وإذا تفشى وباء الفساد تداعت الأخلاق الفاضلة إلى سقوط، ونضب ماء الحياء من الوجوه، ووهنت رابطة الاتحاد في القلوب، وتضاءلت الهمم عن معالي الأمور، وقلت الرغبة في الآداب والعلوم.
وما عاقبة الأمة المصابة بالذل والإحجام، والجهل والتفرق، وقلة الإنفاق في سبيل البر إلا الدمار.
ولا يحسب الذين ينقطعون عن إرشاد الضالين ووعظ المسرفين أن إقبالهم على شأنهم، واقتصارهم في العمل الصالح على أنفسهم يجعلهم في منجاة من سوء المنقلب الذي ينقلب إليه الفاسقون.
فالذي جرت به سنة الله في الأمم أن وباء الظلم والفسوق إذا ضرب في أرض، وظهر في أكثر نواحيها_لا تنزل عقوبته بديار الظالمين أو الفاسقين خاصة، بل تتعداها إلى ما حولها، وترمي بشرر يلفح وجوه جيرانهم الذين تخلوا عن نصيحتهم، ولم يأخذوا على أيديهم.
قال_تعالى_: [واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة]الأنفال:25.
وجاء في صحيح مسلم عن زينب بنت جحش÷ا_قالت: قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟
قال: =نعم؛ إذا كثر الخبث+(108).
ومن البلية في سكوت أهل العلم أن العامة يتخذونه حجة على إباحة الأشياء أو استحسانها؛ فإذا نهيتهم عن بدعة سيئة، وسقت إليهم الدليل على قبحها ومخالفتها لما شرع الله_كان جوابهم أنهم فعلوها بمرأى أو مسمع من فلان من أهل العلم ولم يعترض فعلهم بإنكار!.
ومن أثر التهاون بالإرشاد أن يتمادى المفسدون في لهوهم، ولا يقفوا في اتباع شهواتهم عند غاية؛ فتقع أعين الناس على هذه المناكر كثيرا، فتألفها قلوبهم، حتى لا يكادوا يشعرون بقبح منظرها، أو يتفكروا في سوء عاقبتها.
ومن أثر هذا أن يقبل عليهم الحق بنوره الساطع ووجهه الجميل، فتجفل منه طباعهم، وتجفوه أذواقهم لأول ما يشرف عليها(109).
Página 47