" القرآن حبل الله المتين لا تنقضى عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد، من قال به صدق، ومن عمل به رشد، ومن اعتصم به هدى إلى صراط مستقيم "
أى لا يبلى من كثرة التردد بقراءته، بل هو أبدا طري، قال الشاطبى: وبعد فحمل الله فينا كتابه. عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم:
" حبل الله القرآن "
، وعن زيد بن ثابت عنه صلى الله عليه وسلم:
" القرآن وأهل بيتى لن يفترقا حتى يردا على الحوض "
، شبه قبول دين الله أو القرآن والعمل به والانتفاع بإحضار حبل وثيق، والارتباط له، والتوصل به إلى خير، فذلك استعارة تمثيلية،وهى أولى من استعارة الإفراد، كاستعارة الحبل للعهد، تصريحية أصلية، والقرينة الإضافة، واستعارة الاعتصام للوثوق بالعهد تصريحية، أصلية، واشتقاق اعتصم تصريحية تبعية، وكاستعارة الحبل، وإبقاء اعتصموا ترشيحا، أو فى الحبل مكنية وفى الاعتصام تخييلية، ويجوز اسعتمال الاعتصام مع أنه تمسك مخصوص بجسم فى مطلق التوثق، فمنه التوثق بعهد الله، فذلك مجاز مرسل أصلى لعلاقة الإطلاق والتقييد، واشتق منه اعتصم مجازا مرسلا تبعيا { ولا تفرقوا } لا تتفرقوا عن الإسلام بالاختلاف فيه، ولا بذكر ما يزيل الألفة، كتفرق الجاهلية بالحروب، وتفرق أهل الكتاب بعد كونهم معه، اولا تتفرقوا فيما بينكم أو فيما بينكم وبين الرسول { واذكروا نعمت الله عليكم } يا أيها الأنصار بالتوفيق للإسلام وتوابعه، أو بالتاليف بين قلوبكم المذكور بعد { إذ } متعلق بنعمة بمعنى الإنعام أى إنعام الله عليكم وقت { كنتم أعدآء } تقتتلون وتتحاقدون وتتشائمون مائة وعشرين سنة قبل الإسلام، ولا يتعلق باذكروا، لأن وقت الأمر بالذكر متأخر عن وقت كونهم أعداء، او نعمة الله نعمه، فيتعلق إذ بمحذوف حال، والأول أولى، لأن فيه الحمد على الفعل، وهو الإنعام وهو أبلغ من الحمد على أثره، وهو النعم { فألف بين قلوبكم } بهدايته لكم للأسلام { فأصبحتم } صرتم، واختار لفظ الصباح لأنه أفضل من الليل ولأنه أول النهار، لأأو لأنه بعد الظلمة كالإسلام بعد شرك، مع احتمال أن ذلك وقع صبحا تحقيقا { بنعمته } بالإسلام أو بالتأليف به أو بنبيه صلى الله عليه وسلم { إخوانا } فى الدين والتناصر كأخوين من أب وأم تناصرا لنسبهما، وكان الأوس والخزرج لأب واحد وأم واحدة، وتناصرهم للإسلام، لا لاتحاد الأبوين، فالمؤمنون من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد، وهو الإيمان، كالإخوة المنتسبين إلى أب واحد وأم واحدة، والأول سبب للحياة الأبدية والثانى سبب للحياة الفانية، وآخر الحرب بين الأوس والخزرج يوم بعاث، وقيل الخطاب لمشركى العرب، ولعل المراد بعد إسلامهم، لقوله: فأصبحتم إخوانا بالإسلام { وكنتم على شفا حفرة } طرف الحفرة الأسفل، إذ كانوا فى الكفر والفتن الموجبة للنار، كما قال { من النار } التى هى جهنم، ما بينكم وبينها إلا الموت على الشرك، أوتمثيل للخسران { فأنقذكم } خلصكم { منها } من الحفرة أو من النار، أو من شفا، وأنث لإضافته لمؤنث يصلح الاستغناء به عنه، أو لاعتبار معنى شفة البئر، والمراد من موجبات النار، بتوفيقه إياكم إلى الإسلام، أو بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو الشفا الطرف الأعلى من الحفرة ونحوها، كقوله تعالى:
على شفا جرف
[التوبة: 109]، بمعنى أنهم أشرفوا على النار بكفرهم وفتنهم، فنجاهم الله منها بالإسلام، فلو ماتوا قبل الإسلام لدخلوها، شبه الموت على المعصية بالكون على شفا حفرة من النار بجامع ترتب المضرة، ومضرة المعصية الخسران والعذاب قبل جهنم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم
" الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه "
، ومعنى إنجائهم من الشفا إنجاؤهم من مظنة الهلاك { كذلك } مثل تبينه لك حال الأنصار قبل الإسلام وحالهم بعده { يبين الله لكم ءايآته } أى سائر دلائله على سائر دينه { لعلكم تهتدون } إلى ما لم تهتدوا إليه قبل، أو تبقون على الاهتداء، ومر معانى صيغة الترجى من الله، أو أراد بالترجى الإرادة المتشابهة أواللزوم إلى التسبب.
Página desconocida