وما ملكه الله من أهله أولى عند المكابرة من أحد بدا، ولما فرق بين سيد وعبد، ولو كان ذلك كذلك، لصير به إلى الفناء والمهالك، ولما أنسل ولا اغتذى ضعيف مع قوي، ولا سلم رشيد من الخلق مع غوي، ولبطلت الأشياء وفسدت الدنيا ولكنه جل ثناؤه وتباركت بقدسه أسماؤه جعل للناس في البدء والدا (32)، وحد لهم به في الأشياء حدا أدبهم جميعا عليه، ونهاهم عن المخالفة له فيه، ثم جعل للمتأدبين فيه بأدبه ثوابا، وعلى المخالفين إذ ما نهاهم عنه عقابا (33).
فكان كل إنسان أولى بمتعلمه، واثق بما ملكه الله من أهله فلو تركوا فيه بغير إبانه دليل، أو كانوا خلوا في خلاف له من التنكيل، لوثب بعضهم فيه على بعض، ولفنى أكثر من في الأرض، لما يقع في ذلك من الحروب واغتصاب النساء والنهوب، ولكان في ذلك لو كان من الفساد في معرفة الأب الرحيم والأولاد ما يقطع بعاطف الرحمة، وما جعله الله سببا للنسل والتربية، إذ لا يعرف والد ولدا ولكن وضع للنكاح في ذلك حدا بين كنهه ومداه، ونهى كل امرئ أن يتعداه ليعرف كل إنسان ولده فيغذوه بعطفه، وفي عطفه رأفة الأبوة عليه، فلا يخفوه ولا يعدوه وذلك ليتم ما أريد بالناس من التناسل والبقاء إلى غاية ما قدر لهم ودبر من الانتهاء.
وإذا كان الناس على ما ذكرنا مأمورين في الغذاء، ومحدودة لهم وعليهم الحدود في مناكحة النساء، لم يكن لهم أن يتناسلوا من ذلك شيئا رفيعا كان منه أو دنيئا إلا على ما جعل الله لهم، وقدر حكمه بينهم، وإذا كان كذلك، وحكم الله فيه ما حكم به من ذلك، لم ينل طالب منهم مطلوبة، ولم يدرك محب فيه محبوبه إلا
Página 48