" يا ابن آدم، مرضت فلم تعدنى، واستطمعتك فلم تطعمنى واستسقيتك فلم تسقنى، قال: يا رب، كيف تمرض وكيف أطعمك وأسقيك وأنت رب العالمين قال: مرض عبدى فلان فلم تعده، واستسقاك فلم تسقه، استطعمك فلم تطعمه، أما إنك لو فعلت ذلك لوجدته عندى "
وحسن القرض أن يكون بإخلاص وطيب نفس ومن حلال غير ردىء، والقرض اسم مصدر ليقرض، أى إقراضا، أو مالا فيكون مفعولا به ليقرض { فيضعفه } يكثر جزاءه كما، ويعظمه كيفا، والمفاعلة مبالغة { له أضعافا كثيرة } لا يعلمها إلا الله: الواحدة بعشر أو أكثر إلى سبعمائة وأكثر، قيل عن أبى هريرة، إن الله تعالى ليكتب لعبده المؤن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة، فحج أبو عثمان الهندى ليسمع هذا عن أبى هريرة فلقيه: فقال: لم يحفظ الراوى، وإنما قلت ألفى ألف حسنة، والله قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأضعافا جمع ضعف، والضعف بمعنى إضعاف بكسر الهمزة، أو مضاعفة مفعول مطلق، والمصدر واسمه يصلحان للكثير من الإفراد، ولكن جمع للدلالة على الأنواع، أو بمعنى نفس القسم حال من الهاء، أو مفعول ثان، لأن المعنى يصيره أقساما كثيرة { والله يقبض } يضيق الرزق على من يشاء، قدم القبض تسليمة للفقراء بأنه يعقبه البسط كما قال { ويبصط } الرزق لمن يشاء؛ وكل ذلك حكمة؛ فلا تبخلوا بما أعطاكم، وفى الحديث القدسى: من عبادى من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد، ولا تمسكوا خوف الفقر؛ فإن الله يقبض عن من يشاء ولو أمسك، وقيل: يقبض الصدقة ويبسط الثواب عليها { وإليه ترجعون } فيجازيكم على ما قدمتم من قليلكم أو كثيركم.
[2.246]
{ ألم تر إلى الملإ } أى إلى قصة الملأ، الجماعة التى تملأ العيون أو المجلس، مهابة لشرفهم ورياستهم، يجتمعون للتشاور، أو يتمالأون، أى يتعاونون، ويجوز إطلاقه على مطلق الجماعة، وبلا اجتماع: وباجتماع لغير تشاور { من بنى إسراءيل } كائنين، بعض بنى إسرائيل، ومن للتبعيض { من بعد موسى } متعلق بكائنين المقدر، أى بعد موت موسى، ومن للابتداء المنقطع بحصولهم بعده، ولا يصح تعليقه بقالوا، لأن معمول المضاف إليه لا يتقدم على المضاف ولا يلهم، لنيابته عن كائن، لأن الأصل ألا يتقدم على العامل الذى ليس فيه حروف الفعل معموله، ولأن معمول النعت لا يتقدم على المنعوت، وكذا لا يتعلق بكائن، وذلك أن لهم نعت بنى { إذ قالوا لنبى لهم } قيل يوشع بن نون إفراثيم بن يوسف بن يعقوب عليه السلام، وهو ابن أخت موسى، وهو ضعيف، لأن بيته وبين داود قرونا، وقيل شمعون بكسر الشين بن صعبة بن علقمة من ولد لاوى بن يعقوب، وقيل إشمويل بكسر الهمزة، وعليه الأكثر، وإسكان الشين وفتح الميم وكسر الواو بعده ياء وبعدها لام، بن بال، وقيل ابن حنة بن العافر، وهو إسماعيل بالعبرانية، ولا يصح القولان أيضا، لأن بينهما وبين داود قرونا كثيرة { ابعث } بإذن الله وقد قال بعد، إن الله قد بعث لكم...