Continuación de la Exposición en la Historia de los Afganos
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
Géneros
وفي تلك الأوقات تحركت عزيمة شاه زمان الأعمى، الذي كان موقرا عند العلماء والأمراء للسفر إلى بلخ قاصدا زيارة قبر هناك مشهور بأنه قبر سيدنا علي - رضي الله عنه - فبلغها، وسافر منها إلى بخارى، فقابله أميرها «مير حيدر» بالتعظيم والإجلال، وتزوج بابنة الشاه، ثم سافر من بخارى إلى طهران، فأكرمه فتح علي شاه مزيد الإكرام، وزوده ثم شخص إلى بغداد، وكان واليها إذ ذاك داود باشا المشهور، ومنها قصد الحج، فمات في الأقطار الحجازية.
وفي خلال تلك الحوادث سنة 1222 من الهجرة أزمع حاجي فيروز الدين الذي كان واليا في هرات من طرف أخيه محمود أن يفتح خراسان معتمدا على همة «صوفي الإسلام» البخاري الذي هو من الصوفية الجهرية، وقد كان ترك بلاده خوفا من «بيك بان الأزبك» وكان أيضا يزعم أن الوحي ينزل عليه وأنه يقدر على خرق العادات طامعا أن يرتقي بأنفاسه الباطنية إلى عرش السلطنة، فجهز خمسين ألفا من قبائل هرات وقندهار واندخود وكندز وميمنة وفارياب، وسار بها إلى قلعة شكيبان، فلما أحس بذلك نائب خراسان محمد خان فاجار جهز جيشا لمقابلته، فلما تقابل الجيشان على بعد سبعة فراسخ من هرات اشتعلت نيران الحرب بينهما، حتى فني كثير من الحزبين، وقتل صوفي الإسلام المذكور، وكان في قلب المعسكر داخل هودج مزركش ومحاطا بثلاثمائة وستة وستين من خلص أتباعه بعدما قتلوا جميعا، فعند ذلك تقهقرت عساكر فيروز الدين إلى هرات، وأما عساكر محمد خان، فقد أحرقوا جثة صوفي الإسلام، وأرسلوا جلدة رأسه بعد سلخها، وحشوها تبنا إلى فتح علي شاه. «هذا جزاء من أوقع الفتنة بين طائفتين من المسلمين حتى سفك بعضهم دم بعض، حيث غرهم وأوهمهم بمشيخته وتمويهاته وادعائه الكاذب أنه ممن ينتهي إليهم زمام التصرف في عالم الكائنات، بما ينطوي عليه من القوة الإلهية والأسرار الربانية.»
وبعد انهزام فيروز الدين اضطر إلى أن يرسل إلى الشاه هدايا فاخرة، استمالة لقلبه واتقاء لضرره، بكف عساكره عنه، وقد تعهد أيضا أن يقدم إلى سدة الشاه كل سنة جزءا وافرا من الخراج، وكان فيروز بعد هذه المصالحة مع الإيرانيين بين إقدام وإحجام، ومحاربة ومصالحة، وتسنن وتشيع، إلى أن اشتدت المنافسة بينه وبين حسن علي ميرزا بن فتح علي شاه والي خراسان، وخاف من إغارته على بلاده فأرسل سفيرا إلى أخيه شاه محمود يستمد منه، فعد محمود ذلك وسيلة للاستيلاء على مدينة هرات فأرسل وزيره فتح محمد خان بجيش جرار، ولما وصل إلى المدينة استوحش منه فيروز ولم يسمح بدخوله فيها، بل أمره أن يتوجه لأخذ غوريان من يد الإيرانيين، إلا أن فتح محمد خان كان مأمورا من طرف سيده بدخول مدينة هرات فلم ير بدا من إعمال الحيلة لأخذها، فأرسل إلى فيروز يطلب منه القدوم إلى المعسكر ليستشيره، فلما خرج إليه قبض عليه وأرسله مع أهله أسيرا إلى قندهار ودخل المدينة وأقام بها، وجهز أخاه كهندل خان لتسخير غوريان، ونشر مكاتيب في بلاد خراسان يدعو بها رؤساء القبائل للاتحاد معه على محاربة الإيرانيين.
ولما سمع بذلك حسن علي ميرزا أرسل جيشا لمحافظة تلك البلدة، ولما حصل التقاوم بين المدافعين والمهاجمين جهز فتح خان جيشا كبيرا من أهالي قندهار وهرات وبلوجستان وسجستان وقبائل جمشيدي وهزاره وفيروز كوهي، وسار به مصحوبا بالمدافع والزنبورك لتسخيرها وسائر بلاد خراسان الباقية تحت سلطة الإيرانيين، وعند وصوله إلى كوسيه بلغه أن حسن علي ميرزا وصل بعساكره إلى «كافر قلعة» لمقاومته، وكان بينهما إذ ذاك فرسخان، فأرسل إليه سفيرا يطلب منه تسليم غوريان، ويهدده بالحرب قائلا: «من ذا الذي يدري عاقبة الحرب أهي لك أو عليك؟ وربما أوقعك كبرك واشمئزازك الناشئان عن رؤيتك نفسك ابن سلطان في أمر يوجب تزلزل سلطنة أبيك.» فأجاب حسن علي ميرزا على لسان سفيره: «بأن سيدك محمودا المتربي بنعمة الشاه لا يليق به أن يتكلم بمثل هذا الكلام، فضلا عن خائن مثلك قد حارب ساداته السدوزائية.»
