El Efecto Loto
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Géneros
في كون العالم براون
حبست فاندا أنفاسها، لقد تجرأت بونتي حقا وحولت المكالمة عليها. تصاعد الدم الساخن إلى رأسها، ولوهلة أغوتها فكرة أن تقطع الاتصال. إن ضغطة خفيفة على علامة «الشباك» التي على الهاتف كفيلة بذلك. لتكن بالصدفة. إزعاج. ترددت. أكيد ستخبر بونتي الرئيس بذلك. سحبت فاندا سبابتها.
سألت بتردد: «مرحبا؟» «فيلفريد جانتر. جريدة ميتيل هيسسيشه ناخريشتن. صباح الخير.» «فاندا فالس ...» لم تكمل أكثر من ذلك. «لست العالمة المخولة بالحديث، مشغولة جدا، وغالبا ما ستضطرين للعودة للمعمل بعد قليل لأن المكبس سيسخن أكثر من اللازم؟» «ليس تماما، لكن واحدا من دواليب الحضانات يطلق صفير الإنذار، وعلي أن أنقذ مزارع الخلايا قبل أن ينفد منها الهواء.» اندهشت من البساطة التي خرجت منها الكذبة من بين شفتيها . «إنقاذ المزارع؟ لا بأس. ما رأيك لو ألقينا نظرة على الصين؟» «ملف التبت يتولاه زميل آخر ... هلا انتظرت قليلا إلى أن ...» «لا تتعبي نفسك»، قاطعها ثانية، لمحت ظل ابتسامة في كلامه، وبدا الحديث لها مسليا. أكمل كلامه بود: «السيدة الدكتورة فالس، لا أريد أن أعطلك كثيرا. أحتاج فقط لبعض المعلومات حتى أستطيع أن أفهم أفضل ... لقد انطلقت سحابة من جزيئات النانو في الصين. ما مخاطر ذلك علينا؟» «بالتأكيد ليس سيناريو من سيناريوهات ميشائيل كريشتن إن كان هذا ما تعني. إن سحابة جزيئات النانو تتحلل ذاتيا بسرعة. أما الجزيئات الدقيقة جدا فتظل ارتكاسية إلى حد بعيد بسبب سطحها الكبير نسبيا.» «ولا يبقى منها شيء معلق في الهواء؟» «جزيئات النانو التي تنطلق بفعل الانفجار تلتصق ببعضها البعض مشكلة تجمعا يمكن أن يترسب في النهاية في أي مكان. إنها لا تكون أسرابا طائرة مثل النانوبوتس التي كتب عنها كريشتون في روايته وأطلقها في صحراء نيفادا.» «وكيف تستطيعين أن تكوني متأكدة هكذا؟» «ببساطة لأن هذه العملية لا تنجح على هذه الصورة. الجزيئات أصغر من أن تتمكن من الطيران. إن أصغر حشرة معروفة لنا تستطيع الطيران هي ذبابة النمس. إن طولها لا يصل حتى إلى 200 ميكرومتر، وهذا يشبه رأس دبوس الخياطة مقسوما على عشرة أقسام. ما دون ذلك لا يمكنه الطيران. يصبح غير عملي. جزيئات السخام والغبار التي تنشأ عن حريق أو انفجار لا تتحرك إلا من خلال خاصية الانتشار، وبهذه الطريقة في الحركة لا تتمكن من السير بعيدا.»
سمعت فاندا أزيزا خفيفا على الجانب الآخر من الخط. فرغم صمته، كانت فاندا تستشعر نفاد صبره وهو يحاول أن يصنف المعلومات حسب قيمتها في السوق.
