Revolución del Islam y el Héroe de los Profetas: Abu al-Qasim Muhammad ibn Abdullah
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Géneros
ونرى أنفسنا مقتنعين بأن عصمة الجزيرة تنحصر في طبيعة أرضها؛ ففيها الرمال المتراكمة والرياح الهائجة السافية، وفيها الجدب والظمأ، وفي بعض أجزائها - مثل اليمن في الجنوب - جبال عالية قد يبلغ ارتفاع بعضها أكثر من أحد عشر ألف قدم، ومنها جبال تكاد تكون متصلة الأطراف قلما تجد فيها ثغرة يمكن الولوج منها إلا بعد رحلات طويلة ومشقات مهولة، والطرق في أكثر ناحيات اليمن ضيقة جدا، وليس في مقدور جيش أن يجتازها دون أن يتعرض لمحاربة المقيمين في هذه الجبال والذين اتخذوها حصونا طبيعية للدفاع. ويجد المدافع عنها في طبيعة الأرض ما يضاعف قوته، ولا سيما المناطق الجبلية والبلاد ذات المسالك الوعرة.
ومما يسترعي النظر أن المعاملة التجارية هذبت من تلك النفوس الفطرية بعض التهذيب وأعدتها للحياة الاجتماعية البدائية؛ فكان العظيم الغني مقصودا ليحكم بين الناس بالعدل، ولكن ذلك الزعيم الغني كان قد عرف الطبيعة الإنسانية بعض المعرفة، وأدرك أن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام، هذا إن عدل؛ فكان النفاق أو المجاملة البالغة من أهم مظاهر هذا الخلق القرشي على ما اشتهر به العرب من الصراحة وحب الحق، وفي رأينا أن الاشتهار بالصراحة وحب الحق لم يكن إلا من المثل العليا التي صاغها الشعراء والحكماء ونسبوها تجملا للعرب الأقدمين؛ فانظر إلى أبي سفيان وقد لجأ إليه خصمان من قبيلتين وطلبا إليه الحكم في قضيتهما، فسمع الدعوى، ثم أطرق وقال: أنتما متساويان عندي كركبتي الجمل! ولم يقل أيهما الركبة اليمنى وأيهما اليسرى؛ لأنه ظن في ذلك تفضيلا للواحد على الآخر! وفي حكمة الأحنف بن قيس وما نهى عنه كثير من الأخلاق المرذولة، أين هذا من مبادئ العدل والنصفة التي وردت في القرآن؟! وأين هذا من كلمة سيد العرب
صلى الله عليه وسلم
في باب موعظة الإمام للخصوم عن البخاري أنه قال: «إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار.»
بل أين نفاق أبي سفيان وخوفه من الخصوم، من عدل عمر الذي سار مسير الأمثال عند العرب، وصار غرة في جبين الدهر، وحتى قيل عنه وهو نائم في العراء: عدلت فأمنت فنمت.
تعريف وجيز بإبراهيم خليل الله ونشأته وثورته على الوثنية في وطنه
أما إبراهيم - أو إبراهام على ما جاء في التوراة - فهو سيدنا إبراهيم، خليل الله الذي بعثه إلى النمروذ، وكان نبي التوحيد أو رسول الدين الحنيف. وذكره وارد في القرآن في سورة «الأنعام» ... إلخ، وفي سفر التكوين وسفر الأيام من التوراة. وهو ابن تارخ بن ناحور ... ابن نوح، وقد ولد بعد آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثماية على تقدير التوراة. وقد يكون تقدير التوراة نسبيا أو رمزيا؛ لأن العهد الذي وجد فيه إبراهيم كان عهد حضارات كبرى في بلاد الكنعانيين والبابليين ومصر، ولا يمكن أن يكون مضى من تاريخ العالم هذا القدر الضئيل من الأجيال، ولكننا على كل حال نسجل التواريخ الرسمية ولا نغفل ذكر الحقائق العلمية التي دلت عليها علوم طبقات الأرض والحفريات والاستقراء التاريخي في أور الكلدانيين وبابل وآشور وتل العمارنة وما إليها، ولا سيما في العصر الحديث.
