إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا
يعنى العقاب، وقيل المراد فى الآية حديث النفس لا العزم والإرادة، لقوله تعالى: والله وليهما، والله لا يكون وليا لمن عزم على خذلان الرسول صلى الله عليه وسلم وأما مجرد التحدث فى النفس فلا يأباه ذلك، لأن النفس لا تخلو عند الشدة من بعض الجزع فتثبت بولاية الله على الحق، قلت، لا يأبى قوله، والله وليهما من أن يراد العزم والإرادة لأن الله عز وجل يكون وليا ولو للمشرك، بأن يرده إلى الإسلام إلا أن يراد المتبادر { طآئفتان منكم } أيها المؤمنون، بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس، وقيل طائفة من المهاجرين وطائفة من الأنصار، جناحا العسكر يمينا وشمالا، والثالث القلب، وهو وسطه، والرابع والخامس مقدمه ومؤخره، فسمى الجيش خميسا { أن تفشلآ } بأن تفشلا عن الحرب جبنا، وقالتا، علام نقتل أنفسنا وأولادنا، وثبتنا لقول أبى جابر السلمى لعبد الله بن أبى، أنشدكم الله إلى آخر ما مر، قال عبد الله بن أبى، لو نعلم قتالا { والله وليهما } يليهما بالمنع عن الفشل، أو ناصرهما، وعليه فهذا توبيخ، كيف تفشلان والحال أن الله وعدهما النصر على لسان نبيه إن صبرنا، والتوبيخ كما يكون على الفعل يكون على العزم والتردد { وعلى الله } لا على غيره، متعلق بيتوكل من قوله { فليتوكل المؤمنون } قدم للحصر وطريق الاهتمام، والفاصلة والفاء صلة، أو فى جواب شرط تقديره إن فشلتا فتوكلوا أنتم، أو إن صعب الأمر فليتوكلا هما وغيرهما على الله، لينصرهم كما نصرهم ببدر لتوكلهم، وأخرج فاء الجواب عن الصدر على القلة فى جواب غير أما.
[3.123]
{ ولقد نصركم الله } لتوكلكم { ببدر } فى بدر، موضع ما بين مكة والمدينة، سمى لبئر فيه، تسمى بدرا، لصفاء مائها ورؤية البدر فيه، أو لاستدراتها كالبدر، أو لكونها لرجل من جهينة يسمى بدرا، وقيل، اسم لموضع، وقيل اسم للوادى { وأنتم أذلة } لم يقل ذلائل لمناسبة جمع القلة قلتهم، وقلة المركب والسلاح، وكانوا يتعاقبون على نواضحهم، سبعين بعيرا، معهم ثلاثة أذرع، وثمانية سيوف، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الأنصار إلا ستة وسبعين من المهاجرين، فيهم فرس واحد للمقداد بن عمرو، وهو المقداد ابن الأسود، وهو أول من قاتل من المسلمين على فرس، وقيل فرسان والمشركون ألف، معهم مائة فرس، وبسطت بدرا فى شرح النونية، والذل بحسب ما ذكر بمعنى القلة، لا بمعنى ذل القلب أو اللسان أو البدن، أو المراد أذلة فى ظن الأعداء لما يرون من قلتهم وقلة ما لهم، وإما بالحجة وحسن العاقبة فهم الأعزة لقوله تعالى:
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
[المنافقون: 8]، والآية إغراء بالتوكل وتذكير للنعمة ولقدرة الله { فاتقوا الله } فى الثبات { لعلكم تشكرون } بالتقوى نعمه من النصر وغيره، أو لعلكم ينعم الله عليكم، فسمى الإنعام شكرا لأن الإنعام سببه وملزومه.
[3.124]
{ إذ تقول } متعلقة بنصر، فالكلام فى وقعة بدر، وهو الراجح، أو بدل ثان إن جعلت إذ قبلها بدلا، أو بدل من إذ قبلها، أو منصوبة باذكر، والجمهور أن هذا من تمام قصة بدر وقيل، من تمام قصة أحد، فصل بينهما بقوله: ولقد نصركم، وأفرد الخطاب بالنبى صلى الله عليه وسلم، لأن وقوع النصر ببشارته، والمراد بهذا الوقت الوقت الممتد الذى وقع فيه ما ذكر بعده، وصيغة المضارع لاستحضار الحال الماضية، كأنها مشاهدة، إلا فمقتضى الظاهر إذ قلت { للمؤمنين } حين أظهروا العجزعن القتال، لكون كرز بن جابر يريد أن يمد المشركين، وذلك فى بدر، ولما بلغته الهزيمة لم يمدهم { ألن يكفيكم أن يمدكم } يعينكم، ويقال فى الزيادة مده مدا، وقيل أمده فى الخير ومده فى الشر، والإمداد والمد إعطاء الشىء حالا بعد حال، ولو فسر بالزيادة مطلقا رباعيا أو ثلاثيا فى الخير والشر لجاز { ربكم بثلاثة ءالآف من الملآئكة منزلين } من السماء الثالثة، الاستفهام توبيخ أو تقرير، وكان النفى بلن، لأنها أبلغ، وهى التأييد، أظهر ما فيهم من شبه الإياس من النصر لضعفهم وقلتهم بالنسبة لعدوهم وفى وجوههم بالإنزال تعظيم، أى ثلاثة آلاف من الملائكة.
