بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعترته المعصومين أما بعد: فالكلام في علم الرجال على وجه الاستعجال يقتضى رسم مقدمة وأبواب وخاتمة.
Página 27
أما المقدمة ففي تعريفه وبيان موضوعه وفائدته المحتاج إليها على ما هو المتعارف في كل علم
(تعريف علم الرجال)
ونقول في الأول: " إنه ما وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتا ووصفا مدحا وقدحا " (1) فبقيد الوضع خرج ما كان من علم الحديث والتأريخ وغيرهما مشتملا على بيان جملة من الرواة على الوجه المزبور فإن شيئا من ذلك لم يوضع لذلك وكذا علم الكلام إن
Página 29
لم يحض الرواة بغير الأئمة عليهم السلام ولذا رووا عن آبائهم عليهم السلام.
وفى كثير من الأخبار إطلاق المحدث عليهم وهو بمعنى الراوي كما هو ظاهر هذه الأخبار وغيرها وإن خصصنا الحديث كالخبر بنفس قول المعصوم عليه السلام كما في دراية الشهيد الثاني (1) دون ما يحكيه كما هو صريح غيره.
والقيود الأخيرة للتعميم والإشارة إلى أنواع البحث فيه فإن من الرجال من يتشخص بهذا العلم ذاته خاصة ومنهم ذاته مع مدحه أو قدحه المراد بهما مطلقيهما لا خصوص العدالة والفسق ففاقد أحدهما قليل جدا لأن كونه من أصحابنا أو من أصحاب أحد المعصومين عليهم السلام داخل في وصف المدح وقل من لم يذكر هذا في حقه والتصريح بكونه مجهولا أو مهملا في كتب المتقدمين داخل في وصف القدح ولو بحسب الثمر ومع الغض عن كل ذلك فالجواب عن خروج غير الممدوح والضعيف الاجتهادي - أعنى المجهول والمهمل في تعبيراتهم - أنهما لندرتهما أو قلة الاعتناء بشأنهما كالمعدوم وأن الوضع لغرض لا يلازم ترتب الغرض في جميع المصاديق خصوصا إذا كان لمانع سابق أو لاحق.
ومنه يظهر أن الافتقار إلى زيادة قيد " ما في حكمهما " عطفا على الوصفين لإدخال ما ذكر من القسمين فإنما هو ما لم يؤخذ قيد الوضع كما زاده غير آخذه بل قد عرفت منع الافتقار مطلقا.
كما أن منه يظهر الجواب عن خروج المشترك بين الممدوحين أو المقدوحين أو المختلفين حيث لم يفد شئ من المميزات الآتية تميز بعضهم عن بعض ومن زعم - بعد ملاحظة التعريف المنتفى عنه قيد التشخيص - أن علم تميز المشتركات مغاير لعلم الرجال وأنه خارج بإضافة الأحوال إلى الرواة كما في التعريف الآخر إذ التميز ليس من أحوالهم فقد أخطأ كيف! وكل أسباب التميز أو
Página 30
جلها موجودة في كلماتهم.
مضافا إلى تعرضهم لتميز جملة من الرجال المختلف فيهم كمحمد بن إسماعيل المتكرر في طريق الكليني رحمه الله وأبى بصير ومحمد بن سنان وأضرابهم حتى صنف فيهم ما صنف.
وأيضا فتميز المشتركات للكاظمي وغيره معدود من أهم كتب الرجال كتعليقة المولى البهبهاني وقد أدخلهما صاحب منتهى المقال في كتابه على أن التميز كالاشتراك من الأحوال إلا أن يراد بها خصوص وصفي المدح والقدح. هذا وخرج بقيد " التشخيص " علم الدراية الباحث عن سند الحديث ومتنه وكيفية تحمله وآدابه إذ البحث عن السند ليس بعنوان تشخيص الرواة بل بالإشارة إلى بيان انقسام الحديث من جهة السند إلى الأقسام المعروفة الآتية فالمذكور فيه أن ما كان جميع رواته عدولا إماميين ضابطين فهو الصحيح عند المتأخرين وهكذا وليس فيه تشخيص حال راو أصلا.
بل التحقيق أنه خارج من التعريف الآتي أيضا وإن لم يكن بهذا الوضوح إذ لا يعرف منه أحوال الرواة إلا على الإجمال الذي لا يفيد إلا أن فيهم العدل الضابط وغيره ولو بملاحظة أن تقسيمهم لما هو الموجود لا بطريق الفرض والاحتراز عنه في الحقيقة بإضافة التشخيص إلى الرواة لا بنفسه وإلا فهو أيضا موضوع لتشخيص أقسام الخبر من حيث السند والمتن وغيرهما بل الأظهر أنه بالمضاف إليه إلا أن الاختصاص الحاصل به غير منفك عنه.
وإضافة الرواة إلى الحديث إما للجنس وهو الأظهر بالنظر إلى كلية العلوم وكلية موضوعاتها وتسمع أن موضوع الرجال هو الرواة أو للعهد الخارجي بالإشارة إلى المذكورين في أسانيد الأخبار وهو الأقرب بالنظر إلى قصر البحث فيه عن الجزئيات الخاصة ولا ضير فيه فإن اللغة كذلك.