الخ، وإن لم يذكروا له ذلك فمعلوم أنه لا حدث إلا بالله { لنا ملكا } أقم لنا أميرا، أو مره وهو موجود قبل، أو مره بعد أن تقيمه بالمسير إلى القتال { نقتل } معه وبأمره ورأيه وتسديده { فى سبيل الله } من أشرك بالله، تتابع يوشع فكالب فحزقيل فإلياس فاليسع بعد موسى، ثم ظهر لهم عدوهم العمالقة قوم جالوت، سكان بحر الروم، بين مصر وفلسطين، وغلبوا على كثير من بلادهم، وأسروا أربعمائة وأربعين من أبناء ملوكهم، وضربوا عليهم الجزية، وأخذوا التوراة، وهلك سبط النبوة إلا امرأة حبلى، ولدت غلاما سمته شمويل، وقيل شمعون، ولما كبر قرأ التوراة ببيت المقدس على عالم من علمائهم ونبأه الله، وقالوا: إن صدقت فابعث لنا ملكا نقاتل كما قال الله عز وجل، وكان أمر بنى إسرائيل على أيدى ملوكهم المتبعين لأنبيائهم المرشدين لهم { قال } ذلك النبى الإسرائيلى { هل عسيتم } لا يخفى أن عسى جامد وأنه فعل إنشاء، فوجه صحة دخول أداة الاستفهام عليه مع أنه لا خارج له يستفهم عنه، أن هل عسيتم مضمن معنى أتوقع، أو أنه ضمن معنى قاربتم، فليست ناسخة، وألا تقاتلوا مفعول عسيتم بمعنى قاربتم أو أتوقع، أو أن الاستفهام متوجه إلى ما توقع بها، وهو ألا تقاتلوا، وإذا كان الاستفهام عن المتوقع اندفع استشكال أن المتكلم بكلام لا يستفهم عن توقعه، وأن يشترط إيلاء المقرر به الهمزة إذا كان التقرير بمعنى عمل المخاطب على الإقرار بما يعفرفه، وفصل باداة الشرط فى قوله: { إن كتب } فرض { عليكم القتال ألا تقتلوا } تقريرا وتثبتا { قالوا وما لنآ ألا نقتل فى سبيل الله } أى غرض لنا فى ألا نقاتل، أى فى ترك القتال { وقد أخرجنا } والحال أنا قد أخرجنا { من ديرنا وأبنائنا } تمثيل لإخراجهم عن كل ما لهم به اتصال، قد خلت الأرضون والأجنة والعيون والأقارب والبنات والأزواج، أشاروا بذكر الديار إلى الأصول، وبذكر الأبناء عن الأفاضى، وخصوا ذكر البنين لشرفهم، والديار مطلق مواقع الإقامة، وضمن الإخراج معنى الإفراد أو الإبعاد، فصح تسلطه على الأبناء، أو يبقى على ظاهره فيقدر، وقد أخرجنا وأفردنا أو أبعدنا عن ديارنا وأبنائنا، فالإخراج للديار والإفراد للأبناء، وإن قلت: القتال لأجل سبيل الله غير القتال حمية للديار والأبناء، وفى ذلك غير إخلاص، قلت ذلك قول من ركت ديانته منهم، ألا ترى إلى قوله تولوا، أو أرادوا أن كلا منهم لله ويحفظ ديار إخوانه وأبنائهم، ولأنه يجوز قصد حمية الديار والأبناء لأنفسهم مع قصد وجه الله لوجوب تلك الحمية عليهم، وفيها خزى العدو، وقصد خزيه فرض { فلما كتب عليهم القتال تولوا } أعرضوا عنه { إلا قليلا منهم } ثلاثمائة وثلاثة عشر، وهم الذين اكتفوا بالغرفة عدد أهل بدر، فى رواية مشهورة فى أهل بدر، وأخرجها البخارى عن البراء بن عازب رحمه الله، وقيل: ثلاثة آلاف، وقيل ألف { والله عليم بالظلمين } الذين تولوا عن القتال، يعاقبهم الله على توليهم لما رأوا كثرة العدو أعرضوا عن القتال، ولم يعرضوا أو فرض ذلك القتال عليهم، ولكن فرضة باق إلى يوم التولى.
