Terms in Creed Books

مصطلحات في كتب العقائد

Editorial

درا بن خزيمة

Número de edición

الاولى

Géneros

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فإن شرف العلم بشرف المعلوم، وإن علم العقيدة أشرف العلوم، وأعظمها وأجلها؛ إذ موضوعه العلم بالله، وما ينبغي له من الجلال والتعظيم والحب والرجاء.aq، وسلامتها من التناقض، والاضطراب، واللبس والغموض. فألفاظها سهلة، ومعانيها بينة؛ فأدلتها مستقاة من الكتاب والسنة تسبق إلى الأفهام ببادئ الرأي، وأول النظر، ويشترك كافة الخلق في إدراكها، فيفهمها العالم والعامي، والصغير والكبير؛ فهي مثل الغذاء ينتفع به كل إنسان، بل كالماء الذي جعل الله منه كل شيء حي؛ فينتفع به الصبي والرضيع، والرجل القوي والضعيف؛ فأدلة الكتاب والسنة سائغة جلية تقنع العقول، وتسكِّن النفوس، وتغرس الاعتقاداتِ الجازمةَ في القلوب١. ولقد أدرك ذلك جيل الصحابة؛ لقرب العهد، ومباشرة التلقي من مشكاة

١_ أشار إلى هذا المعنى ابن الوزير اليماني، انظر كتابه: ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان ص٣٤٨.

1 / 3

النبوة التي هي مظهر كل نور، ومنبع كل خير، وأساس كل هدى؛ فكانوا أسلم الناس فطرة، وأقلهم تكلفًا، وأعظمهم إيمانًا، وأزكاهم نفوسًا. ثم سلك أثرهم التابعون لهم بإحسان؛ فاقتفوا طريقهم، واهتدوا بهداهم، ودعوا إلى ما دعوا إليه، ومضوا إلى ما كانوا عليه. ثم بعد ذلك دب في هذه الأمة داء الأمم، فركبت سنن من كان قبلها؛ فدخلت فلسفاتُ اليونانِ والهندِ وفارس، وضلالاتُ أهلِ الكتابِ بلادَ المسلمين، وحدث انقلاب في كثير من الاعتقادات، وجرت محاولات التوفيق بين الدين والفلسفة، وتسلط سيف التأويل على نصوص الشريعة؛ فحدثت بدع، وشاعت ألفاظ دخيلة، وتكدر وجه الحق بشوائب الباطل، وخفيت بعض معالم الهدى بسبب ما أُحدث من مصطلحات غريبة الوجه واليد واللسان عن دين الإسلام، ولغة القرآن. لذا هبَّ علماء الإسلام والسنة - على وجه الخصوص - لمنازلة المخالفين، والرد عليهم بالحجة والبينة والعدل والرحمة، واضطروا إلى التنزل ومخاطبة المخالفين بأساليبهم، ومصطلحاتهم؛ فنشأ من خلال ذلك - في بعض الأحيان - صعوبةٌ في فهم كلامهم، واستغلاقٌ للمعاني التي يريدون الوصول إليها وإن كان ذلك نسبيًا وليس قاعدة مطردة. ومن هنا يظن بعض من يقرأ مؤلفات العلماء في العقيدة أنها صعبة المرتقى، بعيدة المنال، وهذا الظن ليس في محله؛ لأن العلماء إذا كتبوا العقيدة الإسلامية مجردة من الردود صاغوها بأسلوب ميسر واضح.

1 / 4

ولقد كان يمرّ بي أثناء قراءة بعض الكتب، أو تدريسها كثير من المصطلحات التي يستبهم معها المعنى. ومن الأمثلة على ذلك ما ألاحظه في تدريس مادة العقيدة في المستوى السابع والثامن في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة القصيم - الإمام سابقًا - حيث يلقى الطلاب عنتًا ومشقة من جراء فهم الكتاب المقرر وهو الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀. ومن هنا نشأت فكرة تدوين بعض تلك المصطلحات؛ فشرعت في جمعها إما من خلال ما كتبته في حواشي بعض الكتب التي أقرؤها، أو أشرحها، أو من خلال بعض ما هو مبثوث في بعض الكتب التي ألَّفتها؛ فطبعت، ونشرت، وزدت على ذلك جملة من المصطلحات والجمل التي تحتاج إلى إيضاح؛ فاجتمع لي من جراء ذلك سوادٌ لا بأس به؛ فرغبت في نشره؛ رجاء عموم النفع به، ورغبة في أن يكون سببًا لإيضاح مشكل، أو فك مستغلق. ولقد كان الحرص قائمًا على تقريب ما يتلاءم من المصطلحات إلى نظيره أو ما يقرب منه. ووضعت في النهاية فهرسًا أبجديًا، وفهرسًا عامًا؛ ليسهل الوصول إلى المراد. وهذه المصطلحات ليست كلها مقتصرة على كتب العقائد فحسب، بل قد ترد في بعض كتب التفسير، والأصول، والفقه، والحديث، واللغة، والمنطق، وغيرها. وهذا الكتاب ليس محيطًا، ولا مستقصيًا؛ إذ هو ليس معجمًا شاملًا، وإنما هو