والمراد بهم ما يشمل الأنثى وإن لم تدخل فيهم بالوضع للتغليب أو البحث عنها استطرادا ولقلتها ملحقة بالعدم وبه يندفع ما في التسمية بعلم الرجال.
Página 31
والصبي هنا كالأنثى فيهما مع أن البحث من جهة الرواية التي هي الأداء لا التحمل ووجود الصبى فيهم في هذا الحين غير معلوم مضافا إلى احتمال الوضع الثانوي الكافي فيه المناسبة في الجملة فلا إشكال أصلا.
والمراد ب " الحديث " ما ينتهى سلسلة سنده إلى النبي (ص) أو أحد المعصومين عليهم السلام، (1) وعند العامة إلى النبي أو الصحابة أو التابعين (2) وهذا هو الظاهر من إطلاقه أيضا فهو أولى من لفظ الخبر لفقد الظهور في إطلاقه وإن تساويا مع قطع النظر في أظهر الأقوال التي منها أعمية الخبر مما ذكر وبالعكس.
ولا افتقار إلى تقييده بالواحد لإخراج المتواتر ونحوه بل هو مخلى إذ البحث عن رواتهما أيضا وإن لم يحتج إليه بعد التواتر والاحتفاف بالعلمي من جهة روايتهم لذلك لا مطلقا.
هذا مع كفاية المعرفة في الجملة من نحو هذه التعاريف لأنها الواجبة في مقدمة كل علم كما فصل في محاله.
ومما بيناه ظهر حال التعريف الآخر له وهو أنه " العلم بأحوال رواة الخبر الواحد ذاتا ووصفا ومدحا وقدحا وما في حكمهما " مضافا إلى أن في جعل الذات من الأحوال ما ترى.
فالأولى معها إسقاط الأحوال كما أن الأولى التعريف بأنه " ما وضع لمعرفة الحديث المعتبر عن غيره ".
(موضوع علم الرجال)
ونقول في الثاني: إنه رواة الحديث فمع إرادة الجنس البحث عما يعرض لجزئياته ومصاديقه من الأوصاف المميزة لبعضها عن بعض والموجبة لاعتبار قول بعض وعدمه في آخر فلا يتوهم أن البحث عن ذوات الجميع أو الأكثرين ليس بحثا
Página 32
عن عوارض الموضوع ولا جزئياته إذ الغرض منه تميزها لا أعيانها كما هو واضح ويمكن على هذا جعل البحث عن عوارض نفس الموضوع بناء على جعل الجزئية والشخصية من عوارض الجنس فلا إشكال في البحث عن الذوات ولو من حيث الأعيان.
وأما مع إرادة العهد فالبحث عن عوارض الموضوع، ولا بد حينئذ من حمل البحث عن الذوات على ما ذكرناه وإلا لم يكن بحثا عن العوارض.
ومع ذلك يستشكل البحث عن أوصاف المدح والقدح بأنها من العوارض الغريبة، فإن لحوق العدالة والفسق - مثلا - للرواة إنما هو لأمر خارج يعمهم وغيرهم من أفراد الإنسان أو المكلفين منهم وهو خوف العقاب أو مطلق الذم واللوم وخلافه لا لذواتهم أو لأجزائهم أو أمر يساويهم حتى يكونا من الأعراض الذاتية وقد تقرر في محله أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية إلا أن يمنع ذلك عليهم بالبناء على أن الموضوع ما يبحث عن العوارض المقصودة مطلقا كيف! والبحث في كثير من العلوم عن العوارض الغريبة فيبحث في الأصول عن الدلالة وعدمها والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد إلى غير ذلك وموضوعه من الأدلة ما يعرض ما ذكر له ولغيره لأمر خارج هو الوضع ونحوه وفى الفقه عن الأحكام التكليفية وغيرها وعروضها لموضوعه - الذي هو فعل المكلف بواسطة أمر خارج أعم هو جعل الشارع وفى الطب عن كثير من أمراض تعم غير الإنسان والتزام الاستطراد بعيد.
أو يقال: ليس البحث في الرجال عن مطلق الأوصاف المزبورة بل الخاصة منها بالرواة وكذا في غيره مما ذكر وغيره.
ولا يخفى أنه لابد معه من التزام اختصاص واسطة ثبوتها أيضا بهم إذ المدار عليها والأول لا يغني عنه فإن عروض الخاص بواسطة العام واضح والالتزام الأخير مغن عن الأول هذا على طريقة القوم.
Página 33
فأما على طريقة شيخنا في الفصول (1) من تفسيره العرض الذاتي بما يعرض للشئ لذاته أي لا بواسطة في العروض سواء احتاج إلى واسطة في الثبوت ولو إلى مباين أعم أم لا - فلا إشكال لوضوح أن خوف الذم ونحوه من الواسطة في الثبوت لعدم عروض المدح والقدح له بل إنما يعرضان للرواة بواسطته فهو واسطة في الثبوت.
