قال في قواعد الأحكام: يشترط أن يقصد الإرشاد لا العلو، فإن أراد العلو فمحظور، ويزداد الحظر إذا ظهر التضاحك والسخرية، ولا يجادل من هذه حاله؛ لأنه يكون مسببا له إلى فعل المحظور.
وعن الشافعي : أنه كان إذا جادل أحدا قال: اللهم ألق الحق على لسانه.
فصار الجدال منقسما إلى محظور, وواجب، ومستحب:
فالمحظور :ما ذكر؛ لأن ذلك كالأمر بالمعروف إذا أدى إلى منكر.
والواجب: إذا تكاملت شروط الأمر ,والنهي، وكان إذا لم يجادل حصل المحظور، أو أخل بالواجب والمندوب :إذا جادل في الرد إلى أمر مندوب ولم يحصل حاضر.
قوله تعالى:
{وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}
لا يقال: هذا دليل على حسن الأمر بالمعروف، وإن علم الآمر أن أمره لا يؤثر؛ لأن التبليغ على الرسول -عليه السلام- واجب.
وأما غيره فقيل: إنه لا يحسن؛ لأنه عبث، وقيل: بل يحسن، واختاره الإمام يحيى محتجا بقوله تعالى في سورة الأعراف:{لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم}.
قوله تعالى:
{وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا}
قيل: إنه سئل موسى- عليه السلام-: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إلى الله، فأوحى الله بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر.
وقيل: إن موسى -عليه السلام- سأل ربه أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني. قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى، فقال: إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه، قال: أعلم منك الخضر، قال: فأين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة.
Página 184