[2.247-248]
{ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت } اسمه شاول بن قيس { ملكا } كما طلبتم، أن أبعث لكم ملكا، وهذا القول مقدم نزولا ولو تأخر تلاوة، وطالوت عبرانى، ولو كان فعلوت من الطول بفتح العين لشدة طوله، وأصله طولوت بفتح الواو قلبت ألفا لتحركها بعد فتح لصرف، لانفراد العلمية، ولا يصح أنه منع الصرف لشبه العجمة، لأن رهبوتا ورغبوتا وحموتا وملكوتا ونحوهن يصرفن، ولا يصح أنه معدول عن الطوال أو الطويل إذ لا يعرف العدل عن ذلك، بل عن فاعل، ولا تعسف فى أنه عبرى وافق العربية فى معنى الطول، ممتنع للعجمة والعلمية كما صدرت به، وقيل: عربى منع الصرف للعلمية وشبه العجمة، إذ ليس ذلك من أوزان العربية الغالبة. كان جالوت ومن معه من العمالقة يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وظهروا على بنى إسرائيل وأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم، وضربوا الجزية عليهم وأبو العمالقة عمليق بكسر العين أو عملاق بكسرها، ابن لاود بن إرم بن سام ابن نوح، ولما دعا الله نبيهم أن يجعل لهم ملكا أمره ملك أن يقلب إناء الدهن الذى فى بيته على رأس طالوت فيكون كالإكليل على رأسه على استواء، فكان كذلك إمارة لما أخبروا من كونه ملكا أو أوحى إليه أنه إذا انتشى الدهن فى القرن لدخول رجل فهو ملك بنى إسرائيل، فادهن رأسه به وملكه عليهم، أو أتى بعصا طويلة من ساواها فهو الملك، فساواها ولا ضعف فى ذلك، لأن الله عز وجل أراد أن يبين الملك بالعلامة ليطمئنوا، ولو كان قول النبى كافيا، روى أنه ضل لطالوت دابة، فخرج يطلبها وقال له غلامه، ندخل على هذا النبى، لعله يرشدنا، فقال، نعم، فدخلا، فكان ما ذكر من العصا والدهن، ولا بأس بهما معا { قالوا أنى } من أين { يكون له الملك علينا } مع أنه فقير راع، أو سقاء أو دباغ، من أولاد بنيامين شقيق يوسف، ولم تكن النبوة ولا الملك فى أولاد بنيامين، والنبوة فى أولاد لاوى بن يعقوب، والملك فى أولاد يهوذا { ونحن أحق بالملك منه } لأنا من أولاد لاوى وأولاد يهوذا وليس هو منهم، لأن من كان من أهل النبوة، ولو كان من غير بيت الملك، أولى ممن ليس من أهل الملك ولا من أهل النبوة، ولأنه ضيق المال كما قالوا { ولم يؤت سعة من المال } وسعنا منه، فرد الله عليهم بأن المعتبر اصطفاء الله، وقد اصطفاه كما قال { قال } نبيهم { إن الله اصطفه عليكم } والله يعلم الصالح، وبأنه أعلم منكم جميعا وأجمل، والأعلم أمكن من معرفة أمور السياسة، وبأنه أعظم جسما مع قوة قلبه بالعلم، فهو أليق بالحروب وأهيب للعدو كما قال { وزاده بسطة فى العلم والجسم } وكان القائم يمد يده، فينال رأسه، ويقال، كان أطول من غيره برأسه ومنكبيه، وبأن الله المعطى المانع، وقد أعطاه الملك كما قال { والله يؤتى ملكه من يشآء } وبأن الله واسع الفضل فقد يغنيه، وبأنه العالم بمن يليق بالملك كما قال { والله وسع عليم } ولا يضر أنه فقير أو دنىء الرتبة عندكم، ملاك الأمر اصطفاء الله، وقد اصطفاة، والعمدة وفور العلم، والملك لله، فله أن يعطى ملكه من يشاء، وهو واسع الفضل يوسع على على الفقير فيغنيه، وقدم البسطة فى العلم على البسطة فى الجمس لأن الفضائل النفسية أشرف من الفضائل الجسمية.
