مقدمة ... كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء المرسلين تأليف: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بسم الله الرحمن الرحيم تقديم إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وبعد: فهذا كتاب "قرة عيون الموحدين" للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، المتوفي سنة "١٢٨٥ " هـ، وقد وضع فيه بعض الحواشي المفيدة على كتاب جده شيخ الإسلام في عصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي التميمي المتوفى سنة "١٢٠٦ " هـ، الذي دعا إلى توحيد الله ﷿ وعدم الإشراك به، وقد تبعه في ذلك حفيده الشيخ عبد الرحمن، فوضع بعض الحواشي المختصرة في كتابه هذا الذي سماه "قرة عيون الموحدين "، وإنه بحق قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين، الذين دعوا إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، فبين الشيخ عقيدة التوحيد، وحذر مما يعد من الشرك الذي تساهل الناس فيه في عصرنا الحاضر، كالتمائم، والتبرك بالأحجار والأشجار وغيرهما، وبين أنه لا تجوز العبادة إلا لله تعالى، وأن الذبح أيضا لا يجوز إلا لله، وكذلك النذور لا تجوز إلا لله، وأن من الشرك أن يستغيث الإنسان بغير الله تعالى وأنه ينبغي أن لا يسأل غير الله تعالى، ولا يستعين إلا بالله، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس ﵄: " وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله " ١ وقال تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ ٢. وبين ﵀ أن سبب كفر بني آدم، الغلو في الصالحين حتى صارت كالأوثان تعبد من دون الله، وحذر الناس من السحر والكهانة، والتطير والتنجيم والاستسقاء بالأنواء، وبين أن من الشرك الحلف بغير الله تعالى، وأن على المؤمن أن يسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وبين أيضا ﵀ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد طرق الشرك، ومن أراد في هذا شرحا وافيا فعليه أيضا بكتاب "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" الذي هو شرح أيضا للمؤلف نفسه _________ ١الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٦)، وأحمد (١/٢٩٣،١/٣٠٣،١/٣٠٧) . ٢ سورة يونس آية: ١٠٧.

1 / 1

على كتاب جده "التوحيد"، فإنه قد أجاد فيه، وأفاد، جزاه الله تعالى خيرا. وإننا نقدم للناس هذه الرسالة في وقت أحوج ما نكون فيه إلى تصحيح عقائد المسلمين والرجوع بها إلى النبع الصافي من كتاب الله ﷿ وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وهي تعطينا صورة صادقة لما كانت عليه عقيدة الأمة الإسلامية في قرونها الخيرة التي تلقوها عن أئمتهم، وهي عقيدة السلف الصالح، وهي العقيدة السليمة والطريقة المستقيمة التي ينبغي على كل مسلم أن يسلك سبيلها، وأن يسير على منهاجها، نسأل الله ﵎ أن يميتنا على عقيدة أهل السنة والجماعة، وأن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفي بالله عليما. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. كتبه خادم السنة النبوية عبد القادر الأرناؤوط مقدمة المحقق بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه، وبعد، اعتمدت في تحقيق كتاب "قرة عيون الموحدين" على طبعة الأستاذ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى، الذي هو حاشية على "كتاب التوحيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، المطبوعة بمطبعة المنار سنة ١٣٤٦هـ، وقد رأينا أن الفائدة لا تتم من الكتاب إلا إذا كان مصدر بكتاب التوحيد كاملا فكان عملنا: ١- صدرت "كتاب التوحيد" في أعلى الصفحات. ٢- جعلت "كتاب قرة عيون الموحدين" حاشية له وبحرف مغاير للأول. خرجت أحاديث الكتابين، وذلك بالرجوع إلى كتب السنة المطهرة، وإلى كتب الشيخين محمد ناصر الدين الألباني وعبد القادر الأرناؤوط، وألحقت بالكتاب فهرسا لأطراف الحديث وآخر لموضوعات الكتاب. وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب ويقر به عيون الموحدين، الذين يتبعون رسالاته ويخشونه ولا يخشون أحدا سواه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. بشير محمد عيون

1 / 2

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم ١- باب " حق الله على العباد وحق العباد على الله " وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١. وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٢ الآية. .................................................................................................. بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن يا كريم ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ الكلام على البسملة بين مذكور في الشرح، والبداءة بها سنة، كما فعل البخاري وغيره من العلماء اتباعا للسنة في مراسلات النبي صلي الله عليه وسلم للملوك وغيرهم، وفي الأمر بالبداءة بها حديث معروف٣. "كتاب التوحيد"المراد بالتوحيد توحيد العبادة، وكل رسول يفتتح دعوته لقومه بهذا التوحيد: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٤ كما في سورة الأعراف وهود وغيرهما. وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ ٥ دلت الآية على أن الله تعالى خلق الخلق لحكمة عظيمة، وهي القيام بما وجب عليهم من عبادته وحده بترك عبادة ما سواه، ففعل الأول وهو خلقهم ليفعلوا هم الثاني وهي العبادة. قال شيخ الإسلام: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وقال أيضا: والعبادة اسم يجمع كمال الحب لله ونهايته، وكمال الذل لله ونهايته، _________ ١ سورة الذاريات آية: ٥٦. ٢ سورة النحل آية: ٣٦. ٣ الحديث ضعيف لاضطراب الرواة فيه عن الزهري، وكل من رواه عنه موصولا ضعيف أو السند إليه ضعيف، والصحيح عنه مرسلا. والله أعلم. انظر الإرواء رقم (١) و"الأذكار" للنووي طبعتنا رقم (٣٣٩) . ٤ سورة المؤمنون آية: ٣٢. ٥ سورة الذاريات آية: ٥٦.

