La Penitencia es la Tarea de una Vida
التوبة وظيفة العمر
Géneros
وبالجملة فإن تقوى الله_عز وجل_والإقبال عليه بالكلية_هو أصل السعادة، وسرها، وكل سعادة بدون ذلك فهي مبتورة أو وهمية، وإن اجتمعت حولها أسباب السعادة الأخرى؛ فالسعادة ينبوع يتفجر من القلب لا غيث يهطل من السماء، والنفس الكريمة الراضية التقية الطاهرة من أدران الرذائل وأقذارها سعيدة حيثما حلت، وأنى وجدت: في القصر وفي الكوخ، في المدينة وفي القرية، في الأنس وفي الوحشة، في المجتمع وفي العزلة، بين القصور والدور وبين الآكام والصخور؛ فمن أراد السعادة الحقة فلا يسأل عنها المال والحسب، والفضة والذهب، والقصور والبساتين، والأرواح والرياحين.
بل يسأل عنها نفسه التي بين جنبيه؛ فهي ينبوع سعادته وهنائه إن شاء، ومصدر شقائه وبلائه إن أراد [قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها] الشمس: 9_10.
وما هذه الابتسامات التي ترى متلألأة من أفواه الفقراء والمساكين، والمحزونين والمتألمين؛ لأنهم سعداء في عيشهم، بل لأنهم سعداء في أنفسهم.
وما هذه الزفرات التي تسمع متصاعدة من صدور الأغنياء والأثرياء وأصحاب العظمة والجاه؛ لأنهم أشقياء في عيشهم، بل لأنهم أشقياء في أنفسهم.
وما كدر صفاء هذه النفوس، وأزعج سكونها وقرارها، وسلبها راحتها وهناءها_مثل البعد عن الله_عز وجل_.
ولا أنار صفحتها، ولا جلى ظلمتها، ولا كشف غماءها كالإقبال على الله_تبارك وتعالى_(440).
فمن أراد السعادة العظمى فليقبل على ربه بكليته، حبا، وذكرا، وإنابة، وخوفا، ورجاء، ونحو ذلك من سائر العبوديات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية+(441).
وقال×: =فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه، ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله_سبحانه_.
ومن عبد غير الله_وإن أحبه، وحصل به مودة في الحياة الدنيا ونوع من اللذة_فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل الطعام المسموم+(442).
Página 160