وجميع ما يذكر في الرجال من العوارض التي تثبت للرجال وكذا الأصول فإن ما يذكر فيه من عوارض الأدلة وإن عرض بعضه لغيرها واختص به بعضه كالحجية العارضة لذوات الأدلة فإنها الموضوع لا بوصف الدليلية مع المنع عن اختصاصها به، لعروضها للبينة ونحوها إلا أن يراد بها في استنباط الأحكام الكلية في الفروع.
وهكذا الكلام في الفقه والطب وغيرهما وتفصيل البحث في ذلك في محله فإن ما اختاره رحمه الله خلاف مقالة المشهور كما اعترف به (2) وقد وقع في نقله عنهم خلل من جهة أخرى فراجع وتأمل.
(فائدة علم الرجال)
الأمر الثالث مما يذكر في المقدمة هو بيان فائدته المحتاج إليها الفقيه وإن كان مطلقها غير موجب للاحتياج إلا بتكلف في الحاجة ولذا عبر كثير (3) في نحو المقام ببيان الحاجة لكن من المعلوم إرادة الفائدة الخاصة من مطلقها في المقام مع احتمال الإطلاق لمجرد الإشارة إلى عدم لغوية البحث والاشتغال.
وعلى كل حال فوجه الحاجة إلى هذا العلم أن استنباط الأحكام الواجب عينا أو كفاية موقوف - في أزماننا أو مطلقا - على النظر في الأحاديث لوضوح عدم كفاية غيرها وغناه عنها فلا بد من معرفة المعتبر منها الذي يجوز الاستنباط منه والعمل عليه حيث تعرف أن جميعها ليست كذلك، ولا ريب في حصول هذه المعرفة بالمراجعة
Página 34
إلى علم الرجال وهذا مما لا نزاع فيه لأنه حده وسمعت أنه موضوع لذلك وما يأتي في بعض شبهات الأخبارية فمع كونها على خلاف الإنصاف - كما تعرف - ليس مفادها إلا نفى حصول العلم منه ونحن لا ندعيه فلا توجب الخلاف وإنما الخلاف في حصر هذه المعرفة في الرجوع إليه.
وبه تظهر الحاجة والافتقار إليه وإلا فغيره مغن عنه إلا أن يقال: إنه لا ينافي الحاجة إليه فإنه أيضا مغن عن غيره فكل منهما من أفراد ما يحتاج إليه كما في التخيير إلا أن يقال غيره حاصل سابق في الوجود عليه وهو القطع بالصدور أو الشهادة كما تسمع فهو نظير التخيير بين الأقل والأكثر بل وأعظم لإمكان الانفكاك من الطرفين هناك بخلاف المقام فالمهم إثبات الحصر المزبور فنقول فيه:
إن المعروف المشهور بل الظاهر أنه مما لا خلاف فيه يعتد به بين المجتهدين فقد تسالموا على عده بخصوصه مما يتوقف عليه الاجتهاد في كتبهم الأصولية وبنوا عليه في كتبهم الفقهية وإجماعهم قوليا أو عمليا حجة للكشف المعتبر فيه.
وأما من نص على اختيار خلاف ذلك أو لزمه ذلك على اختلاف مشاربهم فهم جماعة:
منهم الحشوية (1) القائلون بحجية كل حديث إذ الجميع حينئذ معتبر.
نعم إن كان من مذهبهم التزام الترجيح عند التعارض بالعدالة والأعدلية ونحوهما دون التخيير أو الطرح أو الترجيح بغير ما ذكر مما يعرف بغير الرجال لزمهم القول بالافتقار حينئذ إن لم يبنوا على ما يأتي من غيرهم لكنه مع ذلك لا يخرجهم عن مخالفة المشهور القائلين بالافتقار في غير صورة التعارض أيضا.
ومنهم: المنكرون لحجية أخبار الآحاد بدعوى قطعية الأحكام بالكتاب والإجماع
Página 35
والأخبار المفيدة للعلم بتواتر أو استفاضة أو غير ذلك مما لا مدخل لعلم الرجال في حصوله كالسيد وابن إدريس وأضرابهما. (1) ومنهم: المدعون لقطعية الصدور في كتب الأخبار المتداولة بين أصحابنا أو خصوص الأربعة المعروفة منها بزعم استفادته من أمور تأتى إلى بعضها الإشارة، ومحصلها القطع بأخذ ما فيها عن الأصول الأربعمائة المعروفة في عصرهم عليهم السلام وعليه أكثر الأخبارية.
ومن هؤلاء من راعى بعض الإنصاف وتحرز عن هذا الجزاف لكن بنى على اعتبار جميع ما في الكتب الأربعة لشهادة مصنفيها الثقات بذلك فأخبارها وإن لم تكن قطعية الصدور إلا أنها قطعية الاعتبار فتوافقهم في الأخير.
ومن خلط بين الطريقتين فجمع في الحكاية بين الطائفتين فقد خبط واضحا إلا بالنسبة إلى من قال من الأولين بمقالة الآخرين بطريق التنزل.