1 / 5

مصطلحات يسر الله جمعها، وكتابتها. ثم إن هذه المصطلحات ليست على وتيرة واحدة من جهة وضوحها، أو إشكالها، وإنما هي متفاوتة، ويمكن إجمالها بما يلي: ١_ مصطلحات واضحة وتحتاج إلى مزيد تحليل وإيضاح. ٢_ مصطلحات مشكلة مبهمة وتحتاج إلى فك وإزالة إبهام. ٣_ مصطلحات غامضة داخلة في سياق ولا يفهم السياق إلا بفهمها. ٤_ مصطلحات واضحة وتفهم إذا كانت مفردة، لكنها إذا دخلت في سياق استغلق المعنى؛ فيُحْتَاج معها إلى شرح وتحليل. ثم إن الشرح والتحليل يختلف بسطًا، واختصارًا من مصطلح إلى مصطلح، ومن سياق إلى سياق؛ فتارة يطول، وتارة يقصر، وهكذا ... وأخيرًا أسأل الله - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى - أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم. وآمل من القارئ أن يمدني بملحوظاته، وله جزيل الشكر، وخالص الدعاء. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1 / 6

الإلحاد يرد هذا المصطلح كثيرًا في كتب العقائد خصوصًا في باب الأسماء والصفات؛ ذلك أن الإلحاد يضاد توحيد الأسماء والصفات، ويدخل في الإلحاد: التعطيلُ، والتمثيلُ، والتكييف، والتفويض، والتحريف، والتأويل، وفيما يلي نبذة عن الإلحاد، وما يدخل تحته من مصطلحات. الإلحاد: الإلحاد في اللغة هو: الميل، ومنه اللحد في القبر، ومنه قول عمرو ابن معدي كرب الزبيدي: كم من أخ كان لي ماجدٍ ... ألحدته في يديَّ الثرى وقول جرير: دعوت الملحدين أبا خبيب ... جماحًا هل شفيت من الجماح١ ويقصد بالملحدين: المائلين عن الحق. أما في الاصطلاح: فهو العدول عما يجب اعتقاده أو عمله٢. والإلحاد في أسماء الله هو: العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها. أنواع الإلحاد في أسماء الله وصفاته٣: ١_ أن ينكر شيئًا مما دلت عليه من الصفات كفعل المعطلة. ٢_ أن يجعلها دالة على تشبيه الله بخلقه، كفعل أهل التمثيل.

١_ ديوان جرير ص٧٤. ٢ - انظر فتح ربِّ البرية بتلخيص الحموية، ص١٨. ٣_ انظر المرجع السابق، ص١٩.

1 / 7

٣_ أن يُسمى الله بما لم يُسمِّ به نفسه؛ لأن أسماء الله توقيفية، كتسمية النصارى له أبًا وتسمية الفلاسفة إياه علة فاعلة أو تسميته بـ: مهندس الكون أو العقل المدبر أو غير ذلك. ٤_ أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام، كاشتقاق اللات من الإله والعُزَّى من العزيز. ٥_ وصفه - تعالى - بما لا يليق به، وبما ينزه عنه، كقول اليهود: بأن الله تَعِبَ من خلق السموات والأرض، واستراح يوم السبت، أو قولهم: إن الله فقير. ويدخل تحت الإلحاد كل انحراف في ذلك الباب، وسيرد تفصيل لذلك في الصفحات التالية.

