متى هذا الوعد
[سبأ: 29] وهذه الآية، فإن الفقر شر ويجوز حمل الوعد هنا على الخير تهكما ومجازا للإطلاق والتقييد، أو للمشاكلة لقوله تعالى { والله يعدكم مغفرة منه } لذنوبكم بالإنفاق، أو مغفرة لفحشائكم، ولفظ منه تأكيد فى الشأن { وفضلا } خلف رزق، وزيادة فى الثواب، والشيطان كاذب فى وعيده، قيل، يجوز أن يكون الفقر فى الآية خبرا، وهو قول بعيد، أو سماه وعدا، والوعد غالب فى الخير مشاكلة لقوله تعالى: { والله يعدكم مغفرة منه وفضلا } ، وتسمية إغراء الشيطان أمرا استعارة تصريحية، لأنه ليس يكلم إنسانا ويسمعه، وقدم الوعد على الأمر لأنه يتقدم فيصغى إليه، ثم يأمر به فينفذ، والأولى أن كلا على حدة، بعد الفقر بالإنفاق، ويأمر بالفحشاء على الإطلاق { والله وسع } فضلا { عليم } بالمنفق المخلص وبما ينفق من جيد وردىء. روى الترمذى، وقال: حسن غريب، عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن للشيطان بابن آدم لمة، وللملك لمة به، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فوعد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان "
ثم قرأ: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } ، ولمة الملك خطرته بالقلب بخير إلهاما من الله، ولمة الشيطان بالوسوسة وفى البخارى ومسلم ع ن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم
" ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما، اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا ".
[2.269]
{ يؤتى الحكمة من يشآء } الحكمة العلم المحقق والعمل المتقن، وعن ابن عباس، المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومتشابهه ومحكمه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله، وقيل: قراءة القرآن والفكر فيه، وقيل المعرفة بالله تعالى، وقال مجاهد: القرآن والعلم والفقه، وقيل عنه، الإصابة فى القول والعمل. وقيل: معرفة الأشياء، وفهم معانيها، وقيل: معرفة حقائق الأشياء على ما هى عليه فى نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية، وعن السدى، الحكمة النبوة، وعن ابن عباس، المعرفة بالقرآن، فقهه ونسخه ومحكمه ومتشابهه وغريبه ومقدمه ومؤخره، وعن مجاهد وقتادة، الحكمة الفقه فى القرآن، وعن ابن زيد، الحكمة الفقه فى الدين، وقال مالك: الحكمة المعرفة بدين الله، والفقه فيه، والاتباع له، وقال ابن القاسم التفكر فى أمر الله والاتباع له، وعنه الحكمة طاعة الله، والفقه فى الدين والعمل به، { فقد أوتى خيرا كثيرا } لأنها سبب السعادة الأبدية، كما فسرها بعض بالعلم النافع المؤدى إلى العمل، وهو شامل لعلوم الإسلام، ولو منطقا لمن مارس القرآن، ولقى شيخا حسن العقيدة، وهو من أنفع العلوم فى كل بحث، حتى سماه الغزالى، معيار العلوم. وقال: لا يوثق بعلوم من لا يعرفه، وقال الربيع بن أنس: الحكم الخشية، والنخعى، الفهم فى القرآن، والحسن، الورع، ومعنى الحكمة المنع، وهو فى تلك الأقوال كلها، روى أن أهل الأرض يستوجبون العذاب فيصرفه الله لتعليم صبيانهم الحكمة فى القرآن، وعنه صلى الله عليه وسلم:
" من قرأ ثلث القرآن، أى مع عمل، أعطى ثلث النبوة أو نصفه فنصفها، أو ثلثيه فثلثيها، أو كله فكلها، ويوم القيامة يقرأ ويرقى بكل آية درجة، فيقال له، اقبض فيقبض، فإذا فى يمناه الخلد، وفى يسراه النعيم "
وفى الطبرانى عنه صلى الله عليه وسلم،
" يميز العلماء يوم القيامة فيقول: لم أضع علمى فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم "
Página desconocida