ومنهم: المكلفون بتصحيح الغير مطلقا والمعلوم حصوله من أكثر العلماء في كتبهم الفقهية وغيرها وأما الاكتفاء به في حال الاضطرار لفقد كتب هذا الفن في سفر ونحوه - فليس على خلاف مذهب المشهور.
ومنهم - من الأخبارية في حكاية ومطلقا في أخرى (2) من فصل بين صورة التعارض وغيرها فاقتصر في نفى الافتقار على الأخير.
ويمكن تسبيع الأقوال المخالفة بالتفصيل بين صورة وجود الشهرة محققة أو محكية في خصوص بعض الأخبار المفيدة لبعض الأقوال أو اختصاص الراجحة منها بجانب وبين غيرها فيقتصر في الافتقار على الأخير.
ولعل عليه عمل بعض أو جماعة وإن لم أقف على من اختاره أو حكاه عن واحد.
فالواجب أو الأولى التكلم هنا في مقامين:
Página 36
أحدهما: في إثبات الافتقار في الجملة الذي به تتم أمور المقدمة سواء أوجبناها فيها أم لا وهذا في قبال منكري الحاجة على الإطلاق لوضوح ارتفاع السالبة الكلية بالموجبة الجزئية.
وثانيهما: في إثباته مطلقا بجعل الجزئية كلية في محل النزاع أعني في مقابل القول بالتفصيل لا مطلقا لوضوح أنه لا افتقار في الأخبار العلمية صدورا أو مفادا وهذا لا خلاف فيه.
ولنا على المقام الأول وجوه:
أحدها: الأصل وتقريره أن العمل بأخبار الآحاد لازم ولو لكونها من أسباب الظن بل أقواها للأدلة التي أقيمت عليه في الأصول فبطل قول السيد ومن تبعه.
ثم العمل بها والاستنباط منها بعد الرجوع إلى علم الرجال وتعيين المعتبر من الاخبار به في الجملة مما لا خلاف فيه بل الإجماع من الجميع واقع عليه.
وأما العمل بها والاستنباط منها بعد الرجوع إلى علم الرجال وتعيين المعتبر من الأخبار به في الجملة مما لا خلاف فيه بل الإجماع من الجميع واقع عليه.
وأما العمل بها قبل ذلك فهو محل الإشكال والخلاف.
ومقتضى الأصل عدم الجواز بمعنى عدم الاعتبار لوضوح أنه على خلاف الأصل، ويأتي ما في المخرج عنه فلا بد من الوقوف عليه.
وثانيها: أن العمل بالآحاد لا يفيد مطلقا أو غالبا إلا الظن وقد وقع النهى عنه في الكتاب والسنة بل عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء والثابت في الخروج عن عموم النهى بالنسبة إلى الآحاد إنما هو بعد الرجوع إلى الرجال في الجملة وأما قبله فلا.
ويأتي في تضعيف طريقة الأخباريين والمفصلين إن لم يفد القطع بذلك فلا أقل من حصول الظن ولا أقل من الشك والترديد فالإقدام على العمل في هذه الحالة من غير مراجعة قبيح مذموم عقلا ونقلا.
ورابعها: أن من المعلوم الوارد على طبقه أخبار مستفيضة أن في رواياتنا كانت جملة من الأخبار الموضوعة.
Página 37
ففي النبوي المعروف: " ستكثر بعدي القالة علي " (1).
وفى المروى عن الصادق عليه السلام: " أن لكل رجل منا رجلا يكذب عليه " (2) وفى الآخر عنه عليه السلام: " إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه " (3) وفى الآخر: " أن المغيرة بن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبى فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا ".
وعن يونس أنه قال " وافيت العراق فوجدت قطعة من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله عليهما السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم وعرضتها من بعد على أبى الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبى عبد الله عليه السلام وقال: إن أبا الخطاب كذب على أبى عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسون من هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ". (4) وفى جملة من الأخبار العلاجية: " أن ما خالف القرآن " وفى بعضها: " ما خالفه وخالف السنة أني ما قلته " وفى آخر: الأمر بضرب مخالفه وجه الدار. (5) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المضمار.
فنقول: إن إخراج الموضوعة عما في أيدينا من الأخبار غير معلوم، وادعاؤه - كما يأتي - غير مسموع فالعمل بالجميع من غير تميز الموضوع عن غيره بالمقدور قبيح بل منهي عنه بهذه الأخبار.
ومن هنا قال المحقق في المحكى عن المعتبر - بعد حكاية مذهب الحشوية -: " إنهم
Página 38
غفلوا عما تحته من التناقض " (1) يعنى أن العمل بما مر من الأخبار مع غيرها مطلقا موجب للتناقض لوضوح أن العمل بغيرها إنما يتم مع الإعراض عن هذه وإلا فهي تنهى عن العمل.
ثم إنك قد عرفت أنه لا خلاف في حصول التميز بالرجال وحصوله بغيره كليا غير ثابت بعد ما يأتي في تضعيف دعواه فلا بد من الرجوع إليه في امتثال النواهي المزبورة (مع أوامره العلم بها) (2).
