Revolución del Islam y el Héroe de los Profetas: Abu al-Qasim Muhammad ibn Abdullah
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Géneros
2
واستصغاره لشأن الكوارث التي تحل بساكن الصحراء، أو يحطوا من شأن إيمانه واستبساله في سبيل معتقده، فيستشهد في المواقع ويلقى الردى وكأنه يلهو ويلعب، وأن هذه القوة الإرادية لكأنها قوة سحرية تخلب ألباب من يشهد آثارها من الغرباء والأغيار ممن لا تجري في عروقهم دماء عربية؛ فيبقى الآري أو الحامي حيال العربي مشدوها حائرا كالطير الذي يسحره الثعبان فيفقد قدرة الطيران والتغريد، وبهذه المثابة وتلك الإرادة الخلابة والشخصية الجذابة تمكن العربي من الاستئذان على الدنيا فورد سجل التاريخ وصار قوة شعواء من قوى الطبيعة، وقذف الشعوب الأخرى بشخصيته فقبلته واتخذته واحتضنته فامتزج بها وأفاد منها أشياء ولم تفد منه شيئا؛ لأن متاع الأمم الأخرى مما يكتسب وينتحل أما متاعه فقائم بذاته ولاصق بشخصه فلا يفيد أحدا ولا يملك أن يعطي منه شيئا لأحد.
3
ولكن غاب عن ذهن هؤلاء الناقدين حدة ذكاء العربي وسمو روحه وقوة مزاجه وشدة إرادته وثقته بنفسه واقتداره على تبرير أعماله التي يقنع بصحتها وأثرته التي هي من مميزات الفردية الناضجة، وبالجملة جماع الصفات التي تشق له الطريق في سبيل الأعمال العظيمة التي تحتاج إلى الجرأة.
ولا يتردد لاسين
Lassen
في القول بأن قوة الإرادة هي أظهر صفات السامي؛ لأنها الأصل في كل أعماله. ولكن بعض العلماء يزعمون أن الإرادة توعز بالتقدم كما توعز بالتقهقر، وهي في شخصية السامي في المكان الأول، والعقل في المكان الثاني، والفهم يجيء بعدهما، ويعطل أعمال الثلاثة حب الذات والأنانية والأثرة. ولا عجب؛ فإن قوة الإرادة وحب الذات صنوان، ولا يكبح جماح الأنانية سوى رقة الشعور والفهم والفؤاد الكريم وإدراك نظام الكون والإنتاج الفني والظمأ المقدس للعلم أو فهم المعرفة أو التشوق نحو المعرفة، ولكن إذا تسلطت الإرادة وحب الذات فإن الصفات الكريمة ومواهب الجمال تبقى دفينة وتعجز عن النمو كالطفل الذي يصاب بالكساح، وتهبط الفكرة الدينية إلى مستوى التعصب، ويصير التفكير سحرا أو هواية، ويقتصر الفن على التعبير عن الحب أو البغض في الساعة التي تمر، فهي تعبير لا خلق، وينقلب العلم صناعة لا شبعا للنفس وريا لعطشها وتحرقها (انظر الكلام على الأدب الجاهلي بعده).
وما يقال عن أدب العرب في شعرهم ونثرهم يقال عن الفلسفة؛ فقد انتحلوا فلسفة الهنود الأوروبيين (الآريين)، ويفسر عجز العقل الجاهلي عن الفلسفة بأن عقولهم مشغولة بآرائهم وأفكارهم؛ كالناظر في مرآة لا يحول بصره عنها، فليس لديهم من الفراغ الذهني ما يمكنهم من الخلاص من أنفسهم ليقبضوا على الفكر الخالص أو يفرقوا - ولو مؤقتا - بين الأمور العامة والأمور الضرورية، وبين فرديتهم وما يحيق بهم من الحوادث، ومن هذه الناحية عجزوا عن فهم الطبيعة على حقيقتها، ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الدرس لتفهم قوانينها الخالدة، وإن كانت معروفة في القرآن بأنها سنة الله التي لن يجد لها الإنسان تبديلا.
فهذا الخلود وهذا الاستقرار لم يدخلا إلى العقل العربي إلا عن طريق القرآن، ولكن العربي ما زال بعيدا عن التسامح شديد التمسك بعقيدته، وإن كان القرآن عاتبهم في مواطن شتى وقال لهم:
قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم (سورة الحجرات)، لأن جمودهم الفكري الموروث عن الجاهلية والوثنية ما زال لاصقا بهم حتى بعد أن أسلموا في الظاهر.
Página desconocida