذِه الآية الكَرِيمة: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، فَجَعَلُوا هذه مُخَصِّصَة للتي في سورة البقرة: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)، إن قِيل بِدُخُول الكِتَابِيَّات في عُمُومِها، وإلَّا فلا مُعَارَضَة بَينها وبَينها؛ لأن أهْل الكِتَاب قد انْفَصَلُوا في ذِكْرِهم عن الْمُشْرِكِين في غير مَوْضِع (^٢).
في حين ذَكَر الثَّعَالبي ثَلاثَة أقْوَال اخْتَصَرها بقوله: قالتْ طَائفة: الْمُشْرِكَات هُنا مَنْ يُشْرِك مَع الله إلَهًا آخَر.
وقال قتادة وابن جبير: الآية عَامَّة في كُلّ كَافِرة، وخَصَّصَتْها آية "المائدة"، لم يَتَنَاول العُمُوم قَطّ الكِتَابِيَّات.
وقال ابن عباس والحسن: تَنَاوَلهن العُمُوم، ثم نَسَخَتْ آية المائدة بَعضَ العُمُوم في الكِتَابِيَّات (^٣).
ونَقَل القاسمي قَول ابن كثير، وأشَار إلى تَفصيل الرَّازي ثم قال: والتَّحْقِيق أنَّ الْمُشْرِك لا يَتَنَاول الكِتَابِيّ، لأنَّ آيات القُرآن صَرِيحَة في التَّفْرِقة بينهما، وعَطْف أحدِهِما