فيكون طول عمره يترقب الموت فيترك المعاصي ويؤثر العمل الصالح (فإن قلت): وها هو الآن ستر عنه مقدار حياته وصار يترقب الموت في كل ساعة يقارف (1) الفواحش وينتهك المحارم (2) (قلنا) ان وجه التدبير في هذا الباب هو الذي جرى عليه الأمر فإن كان الانسان مع ذلك لا يرعوي (3) ولا ينصرف عن المساوي فإنما ذلك من مرحه ومن قساوة قلبه لا من خطأ في التدبير كما ان الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به فإن كان المريض مخالفا لقول الطبيب لا يعمل بما يأمره ولا ينتهي عما ينهاه عنه لم ينتفع بصفته ولم تكن الاساءة في ذلك للطبيب بل للمريض حيث يقبل منه ولئن كان الانسان مع ترقبه للموت كل ساعة لا يمتنع عن المعاصي فإنه لو وثق بطول البقاء كان احرى بأن يخرج الى الكبائر الفظيعة فترقب الموت على كل حال خير له من الثقة بالبقاء ثم ان ترقب الموت وان كان صنف من الناس يلهون عنه ولا يتعظون به فقد يتعظ به صنف آخر منهم وينزعون عن المعاصي ويؤثرون العمل الصالح ويجودون بالأموال والعقائل (4) النفيسة في الصدقة على الفقراء والمساكين فلم يكن من العدل ان يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة لتضييع اولئك حظهم منها. (الأحلام وامتزاج صادقها بكاذبها وسر ذلك) فكر يا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها فمزج صادقها
---
(1) في الأصل المطبوع يفارق ولا يستقيم المعنى بها بل يكون عكسيا. ولما رجعنا إلى البحار وجدناها يقارف. (2) المحارم جمع محرم وهو الحرام. (3) الارعواء: الكف عن الشئ، أو الندم على الشئ والانصراف عنه وتركه. (4) العقائل جميع عقيلة والعقيلة من الابل هي الكريمة، والعقيلة من كل شئ هي أكرمه.
--- [ 44 ]
Página 43