خامسها: الأخبار العلاجية المشتملة على الرجوع عند التعارض إلى الأعدل والأورع والأفقه. (3) وهذه الصفات لا يعلم ثبوتها في الرواة إلا بملاحظة الرجال لفقد المعاشرة معهم وانتفاء الشهادة اللفظية عليها فيهم، فانحصر في الكتبية الموجودة في الرجال وإن لم نقل بكونها من باب الشهادة الشرعية.
والترجيح بالشهرة وموافقة القرآن ونحوهما مما لا مدخل للرجال فيه لا يغنى عن الأول وإلا لما أمر (4) بالجميع كيف! وهي أحد أسباب الترجيح ولا ترجيح لها على غيرها فتحمل الأخبار على تعيين كل في طائفة أو عند تعذر الآخر أو التخيير.
وليس الأمر هنا كما سبق في تخيير سبب معرفة المعتبر لعدم سبق أحد الأمرين على الآخر فالافتقار إلى الرجال في عرض الافتقار إلى الخارج فثبت الافتقار في الجملة إلا أنا بصدد الحصر ولو في الجملة.
فنقول: من المعلوم عدم جريان الترجيح الأخير في جميع الأخبار المتعارضة وحينئذ يتعين غيره كما يتعين كل مخبر عند تعذر غيره.
ولنكتف في هذا المقام بهذا المقدار لأن ما في المقام الثاني يدل على هذا المرام وزيادة وإن كان بعض الوجوه المزبورة بل جميعها - ولو بضم الإجماع المركب ممن
Página 39
يعتد بشأنه أو عدم القول بالفصل أو مقدمة أخرى مما يكتفى به في المقام الثاني.
فلنا على هذا المقام - أن الثاني - أيضا وجوه:
منها: ما مر بضم أحد الأخيرين إلى الأخير وغيرهما في غيره وهو أنه لا مخرج عن الأصل والعموم المتقدمين إلا مع الرجوع على الإطلاق لما يأتي في تضعيف ما ادعي الإخراج به وأن الحق بقاء التشكيك والترديد إلا مع الرجوع كذلك لما ذكر وأن احتمال الوضع قائم في أكثر الأخبار أو جميعها وإن ضعف في بعض لقرائن خارجية، فلا بد من الرجوع في الجميع.
ومنها: أن قول الفاسق مع العراء عن قرائن الصدق والجابر غير معتبر شرعا، والعمل به منهي عنه ومذموم كذلك بدليل الإجماع حتى من الأخبارية فإنهم يدعون عدم العراء عما ذكر ولازمه بل صريحه الموافقة مع العراء.
نعم هو من الحشوية ولا اعتناء بخلافهم خصوصا وفى اتفاق غيرهم كفاية ولبناء العقلاء وطريقة العلماء كما يعلم يتتبع أقوالهم وأحوالهم ومن اعتذار العامل به في مقام بدعوى ترجيح خارجي وللأصل والعموم السابقين والأخبار المفيدة بالمنطوق أو المفهوم على اعتبار الوثاقة فيمن يعتبر قوله شرعا ولمنطوق آية النبأ خصوصا بعد ملاحظة عموم التعليل فيها وحيث إن الفسق كالعدالة من الأمور النفس الأمرية الموضوع لها اللفظ من غير اعتبار أمر آخر من علم ونحوه مما هو من الطرق لا جزء موضوع اللفظ ولا ما يراد منه فالمنهي عنه هو قول المتصف بذلك في نفس الأمر لا في علمنا فمجهول الحال قبل الفحص أو بعده لا يعتبر قوله لاحتمال كونه فاسقا فلا بد في كل مقام يعمل من سد هذا الاحتمال ولو بطريق شرعي لا اطراد العمل إلا فيما ثبت فسقه كما قد تخيل.
ولا ريب في قيام هذا الاحتمال في أكثر الرواة قبل الرجوع إلى الرجال وفى توقف سده وكشف الحال بثبوت عدالتهم أو فسقهم على التأمل في أحوالهم المزبورة في علم الرجال.
ولا يتوهم أن مصير الأكثر إلى اعتبار الموثق بل الحسن بل الضعيف إذا اعتضد
Página 40
بقرائن الصدق مناف للحاجة إلى علم الرجال لعدم الحاجة حينئذ إلى التعديل وذلك لأن منشأ الحاجة ليس خصوص إثبات العدالة بل مطلق الوثاقة والمدح المعتبر وهما لا يعلمان إلا بالرجال نعم هو مناف لعموم أدلة المنع عن قبول قول الفاسق ومخصص له.
وإليه ينظر جوابهم بعد اشتراط العدالة في اعتبار الرواية - عن ايراد بمنافاته لاعتبار الموثق وغيره بأن المراد اعتباره بغير تبين وتثبيت لدلالة آية النبأ على عدم الاشتراط حينئذ، فهي المخصصة لما ذكر وأن الرجوع إلى ما قيل في حق الراوي الفاسق أو بالنسبة إلى روايته من التوثيق والمدح وغيرهما من المعاضدات نوع تثبت، لأنه أعم من القطع والظن والأخير حاصل بالرجوع.