[3.125]
{ بلى } إثبات للكفاية المنفية بلن، وفى الأنفال: إنى أمدكم بألف وذلك فى بدر، أمدهم بألف أولا، وزادهم ألفين لضعف قلوبهم بمدد أهل الشرك فذلك ثلاثة آلاف، وقلة العدد وضعف القلب إنما هما فى بدر مع أنها أول حرب فاحتاجت للتقوية بالملائكة، وزادهم خمسة آلاف، كما قال الله تعالى { إن تصبروا } فى لقاء العدو الكثير { وتتقوا } ربكم بترك المخالفة { ويأتوكم } أى المشركون أو أصحاب كرز الذى أراد أن يمدهم { من فورهم هذا } أى ساعتهم هذه، تسمية للمحل، وهو الزمان هنا باسم الحال، وهو السرعة هنا، وأصله أول الشىء أو شبه السرعة بفور القدر أو الماء، ثم أطلق على الزمان اليسير، ومن بمعنى فى، أو للابتداء، أو المراد بسبب غضبهم هذا عليكم { يمددكم ربكم بخمسة الآف من الملائكة مسومين } فذلك ثمانية آلاف، أو أمدوا يوم بدر بألف وزادهم ألفين، فذلك ثلاثة آلاف، ثم ألفين، فذلك خمسة آلاف، أو أمدوا بألف وثلاثة وخمسة فذلك تسعة آلاف، أو أمدوا بألف فقط، كما فى الأنفال، وبلغهم أن المشركين أمدوا، فخافوا، فوعد الله لهم، إن جاء المشركين مدد أمددكم بثلاثة آلاف من الملائكة، أو خمسة، ولم يجىء المشركين مدد لانصراف مددهم لما سمعوا بهزيمتهم، فقصرهم على الألف، والراجح أن الإمداد بألف فى أحد، وقيل لم يمدوا فى أحد، لأن شرط الإمداد الصبر والتقوى، وإتيان أصحاب كرز ولم يأتوا؛ وعن مجاهد، حضرت الملائكة يوم أحد ولم يقاتلوا، أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير اللواء، فقتل، فأخذه ملك فى صورته، فقال صلى الله عليه وسلم: تقدم يا معصب، فقال الملك، لست بمصعب، فعرف صلى الله عليه وسلم أنه ملك، وقال ابن أبى وقاص: كنت أرم السهم فيرده على رجل أبيض حسن الوجه وما كنت أعرفه، فظننت أنه ملك، ولكن فى مسلم، إن ميكائيل وجبريل قاتلا فى أحد أشد القتال، فيقال: لكن وحدهما، لا غيرهما من الملائكة وقيل: الإمداد فى هذه السورة فى قصة أحد، لكن اعترض فى الكلام بذكر بدر، وقصرت ألف الأنفال على أحد، وشرط للزيادة الصبر والثبات، ولم يكونا فلم تكن، وذلك للقتال، ولا ينافى حضورهم بلا قتال، واتفقوا أنهم قاتلوا يوم بدر، وذلك تأنيس وإذن فى وجه من القتال مخصوص، وإلا فالملك الواحد بقتلهم جميعا بمرة، أو يقلع الأرض من أسفلها، والله قادر أن يقتلهم فى أقل من لحظة بلا قاتل، ولكنه يجرى الأمر على ما يشاء وبصورة الأسباب، وكانوا يقولون للمؤمنين، عدوكم قليل والله معكم ويظهرون للناس، وربما عرفهم المسلمون، وهذه حكمته، كما قال تعالى: { وما جعله الله إلا بشرى لكم } والتسويم التعليم بعلامة فى أبدانهم أو خيولهم، وجعلوا لذلك علامات، وكانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض أرسلوا أطرافها على ظهورهم من بين اكتافهم، والصوف فى نواصى الخيل وأدنابها، إلا جبريل فعمامته صفراء كعمامة الزبير، وعن عباد بن عبد الله بن الزبير كانت على الزبير عمامة صفراء، فكانت عمائم الملائكة صفراء، خيلهم بلقاء كفرس المقداد، وذلك إكرام للزبير والمقداد، ويوم حنين بعمائم حمر، ويروى يوم بدر بعمائم سود، ويوم أحد بعمائم حمر ويروى جزت أدناب خيولهم يوم بدر، وفى نواصيهم الصوف، أو التسويم الإرسال، ولا يفعلون إلا ما أرسلوا إليه من تسويم الدابة بمعنى إرسالها للرعى وحدها، بمعنى أنه لا يؤتى لها بعلف.
Página desconocida