قال وهو يمط كلامه: «إما أن توقظي اهتمام الناس ببعض الأكاذيب، أو تصيبيهم بالملل بسرد الحقائق ... ومن الممكن الجدل حول أي الأمرين أفضل.» توقف قليلا ثم قال: «الحقيقة ممكن أن تكون مملة بشكل يفوق الوصف، ألا تتفقين معي؟» «حضرتك صحفي. إن كان لا يعنيك كشف الحقيقة، فمن يعنى إذن؟» سألت فاندا نفسها عن حقيقة ما تفعل. إن جانتر هو الصحفي الخاص ببلاط جلالة شتورم، وليس بعيدا أن يلتقيا مرة كل شهر يدخنان معا في النادي. «أنت عالمة؟» «طبعا، ولهذا السبب أتمسك دائما بالحقائق، وهي مختلفة عما تعتقد. من السذاجة أن تعتقد أن الأشياء من الممكن التقليل من حجمها، ثم يسير كل شيء بنجاح وكأنه عادي. الغواصات دقيقة الحجم، أو الجراحات دقيقة الحجم، كلها ألعاب من صنع الخيال الإنساني ... وهي لا يمكن أن تتواجد في العالم على صورتها تلك تماما، كما لا يمكن أن تتواجد ... حسنا ... لنقل ... العماليق التي تنسج حولها الخرافات.» «لكن الخيال قد يصنع حقائق.» «برأيي الخيال يساعدنا على فهم الحقائق. تخيل أني سأناولك مخمرا يمكن أن يجعلك تنكمش إلى حجم البكتيريا.» أعجبها هذا المثال. صمتت قليلا ليتمكن من استيعاب الصورة، ثم أكملت: «في الوهلة الأولى ستمسك بالشعيرات الموجودة في أنفي، ولكن إن عطست وقذفتك في الهواء في صورة إعصار، فستعلق في قطرات الماء الدقيقة، التي ستتولد حولك من دوامات جزيئات الهواء التي تتلاطم يمينا ويسارا مثل عباب البحر. لم يعد الهواء فجأة هو ذاك العنصر الحريري الذي يتملق حركتك، وإنما أصبح كتلة خشنة تمنعك من الحركة، بل وعلى العكس تدوم وتلعب بك مثلما تلعب القطة بفأر مذعور.»
همهم جانتر: «ليس هذا سيناريو أحلامي.»
واصلت فاندا بثقة: «لأول مرة ستشعر بقوى كون النانو. الرقص المتواصل للجزيئات. لقد هبطت إلى كون العالم براون بما فيه من قوانينه الخاصة.»
قاطعها جانتر عابسا: «ما هذه المجرة؟ لا بد أن توضحي لي الأمر بالتفصيل. بالمناسبة كانت الرياضة إحدى مواد التخصص الفرعي في دراستي.»
ردت فاندا بفطنة: «إذن لديك مؤهلات جيدة؛ فأنا أتحدث عن تحرك الجزيئات وفق قوانين الحركة التي اكتشفها العالم براون. إنها تصف الحركة الذاتية للجزيئات بفعل الحرارة. هل راقبت ذات مرة نقطة ماء تحت المجهر؟» زمجر الصحفي بشيء غير مفهوم، فلم تستطرد فاندا الحديث في هذا الشأن: «بالتأكيد إذن رأيت أجزاء الغبار الدقيقة ترتعش. هذه هي الحركة التي وصفها العالم براون، إنها حركة جزيئات الماء غير المرئية لنا، تدفعها باستمرار من هنا لهناك.» «وهذا ما يحدث معي في الهواء حين أتركك تسحرينني؟»
صوبت فاندا: «أجعلك تنكمش»، ثم أكملت: «حتى في الهواء تكون الحركة مصادفة وبلا اتجاه، فالإيقاع سريع جدا، أكثر كثيرا من مائة متر في الساعة، لكنك لن تتمكن أبدا من الابتعاد؛ لأنك دائما ما ستتطوح إلى اتجاه جديد، وفي وقت ما ستصطدم بأحد الجزيئات المساوية لك في الحجم، لنقل مثلا بواحد من زملاء مهنة الكتابة. بعدها سنرى ما الذي يحدث.» «أخشى أن هذا هو حالي الآن. ما قولك في ساعة طيران معا؟»
Página desconocida