وما يتوهم وروده على هذا - بأن لازمه توقف اعتبار قول العدل أيضا عليه إذ لا اعتبار به قبل معرفة عدالته والرجوع إلى تعديله تثبت كما ذكر والحاصل أن مع فقد هذا التثبت لا يعتبر قولهما معا ومعه يعتبر كل منهما معا فأين موضع الاشتراط؟ - فمندفع بأن الرجوع في التعديل لإحراز الشرط وفى غيره للتثبت وإن كان هذا لازم الحصول للأول أيضا ومع ذلك لا يخلو من نظر.
والأولى التزام التخصيص بأدلة اعتبار ما ذكر من عمل الطائفة كما ذكره الشيخ والمحقق وغيرهما وغير ذلك أو حمل الفسق على المخالفة في الفروع كما لعله الظاهر منه عند الإطلاق وكا مورد الآية وإن لم يوجب تخصيص العموم وهذا مقابل العدالة في المذهب وإن كان الظاهر من إطلاقها الإطلاق كما صرحوا بذلك فيها وفى التوثيق.
ولا يلزم هذا فساد من جهة التقابل بينهما لأنه بين المعنيين الأصليين دون ما ينصرف إليه الإطلاق فالتقابل بين مطلق أحدهما ومقيد الآخر كما لا يخفى.
ومنها: أن سيرة العلماء قديما وحديثا على تدوين كتب الرجال وتنقيحها وتحصيلها بالاشتراء والاستكتاب وعلى مطالعتها والرجوع إليها في معرفة أحوال الرواة والعمل بها في الاعتداد برجال والطعن في آخرين والتوقف في طائفة ثالثة،
Página 41
حتى أن كثيرا منهم كانت له مهارة في هذا العلم كالصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم من مشايخ الحديث بل ربما أمكن أن يقال: اهتمام المتقدمين فيه كان أزيد من المتأخرين وأي عاقل يرضى بكون ذلك كله لغوا مكروها أو حراما " فليس إلا للافتقار إليه بل ربما يظهر من عدم ارتكابهم مثل ما ذكر بالنسبة إلى سائر ما يتوقف عليه الفقه أن الافتقار إليه أشد وأعظم ولعله كذلك بعد سهولة أكثر ذلك في حقهم وفى زمانهم دون الرجال كيف! وبه يعرف ما بها لحجة في حقهم عن غيرها ومنه يحصل الاطمئنان أو الظن المستقر بما استفيد من الأحكام عن الأخبار.
وحيث إن المفصل في الافتقار النافي له على الإطلاق شاذ نادر بل غير معلوم القائل ظهر أن الافتقار على الإطلاق.
وبتقرير آخر أن ما سمعت منهم خصوصا بعد ملاحظة ما في كتب الأصول من الاتفاق على اشتراطه في الاجتهاد يكشف قطعيا عن بنائهم على الافتقار إليه واشتراطه في الاستنباط وعن رضا المعصوم عليه السلام بذلك وهل ينقص هذا من الإجماعات المتكررة في كلماتهم؟ فأما مخالفة من مر فلا تقدح فيه لوضوح فساد شبهاتهم كما يأتي ولسبقهم بالإجماع والسيرة ولحوقهم عنه.
ومنها: أن سيرة الرواة والمحدثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى تأليف الثلاثة المتأخرة - الوافي والوسائل والبحار - على الالتزام بذكر جميع رجال الأسانيد، حتى أن أحدا لو أسقطهم أو بعضهم في مقام أشار إليهم في مقام آخر كما في الفقيه والتهذيبين مع التصريح بأنه للتحرز عن لزوم الإرسال والقطع والرفع المنافية للاعتبار ومن المعلوم أن ذلك كله لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم ويجتهد في أحوالهم على حسب مقدوره فيميز الموثوق به الجائز أخذ الرواية منه عن غيره وإلا لزم اللغوية فيعلم الافتقار والكشف عن الاشتراط كما في ثاني تقريري الوجه السابق فلو كان بناؤهم على اعتبار ما فيها من غير ملاحظة أحوال الرواة للأخذ من الأصول الأربعمائة أو غيره من قرائن الاعتبار أو القطع بالصدور لكان تطويل الكتب بذكر الجميع لغوا مكروها أو محرما وقد مر بطلان نفي الافتقار في الجملة فثبت الافتقار المطلق.
Página 42
ويؤيد هذا التزام من تأخر بالرجوع إلى الرجال وتوصيف بعض الأخبار بالصحة والوثوق والاعتبار وتضعيف بعض آخر وعدم اكتفاء بعضهم بتوصيف غيره وإن كان أعرف منه بالرجال بل الخلاف بينهم في كثير من التصحيحات والتضعيفات واضح معلوم للمراجع إلى كتبهم.
وكون الصحة عند القدماء أعم مطلقا أو من وجه من الصحة عند المتأخرين لا ينافي ما سمعت وإنما ينافيه لو ثبت أن أسباب الصحة عندهم مأخوذة من غير الرجال ولم يثبت بل الثابت بملاحظة ما أشرنا إليه خلافه.