1 / 8

التعطيل، والتمثيل، والتشبيه، والتكييف ١_ التعطيل: التعطيل في اللغة: مأخوذ من العطل، الذي هو الخلو والفراغ والترك، ومنه قوله - تعالى _: ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ [الحج: ٤٥]، أي: أهملها أهلها، وتركوا وردها ١. وفي الاصطلاح: هو إنكار ما يجب لله - تعالى - من الأسماء والصفات، أو إنكار بعضه، وهو نوعان: أ_تعطيل كلي: كتعطيل الجهمية الذين أنكروا الصفات، وغلاتهم ينكرون الأسماء - أيضًا _. ب_تعطيل جزئي: كتعطيل الأشعرية الذين ينكرون بعض الصفات دون بعض، وأول من عرف بالتعطيل من هذه الأمة الجعد بن درهم٢. ٢_ التمثيل: وهو في اللغة: إثبات مثيل للشيء. وفي الاصطلاح: اعتقاد أن صفات الله أو ذاته مثل صفات المخلوقين أو ذواتهم. ٣_ التشبيه: إثبات مشابه للشيء. وفي الاصطلاح: اعتقاد أن صفات الله أو ذاته تشبه صفات المخلوقين أو ذواتهم.

١_ شرح العقيدة الواسطية، للهراس ص٦٧. ٢_ انظر فتح رب البرية، ص١٥_١٦.

1 / 9

والفرق بين التمثيل والتشبيه أن التمثيل مساواة من كل وجه، أما التشبيه فمساواة في بعض الصفات. وقد يطلق أحدهما على الآخر. ٤_التكييف: حكاية كيفية الصفة كقول القائل: يد الله أو نزوله إلى الدنيا كذا وكذا، أو يده طويلة، أو غير ذلك، أو أن يسأل عن صفات الله بكيف.

1 / 10

التفويض التفويض داخل ضمن الإلحاد في أسماء الله وأفرد ههنا لأن فيه مزيد حديث، وفيما يلي خلاصة عنه. ١_ التفويض في اللغة يدور حول عدة معان منها: الرد إلى الشيء، والتحكيم فيه، والتوكيل. وفي باب الأسماء والصفات: هو الحكم بأن معاني نصوص الصفات مجهولة غير معقولة، لا يعلمها إلا الله. أو هو إثبات الصفات، وتفويض المعنى والكيفية. ٢_ القائلون بالتفويض صنفان: أ_ صنف يزعمون: أن ظواهر النصوص تقتضي التمثيل، فيحكمون بأن المراد خلاف ظاهرها، وأنه غير مراد. ب_ وصنف يقولون: تُجرى على ظاهرها، ولها تأويلٌ يخالف الظاهر لا يعلمه إلا الله، وهؤلاء متناقضون. ٣_ ظهور مقالة التفويض: ظهرت بوادر التفويض في مطلع القرن الرابع لأسباب منها: أ_ الفهم الخاطئ لمذهب السلف؛ حيث ظن أهل التفويض أن السلف يفوضون المعنى والكيفية مع أن السلف يثبتون المعنى، ويفوضون الكيفية. ب_ الاعتماد على الأصول الفلسفية اليونانية في تقرير الأسماء والصفات، واستعمال مصطلحاتهم كالجسم، والحيِّز.

1 / 11

جـ - دعوى الخوف على عقائد العوام. ٤_ أمور ساعدت على ظهور مقالة التفويض: ساعد على ظهور مقالة التفويض أمور منها: أ_ وقوعها من بعض الأئمة المشهورين برواية الحديث كالخطابي، والبيهقي، وأبي يعلى. ب_ انحياز أحد أئمة التأويل - وهو أبو المعالي الجويني - إلى التفويض في آخر حياته. جـ - الفتيا بإلزام العوام بمذهب التفويض وأنه لا يسعهم إلا ذلك. د_ استفاضة نسبة التفويض إلى السلف، وتقرير ذلك في كتب المقالات والملل. ٥_ عمدة أهل التفويض في استدلالهم على مذهبهم بالقرآن هو الوقف على قوله - تعالى _: ﴿وَمَاْ يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ الله﴾ فبنوا شبهتهم على مقدمتين: أ_ أن آيات الصفات من المتشابه. ب_أن التأويل الذي في الآية يُقصد به صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى يخالف الظاهر. والنتيجة: أن لآيات الصفات معنىً يخالف الظاهر لا يعلمه إلا الله. ولقد غلطوا في المقدمتين؛ فآيات الصفات من المحكم معناه، المتشابه في كيفيته وحقيقته. والتأويل في الآية له قراءتان مشهورتان عن السلف؛ فعلى الوقف يكون بمعنى الحقيقة والكيفية، وعلى قراءة الوصل يكون التأويل بمعنى التفسير.