فلما رجع السفير خائبا ساق فتح خان عساكره إلى كافر قلعة، ووقعت بين العسكرين محاربة مهولة، قتل فيها جم غفير من الفريقين، حتى إذا كاد أن ينهزم العساكر الإيرانيون أصيب فتح خان برصاصة في فمه، فتقهقر إلى هرات، فاضطرب شاه محمود وولده كامران اللذان كانا وقتئذ في المدينة، فأرسل ملا شمس مفتي هرات وخان ملا خان «أي شيخ الإسلام» إلى فتح علي شاه ليخبراه أن هذه الجراءة من فتح خان، ولم تكن بعلم من محمود، وليستعطفا قلبه إليه، ولما اطلع الشاه على فحوى السفارة خاطب السفراء قائلا: «إني لا أرضى من شاه محمود إلا أن يبعث إلي فتح خان أو يسمل عينيه.» ولما أحاط كمران بذلك علما حمله الجبن وضعف النفس وقلة العقل على سمل عيني هذا البطل الشجاع الذي أقعد أباه على كرسي السلطنة وحبسه مع أخيه «شيردل خان » وفر «دل خان» أخوه الثاني من هرات إلى قرية «نادر علي» وتحزب مع جماعة من الغلجائي على كامران ليخلص أخويه، وعند سماع كامران هذا التحزب أمر بإطلاقهما، جبنا منه وضعفا.
ولما شاع خبر سمل عيني فتح خان ووصل إلى مسامع أخيه الثالث الشديد البأس «عظيم خان» والي كشمير، أرسل اثنين من إخوته، وهما «دوست محمد خان» و«يار محمد خان» إلى بيشاور لطلب شاه زاده أيوب أخي محمود ليقلداه السلطنة، وقعد فعلا، وناديا باسمه، ودخلا في حدود «جلال آباد» وهجم دوست محمد خان على كابل، وافتتحها، وأرسل أيضا أخاه محمد زمام خان لطلب شاه شجاع الذي كان مقيما في البلاد الهندية التي كانت تحت سلطة الإنجليز، فجاء شاه شجاع المذكور وحارب «سمندر خان» والي دره وغلبه.
وبالجملة فقد قام إخوة فتح خان الذين يبلغ عددهم عشرين رجلا، واتحد كل واحد منهم بواحد من أبناء تيمور شاه الذين يبلغ عددهم اثنين وثلاثين رجلا، وداروا بهم في البلاد الأفغانية شرقا وغربا، وقلعوا أساس ملك محمود ولم يبق في يده سوى قندهار وهرات، ثم انتزعوا الملك من أبناء تيمور، واستقل كل واحد في ولاية من ولايات أفغانستان، كل ذلك أخذا بثأر عيني أخيهم.
ثم بعد زمن قليل استولوا على قندهار ونزعوها من يد محمود أيضا فانحصرت سلطة محمود على هرات ونواحيها، وفي سنة 1241 ساء ظن محمود بابنه وتفرس منه العصيان وخاف منه أن يقبض عليه فخرج من هرات، وجمع بعضا من قبائل «فره» وتوجه لمحاربته، فاضطر ابنه للالتجاء بحسن علي ميرزا، والاستغاثة به، فأغاثه فغلب أباه وهزمه، وأعد كامران - أي الابن المذكور - بعد هذه الواقعة مأدبة فاخرة في هرات دعا إليها حسن علي ميرزا وسلمه مفاتيح خزائنه.
وفي أثناء هذه الفتن استفحل أمر رنجيت سنك الوثني الذي سبق ذكره حتى استولى على ولاية كشمير على غيبة من محمد عظيم خان واليها، حيث ذهب إلى كابل لزيارة أخيه دوست محمد خان، وفي سنة 1245 أرسل كامران سفيرا إلى الشاه ليستعين به على أبيه محمود ثانيا ، فصادف وصول السفير إلى إيران وفاة أبيه بمرض الوباء، وتلاقى هذا السفير مع فيروز الدين الذي ذكرنا أنه حبس في قندهار، وكان قد هرب منها إلى إيران في فتنة فتح خان، فاتفق معه على خلع كامران وإجلاسه على كرسي هرات، وأغراه بأن يستعين بالشاه على ذلك، وبعدما أبرما أمرهما، وجهزا بعضا من الجيوش، وقفلا إلى هرات، وقعت في أثناء الطريق منازعة بين خدم فيروز وبعض الإيرانيين فخرج لمساعدة خدمه فقتله الإيرانيون على غير علم منهم.
وفي سنة 1248 عزم عباس ميرزا على أن يفتح هرات فأرسل ابنه محمد ميرزا مع عسكر جرار إليها، ووقعت محاربات شديدة آلت إلى محاصرتها، وكان سفير الإنجليز «مستر كميل» وقتئذ قد سعى سعيا بليغا لمنع هذه المحاربة، ولكن خاب مسعاه، وبينما كان محمد ميرزا محاصرا لتلك المدينة إذ بلغه موت أبيه، فرأى من المصلحة أن يطلب المصالحة مع كامران، فوقع هذا الطلب عند كامران موقع القبول، وحول أمر المصالحة على وزيره «يار محمد» الذي كان إذ ذاك محبوسا عند الإيرانيين في مشهد، فعقدت المصالحة على أن تضرب السكة في هرات باسم فتح علي شاه، وأن يدفع له كامران في كل سنة خمسة عشر ألف تومان.
Página desconocida