نعم أخذ البعض من غيره هو الظاهر منهم ولا يقدح في إطلاق الافتقار إذ الظاهر أن مرادهم بالصحيح هو المعمول به وهو أعم من الصحيح عند المتأخرين أيضا فكما أن عموم العمل عندهم غير قادح في إطلاق الافتقار إلى الرجال فكذا عموم الصحة عند القدماء والاختلاف في التسمية.
وفى الوجوه المزبورة كفاية عن غيرها خصوصا في هذا المختصر وأن المسألة مفصلة في الأصول.
ولكن لا بأس بالإشارة إلى بعض شبهات الخصم التي أخذوها أدلة وبراهين مع الإشارة إلى بعض ما فيها وإنما نتعرض لشبهات الأخبارية والمفصل بين صورة التعارض وغيرها وبين وجود الشهرة الراجحة المعتبرة في المسألة وعدمه والمكتفي بتصحيح الغير لأنها في مقام ولا نتعرض لشبهات الحشوية ومنكري اعتبار أخبار الآحاد لأنها في مقام حجية الآحاد وهي مسألة طويلة الذيل من مسائل الأصول لا من مسائل المقام مع أن الظاهر انقطاع القولين في أزماننا إذ لم نظفر على قائل بأحدهما.
مضافا إلى أن نفي الطائفة الأولى لإطلاق الافتقار غير معلوم كما أشرنا إليه وكذا أصل نفيه من الثانية لاحتمال جعلهم الرجال من أسباب العلم الواجبة بوجوبها ولعله الظاهر لتعرضهم لأحوال كثير من الرواة بالمدح والقدح عند الاستدلال بأخبارهم في كتبهم الفقهية وغيرها، مع أن رئيسهم - وهو المرتضى - صرح في
Página 43
الفهرست بأنه جامع للعلوم كلها ومنها الرجال والحديث والدراية (1) ومن بعيد عدم اعتنائه بما ذكروه فيها.
ويظهر مما ذكر أن نفيه من الأخبارية أيضا غير معلوم إلا من بعضهم المصرح بذلك وإلا فمجرد دعوى قطعية أخبار الكتب الأربعة أو مع إضافة بعض آخر أو مطلقا لا تنافى الافتقار إلى الرجال لاحتمال أو ظهور استفادتهم القطع من الرجال أو من أسباب هو من جملتها كيف! ويأتي منهم ما يفيد ذلك كقولهم إن الراوي إذا كان ثقة لم يرض بالافتراء ولا بخبر لم يكن بينا واضحا عنده وإن كان فاسد المذهب يفيد نقله القطع بالصحة والصدور وقولهم: " إن بعض الرواة ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فصحة رواياته إجماعية " إلى على ذلك.
ولعل هذه الدعوى إنما صدرت لدفع ما أورده المجتهدون على إيرادهم عليهم في استعمالهم الظن كما نطق به حد الاجتهاد المذموم في بعض الأخبار بأنكم لا تسلمون عن استعمال الظن لأن أخبار الآحاد كلها ظنية السند والدلالة فالتزموا بقطعية السند بل الدلالة.
(شبهات الأخباريين في الاستغناء عن علم الرجال)
وكيف كان فلهم شبهات عديدة مذكورة في كتب الأصول واحتمال ذكر بعضها من قبلهم وإن لم يذكروه أو بإرادة فرض ذكرهم له ليس بذلك البعيد.
فمنها أن علم الرجال علم منكر يجب التحرز عنه لأن فيه تفضيح الناس وقد نهينا عن التجسس عن معايبهم وأمرنا بالغض والتستر.
ومنها: أن بعض أهل هذا العلم - الذي قد بنوا على أقوالهم في الجرح والتعديل -
Página 44
كانوا فاسدين العقيدة وإن لم يكونوا فساقا بالجوارح.
مثل: ابن عقدة وكان زيديا جاروديا مات عليه بنص النجاشي (1) والشيخ (2) وفى الخلاصة: " كان زيديا " (3) ومثل: علي بن الحسن بن علي بن فضال وكان فطحيا بتصريح الشيخ والنجاشي (4) وصرح في الخلاصة بفساد مذهبه (5).
ومع ذلك قال في التعليقة - في بيان حاله أن الطائفة عملت بما رواه بنو فضال -:
" وكثيرا ما يعتمدون على قوله في الرجال، ويستندون إليه في معرفة حالهم من الجرح والتعديل " (6).
بل غير خفى أنه أعرف بهم من غيره بل من جميع علماء الرجال فإنك إذا تتبعت وجدت المشايخ في الأكثر بل كاد أن يكون الكل يستندون إلى قوله ويسألونه ويعتمدون عليه.
ومنها: أن الاختلاف في معنى العدالة والفسق معلوم وكذا في قبول الشهادة على أحدهما من غير ذكر السبب فلا يعلم من إطلاقهم ما هو المختار عندنا حتى نعول عليه لو لم يعلم خلافه فإن مختار الشيخ أن العدالة ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق (7) وكثير من التعديلات منه بل على ظاهر دعوى الشيخ أنه المشهور فيكون مذهب من عداه أيضا والمتأخرون لا يكتفون بذلك فكيف يعتمدون على تعديله بل تعديل غيره!؟
ومنها: أن الصحة عند المتأخرين لابد فيها من ثبوت العدالة والضبط والإمامية في
Página 45
جميع سلسلة السند وقلما يتعرض في الرجال لجميع ما ذكر وهم يكتفون فيها بقولهم: " إن فلانا ثقة " أو: " من وجوه أصحابنا " أو: " كبارهم " ونحو ذلك.