1 / 12

والتأويل في كلٍّ من القراءتين ليس بمعنى التأويل المُحْدَث الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى يخالف الظاهر. ٦_ لوازم على مذهب التفويض: يلزم على مذهب التفويض لوازم باطلة لا محيد عنها، منها القدح في حكمة الرب، والوقوع في تعطيل دلالة النصوص، وسد باب التدبر، والطعن في بيان القرآن، وتجهيل الأنبياء، وسلف الأمة. ٧_ التفويض مصادم للنقل والعقل ١. وسيرد مزيد حديث عن التفويض عند الحديث عن التأويل.

١_ إذا أردت التفصيل فارجع إلى كتاب: مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات د. أحمد القاضي

1 / 13

التأويل يرد مصطلح التأويل كثيرًا في كتب العقائد خصوصًا في باب الأسماء والصفات، وفيما يلي نبذة وتفصيل عن هذا المصطلح. تعريف كلمة التأويل في اللغة: أصل هذه الكلمة مادة أول. وهذه المادة تدور حول معاني الرجوع، والعاقبة، والمصير، والتفسير. وهذا يعني أن تأويل الكلام هو الرجوع به إلى مراد المتكلم، وإلى حقيقة ما أخبر به. معاني التأويل في الاصطلاح: صار لفظ التأويل - بتعدد الاصطلاحات - مستعملًا في ثلاثة معانٍ ١: أحدها: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به. وذلك مثل تأويل معنى يد الله بـ: النعمة، أو القدرة. ومثل تأويل استواء الله على عرشه بـ: الاستيلاء، وهكذا ... وهذا المعنى من معاني التأويل هو اصطلاح كثير من المتأخرين المتكلمين في الفقه وأصوله، وهو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات، وترك تأويلها، وهل هذا محمود أو مذموم، وحق أو باطل؟ قال ابن حزم ﵀ في هذا المعنى من معاني التأويل: التأويل نقل اللفظ عما

١_ انظر التدمرية لابن تيمية ص٩١_٩٥.

1 / 14

اقتضاه ظاهره، وعما وضع له في اللغة إلى معنى آخر؛ فإن كان نقله قد صح ببرهان، وكان ناقِلُه واجبَ الطاعة - فهو حق. وإن كان نقله بخلاف ذلك اطُّرح، ولم يلتفت إليه، وحُكم لذلك النقل بأنه باطل ١. شروط التأويل الصحيح: يشترط لصحة التأويل بمعناه عند المتأخرين شروط هي: ١_ أن يكون اللفظ المرادُ تأويله يحتمله المعنى المؤول لغة أو شرعا؛ فلا يصح _على هذا_ تأويلات الباطنية التي لا مستند لها في اللغة أو الشرع، بل ولا العقل. ٢_ أن يكون السياق محتملًا، مثل لفظ النظر فهو يَحْتَمل معانيَ في اللغة، ولكنه إذا عدِّي بـ: إلى لا يحتمل إلا الرؤية. ٣_ أن يقوم الدليل على أن المراد هو المعنى المؤول. ٤_ أن يسلم دليل التأويل من معارض أقوى؛ فإذا اختل شرط من الشروط فهو تأويل فاسد. مثال للتأويل الصحيح: قال الله - ﷿ _: ﴿نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] . فقد ثبت عن ابن عباس - ﵄ - أن النسيان هنا هو الترك. وقد دل على هذا التأويل تصريحًا قوله - تعالى _: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] .

١_ الإحكام لابن حزم ١/٤٣.

1 / 15

وقوله: ﴿فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى﴾ [طه: ٥٢] ١. حكم التأويل بمعناه الحادث عند المتأخرين: ١_ قد يكون صحيحًا إذا اجتمعت فيه الشروط - كما مر _. ٢_ قد يكون خطأ كتأويلات بعض العلماء الذين أخطأوا في تأويل بعض نصوص الصفات. ٣_ قد يكون بدعة كتأويلات الأشاعرة، والمعتزلة. ٤_ قد يكون كفرًا كتأويلات الباطنية. سبب ظهور مصطلح التأويل: يبدو أن ذلك كان إبان ظهور القول بالمجاز الذي هو قسيم الحقيقة. ومن هنا فإن مصطلحي: التأويل والمجاز متلازمان. المعنى الثاني من معاني التأويل: التفسير: التفسير في اللغة: أصل هذه الكلمة مادة: فسر. وهذه المادة تدور في لغة العرب حول معنى البيان، والكشف، والوضوح٢. التفسير في الاصطلاح: هو بيان المعنى الذي أراده الله بكلامه ٣. وعرفه ابن جُزي ﵀ بقوله: "معنى التفسير: شرح القرآن، وبيان معناه، والإفصاح عما يقتضيه بنصه، أو إشارته" ٤.