يروى أنه لما مات موسى خلفه يوشع، ثم خلفه كالب، ثم خلفه حزقيل، ثم إلياس، ثم اليسع يحكمون بالتوراة، ثم ظهرت عليهم أعداؤهم العمالقة، وغلبوا على كثير وسبوا، ولم يكن لهم نبى يدبر أمرهم، وكان سبط النبوة قد هلكوا إلا امرأة حبلى، فولدت غلاما، فسمته أشمويل، سلمته للتوراة فى بيت المقدس، وكفله شيخ من علمائهم، ولما كبر نبأه الله، وكان نائما عند شيخه، فناداه ملك، فقال لشيخه، ناديتنى؟ فقال له: اذهب. ثم، فكان ذلك مرة ثانية، فقال له، إن ناديتك مرة ثالثة فلا تجبنى، وناداه الملك، وقال له، أنت نبى بنى إسرائيل، فأخبرهم، فقالوا: عجلت إن صدقت فابعث لنا ملكا، فكان أمر طالوت وأشمويل هذا من نسل هارون عليهما السلام، وكان أمرهم يقوم بملك يلى الجموع بنبى يرشده، ولما ملك أشمويل طالوت قال له طالوت، أما علمت أن سبطى أدنى أسباط بنى إسرائيل؟ وكان من سبط بنيامين بن يعقوب ولم تكن فيهم نبوة ولا ملك، وكان دباغا، وقيل نساجا، قال: بلى، فقال أسمويل، الله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم، ولما طلبوا آية ملكه كما شهر، وعليه الأكثر، أو لم يطلبوا، أنزل الله جوابا، أو تقوية ما ذكره عن نبيهم فى قوله:
{ وقال لهم نبيهم إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت } فعلوت من تاب بمعنى رجع، فإنه إن غاب هو أو ما فيه رجع، ويناسبه أيضا أن يضع الواضع فيه شيئا فيرجع إليه، والأصل التوبوت بفتح التاء، وقلبت ألفا، وهذا شأن كل صندوق، والواو والتاء بعد زائدتين كرحموت وملكوت، وقيل فاعول، فالتاء أصل بعد الواو، كالتى قبل ، وفيه قلة اتخاذ الفاء واللام كسلس وقلق، وهو الصندوق الذى جعلت فيه موسى أمه، وقيل: صندوق توضع فيه التوراة من شجر السرو، أو شجر الصمغ مموه بالذهب، من ثلاثة أذرع فى ذراعين، وفيه صور الأنبياء كلهم، أنزله الله على آدم من الجنة، وتوارثه الأنبياء إلى أن وصل إلى موسى عليه السلام، وفشا الزنا فى بنى إسرائيل حتى على قارعة الطريق، فسلط الله عليهم العمالقة، فأخذوه وجعل الله رده منهم علامة ملك طالوت، وكان بنو إسرائيل يستفتحون به على عدوهم، ويقدمونه فى القتال بين أيديهم، ويطمئنون إليه كما قال { فيه سكينة } طمأنينة لقلوبكم { من ربكم } كان موسى يقدمه فلا يفرون، وتسكن إليه نفوسهم، وقيل السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت، لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها، وجناحان، فنئن، ويسير التابوت بسرعة نحو العدو ويتبعونه، فإذا استقر سكنوا وثبتوا ونزل النصر، أخرجه ابن جرير عن مجاهد، قال الراغب، ولا أراه صحيحا، والتصوير كان حلالا للأمم ولو لما فيه روح وبرأس، بل ولو لم يحل، لأنه هذه من الله، ففى التوراة لا تعلموا صورا ولا تعبدوها، ويقال: كانوا يسيرون بسيره ويقفون بوقوفه، وإذا استمعوا صوته تيقنوا بالنصر، أو التابوت القلب والسكينة ما