El Efecto Loto
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Géneros
أما زابينة فكانت فعلا تمثل بصيص الأمل، ليس فقط لاستعدادها لمعاونة الآخرين وتحليها بروح الزمالة الحقة، بل أيضا لأنها كانت موهوبة، واعدة بأن تكون عالمة طبيعة ألمعية. كان تعليمها استثنائيا؛ بالأساس هي بارعة في الربط بين التخصصات العلمية، فبعد حصولها على بكالوريوس العلوم من جامعة ماستريخت التقنية، تمكنت من الالتحاق ببرنامج للدكتوراه وحصلت عليها بالفعل في عمر السادسة والعشرين، وكانت تعرف كل الإجراءات المتصلة بالعلوم الحديثة في الجزيئات الحيوية، وكانت فوق ذلك كريمة جدا في إسداء النصائح المخلصة؛ ولذلك كان طلبة الدكتوراه وكذلك الباحثون في المعامل يسعون لمشورتها، حتى لو كانت تنتقدهم بلا مجاملة على عدم إتقان العمل. باختصار نظرا لعقلها التحليلي، ومهارتها العملية، كانت زابينة تتمتع بمكانة عالية في القسم؛ ولهذا كانت واثقة تمام الثقة أن شتورم سيمدد لها عقد وظيفتها، وأن كتابة العقد الجديد تعد أمرا شكليا، وتجهيزه مجرد مسألة إدارية، بحسب أقوال شتورم. لقد كانت مشغولة انشغالا تاما بالمرحلة الأخيرة من الأبحاث، لدرجة أنها لم تعد تهتم بالسؤال عن الوظيفة. كان الوقت ضيقا؛ لأن الشركة ظلت تلح في طلب البيانات النهائية، وظلت زابينة تحرث حتى اليوم الأخير من أجل تقييم تجاربها. استغنت عن الإجازة، وقضت عطلة نهاية الأسبوع في المعمل أكثر من مرة، وقطعت شوطا جبارا في عدوها السريع، والآن يخبرونها أنها أصبحت خارج السباق! ما الذي أغفلته؟
كانت الحجة التي ساقها هي أن مصدر تمويل المشروع انسحب فجأة بلا مهلة مسبقة كافية، وأن هذا الأمر أثر في الرئيس تأثيرا بالغا، لكنه للأسف ليس لديه أي موارد يستطيع من خلالها أن يجد لها عملا، ربما يتحسن الحال بعد ستة أشهر. فاندا لم يعجبها هذا الكلام؛ فشتورم كان لديه من الموارد ما يكفي لتعيين عالم، خصوصا لو كان لمدة قصيرة لعبور عنق الزجاجة. يتعين فقط أن يرى في هذا الأمر فائدة له، والمفيد بالنسبة له هو كل أمر يزيد من نفوذه.
كانت زابينة تجري أبحاثا خاصة بمشروع متعلق بصناعة ما. هذا ما تعرفه فاندا؛ ولهذا كان لها عقد خاص مع الرئيس، بالأحرى مع شركته نبيكس، وهذا ما جعل المسألة أكثر صعوبة، إذ لم يكن ثمة قسم لشئون العاملين يستشعر المسئولية تجاهها. صارت هذه الطموحات الاقتصادية الخاصة تشكل اتجاها أكثر رواجا، وكان كثير من أساتذة الجامعات ينفذونها بمجرد أن يجدوا لأنفسهم مدخلا إلى عالم الصناعة؛ إذ يمنحون تفرغا للقيام بهذه المهمة، ويحق لهم استخدام معامل الجامعات وتجهيزاتها التقنية لإنجاز أعمالهم الخاصة، ثم يدفعون جزءا من الدخل إلى الجامعة أو المستشفى التعليمي، وبهذا يستفيد الطرفان. وكان من حق مدير العمل الخاص أن يتحكم في موارد التمويل الآتية من القطاع الصناعي، وبهذا تبرم العقود ويتفق على المشتريات في غضون أيام قليلة؛ لأن هذه المسائل لم تعد تخضع للإجراءات المعقدة الخاصة بمصروفات الأموال العامة. لقد كان حماس كبار الموظفين من أجل الخصخصة ينصب كليا في خزينة الجامعة، ويحسن بشكل واضح من إحصائيات الأموال المكتسبة. هي في كل حال مكاسب مضافة لصورة الأساتذة؛ ومن هنا تشكل ركن مثالي يترعرع فيه نوع جديد من أنواع القيادة، يتحالف فيه على نحو غير مريح غرور الأساتذة مع آليات الإدارة الحديثة. أما محتويات العقود ففي الغالب موجهة إلى المهتمين من مجالات الصناعة، وكانت تدور حول اختبار المستحضرات الصيدلانية أو المواد الرائدة بأكثر مما تبحث في أساسيات العلوم. كانت فاندا على دراية بأن زابينة تعمل لصالح شركة أمريكية. لم تكن تتحدث إلا نادرا عن عملها، كما أنها لم تقدم بيانات خاصة به. ولأن فاندا كانت مشغولة بنفسها في الشهور الأولى من عملها، فلم تكن تعر الأمر انتباها، أما الآن فقد تذكرت كيف رأت زابينة مؤخرا من خلال النافذة الزجاجية المركبة في الباب الموصل لمنطقة الحظر الصحي لحيوانات التجارب. كانت ترتدي بدلة واقية منتفخة جعلتها تبدو مثل كابتن آيلين كولينز رائدة مكوك الفضاء لدى وكالة ناسا؛ مزيج من البراءة الصبيانية والتنكر التام للأنوثة التي لم تكن لتجد موطئ قدم في مكان كهذا. تعجبت فاندا من هذه الإجراءات الوقائية المبالغ فيها، ولما سألت صديقتها عنها ذات مساء، توترت جدا على غير العادة وتحاشت الموضوع. لقد ظل جانب من حياة زابينة غريبا عليها، وكان لا بد أن تعترف أنها لم تكن تعرف فيما تجري صديقتها أبحاثها، وقد قررت فاندا أن تخاطب زابينة في هذا الشأن. هي الآن تقضم بقواطعها مؤخرة قلم الحبر الذي تمسك به، وترف عينيها في قطع البخار المتكاثف أمامها التي لا تزال كما سبق متشبثة بقوة بمنحدرات اللان. كيف حالها يا ترى؟ رفعت فاندا سماعة الهاتف وطلبت رقم زابينة. رد عليها صديقها فولفجانج.
