وتقهرهم وَلَوْلَا ذَلِك مَا احتاجوا إِلَى الأغذية ثمَّ كَانَت هِيَ أسبابا عِنْد وجودهَا للغنا لم يحْتَمل أَن يكون مِنْهَا تهيج الشَّهَوَات وحدوث الْحَاجَات وَلَا يجوز أَن تكون لأنفسها شهوات وحاجات لأوجه أَحدهَا أَن الْقيام بِالذَّاتِ دون الْغَيْر دَلِيل الْغِنَا لَا يجوز أَن يصير حَاجَة وَلِأَن مَا كَانَ لذاته على جِهَة لَا يحْتَمل زَوَاله وَقد يَقع لَهَا الْغِنَا بِالْغَيْر أَو للإحالة أَن يكون الشَّيْء من حَيْثُ نَفسه محوجا إِلَى غير بل إِذا أحْوج إِلَى غير من حَيْثُ نَفسه بدوم الْحَاجة مَا بقيت نَفسه فَثَبت أَن هُنَالك غير أنشأهم على الْحَاجَات وَركب فيهم الشَّهَوَات ثمَّ أنشأ لَهُم مَا بِهِ الْغِنَا وَقَضَاء الشَّهَوَات فَيكون بِمَا أُرِيد بِهِ نفى الْمُدبر الْعَالم تثبيته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
مَعَ مَا لَا يُوجد شَيْء من أَعْيَان الْعَالم وصفاتها إِلَّا مسخرا مذللا بِمَا لَوْلَا ذَلِك كَانَ أَهْون عَلَيْهِ وألذ نَحْو الْقَرار الدَّائِم وَالسير المتتابع مِمَّا كَانَ بِهِ معاش أحد وَمَا لَهُ المعاش فَصَارَ الْعَالم بكليته بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكرت وَلَا يجوز أَن يكون المسخر الْمُذَلل بِملك التَّدْبِير حَتَّى يكون بِهِ غنى الْغَيْر وقيامه وَلَا يملك إِزَالَة الذلة عَن نَفسه والسخرة ثَبت أَن لكل ذَلِك مُدبرا عليما علم وُجُوه حاجاتهم وغناهم فخلقهم على ذَلِك مَعَ مَا أحْوج بَعْضنَا إِلَى بعض فِي الْقيام والبقاء على جهل كل مِنْهُم بِالْوَجْهِ الَّذِي أحْوج إِلَى غَيره وعجزه عَن صرف وَجه الْحَاجة عَن نَفسه ثَبت أَن لذَلِك كُله مُدبرا عليما على تَدْبيره جرى أَمرهم
وَبعد لَو خلى بَين أَعقل الْخلق وأعظمهم تدبيرا وَبَين تَقْدِير أَحْوَاله وأفعاله من الزَّمَان وَالْمَكَان فِيمَا لطف مِنْهَا لما احْتمل وسعهم فَمن دونه أَحَق ثمَّ لَا يملك أحد مِنْهُم صرف قهر الزَّمَان عَن نَفسه وَلَا إحاطة الْمَكَان ثَبت أَن الْعَالم على مَا هُوَ عَلَيْهِ لَا يجوز كَونه بِهِ دون خَارج من مَعْنَاهُ فِي إحاطة الْحَاجة بِهِ بل بِالْقيامِ بِذَاتِهِ عَالما قَادِرًا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ من يَقُول بقدم طِينَة الْعَالم فَأَما إِن كَانَت من جَوْهَر هَذِه الْمعَانِي فيلحقها
1 / 62