ولا دلالة في شئ مما ذكر على ما ذكروه حتى لفظ " الثقة " فإن غاية مفادها العدالة وأما " الضبط " لا سيما " الإمامية " فلا، لا سيما إذا كان في كلام غير الإمامي كمن مر، خصوصا حيث كان في كلام الإمامي جرحه مع أن كثيرا ما يقال في حقه أيضا من الموثق أو غيره إنه واقفي أو فطحي ونحو ذلك وهذا ينافي كون مفادها ما ذكر.
وبالجملة فهم يكتفون في الصحة بأمور لا دلالة لها عليها بشئ من الدلالات على ما يأتي الكلام فيه في بعض ألفاظهم.
ودعوى النقل في جميع ذلك إلى ما استفادوه منها مجازفة أو لا شاهد عليه أصلا ومنها أن أكثر أسامي الرجال مشتركة بين عدل أو ممدوح وغيره وأكثر أسباب التميز لا تفيد إلا أقل مراتب الظن المنهي عن العمل به عقلا ونقلا كتابا وسنة وإجماعا وكيف يجوز القول باعتبار مثل هذا الظن دون ما يحصل من الشواهد الآتية في اعتبار أخبار الكتب المعتبرة من القطع أو الظن القوي القريب إليه!؟.
ومنها: أن كثيرا من تعديلاتهم وتضعيفاتهم مبني على ترجيحهم واجتهادهم ولا يجوز لمجتهد البناء على اجتهاد غيره وما ليس من ذلك فهو شهادة كتبية لم يعلم إيقاعها منهم باللفظ ومما أجمع أصحابنا عليه وورد به بعض الروايات أنه لا عبرة بالكتاب.
وأيضا فالأغلب أنها من شهادة الفرع بل فرع الفرع وهكذا.
ولا خلاف في عدم اعتبار غير الأولى مطلقا ومورد اعتبار الأولى الأموال وحقوق المخلوق دون غيرها وفى كونها على مدح الرواة وقدحها منها تأمل بل منع مضافا إلى أن المعتبر حينئذ اثنان والمعروف الاكتفاء بالواحد.
ومنها أن من تأمل المنتفى وغيره - من كتب الماهرين في معرفة الطبقات - يعرف أن جملة من الروايات - لا سيما (ما) في كتب الشيخ رحمه الله - مرسلة بالمعنى الأعم، لسقوط راو أو اثنين وغير العارف بالطبقة يظن الاتصال ويصحح السند مع وثاقة
Página 46
الموجودين وليس كذلك.
وكذا يعلم أن في كثير من الأسانيد وقع غلط واشتباه في أسامي الرجال أو آبائهم أو كناهم أو ألقابهم وكذا وقع في كثير كلمة المجاورة بين شخصين، وحقه العطف، فمع ضعف أحدهما يضعف الخبر أو العكس فبالعكس، وكلاهما من الخطأ، وقد تكون مصحفة من كلمة " ابن " فيشتبه الراوي ويضعف بالوالد، ولا دخل له بالسند إلى غير ذلك.
وأيضا قيل: إن كثيرا مما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم العجلي أخذه من كتابه، وهو أيضا أخذه من كتب جماعة فينقل عنهم من غير ذكر الوسائط اتكالا على ذكرها في أول كتابه فينقل الشيخ عن موسى من أحد الجماعة من غير إشارة إلى الواسطة فيظن الاتصال مع أن الواقع الإرسال وجميع ذلك محتمل في جميع الموارد من الشيخ ومن غيره ومما يخص روايته عن الكافي أنه قد يترك أول السند اعتمادا على ذكره قبله وربما غفل عنه الشيخ فروى بإسقاط أول السند بزعم الاتصال ولا يخفى بأن مفاد هذه الوجوه إنما هو عدم العبرة بالرجال ولازمه نفى الافتقار المحوج للبحث عنه لتوقفه على اعتبار المفتقر إليه فأما أن المرجع والمعول عليه حينئذ ماذا؟ فلا يعلم منها وإنما يعلم من وجوه اخر حكاها كلام أو بعضا المحدث البحراني على ما قيل عن أمينهم الاسترآبادي أنه قال: إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن الأئمة عليهم السلام فلا حاجة إلى ملاحظة أسانيدها (1).
أما الكبرى فظاهرة.
وأما الصغرى فلأن أحاديثنا محفوفة بقرائن مفيدة لذلك:
منها: القرائن الحالية والمقالية في متونها واعتضاد بعضها ببعض وكون الراوي ثقة في نفسه أو في الرواية غير راض بالافتراء ولا متسامح في أمر الدين فيأخذ الرواية من غير الثقة أو مع فقد قرينة الاعتبار.
Página 47