فقالت: «مرحبا، هذا أنا»، كانت تريد أن تبدو مشجعة: «ترى كيف وجدت النحلة بينة الحرية في التنزه؟» «ليس من الممكن الآن الحديث عن ملكة نحل متألقة؛ لأنها تشعر وكأنها ذكر نحل ملسوع»، جاءها رد فولفجانج بنبرة تحمل شعورا بالعجز. «هل من الممكن أن أحدثها رغم ذلك؟» «صوتها يتحشرج قليلا، لكني أعتقد أنه سيمكنك أن تفهميها.»
لم يكن صوت زابينة محشرجا، بل كان أقرب إلى مواء قطة ضائعة، لكن فاندا تغلبت على الرغبة في مواساتها. الآن تحديدا ليس وقت شفقة، ليقم فولفجانج بهذه المهمة. لقد قررت ألا تلف وتدور حول الموضوع، بل ستطرق الحديد وهو ساخن. «اسمعي يا بينة، أريد أن ألقي نظرة على نتائج أبحاثك الأخيرة.» أنصتت فاندا في ترقب. كيف سيكون رد فعل صديقتها على هذا الطلب الجريء؟ هل هناك أمر لا تريد أن تتحدث عنه؟
قالت زابينة بلا مبالاة: «وأي دور يلعبه ذلك الآن؟» «لا أعرف الآن، لكن ربما أستطيع أن أخبرك بالمزيد حين أطلع عليها.» «لا تزال على الكمبيوتر في المعهد، ليس عندي منها نسخة، شتورم أصدر إلي تعليمات بعدم أخذ أي بيانات معي إلى البيت.» «لا أستوعب ذلك! هل كنت تقدمين ألعابا أكروباتية دون شبكة أمان، وأرضية مزدوجة؟» «لا أيتها المتحذلقة! لكن النسخة مع شتورم عل بالك أن يرتاح؛ فقد ارتأى أن في ذلك الكفاية.» استشعرت فاندا زمجرة في معدتها، ومنعت نفسها من إبداء الملحوظة التي على لسانها. «أحتاج كلمة المرور.» «ماذا؟» «كلمة المرور لدخول بنك معلوماتك.» «وماذا تتوقعين أن تجدي هناك؟» «لا فكرة لدي الآن. لا أعرف حقا، لكني أعتقد أن الأمر مهم.»
امتزج صوت شهيق بصوت تنهيدة عميقة في فترة الصمت التي استمرت على الناحية الأخرى من الاتصال الهاتفي. «هذا لا يجوز، لا ينبغي لك رؤية البيانات.» «أنت تعرفين إذن.» «ماذا؟» «أنت تعرفين السبب إذن في عدم رغبته في توظيفك مجددا.» «ليس لدي أي فكرة مطلقا. رغم ذلك عاقبة هذا الأمر يمكن أن تكون أكبر من أن تتحملها كلتانا ، علاوة على ذلك فإن البيانات سليمة، لن تجدي فيها شيئا فيما عدا ...» وصمتت زابينة فجأة. «ماذا كنت تقولين لو سمحت؟» «لا يهم، انسي الموضوع.» «لا يا بينة، لا يمكن للأمور أن تسير على هذا النحو. أنت تتصرفين وكأن الدنيا قامت قيامتها، وتتحدثين بالألغاز وتردين يدي الممدودة إليك؛ ولهذا سأقوم بنفسي بعمليات البحث؛ إذ إني بدأ يتسرب إلي شعور سيئ ...» ترددت فاندا في إكمال كلامها. «ماذا؟» «... أنك طبخت مع شتورم أمرا مريبا.» «لا تذكريني ثانية مع هذا الحقير في جملة واحدة.» «إن كنت تحمين ظهره، ففي الغالب لن أستطيع أن أتجنب هذا.»
ساد الصمت لبرهة على نهاية الخط الهاتفي. كانت فاندا قد عرفت زابينة في الآونة السابقة بما يكفي لتعرف أنها قد تفكر في الانتقام، بمجرد أن تخرج من الجحر الذي سدت فتحته بغرقها في الإحباط ورثاء الذات. «حسنا، سأعطيك ما تشائين، وإياك أن تسيئي استخدامه.» «واضح طبعا. سأرسل الإعلان الذي بعثت به إلى فولفجانج. أخبريني مرة أخرى ما هو عنوان بريده الإلكتروني؟»
ردت زابينة بعصبية: «دعيك من هذا الهراء. سأعطيك كلمة المرور على شرط، أن ننظر في البيانات معا. أريد أن أحتفظ بها عندي، ولا ينبغي أبدا أن تقع في أيد غريبة.» «أقسم على هذا بشرف الحقيقة والعلم.»
ردت زابينة بجفاء: «أنت لا تؤمنين بذلك حقا ... اكتبي ورائي:
Página desconocida