332

Facilitación de la Exégesis

تيسير التفسير

Géneros

{ فبعث الله غرابا } إكراما لهابيل رضى الله عنه { يبحث فى الأرض } برجليه ومنقاره حفرا ودفنا لغراب قتله هذا الغراب اقتتلا فحفر القاتل حفرة فألقى المقتول فيها ودفنه بترابها وقيل أحد الغرابين ميت وقيل الغراب الباحث ملك بصورة الغراب ولا حجة لهذا، وقيل خص الله تعالى الغراب لأنه يشتام به فى الفراق بعد، وكذلك آدم حفرت له الملائكة ودفنوه وكذلك موسى حفرت الملائكة قبرا فمر عليهم موسى فأعجبته خضرته وحسنه فقال لهم لمن هذا؟ فقالوا لعبد كريم على ربه وإن شئت فانزل فيه فنزل فامتد وتنفس فقبض الله روحه وسووا عليه التراب. وقيل أتاه ملك الموت بتفاحة من الجنة فشمها فقبض الله روحه وعمره مائة وعشرون، ويروى أنه جاءه ملك الموت فقال أجب أمر ربك فلطمه ففقأ عينه فقال: يارب أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت ففقأ عينى فرد الله عينه فقال: ارجع إليه فخيره أن يقبض على متن ثور ويعيش قدر ما قبض عليه شعرة بسنة. فقال موسى: فما بعد ذلك. قال: الموت قال: فمن الآن: فقال: يارب أدننى من بيت المقدس رمية حجر فقربه إلى جهته قدرها فقبضه، وكذلك ذهب إلى كهف مع هارون فمات فدفنه موسى، فقالوا له قتلته لحبنا إياه فتضرع إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه أن اذهب إليه معهم فإنى أحييه فناداه يا هارون فقام ينفض التراب فقال: أنا قتلتك. قال: لا ولكن مت فعاد كما كان. وأما يوشع فدفن فى جبل إبراهيم وعمره مائة سنة وست وعشرون، أقام في بنى إسرائيل بعد موسى سبعا وعشرين سنة، وكل هؤلاء دفنوا بلا حائل بينهم وبين التراب كالغراب، والسنة كذلك لا يحال بين كفن الميت والأرض من فوق ولا من تحت أو جانب إلا الحد.

ودفن قابيل هابيل بالتراب كالغراب بلا حائل تعليما من الله أن لا يجعل حائلا كما قال { ليريه } أى ليريه الله أو الغراب بمعنى الإعلام أو التبصير. والتحقيق جواز تعليق الرؤية البصرية لإفضائها إلى معنى العلم { كيف يوارى سوءة أخيه } عورة أخيه وهى بعد موته جسده كله أو بعد تغييره، وسمى لأنه يسوء ناظره ولا سيما ما هو منه العورة الواجب سترها ولأنه يقبح بقاء الميت غير مستور، أو هى عورته الكبرى أو السرة والركبة وما بينها، ويراد أن غيرها كذلك وخصت لأن ذكرها آكد. { قال يا ويلتى } ياهلكتى احضرى فهذا زمانك، والمراد التحسر وقد حضرتنى إذ حملته ولم أدفنه وزعم بعض أن المعنى اعتراف على نفسه باستحقاق العقاب، ويروى أنه لما هرب إلى عدن أتاه إبليس فقال إنما تقبل قربان أخيك لأنه يعبد النار فاعبدها أنت وعقبك فعبدها وهو أول من عبدها وكان لا يمر به أحد إلا رماه بحجارة لقتل هابيل فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابنه فقال ابن الأعمى لأبيه: هذا أبوك قابيل، فرماه بحجارة فقتله، فقال الابن لأبيه قتلت أباك قابيل فلطم الأعمى ابنه فقتله، فقال ويلى قتلت أبى بالرمى وابنى باللطم، واتخذ أولاد قابيل الطبول والزمور والعيدان والطنابير والخمور والفواحش وعبادة النار حتى أغرقوا بالطوفان، ولم تبق إلا ذرية شيت { أعجزت أن أكون } عن أن أكون { مثل هذا الغراب } تعجب من أنه لم يهتد إلى ما اهتدى إليه الغراب { فأوارى } عطف على أكون أى أعجزت عن كونى مثل هذا الغراب فى الحفر والدفن وعن مواراة أخى أو منصوب فى جواب الاستفهام أى أكان منى عجز عن كونى مثله ومواراتى عطف للمواراة على عجز فى السبك { سوءة أخى فأصبح } صار { من النادمين } فحفر له ودفنه، وندمه على حمله وعلى عدم اهتدائه للدفن وعلى فقد أخيه ولما أصابه من العذاب والسوء وسواد بدنه كما مر، وبراءة أبيه وأمه منه، ومطلق الندم لا يكون توبة بل يكون الندم توبة إذا كان معه تضرع إلى الله وعزم على عدم العود وتدارك ما فعل بما يجب كدية أو قود أو طلب عفو، وكل ما وقع من المعاصى فى الأمم وقع مثله أو ما يناسبه بعد فليحذر الحاذر.قال عمارة اليمنى:

