كساع إلى أسد الشرى يستميلها
{ مطهرة } منزهلة عن أن يكون فيهن الحيض أو شعر الإبط، أو شعر العانة أو نتن أو بلل مستقذر، أو بول، أو غائط، أو سوء خلق، كما هم طهروا كذلك والمطهر لهن الله تعالى، وليس ذلك جمعا بين الحقيقة والمجاز، إذ كان التطهير فى الآدميات والجنيات إذهاب نحو الحيض منهن بعد إذ كان، أو تأهلهن له ولم يكن، وفى الحور من أول الأمر، لأن المراد تحصيلهن طواهر هكذا، وليس فى ذكر الزوجات ما يدل على الولادة فى الجنة، فقيل: لا ولادة فيها، وهو المشهور، وقيل بها { وهم فيها خلدون } لا يخرجون ولا يموتون، ولا نزول بعض حواسهم وأجسادهم، ولا بعض قواهم، ولا تصيبهم آفة، ولا تفنى الجنة والنار وأهلهما، كما زعمت الجهمية، قبحهم الله عز وجل، لأنه ليس فى دوامهما اشتراك مع الله فيه، لأن دوامه غير دوامهم، فإنه بالذات، ودوامهم بإدامته، وأنفاس أهلهما مع دوامهما معلومة له، بل قيل، يقال، إن معلوماته محصورة عنده مع أنها لا تنقضى، وذلك من كمال قدرته ومخالفته للخلق، فلا يلزم الجهل له تعالى بدوام أنفاس أهلها، والنصوص دلت على ذلك، ولو كان لأهل الجنة فناء لاغتموا ولم تتخلص لذاتهم، ولفرح أهل النار، وليس لهم فرح.
روى عن ابن عباس وابن مسعود.
أن رجلين من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذى ذكر الله فيه رعد وبرق وصواعق، فجعلا كلما أصابتهما الصواعق جعلا أصابعهما فى أذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق فى مسامعهما، فتقتلهما، وإذا لمع البرق مشيا إلى ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا ولزما مكانهما، فجعلا يقولان، ليتنا قد أصبحنا فنأتى محمدا فنضع أيدينا فى يده، فأتياه مكانهما، فجعلا يقولان، ليتنا قد أصبحنا فنأتى محمدا فنضع أيدينا فى يده، فأتياه فأسلما، ووضعا أيديهما فى يده، وحسن إسلامهما، فضرب الله شأن الرجلين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة.
وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبى صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم فى أذانهم فرقا من كلام النبى صلى الله عليه وسلم، أن ينزل فيهم شىء، أو يذكروا بشىء فيقتلوا، كما يجعل الرجلان أيديهما فى أذانهما، وإذا أضاء لهم مشوا فيه، إذا كثرت أموالهم، وأصابوا غنيمة وفتحا مشوا فيه، وقالوا، إن دين محمد صدق، واستقاموا، كما يمشى الرجلان فى البرق، وإذا أظلم عليهم قاموا، إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا: هذا لدين محمد وكفروا، كما يمسك الرجلان من المشى إذا زال البرق، قيل: لما مثل الله حال المنافقين بالذى استوقد نارا، وبالصيب من السماء المنافقون، الله أجل وأعلى من أن يضر هذه الأمثال، فأنزل الله عز وجل:
{ إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة } ما نعت لمثلا ولو كان جامدا، لأن معناه حقير أو كائن ما كان، وهو مشهور، بذلك مستعمل فيه كثيرا بخلاف بعوضة فلا يكون نعتا لأنه جامد، ولو قصد به الوصف، لأنه لم يشهر، أو لم يرد، لا يقال، جاء رجل بعوضة، بل بعوضة مفعول أول ليضرب، ومثلا مفعول ثان له، لأنه بمعنى صير، وإن عدى لواحد، فمثلا مفعول وبعوضة بدل أو مفعول، ومثلا حال { فما فوقها } إلى قوله هم الخاسرون للدنيا وأهلها، فإن البعوضة تحيا ما جاعت، وإذا امتلأت ماتت، ومن امتلأ من الدنيا هلك أو لأعمال العباد يجازى على القليل منها، والصحيح ما ذكر عن ابن عباس، رضى الله عنهما، أنه ذكر الله سبحانه أصنام المشركين، فقال
وإن يسلبهم الذباب شيئا
[الحج: 73] وذكر كيدها، وجعله كبيت العنكبوت، فقالوا، كيف ينزل الله ذكر الذباب والعنكبوت فنزلت الآية { إن الله لا يستحى } وعن الحسن، لما نزلت
يأيها الناس ضرب مثل
[الحج: 73] قال المشركون: ما هذا من الأمثال، فنزل، إن الله لا يستحيى وفيه أن ذكر المشركون لا يلائم كون الآية مدنية، ويجاب، بأنهم منافقون فى المدينة، يقولون ذلك فيما بينهم، وهم مشركون فى قلوبهم، وعن ابن عباس، لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت قيل، ومستوقد النار، قال اليهود: ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة فنزل، إن الله لا يستحيى.
Página desconocida