وهو مغط على عيوبك ورافع عن حسناتك الخمول، وهو إذا شئت الداء العياء والسم المميت.
لقد حبب الجاه إلينا اللباس فأحببنا الزينة حبا في الجاه. إن الرجل إذا خلع ثياب زينته خلع فيها روحه فلا راجعها حتى يلبس ثيابه، ولقد صارت قيمة الرجل ما يتحلى به، وإذا كنت في ريب من ذلك فانظر إلى المثري يرفل في زينته وأطل عليه وهو في الحمام تر أنه خلع عظمته ومجده حين خلع ثيابه.
قال شكسبير: ثياب المرء دليل عليه. لقد صدق شكسبير إلا أنها كادت لا تكون ذلك الدليل. أما رأيت إنسانا ضفا عليه الحرير ورف تحسبه من الملائكة وهو من الشياطين؟
اثنان أحدهما حسن البزة والثاني رثها، قد هم الأول أن يبصق في وجه الثاني، غير أنه رأى ثيابهما تخفى فجأة، أتحسب أيها القارئ أنه فاعل ما هم به من البصق؟ كلا إنه ليخجل أن يبصق على جسم مثل جسمه. فالعري منزل الرفيع من سمائه ورافع الوضيع من حضيضه، فهو من هذا الوجه مثل الموت. ائت بفلاح من صميم الريف، وقف به عند دكان أستين أمام تلك التماثيل ذات الثياب الجدد، فإنك ترى صاحبك يكاد يحييها؛ لأنه يحسب أن حياة المرء في ثيابه. قاتل الله الثياب، لقد كدنا نكون في حياتنا أمواتا، وكادت ثيابنا تكون لنا في ذلك الممات أكفانا.
ينثر الزارع في أرضه الحب ثم يقيم عندها قطعة من الخشب ويضع عليها ثيابا بالية، فإذا مر بها الطير كانت له تلك الثياب البالية وازعا عن التقاط الحب، لكأن ذلك العصفور أعقل من المتمولين الذين يلتقطون قوت الفقير، لا يزعهم عنه تلك الخرق البالية التي تكاد لا تكسو جسمه. أتحسب أن الممثل يفخر بأزياء الملوك والأمراء؟ أليست عظمة الإنسان أيضا مستعارة من ثيابه المستعارة؟ ترى الفقير لابسا ثوبا يطل عليك الفقر من كل خرق من خروقه.
هذه أبواب الحاجة تنفذ منها إلى الأبصار. أيها الغني إنك لتحسب أن كل خرق في ثوب الفقير جرح رغيب في عرضه، وإنك لواهم، فإنه أقرب إلى طبيعة الإنسان منك أنت تعيش في ثيابك وهو يعيش في نفسه.
تقديس النجاح
إن الأمة في عصور قوتها مثل الأفراد في سنا نجاحهم. في الحياة تحكم على الأعمال بنتائجها لا بالدوافع التي دفعت إليها، ومن أجل ذلك تجد أفراد الأمة القوية يقدسون النجاح تقديسا كثيرا، وهذا أثر من آثار عبادة القوة؛ لأن العمل إذا كانت نتيجته النجاح كان محببا إلى الناس، وإذا كانت نتيجته الفشل كان مبغضا إليهم، ولا أظن أنهم مخطئون في ذلك. نعم ينبغي للمرء أن يذكر دائما أن الدوافع المختلفة التي تدفع إلى الأعمال توجد اختلافا في قيمة الأعمال، ولكن الذي يعين قيمة العمل هو النجاح، ولا أعني به ذلك النجاح السريع الذي يعقبه الفشل الطويل والمبني على أساس من الغش والكذب، وإنما أعني ذلك النجاح الذي يتخذ له الأفراد والجماعات عدته، والمبني على أساس صحيح متين من القوة.
فإذا نظرت إلى الأمم في حين ضعفها وجدتها تحكم على الأعمال بالدوافع التي دفعت إليها لا بنتائجها، وهذا - ولا شك - إحساس بالعجز؛ لأن الأفراد إذا خافوا أن يحكموا على أعمالهم بنتائجها كانت ثقتهم بأنفسهم قليلة، كأنهم لا يستحقون أن تكون نتائج أعمالهم النجاح، ومن أجل ذلك تجد أفراد الأمة الضعيفة يكادون يقدسون الفشل في المطلب الجليل، خصوصا إذا كان نصيبهم؛ لأن كل إنسان يجل النجاح ويقدسه إذا كان النجاح نصيبه، ولكن سواء كان النجاح نصيب المفكر أم كان نصيبه الفشل ينبغي له أن يتذكر دائما أن قيمة النجاح الصحيح أكبر قيمة في الحياة؛ لأنه مبني على قوانين وقوى مثل القوانين والقوى التي بني عليها هذا الوجود.
العامة يكثرون من ترديد هذه الكلمة «الأعمال بالنيات.» وهذه حقيقة، ولكنهم يخطئون فهمها ويخطئون في استعمالها. فليس معناها أن النية التي دفعت إلى العمل هي وحدها التي تعين قيمته، وليس معناها أن هذه النية أهم من العزيمة والصبر، والجلد والعلم، والخبرة والدهاء، والاعتماد على النفس، وغيرها من القوى التي اشتركت في تحقيق النجاح واستجلابه.
Página desconocida