١_ انظر إرشاد الفحول للشوكاني ص١٧٧، والتوضيحات الأثرية على متن الرسالة التدمرية للشيخ فخر الدين المحيسي ص١٨٥. ٢_ انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٤/٥٠٤. ٣_ انظر مفهوم التفسير والتأويل د. مساعد الطيار ص٥٤. ٤_ التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي ١/٦.

1 / 16

وعرفه الزركشي ﵀ بقوله: "علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه ﷺ" وبيان معانيه، واستخراج حكمه وأحكامه" ١. وهذا المعنى من معاني التأويل معنى صحيح معروف عند السلف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في معرض حديث له عن أنواع التأويل: والثاني: أن التأويل بمعنى التفسير. وهذا هو الغالب على اصطلاح مفسري القرآن كما يقول ابن جرير وأمثاله من المصنفين في التفسير: واختلف علماء التأويل. ومجاهد إمام المفسرين، قال الثوري: إذا جاء التفسير عن مجاهد فحسبك به، وعلى تفسيره يعتمد الشافعي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وغيرهم؛ فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة تفسيره٢. والنصوص الواردة عن العلماء في هذا الصدد كثيرة لا تكاد تحصر، ومنها قول الشافعي في كتابه الأم في أكثر من موضع: "وذلك - والله أعلم - بيِّن في التنزيل مستغنىً به عن التأويل" ٣. المعنى الثالث من معاني التأويل: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام: كما قال - تعالى _: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٥٣] .

١_ البرهان للزركشي ١/١٣. ٢_ التدمرية ص٩٢. ٣_ الأم للشافعي ٧/٣١٩، وانظر ٢/٢٨ و٤/٢٤٢.

1 / 17

وهو معنى شرعي معروف عند السلف. وهذا النوع من التأويل: هو عين ما هو موجود في الخارج، أي أن حقيقة الشيء الموجودة في الخارج - أي الواقع - هي تأويله خبرًا كان أم إنشاءًا. والكلام ينقسم إلى خبر أو إنشاء، وتأويل كلٍّ منهما يختلف عن الآخر - كما سيأتي في الفقرة التالية _. تفصيل معنى التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبرًا أو إنشاءًا: قبل الدخول في ذلك يحسن بيان معنى الخبر والإنشاء بإيجاز. فالكلام ينقسم باعتبار دلالته - عند المتكلمين، والأصوليين، واللغويين، وأهل المعاني من البلاغيين وغيرهم - إلى خبر وإنشاء، وبعضهم يقول: خبر وطلب. وذلك إذا تكلموا على دلالات الألفاظ. تعريف الخبر: هو ما احتمل الصدق والكذب لذاته بقطع النظر عمن أضيف إليه؛ فإذا أضيف إلى الله ورسوله ﷺ قطع بصدقه. والخبر يدور بين الإثبات مثل قوله _تعالى_: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] . والنفي مثل قوله _تعالى_: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] . ومن أمثلة الخبر في الإثبات جاء زيد، وفي النفي ما جاء زيد، وهكذا ... تعريف الطلب أو الإنشاء: هو ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته. وذلك لأنه ليس لمدلول لفظه قبل النطق به وجود خارجي يطابقه أو لا يطابقه.

1 / 18

ويدخل تحت الإنشاء أو الطلب أنواع عديدة أشهرها: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والنداء. فإذا قلت: قم، أو لا تقم، أو هل أنت قائم، أو ليتك تقوم، أو يا قائم - كان كلامك كله داخلًا في باب الإنشاء؛ لأنه لا يحتمل الصدق والكذب لذاته. بخلاف ما إذا قلت: جاء زيد، أو ما جاء؛ فذلك داخل في باب الخبر. هذا وإن أشهر أنواع الإنشاء والطلب: الأمر والنهي. هذه نبذة ميسرة عن الخبر والإنشاء والطلب، وللتفصيل موضع آخر سيأتي. وبعد هذا نأتي إلى التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبرًا أو طلبًا. التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبرًا: تأويل الأخبار: هو حقيقتها، ونفس وجودها. فتأويل ما أخبر الله به عن نفسه المقدسة الغنية بما لها من حقائق الأسماء والصفات هو حقيقة نفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الأسماء والصفات. وتأويل ما أخبر الله به من الوعد والوعيد هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد. وتأويل قيام الساعة، وما أخبر به في الجنة من الأكل والشرب، والنكاح، هو الحقائق الموجودة أنفسها ١. وتأويل رؤيا يوسف _عليه السلام_ هو وقوعها في الخارج، وتحققها، وهكذا ...