1 / 3

وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ .................................................................................................. فالحب الخلي عن ذل والذل الخلي عن حب لا يكون عبادة، وإنما العبادة ما يجمع كمال الأمرين. وقال أيضا: وأما ما خلقوا له من محبة الله تعالى ورضاه فهو إرادته الدينية، فذلك مذكور في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١ ٢. وقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٣ الآية. يخبر تعالى أنه بعث في كل قرن وطائفة من الأمم رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة ما زينه الشيطان لهم وأوقعهم فيه من عبادة ما سواه، فمنهم من هدى الله ووحده تعالى بالعبادة وأطاع رسله، ومنهم من حقت عليه الضلالة فأشرك مع الله غيره بعبادته، ولم يقبل هدى الله الذي جاءت به الرسل، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٤. وهذا التوحيد الذي خلقوا له ودعوا إليه هو توحيد الإلهية، توحيد القصد والطلب. وأما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الأفعال، فهو توحيد العلم والاعتقاد، وأكثر الأمم قد أقروا به لله. وأما توحيد الإلهية فأكثرهم قد جحدوه، كما قال تعالى عن قوم هود لما قال لهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٥ ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ ٦ وقال مشركو قريش: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ٧، وهذه الآية وهي قوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٨، هذه الآية تبين معنى الآية قبلها وكذلك الآيات بعدها، وأن المراد بالعبادة التي خلقوا لها هي العبادة الخالصة التي لم يلبسها شرك بعبادة شيء سوى الله كائنا ما كان، فلا تصح الأعمال إلا بالبراءة من عبادة كل ما يعبد من دون الله، والله تعالى خلق الثقلين ليعبدوه، فمنهم من فعل، ومنهم من أشرك وكفر، كما قال تعالى في هذه الآية: ﴿فَمِنْهُمْ _________ ١ سورة الذاريات آية: ٥٦. ٢ انظر: كتاب العبودية ص ٤٥٤ المطبوع ضمن مجموعة التوحيد ص ٤٥٤، طبعتنا. ٣ سورة النحل آية: ٣٦. ٤ سورة الأنبياء آية: ٢٥. ٥ سورة اأعراف آية: ٦٥. ٦ سورة الأعراف آية: ٧٠. ٧ سورة ص آية: ٥. ٨ سورة النحل آية: ٣٦.

1 / 4

مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ ١.وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ٢ يبين أن حكمة الرب في خلقه للجن والإنس لا تقتضي أن كلا يفعل ما خلق له وأرسلت الرسل لأجله، ولهذه الحكمة أهلك الله من لم يعبده وحده، ولم يقبل ما جاءت به رسله، وشرع قتالهم لنبيه صلي الله عليه وسلم وأتباعه، فمنهم من أطاع وهم الأقلون، ومنهم من عصى وهم الأكثرون. وهذا التوحيد هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، كما قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ﵈: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ ٣، وهذا هو الدين الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وأمر الرسل أن يقيموه، كما قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ ٤، وقال لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ ٥، فأمره أن يعبده وحده وأن يدعو الأمة إلى ذلك. والقرآن كله في هذا التوحيد وبيانه وجزائه والرد على من جحده، كما قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. هْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٦ وفي حديث معاذ الذي رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال: "سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان- وذكر الحج - ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروه سنامه الجهاد في سبيل الله " ٧. فدل على أن الإسلام هو التوحيد، والفرائض من حقوقه. وقد أجمع الفقهاء على أن الإسلام شرط لصحة الصلاة وغيرها من الأعمال، وهو _________ ١ سورة النحل آية: ٣٦. ٢ سورة النساء آية: ٦٤. ٣ سورة يوسف آية: ٤٠. ٤ سورة الشورى آية: ١٣. ٥ سورة الرعد آية: ٣٦. ٦ سورة المائدة آية: ١٥-١٦. ٧ لم يروه أبو داود، وإنما الترمذي رقم (٢٦١٩) في الإيمان: باب ما جاء في حرمة الصلاة، وأحمد في "المسند" ٥/ ٢٣١ و٢٣٤ و٢٣٧ و٢٤٥ و٢٤٦، وابن ماجه رقم (٣٩٧٣) في الفتن: باب كف اللسان في الفتنة، وصححه الحاكم ٢ / ٤١٣ ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قالوا. انظر "الإرواء" رقم (٤١٣) .

1 / 5