لا تعجبن لقدار ناقة صالح

فلكل عصر ناقة وقدار

{ من أجل ذلك } الذى فعل قابيل من قتل هابيل متعلق بالنادمين عند نافع، وقال الجمهور بقوله تعالى { كتبنا } وعليه فالإشارة ليست إلى نفس ما فعل قابيل إذ لا مناسبة بين ما فعل قابيل ووجوب القصاص على بنى إسرائيل، إلى المفاسد التى لوح إليها ذلك القتل وإلى الخسارة فى قوله من الخاسرين والندم أيضا والتحسر بلا توبة.

وخص بنى إسرائيل مع أن الحكم عام لمن قبلهم ومن بعدهم لكثرة القتل فيهم حتى قتلوا الأنبياء وعالجوا قتل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسموه ومات بسمهم حين مات، ولأنهم أول من نزل عليهم فى الكتاب التغليظ فى القتل وقبلهم التغليظ بقول لا بكتاب، وأصل الأجل بإسكان الجيم جناية الشر ثم استعمل فى تعليل الجناية ثم فى التعليل مطلقا، ومن للابتداء وذلك كقولهم من جراك فعلته بشد الراء بوزن دعوى أى من أن جررته أى جنيته، والمعنى من أجل ذلك فرضنا { على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس } أى بغير قتل نفس مكافئة توجب القصاص أو لا توجبه كأب قتل ولده وقتل عبد فإن قتل ذلك حرام ولا قصاص فيه ومن اقتص هلك. { أو فساد فى الأرض } أما قتلتها بفساد كطعن وقطع طريق وردة وشرك فعبادة { فكأنما قتل الناس جميعا } لفتحه باب القتل وتجرئه الناس حتى كأن الناس قاموا كل يقتل آخر، ولأن قتل الواحد كقتل الجميع فى جلب غضب الله عز وجل وانتهاك حد الله { ومن أحياها } أبقاها حية مثل أن يعفو عن قاتل وليه أو ينجى أحدا من موت بحرق أو غرق أو جوع أو عطش أو قاتل أو سبع أو داء بنحو دواء ونحو ذلك. وزعم بعض أن المعنى من أعان على استيفاء القصاص { فكأنما أحيا الناس جميعا } وقد قتلوا، وذلك لفتح باب إبقاء الحياة وترغيب الناس فيه ومراعاة حق الله وحدوده، وفى ذلك محاماة إذ قاتل غيرك كقاتلك ومسارعة إذ كان محيى غيرك كمحييك فتحب المحيى وتعينه وترد مريد القتل وتبغضه { ولقد جاءتهم } أى بنى إسرائيل { رسلنا بالبينات } ماهو واضح يتبين به لهم الحق والباطل من آيات تنزل أو معجزات كالتوراة والزبور والإنجيل وصحف موسى العشر والعصا واليد والطوفان ومعجزات عيسى عليهم السلام { ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك } المجىء بالبينات { فى الأرض لمسرفون } بالمعاصى كالقتل وقيل بالإشراك، وقيل بالقتل كما أسرف قابيل، ولم يتأثروا بما جاءت به الرسل ومن ذلك شأن التيه إذ لم يقدروا على الخروج منه مع أن الشمس تطلع والقمر والنجوم والفجر، ومن ذلك المن والسلوى وأعطاهم من الكسوة ما يكفى على مقدارهم لما شكوا الجوع والعرى ولا تطول شعورهم، قيل: وإذا ولد لهم مولود كان كالظفر يطول بطوله ويتسع بقدرة كذا قيل، ومع موسى حجر من الطور يضربه بعصاه فتخرج منه اثنتا عشرة عينا ويضربه فيكف الماء وأرسل الله عليهم الغمام يظلهم ولو كانوا يرون منه الشمس ويطلع عليهم عمود من نور يضىء لهم ليلا وذلك كله نعمة ولو كفروها إذ كدرها حبسهم ولم يبق بعد الأربعين إلا أولادهم الذين دون العشرين فخرجوا مع يوشع وفتح الشام كلها واستباح منها ثلاثين ملكا وفرق عماله فيها وجمع الغنائم ولم تزل النار فأوحى الله عز وجل إليه أن فيها غلول مرهم يبايعونك فالتصق يد رجل منهم بيده فقال هلم ما عندك فأتى برأس ثور من ذهب مكلل باليواقيت والجواهر فجعله فى القربان مع الرجل فنزلت النار فأكلت الرجل والقربان، وكان العصبة تجتمع على عنق رجل من الجبارين بالضرب، وكادت الشمس تغرب ليلة السبت فدعا الله عز وجل فردت أو وقفت ساعة حتى فرغوا، روى أنه قال للشمس: أنت فى طاعة الله وسأل الله ووقف له القمر والشمس معا ولما حان موت موسى سأل الله أن يدنيه للمقدس رمية حجر ولم يسأل الدفن فيه لئلا يعبد قبره، وجرى على منوال قابيل وفسقه بنى إسرائيل كفرة هذه الأمة بالقتل وغيره، ونزل فى ذلك قوله تعالى

