يَكُونَا متحركين بأنفسهما ساكنين حيين ميتين قَاعِدين قَائِمين مَعَ مَا يفْسد أَن يكون التباين لنَفسِهِ يَقع ثمَّ امتزاج بِمَا كَانَ بِهِ التباين أَلا ترى أَن الْأَحْوَال الَّتِي تَتَغَيَّر بالأعيان لم يجز وجودهَا إِلَّا بِغَيْر فَكَذَلِك التباين والإمتزاج فَثَبت أَنَّهُمَا بِغَيْرِهِمَا امتزجا وبغيرهما كَانَا متباينين وَذَلِكَ يُوجب حَدثهمَا
وَبعد فَإِنَّهُم يَقُولُونَ بِحرْمَة الذَّبَائِح وأحق من يحل هم إِذْ بهَا التَّفْرِيق بَين الْجَسَد المظلم وَبَين الرّوح المضيء وَبَين النُّور الْجَلِيّ والظلمة الستارة وَبِذَلِك وصفوا النُّور بِأَنَّهُ رَقِيق دراك وبالروح ذَلِك لَا بالظلمة فَيجب بِهِ حل الذّبْح وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأَصله أَنهم يُنكرُونَ الشَّرّ من جَوْهَر الْخَيْر وَالْخَيْر من جَوْهَر الشَّرّ هَذَا الَّذِي حملهمْ على القَوْل بِاثْنَيْنِ
ثمَّ قد أثبتوا الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ وَبِمَا هُوَ عِنْدهم مَعْصِيّة فَلَو كَانَ من غير الَّذِي مِنْهُ الْقَتْل فقد كذب وَهُوَ شَرّ وَلَو كَانَ مِنْهُ فقد صدق بِالْإِقْرَارِ بالمعصية ثَبت أَن الْعَجز عَن إِدْرَاك الْحِكْمَة فِي خلق الشَّرّ لَا يضْطَر إِلَى القَوْل بِاثْنَيْنِ لما فِيهِ تَحْقِيقه أَيْضا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
على أَنهم أَحَق الْخلق فِي الإمتناع عَن النُّطْق بالحكمة أَو طلب الْعلم لِأَن قَوْلهم إِن جَوْهَر النُّور لَا يجِئ مِنْهُ شَرّ قطّ وَالْجهل شَرّ فَإِن كَانَ من ذَلِك الْجَوْهَر فَهُوَ عَالم بجوهره حَكِيم بِهِ لَا يحْتَمل الْجَهْل وَلَا السَّفه والتعلم وَطلب الْحِكْمَة حق الْجُهَّال بهما وَإِن كَانَ من جَوْهَر الشَّرّ فَإِنَّهُ لَا ينجع فِيهِ لِأَنَّهُ بجوهره لَا يقبل وَلَا يحْتَمل الْخَيْر وَإِذا كَانَ كَذَلِك بطلت مناظرتهم ودعواهم الْحِكْمَة وَالْعلم لِأَن مناظرتهم فِي ذَلِك لَو كَانَت مَعَ جَوْهَر النُّور كَانَ هُوَ عَالما قبل المناظرة فَلَا معنى لَهَا وَلَو كَانَت مَعَ جَوْهَر الظلمَة كَانَ غير قَابل وَلَا
1 / 36