فى القلب، من العلم والإخلاص، وإتيانه مصير القلب كذلك بعد أن لم يكن، وهو ضعيف، لأنه لا يلائم أنه آية ملك طالوت لخلفائه، ويروى أنه إذا اختلف بنو إسرائيل تحاكموا إليه فيكلمهم بالحكم { وبقية مما ترك، ءال موسى وءال هرون } عصا موسى تنثنى فيه، ونعلاه وثيابه، وعمامة هرون، وما تكسر من ألواح التوراة حين ألقاها موسى، وقفيز من المن الذى كان ينزل فى التيه، وإلا لأن أبناءهما أو أنبياء بنى إسرائيل، لأنهم أبناء عمهما، أو ذكرا تعظيما، والمراد نفس موسى وهرون { تحمله الملئكة } بعد أن نزعته من ظهر البقرتين حين قربتا من الوصول، وذلك أنه لما عصى بنو إسرائيل غلبهم جالوت وقومه من العمالقة وأخذوه وجعلوه فى موضع البول والغائط، ولما أراد الله أن يملك طالوت سلط الله عليهم البلاء، وابتلى كل من بال عليه بالبواسير وهلكت لهم خمس مدائن، فعلموا أن ذلك بسبب التابوت، فحملوه على ثورين فأقبل الثوران، ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة حتى قربا من منزل طالوت حملوه إليه، وقيل: ساقوهما حتى أتوا منزله فسمى السوق حملا، ولما سألوه الآية قال لهم نبيهم: إنكم تجدون التابوت فى دار طالوت، { إن فى ذلك لأية لكم } على ملك طالوت تنتفعون بها { إن كنتم مؤمنين } وهذا من كلام نبيهم، أو خطاب من الله لهم، ولما رأوا التابوت أقروا بملكه، وتسارعوا إلى الجهاد، واختار من شبابهم سبعين ألفا فارغين من الأشغال ناشطين، وقال لهم لا يخرج معى من نبى بناء لم يتمه، أو من شغل بالتجر، أو من تزوج بامرأة ولم يبن بها، وقيل: ثمانين ألفا، وقيل: مائة وعشرون، ومنهم داود على كل الأقوال.
[2.249]
{ فلما فصل } انفصل { طالوت } عن البلد لقتال جالوت، وهو لازم، ومصدره فعول كرجع اللازم مصدره الرجوع، أو متعد حذف مفعوله، أى فصل نفسه، كرجع المتعدى مصدره الرجع { بالجنود } فى شدة الحر، وشكوا إلى طالوت قلة الماء بينهم وبين عدوهم، وقالوا، لا تحملنا الماء فادع الله أن يجرى لنا نهرا، فدعا، فأجابه الله، وهو نبى فى قول، أو على لسان أسمويل أو غيره على ما مر { قال } بوحى من الله، وهو نبى فى قول، أو بإخبار ملك أو نبى له { إن الله مبتليكم بنهر } نهر فلسطين، أو نهر بين فلسطين والأردن، فجره الله فى ذلك الوقت، يظهر به لهم المنافق والمخلص، بفتح الفاء وكسرها، وفتح اللام وإسكان السين، وضم همزة أردن وداله وتشديد نونه، موضع ذو رمل قريب من بيت المقدس، ومن البحر الملح { فمن شرب منه } من مائه، فحذف المضاف، أو استعمل النهر بمعنى ماء الموضع فلا حذف { فليس منى } ليس من أتباعى، أو أشياعى، أو ليس متصلا بى { ومن لم يطعمه } لا قليلا ولا كثيرا، أى لم يذقه، واستعمال الطعم فى الماء مجاز، وقيل حقيق، لأن معناه الذوق توسعا، وطعم الماء بمعنى ذاقه جائز، ولا يجوز طعم الماء بمعنى شربه، والقول بأن طالوت كان نبيا بعد أن كان ملكا بعيد مردود { فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده } واكتفى بها شربا فإنه منى أيضا، وهو استثناء من قوله، فمن شرب منه فليس منى، منقطع إن فسر الشرب بالكرع إلا فمتصل، وهو بفتح الغين مصدر الوحدة يتضمن وحدة الغرفة بضمها، وهو ما يغرف { فشربوا منه } فمنهم من يشرب ملء بطنه بفيه من النهر. ومنهم من يشرب بيده غرفةن ويقال، أخذوا غرفة فكفتهم لهم ولدوابهم { إلا قليلا منهم } لم يشربوا ولو غرفة، كما قال ومن لم يطعمه فإنه منى، وقيل، شربوا ملء بطونهم إلا قليلا فشربوا غرفة، ومن لم يذقه غير موجود، ولو قاله طالوت قبل وصول النهر، وإذا قلنا إلا قليلا هم من شربوا الغرفة فمن لم يذقه مفهوم بالأولى، أى شربوا من النهر بأفواههم، والقليل شربوا من غرفة أيديهم لا من النهر { فلما جاوزه هو والذين ءامنوا معه } من لم يذهق ومن اقتصر على الغرفة { قالوا } قال من شرب ملء بطنه، وقد عبروا النهر مع طالوت ورأوا جالوت وجنوده، ورجعوا منهزمين كما قال الله عز وجل قالوا { لا طاقة لنا } للفشل بالشرب وللقلة، قيل، قالوا ذلك خذلانا { اليوم بجالوت وجنوده } مائة ألف رجل، شاكى السلاح، وقيل، إن الذين شربوا ملء بطونهم لم يعبروا النهر، بل وقفوا بساحله، وقالوا معتذرين عن التخلف، منادين، مسمعين لطالوت والذين معه لا طاقة الخ، وقد شربوا كثيرا، واسودت شفاههم وغلبهم العطش ولم يرووا، وجبنوا، أو المراد قال بعض لبعض، وببعد أن يقولوا كل لكل، وهو خلاف المعتاد، وأما من اغترف غرفة ومن لم يذقه على قول وجوده فقلوبهم قوية، وقوى إيمانهم، وعبروا النهر سالمين { قال } ردا على المتخلفين { الذين يظنون } يوقنون، ولك مؤمن موقن بالبعث، ولكن المراد العمل بمقتضى الإتقان، فمن لم يعمل فكأنه غير موقن، كما يقال، مات من علم أنه سيموت، أى عمل بمقتضى علمه بالموت، ومات من لم يعلم أنه يموت، أى علم بالموت ولم يعمل بمقتضاه ، وهم جيمع من عبر النهر ولم يخالف { أنهم ملقوا الله } بالموت وبالبعث للجزاء، أو يظنون، أى يوقنون بالوحى إلى نبيهم، أو بما شاء الله أنهم يموتون فى هذه الغزوة، وهم بعض الذين لم يخالفوا، لأنه لم يمت الذين لم يخالفوا كلهم، ووجه استعمال الظن فى العلم الشبه { كم من فئة } فرقة من فأوت رأسه شققته، والفئة قطعة من الناس فحذف آخره، وزنه فعة، أو من فاء بمعنى رجع، فحذف وسطه، وونه فلة، والفرقة يرجع إليهم، ومن زائدة وفئة تمييز، أو غير زائدة تتعلق بمحذوف نعت لكم { قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } حكمه وتيسيره { والله مع الصبرين } بالنصر والثواب، ولو غلبهم الكفار، لأنهم المحقون والفائزون بالجنة، أو مع الغلبة فى الدنيا فنصبر لنغلبهم فى القتال، ولو قللنا وكثروا، لاعتمادنا على الله وإعجابهم بكثرتهم، ويجوز أن يكون من كلام الله عز وجل تصديقا لقولهم، إن الغلبة بإذن الله لا بالكثرة.
Página desconocida