Taysir Usul al-Fiqh lil-Mubtadi'een

Muhammad Hassan Abdul Ghafar d. Unknown
93

Taysir Usul al-Fiqh lil-Mubtadi'een

تيسير أصول الفقه للمبتدئين

Géneros

السنة الفعلية السنة الفعلية هي: التي تنقل لنا من فعل النبي ﷺ، مثال ذلك: أنه كان إذا صلى سنة الفجر اضطجع على يمينه كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين، وفي سنن أبي داود أيضًا أنه كان إذا قام من الليل فانتهى، أي: صلى الوتر، تكلم وتسامر مع عائشة إذا كانت مستيقظة، وإلا اضطجع على يمينه، وهذا من فعل النبي ﷺ. وتتعلق بأفعاله ﷺ أمور منها: أولًا: أن الأصل في الفعل الاستحباب لا الوجوب، أي: أنه لا يمكن لأحد أن يلزم الناس بفعل النبي ﷺ، ودليل ذلك: الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قام من الليل كما في حديث عائشة في اليوم الأول وقام خلفه أناس، ثم قام آخرون إلى اليوم الثالث، فالنبي ﷺ لم يخرج إليهم في اليوم الرابع، فاجتمع الناس في المسجد وضج بالناس، فلما سألوه عن ذلك قال: (خشيت أن تفرض عليكم). والدلالة من هذا الحديث هي: أنه قال: (خشيت أن تفرض عليكم)، ولو كان الأصل في الفعل الوجوب لكان من أول ليلة واجبًا، والأمر الثاني: أنه قال: (خشيت أن تفرض) أي: أنها ليست بفرض، وهذه دلالة على أن فعله المجرد ليس بواجب. إذًا: الأصل في أفعال الرسول أنها ليست واجبة، وهذا يفيدك علميًا، فمثلًا: لو احتج عليك أحد بفعل النبي ﷺ، كالوصال مثلًا أو غيره، فأنت تقول له: الفعل ليس بواجب، والأصل في الفعل الاستحباب لا الوجوب. ثانيًا: أن أفعال النبي ﷺ على أنواع: النوع الأول: أفعال خاصة برسول الله، والأصل عدم الخصوصية، أي: أن النبي ﷺ لو فعل شيئًا يتعبد به لله، فالأمة بأسرها إما يجب أو يستحب أن تفعل هذا الفعل، أي: أن فعل النبي عام لكل الأمة وليس خاصًا به؛ لأن الأصل عدم الخصوصية، لكن هناك بعض الأفعال خاصة برسول الله بقرينة، فالقاعدة التي يقعدها العلماء: الأصل في أفعال الرسول عدم الخصوصية إلا أن تأتي قرينة تدل على الخصوصية. مثال ذلك: نكاح النبي ﷺ لأكثر من أربع نسوة، والله جل وعلا ما أباح للأمة أكثر من أربع نسوة، فالنبي ﷺ تزوج ثلاث عشرة امرأة، وتوفي عن تسع ﷺ: الأولى: ابنة الجون، وهي التي لم يدخل بها النبي ﷺ؛ لأن عائشة قالت لها: إذا أردت أن يحبك النبي ﷺ، ويكون شديد الحب لك، فإذا رأيتيه فقولي: أعوذ بالله منك، فانجرت المرأة لذلك؛ لأنه لم يكتب لها أن تكون زوج النبي ﷺ، وكانت جميلة جدًا، فغارت منها عائشة ولقنتها الاستعاذة، فقالت: (أعوذ بالله منك. فقال النبي ﷺ: استعذت بمعاذ)؛ ولذلك استنبط العلماء فقالوا: إن التقي النقي إذا قيل له: اتق الله، أو قيل له: أعوذ بالله منك، لا بد أن ينسحب، ولذلك جبريل ﵇ لما قالت مريم: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا﴾ [مريم:١٨]، فالتقي إذا قيل له: اتق الله، أو قيل له: أعوذ بالله منك، لا بد أن يتراجع، فلو أراد أن يبطش أو يظلم لا بد أن يتراجع، فقالت: أعوذ بالله منك إن كنت تقيًا، ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ﴾ [مريم:١٩]، فهي قالت للرسول: (أعوذ بالله منك، فقال: استعذتي بمعاذ الحقي بأهلك). والغرض المقصود: أن النبي ﷺ له خاصة أن يتزوج أكثر من أربع نسوة. الثانية: المرأة الواهبة نفسها، فهذه خصوصية للنبي ﷺ أن تأتي امرأة تعرض نفسها للنبي ﷺ، فينظر فيها فإن أعجبته تزوجها بلا مهر، وهذا خاص بالنبي ﷺ، قال: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب:٥٠]، فقال الله تعالى: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب:٥٠]، فهذه دلالة على الخصوصية. أما ما يحدث الآن في عصرنا فلابد من التعزير أو الجلد أو الرجم لمن يفعل ذلك، فلو أن امرأة أتت لرجل وقالت له: وهبت نفسي لك. وهو يقول لها: وهبت لك نفسي، فيتزوجها على ذلك طالما بلغت المحيض، أو بلغت سن الرشد -كما يقولون- وهو من بعد ٢١ سنة، فهنا لا يجوز شرعًا، فالصحيح أن الواهبة نفسها خاصة للنبي ﷺ. ومن مثال الخصوصية للنبي ﷺ: الوصال: وهو صوم اليومين أو الثلاثة دون إفطار، فالنبي ﷺ كان يواصل الصوم، أي: كان يصوم يومًا بعد يوم، وهذه كانت خاصة للنبي ﷺ على الراجح من أقوال أهل العلم، لأنهم أرادوا الوصال فنهاهم عن ذلك وزجرهم، وأنا أقول على الراجح لأن المسألة فيها خلاف. فبعضهم قال: إنها خصوصية للنبي ﷺ؛ لأنه قال: (إني لست كهيئتكم) وهذه دلالة على الخصوصية. وأيضًا قال ﷺ: (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) وهذه أيضًا خاصة برسول الله ﷺ. النوع الثاني: أفعال مبينة، فهذه حكمها حكم المبين، إن كانت تبين الواجب فهي واجبة، وإن كانت تبين المستحب فهي مستحبة. مثال ذلك: الركوع والسجود في هيئات الصلاة، فهذه الهيئات هيئات تبين أمورًا واجبة؛ لأن النبي ﷺ قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فإذًا: أي هيئة من هيئات الصلاة سترجع إلى أمر النبي ﷺ: (صلوا) فيكون بيان الواجب واجب. وأيضًا: قول النبي ﷺ -مثلًا-: (خذوا عني مناسككم) فمنها المستحب ومنها الواجب، كالرمل مستحب، والرمل: هو تقارب الخطى أثناء الطواف، وذلك في الثلاثة الأشواط الأولى كما في الصحيحين عن عائشة وابن عمر وهو يصف النبي ﷺ أنه كان يرمل ثلاثة أشواط، وحكمه مستحب، فلماذا يكون مستحبًا والنبي ﷺ يقول: (خذوا عني مناسككم)؟ والأصل هو الأمر: (خذوا عني)، لأنه معلل، والتعليل صارف؛ ولذلك يرى الشنقيطي في (أضواء البيان) أن الرمل ليس بسنة، وذلك على أساس أنه معلل؛ ولأن النبي ﷺ كان يرمل؛ لأن المشركين كانوا على الجبل ينظرون إليهم ويقولون: جاءكم قوم أصابتهم حمى يثرب لا يستطيعون السير، قد أنهكوا من شدة الحمى، فكان النبي ﷺ يبين لهم أن يغيضوا الكفار تبيينًا بالجلد، فيرملون حتى يغيضوا الكفار، وهذه سنة، وهذا تعريجًا على أن السنة أنك تغيض الكافر، وهناك أشياء تعملها هي في الأصل محرمة، ولكن إذا كانت تغيظ الكفار فتباح، كالمشية بالتكبر، فالنبي ﷺ يقول: (من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة) كما في الصحيحين عن أبي هريرة، ومع ذلك أبو دجانة لما أخذ السيف، مشى بين الصفين يتبختر، فقال النبي ﷺ: (هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموقف) فالغيظ للكفار تعبد لله جل وعلا، ولذلك استنبط ابن القيم بفقه عالٍ: أن الإنسان إذا عصى الله فتاب وأناب وخلا بربه فبكى، له أن يخرج لسانه للشيطان، حتى يغيظه، وهذا فقه عز أن يوجد في هذا الزمان. والغرض المقصود: أن الرمل كان لسبب ولعلة، والعلة هذه تبين أن الأصل الاستحباب وليس الوجوب. فهذه الأفعال تكون أفعالًا مبينة إما لواجب فتكون واجبة، وإما لمستحب فتكون مستحبة. النوع الثالث: أفعال جبلية، وهذه ليست بسنة متبعة، ومثالها: عندما تأتي وتأكل الطعام باليد وتقول هذه سنة، فهذا خط؛ لأن هذه جبلة أصلًا، وهذه من عادات العرب، فقد كانوا يأكلون بأيديهم، وأنت لو أكلت بالملعقة لا يقال لك: إنك خالفت السنة، وإنما هذه أفعال جبلية، أو أكلت بالشوكة ليس فيها شيء، فهي أفعال جبلية، وكان يلعق أصابعه؛ لأن العلة هي: أنك لا تدري أين هي البركة؟ إذًا: العق الملعقة، فلعل البركة تكون فيها، لأن العلة موجودة، فهي أصلًا أفعال جبلية. وأيضًا: كاضطجاع النبي ﷺ إذا نام نفخ، كما في الصحيحين عن ابن عباس قال: (وكان النبي ﷺ إذا نام نفخ) فالنفخ في النوم ليس بسنة. وكذلك مشية النبي ﷺ ليست بسنة. وتكون سنة إذا نوى المرء بالعادة عبادة، فمثلًا: إذا نوى المرء أنه يأكل بيده امتثالًا لفعل النبي ﷺ، أي: يفعل كما فعل النبي ﷺ، ويبتسم كما ابتسم النبي ﷺ، وينام كما ينام النبي ﷺ، يريد أن يفعل كل شيء صح عن النبي ﷺ بقدر الإمكان، ويسدد ويقارب حتى يفعل ذلك، يقول: أحببت رسول الله، وأحب كل فعل ورد عن رسول الله، فهذه يثاب عليها للقاعدة التي قعدناها وهي: أن العادات بالنيات تنقلب إلى عبادات، فهو إذا نوى ذلك واحتسب أجر أنه يتمثل لفعل النبي ﷺ فله بذلك الأجر. إذًا: الأفعال الجبلية ليست بسنة أصالة، لكن تنقلب عبادة للمرء إذا نوى فيها. ومن الأفعال الجبلية أيضًا: أن النبي ﷺ كان يحب الدباء، فكان يتتبعه في الصحفة، وأنس قال: ما رأيت ﷺ يفعل شيئًا إلا وفعلته، وكان يتتبع الدباء، فأكل الدباء مع أنه لم يكن يحبه، لكن عندما وجد النبي ﷺ يحب الدباء فعل ذلك، أيضًا أعرف من يحب الذراع من الشاة؛ لأن النبي ﷺ كان يحبها، وأيضًا كان يحب العسل والحلوى، فهو يحب ذلك لحب النبي ﷺ لها؛ فهو يحتسب الأجر بذلك، فتنقلب له بذلك إلى عبادة يؤجر عليها. والاكتحال

8 / 12