وَبعد فَإِن فِي ذَلِك الْعلم يستوى الْكَافِر وَالْمُؤمن والبشارة بِالرُّؤْيَةِ خص بهَا الْمُؤمن وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور ﵀ وَلَا نقُول بالإدراك لقَوْله ﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار﴾ فقد امتدح بِهِ بنفى الْإِدْرَاك لَا يَنْفِي الرُّؤْيَة وَهُوَ كَقَوْلِه ﴿وَلَا يحيطون بِهِ علما﴾ كَانَ فِي ذَلِك إِيجَاب الْعلم وَنفى الْإِحَاطَة فَمثله فِي حق الْإِدْرَاك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَأَيْضًا إِن الْإِدْرَاك إِنَّمَا هُوَ الْإِحَاطَة بالمحدود وَالله يتعالى عَن وصف الْحَد إِذْ هُوَ نِهَايَة وتقصير عَمَّا هُوَ أَعلَى مِنْهُ على أَنه واحدي الذَّات وَالْحَد وصف الْمُتَّصِل الْأَجْزَاء حَتَّى يَنْقَضِي مَعَ إِحَالَة القَوْل بِالْحَدِّ أَو كَانَ وَلَا مَا يحد أَو بِهِ يحد فَهُوَ على ذَلِك لَا يتَغَيَّر على أَن لكل شَيْء حدا يدْرك بسبيله نَحْو الطّعْم واللون والذوق والرائحة وَغير ذَلِك من حُدُود خاصية الْأَشْيَاء جعل الله لكل شَيْء من ذَلِك وَجها يدْرك بِهِ ويحاط بِهِ حَتَّى الْعُقُول والأعراض فَأخْبر الله أَنه لَيْسَ بِذِي حُدُود وجهات هِيَ طرف إِدْرَاكه بالأسباب الْمَوْضُوعَة لتِلْك الْجِهَات وعَلى ذَلِك القَوْل بِالرُّؤْيَةِ وَالْعلم جَمِيعًا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَبعد فَإِن القَوْل بِالرُّؤْيَةِ يَقع على وُجُوه لَا يعلم حَقِيقَة كل وَجه من ذَلِك إِلَّا بِالْعلمِ بذلك الْوَجْه حَتَّى إِذا عبر عَنهُ بِالرُّؤْيَةِ صرف إِلَى ذَلِك وَمَا لَا يعرف لَهُ الْوَجْه بِدُونِ ذكر الرُّؤْيَة لزم الْوَقْف فِي مائيتها على تحقيقها وَأما الْإِدْرَاك إِنَّمَا هُوَ معنى الْوُقُوف على حُدُود الشَّيْء أَلا ترى أَن الظل فِي التَّحْقِيق يرى لكنه لَا يدْرك إِلَّا بالشمس وَإِلَّا كَانَ مرئيا على مَا يرى لوقت تسبح الشَّمْس وَلَكِن لَا يدْرك بِالرُّؤْيَةِ إِلَّا بِمَا يتَبَيَّن لَهُ الْحَد وَكَذَلِكَ ضوء النَّهَار يرى لَكِن حَده لَا يعرف بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ الظلمَة لِأَن طرفها لَا يرى فيدرك ويحاط بِهِ وبالحدود يدْرك الشَّيْء وَإِن كَانَ يرى لَا بِهِ وَلذَلِك ضرب الْمثل
1 / 81