والقطا والاوز والكراكي (1) والحمام وسباع الطير جميعا وكلها لا يرى منها إذا ماتت إلا الواحد بعد الواحد يصيده قانص أو يفترسه سبع فإذا أحسوا بالموت كمنوا في مواضع خفية فيموتون فيها ولو لا ذلك لامتلأت الصحارى منها حتى تفسد رائحة الهواء وتحدث الأمراض والوباء فانظر إلى هذا بالذى يخلص إليه الناس وعملوه بالتمثيل (2) الأول الذي مثل لهم كيف جعل طبعا واذكارا (3) في البهائم وغيرها ليسلم الناس من معرة (4) ما يحدث عليهم من الأمراض والفساد (الفطن التي جعلت في البهائم الأيل والثعلب والدلفين) فكر يا مفضل في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع والخلقة لطفا من الله عز وجل لهم لئلا يخلو من نعمة جل وعز أحد من خلقه بعقل وروية فإن الأيل يأكل الحيات فيعطش عطشا شديدا فيمتنع عن شرب الماء خوفا من ان يدب السم في جسمه فيقتله ويقف على الغدير وهو مجهود عطشا فيعج عجيجا عاليا ولا يشرب منه ولو شرب لمات من ساعته فانظر إلى ما جعل من طباع هذه البهيمة من تحمل الظمأ الغالب الشديد خوفا من المضرة في الشرب وذلك مما لا يكاد الانسان العاقل المميز يضبطه من نفسه
---
(1) الكراكي جمع كركي - بضم فسكون فسكر - طائر كبير أغبر اللون طويل العنق والرجلين أبتر الذنب قليل اللحم. (2) المراد بالتمثيل ما ذكره الله تعالى في قصة قابيل. (3) في الأصل المطبوع ادكارا بالدال المهملة، ولكن الاذكار أوضح وهو من قولهم ذكر الشئ: حفظه في ذهنه. (4) المعرة: الأمر القبيح والمساءة والاثم والاذى.
--- [ 64 ]
Página 63