وكانت أمه عوشاء تخاف عليه وهو جنين مستكن لما علمته من أن النمروذ يتعقب كل ولد ذكر ليقتله (وهذه الإشارة التاريخية التي من قبيل الإرهاصات التي تسبق ظهور الأنبياء نجد لها شبها في قصة موسى، ويوحنا المعمدان، والمسيح نفسه؛ فإن أمه السيدة مريم فرت به من فلسطين إلى مصر لتتقي غضب هيرود). وقد تكون هذه الحادثة قد وقعت فعلا، كما يجوز أن تكون من قبيل المبالغة في تكريم النبي وتعظيم شأنه والدلالة على أن الله ينجي رسوله من الظالم الذي يترقبه؛ فإن عوشاء أم إبراهيم لجأت إلى كهف بالقرب من كوثا؛ لأن نمروذ رأى أحلاما مزعجة فأمر بمراقبة الحوامل وقتل الذكور من المواليد، فزار عماله أم إبراهيم للكشف عليها قبل أن يأتيها المخاض؛ فجسوا جانبها الأيمن فاختفى الجنين في الجانب الأيسر، وجسوا الأيسر فاختفى في الأيمن، فانصرفوا دون أن يظفروا بطائل (الكسائي، ص115 وما بعدها). وإنه لفحص غريب!
فلما ولدته أمه في الكهف ونما، اشتغل مع أبيه في صناعة الأصنام، ثم ترك الغار فجن عليه الليل فرأى كوكبا فظنه ربه، ثم ظن القمر ربه، ثم الشمس، فلما أفلت أنكرها واتجه نحو إله لا يراه بعينه ولكنه يشعر به بقلبه، وهذا هو ركن الإيمان، وسرعان ما عمل على تحقيق رسالته بإعلانه حربا مقدسة ضد الملك نمروذ. وقصة إيمانه واختباره الديني في سورة «الأنعام» بكل إيجاز في أربع آيات (75-79)، ولكن القرآن حافل بقصته وتمجيده وأخباره في عشرات الآيات والسور. وقد كان في عرف اليهود هو البطريرك أو الجد الأعلى وشيخ الأمة ورأس القبيلة وزعيم الجنس والجيل، وكرمه الإسلام لأنه نبي التوحيد ورسول الدين الحنيف الذي بني عليه الإسلام، ولأن إبراهيم وابنه إسماعيل رفعا القواعد من بيت الله الحرام، وهي الكعبة في مكة، ولأن إبراهيم السامي هو الذي زرع نسله في وادي مكة وترك خليفته إسماعيل فتسلسل منه العرب الحجازيون الذين أسسوا مكة وظهر في أحفادهم دين الإسلام الحنيف، ولأن إبراهيم سبق النبي محمدا - عليه الصلاة والسلام - إلى تحطيم الأصنام، سورة «الأنبياء» (59-68)؛ فإنه حمل فأسا وذهب إلى معبد الآلهة؛ حيث كانت الموائد محملة بالأطعمة، فخاطبهم قائلا: ما لكم لا تأكلون؟!
فلم يجيبوا طبعا، فحطم يد أحدها ورأس الآخر وقدم الثالث، ووضع الفأس في يد كبير الأصنام ووضع أمامه ما لذ وطاب من صحاف الطعام، فلما رآه قومه اتهموا إبراهيم بهذا الاعتداء المريع على أربابهم التي لا تسمع ولا تنطق؛ فقال إبراهيم ساخرا ومتحديا: بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كان ينطقون. فأجمعوا أمرهم على إحراقه بالنار، ولكنه خرج سالما، وهذا ما لم يحصل لنبي قبله ولا بعده، وكانت النار بردا وسلاما على إبراهيم، فدحر نمروذ، وترك إبراهيم وأتباعه يخرجون إلى فلسطين، وسمي من ذلك التاريخ خليل الله. ولإبراهيم وزوجته سارة حوادث مع فرعون مصر وبعض الملوك، وما زال يرحل حتى بلغ أور الكلدانيين وأرض الحجاز بعد مصر وسينا وفلسطين، فكان نبيا مستنفضا يجوب أنحاء الأرض في سبيل المرعى ونشر دين التوحيد وتعمير البلاد، وقد أمره الله بالختان بعد أن قطع مائة وعشرين عاما من عمره؛ فأطاع أمر الله، وصار الختان علامة على اليهود وشعب الله المختار! وإن كان معروفا عند بعض الشعوب القديمة، ولكنه عند إبراهيم وأتباعه صارت له صبغة دينية رسمية.
Página desconocida