Tres hombres y una mujer
ثلاثة رجال وامرأة
Géneros
ولم يستغرب ألا يشعر بقضض الطعام، وزهومة القهوة، إلا بعد أن أكل وشبع، وارتوى بل تضلع، وأتى على نصف السيجار الأسود - أو البني - الغليظ، وإنما كان يستغرب، وهو مضطجع في سيارته الفخمة، أنه يشعر بامتلاء غير معهود ولا معقول - إذا اعتبرنا سخطه على طعامه في هذا الصباح - وهو امتلاء يمنع أن يواصل التفكير المنتظم فيما كان يشغله مذ فتح عينه على النهار.
ودخل مكتبه ممتلئا، وكان عهده بنفسه أنه يدخل منتفخا، والنفخة - ولو كانت كذابة - تفيده لذة، أما هذا الامتلاء فلا يفيده إلا كربا واضطرابا وارتباكا.
وانحط على كرسيه الدوار، وما كاد يفعل حتى زوى ما بين عينيه وأرسل يده تحته تتحسس، وكان مقعد الكرسي من خيزران فأنى له هذه الوثارة والطراوة، كأنما طرحت عليه وسادة؟
ورد الكرسي - دفعه إلى الخلف بفخذيه - ونهض واقفا، وذهبت يداه تتحسسان بدنه، ثم رفع إحدى قدميه ودس يده في ساق البنطلون، فلمست شيئا ما كان ينبغي أن يكون هناك، فما اعتاد أن يرتدي تحت البنطلون سوى السراويل القصيرة الساقين، ووقف هنيهة، ويده مدسوسة تحت الساق، وفمه فاغر، وعيناه شاخصتان لا تطرفان من فرط الدهشة.
ثم استوى واقفا وأعمل يديه - بلا تفكير - في أزرار البنطلون يفكها بسرعة، فكان ما خاف أن يكون؛ ذلك أنه نسي أن يخلع المنامة (البيجامة) فارتدى البنطلون فوقها. وأوسع نفسه ذما ولعنا، وهو يخرج رجليه من الساقين، ويلقي بالبنطلون على المكتب ريثما يخلع سراويل المنامة.
ولو أن الله كان قد أراد به خيرا لفكر قليلا قبل أن يفعل ذلك، أو لخطر بباله إما أن يتجلد ويصبر على أن يظل بنطلونه محشوا بأكثر من جذعه حتى يئوب إلى بيته فيصنع بثيابه ما شاء، ويطرح عن بدنه منها ما يكره، وإما أن يتحول إلى الحمام فيوصده على نفسه، ويفعل ما هو فاعل في مكتبه بغير عقل، ومن غير أن يكلف نفسه أن يستوثق من الباب، وصحيح أن هذه غرفته الخاصة، وأن بابها غير مفتوح، وأنه لا يدخل عليه فيها داخل بغير استئذان، ولكنها ليست حصنا منيعا لا ينال؛ وآية ذلك أن الآنسة ريا التي حلت محل محاسن، فتحت الباب بخفة، ثم ردته برفق ودخلت تمشي على أطراف أصابعها - أو ذنابة حذائها الدقيق - وعلى ذراعها طائفة من الأوراق، وبين أصبعيها قلم، وعلى فمها وفي عينيها ابتسامة خفيفة، تمهيدا لتحية اللسان.
ولم تخط سوى خطوتين اثنتين - أو خطوة ونصف خطوة، فقد ظلت قدمها اليسرى متخلفة؛ رأس حذائها على الأرض وكعبه مرفوع في الهواء - وغاضت الابتسامة، وثبت الحملاق، وتدانى ما بين الجفون، وما بين مخطي الجبين أيضا، وتحركت الشفتان بكلام لم يتبينه راتب بك ولكنه سمع صوته، فرفع رأسه مرتاعا، وهوى شخصه فغاب في الفضاء القليل بين الكرسي والمكتب - ما خلا رأسه فقد ظل فوق خط الماء - وصاح: اخرجي، اخرجي، ألا ترين أن هذا ليس وقت الدخول؟!
قالت بهدوء: إني أرى كثيرا مما لم أكن أتوقع أن أراه، وقد سلبني ما رأيت الإرادة أو القدرة على الحركة.
فعاد يصيح: أقول لك: اخرجي، ألا تسمعين؟! ماذا يقول الناس إذا دخل داخل ووجدك هنا؟
قالت: لا تخف علي؛ فإنهم سيقولون فيك أولا.
Página desconocida