١_ انظر التدمرية ص٩٦، والفتوى الحموية الكبرى لابن تيمية تحقيق د. عبد المحسن التويجري ص٢٩٠.

1 / 19

إلى غير ذلك من الأمثلة التي يصعب حصرها. فهذا هو التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبرًا. التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان طلبًا: الطلب: إما أن يكون أمرًا، وإما أن يكون نهيًا؛ فالأمر: طلب الفعل، والنهي: طلب الكف. فإذا كان الطلب أمرًا فتأويله: هو نفس الفعل المأمور به، أي امتثاله، والعمل به. وإذا كان الطلب نهيًا فتأويله: هو نفس اجتناب المنهي عنه، أي تركه. أمثلة لتأويل الأمر: ١_ قالت عائشة - ﵂ _: كان النبي يقول في ركوعه، وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي يتأول القرآن ١. وتعني بذلك قوله _تعالى_: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر:٣] . وتريد بذلك أنه يعمل بأوامر القرآن، ويفعل ما أمر به فيه؛ حيث أمر في آخر حياته أن يسبح بحمد ربه ويستغفره، فكان يتأول القرآن، أي يعمل به، ويطبقه؛ فنفس فعله هذا هو تأويل الأمر، وهو قوله _عز وجل_: ﴿فَسَبِّحْ﴾ و﴿اسْتَغْفِرْهُ﴾ . ٢_ وعن سعيد بن جبير ﵀ عن ابن عمر - ﵄ _: أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر أن رسول الله كان يفعل ذلك، ويتأول هذه الآية: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ [البقرة: ١١٥] ٢.

١_ رواه البخاري ٨١٧ ومسلم ٤٨٤. ٢_ تفسير الطبري ٢/٥٣٠.

1 / 20

ومعنى قوله: يتأول: أي يطبق ويمتثل. ٣_ ومن الأمثلة على ذلك ما روي عن الثوري ﵀ أنه بلغه أن أم ولد الربيع ابن خثيم قالت: "كان الربيع إذا جاءه السائل يقول لي: يا فلانة أعطي السائل سُكَّرًا؛ فإن الربيع يحب السُّكَّر". قال سفيان: "يتأول قوله - ﷿ _: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] " ١. أي يمتثل أمر الله - ﷿ - في الإنفاق مما يحبه الإنسان. والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا مثل قوله - تعالى _: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] . فتأويل ذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهكذا ... فهذا - إذًا - هو تأويل الأمر بمعنى حقيقته. أمثلة لتأويل النهي: ١_ قال الله - تعالى _: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى﴾ [الإسراء: ٣٢] . فتأويل ذلك البعد عن قربان الزنا. ٢_ وقل مثل ذلك في قوله - ﷿ _: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١] . وهكذا ... مثال يجمع بين تأويل الأمر والنهي والخبر: قال الله - تعالى - مخاطبًا أم

١_ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٤/١٣٣.

1 / 21

موسى _عليه السلام_: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص:٧] . فهذه الآية الكريمة اشتملت على أمرين، ونهيين، وخبرين؛ فالأمران في قوله _تعالى_: ﴿أَرْضِعِيهِ﴾، وقوله: ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ . وتأويل الأمرين إرضاعها لموسى، وإلقاؤه في اليم. والنهيان في قوله - تعالى _: ﴿وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي﴾ . وتأويلهما ترك الخوف، وترك الحزن. وقد فعلت ما تستطيع وإن كان فؤادها قد أصبح فارغًا، وكادت أن تبدي به لولا أن ربط الله على قلبها. والخبران في البشارتين في قوله - تعالى _: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ﴾ . وتأويل هذين الخبرين وقوعهما في الخارج؛ حيث عاد موسى إلى أمه، وصار من المرسلين. الفرق بين تأويل الخبر، وتأويل الطلب: الفرق هو أن الخبر لا يلزم من تأويله _أي وقوعه_ العلم به؛ فهو واقع وإن لم يُعْلم به؛ فأشراط الساعة وأحوالها ستقع وإن لم يُعْلم بها. وكذلك حقائق أسماء الله وصفاته هي حقيقة وإن لم يُعْلم بها. فلا يلزم _إذًا_ من تأويل الخبر العلم به.

1 / 22