{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } لمحاربة المسلمين أى الموحدين الذين لا تحل دماؤهم فمحاربة المسلمين محاربة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الله تعظيما كقوله تعالى:

يؤذون الله ورسوله

[الأحزاب: 57]، ولو حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم لكانوا مرتدين وإنما المراد قطاع الطريق، قيل: ويحاربون أولياء الله ورسوله بجر رسول فى هذا التقدير، وفيه أنه لا يختص التحريم بأولياء الله تعالى بل يعم كل من لا يحل قتله وذلك فى زمانه وبعده، وفى جعل محاربة المسلمين محاربة لله ورسوله تعظيم لهم، وأصل الحرب أخذ المال وترك صاحبه بلا شىء والمراد قطع الطريق باجتماع وقوة وشوكة وتعرض لمن عصم دمه ومال من عصم ماله من أهل التوحيد وغيرهم، وذكر الله ورسوله لأن قطع الطريق مخالفة لأمر الله وهى أمر عظيم، وذلك فى غير العمران، أطلق عليه الحرب حقيقة عرفية أو مجازا لأنه سبب أخذ المال ومن ذلك المكابرة باللصوصية ولوفى مصر أو ليلا كما قال أبو يوسف، وقال أبو حنيفة ومحمد لا نجرى عليه فى المصر أو فى أقل من مسافة السفر أحكام قطاع الطريق بل أحكام السرقة أو القتل { ويسعون } يجتهدون وأصله إسراع المشى { فى الأرض } أرضهم وأرض غيرهم { فسادا } هذا السعى فى الأرض فسادا هو المحاربة المذكورة ذكرت باسم عام ثم بخاص أى ذوى إفساد أو نفس الإفساد مبالغة أو لأجل الإفساد، أو يقدر مفسدين إفساد أو نفس الإفساد مبالغة أو لأجل الإفساد، أو يقدر مفسدين إفسادا أو ضمن يسعون يفسدون، وهو فى ذلك كله اسم مصدر كما رأيت وأجاز المبرد حالية المصدر قياسا وهو أوفق لأنه مجاز والعلاقة الاشتقاق أو التعلق والمجاز مقيس { أن يقتلوا } بلا تصليب شدد للمبالغة فيمن يقتل بمعنى أنه لا بدمن القتل ولا ينجو منه بعفو الولى أو أخذ الدية أو يقتلوا كلهم لا فى نفس القتل لأنه لا يقبل الزيادة وذلك قصاص إن أفردوا القتل وإن شاء الولى عفا أو أخذ الدية ولو لم يتعدد ذلك منهم فللإمام قتلهم ولو عفا الولى أو أخذ الدية ولو لم يتعدد ذلك، وقيل إن تعدد تبادر التجدد من قوله يحاربون ويسعون { أو يصلبوا } مكفتين إن كفتوا وأخذوا المال ومذهبنا أن لا يصلب موحد، والتصليب أن يعرض بخشبة ويطعن حتى يموت، وبه قال أبو حنيفة وصاحبه محمد وقيل يقتل ثم يصلبوا ثلاثة أيام وإن خيف تغيره أنزل قبل تمام الثلاثة، وقيل يصلبون قليلا قدر ما يعتبر به فينزل ويقتل وقيل يعرض ثلاثة أيام ثم ينزل فيقتل، وقيل يعرض بها حتى يموت وقيل يقتل ثم يعرض ويترك حتى ينتن ويسيل ويتهرأ ويغسل ويصلى عليه غير المنظور إليه عقب القتل فى ذلك كله، وقيل يصلى عليه بلا غسل، ومشهور المذهب إطلاق أنه لا يغسل ويصلى عليه وكذلك الخلاف فى المقتول بلا صلب وقيل يقتل قصاصا وبصلب نكالا وعبرة ولا غسل لمشرك ولا صلاة { أو تقطع أيديهم } اكفهم { وأرجلهم } أقدامهم { من خلاف } الأيدى اليمنى والأرجل اليسرى إن اقتصروا على أخذ المال وذلك أن اليد التى تقطع فى السرقة هى اليمنى فكذا هاهنا ويزداد إليها قطع الرجل اليسرى، قال صلى الله عليه وسلم:

" من أخذ المال قطع ومن قتل قتل، ومن أخذ المال وقتل صلب "

Página desconocida